الأراضي الرطبة.. أيهما أشد خطرًا التغيرات المناخية أم خطر الانقراض؟
ومطالبات بالتوقف فورًا عن استخدام الوقود الأحفوري
هبة مصطفى
بالحديث عن كيفية التعامل مع الأراضي الرطبة بصفتها موطنًا للحياة البرّية المهددة بالانقراض، يتبادر للأذهان تساؤلات حول الاهتمام العالمي بقضايا التغير المناخي وكيفية مكافحته، دون التركيز على التعاطي مع أخطار الانقراض.
وما بين مطرقة التغيرات المناخية وسندان خطر الانقراض، يمتد تأثير الإدارة غير المسؤولة للأراضي الرطبة إلى فصائل وأنواع نادرة في الحياة البرية.
وترى كبيرة العلماء في مركز التنوع البيولوجي (سي بي دي)، ومقرّه ولاية أريزونا الأميركية، تييرا كاري، أن طريقة تلاقي أخطار العوامل المناخية وغير المناخية وتكدّسها تشير إلى قرب نفاد وقت إنقاذ الحياة البرية والإنسانية.
ودعت كاري إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى التخلي عن الوقود الأحفوري الملوّث، بالإضافة إلى تغيير ما وصفته بـ"الطرق السامّة" خلال عمليات إنتاج الغذاء -في إشارة لاستخدام المبيدات-، والتوقف عن المتاجرة بالحياة البرية وخسارة مواطنها بشكل متزايد.
الأراضي الرطبة
كانت بيانات صادرة عن مركز التنوع البيولوجي (سي بي دي) قد أظهرت أن إدارة الأراضي الرطبة بصورة سيئة تُهدد 40 ألف نوع من النباتات والحيوانات الصغيرة المهمة بالانقراض، وليس تغيّر المناخ وحده هو الخطر الذي يهدد الحياة البرية.
ورصد المركز أن الأراضي الرطبة تواجه خطر الانقراض بصورة تصل إلى 100 ضعف أكثر من أنواع الأراضي الأخرى، وفق صحيفة ذي هيل الأميركية.
ويتسبب سوء إدارة الأراضي الرطبة في تعرّض 16% من أنواع تنين الدراجون وحشرة مقترنات الأجنحة التي تتبع رتبة اليعسوبيات لخطر الانقراض، بفعل إساءة استعمال المبيدات الحشرية ومياه الصرف الصحي.
ورغم عدم الدراية الكاملة بأسماء الكائنات التي واجهت، أو ستواجه، خطر الانقراض لتلاشي الأراضي الرطبة، فإن لها دورًا رئيسًا في ضبط النُظم البيئية المحلية، ويتسبب غيابها في انهيارات واسعة.
تخزين الكربون.. وفوائد أخرى
استند المركز إلى دراسة أعدّها الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة (آي يو سي إن)، وفسّر المدير العامّ للاتحاد، برونو أوبيرل، أن الأنظمة البيئية للأراضي الرطبة تتلاشى بمعدل أسرع 3 أضعاف مقارنة بالغابات.
وقال، إنه رغم عدم قدرة الأراضي الرطبة المنخفضة (الأهوار) التي تنبت فيها النباتات العشبية والأراضي الرطبة الأخرى على الإنتاج أو على المعيشة البشرية، فإنها توفر خدمات أساسية مهمة.
وتطرّق أوبيرل إلى عدد من فوائد الأراضي الرطبة، من أهمها: تخزين الكربون، وتوفير المياه النظيفة والغذاء، وحماية البشرية من الفيضانات، وتوفير موطن لواحد ضمن كل 10 أصناف في العالم.
الأراضي الرطبة في أميركا
تسبّب التخطيط غير المدروس في تدمير 85% من الأراضي الرطبة في الولايات المتحدة، ما أدى إلى انقراض بعض الأنواع مثل طائر "هازجة باتشمان"، ويطلق عليه بعضهم "نقشارة"، وهو طائر مهاجر ينتمي إلى رتبة العصفوريات، بالإضافة إلى انقراض نقّار الخشب ذي المنقار العاجي.
ويرجع تلاشي الأرض الرطبة في أميركا إلى عدّة أسباب، منها:
- التجمعات المائية والصرف الصحي
تواجه تجمعات بلح البحر ذي الشكل الأرنبي في منطقة البحيرات العظمى بأميركا الشمالية وأحواض التجمعات المائية والتصريف لنهر أوهايو (أكبر روافد نهر المسيسيبي في أميركا) -الذي خُفِّض مداه السابق إلى النصف- أخطارًا عدّة.
ويتمثل أكبر تلك الأخطار بمخططات زيادة تدفّق مياه الصرف الصحي في الروافد خارج مدينة كولومبوس بولاية أوهايو.
- السدود والوحل والمياه العذبة
يهدد السدّ المعتزَم إنشاؤه على ضفاف نهر ليتل كانوي كريك في ولاية ألاباما بالقضاء على الرخويات التي تُسمى بلح بحر المياه العذبة (ويُطلق عليه بلح البحر النهري أو بلح البحر ذي الصدفتين، نوادي كانوي كريك)، وتعريضها لخطر الانقراض، إذ يعتمد بقاؤها قيد الحياة على المياه النظيفة الخالية من الملوثات أو الوحل.
- المبيدات الحشرية
لم تقف الأخطار عند تصريفات مياه الصرف الصحي أو بناء السدود على ضفاف المياه العذبة، لكن رغم الفوائد المتعددة للمناخ والبيئة جراء التحول نحو الزراعة، فإن استخدام المبيدات الحشرية خلال عمليات الإنتاج الزراعي يهدد 41% من أنواع الحشرات بخطر الانقراض.
وطبقًا لدراسة أُعدّت عام 2019 حول "الحفظ البيولوجي"، تأتي أخطار الانقراض خلال عمليات الإنتاج الزراعي من استخدام للمبيدات ومكوناتها، مثل الجليكوفوسفات والنيوني كوتينويد، بصورة كبيرة.
ودعت الدراسة إلى بحث خفض استخدام المبيدات الحشرية لمكافحة الآفات، وإعادة تقييم الممارسات الزراعية المستخدمة حاليًا، واستبدال أخرى تراعي البيئة والاستدامة بها.
وأعدّت الجمعية الكيميائية الأميركية -العام الجاري- دراسة خلصت إلى أن 90% من التيارات المائية في أميركا حملت ضمن مكوناتها مبيدات حشرية أو أحد منتجاتها الثانوية السامّة.
الرئاسة الأميركية والمبيدات
كانت إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب، قد خفضت من حدّة القيود المفروضة على استخدام المبيدات، وقلّصت إجراءات فحص تأثير تدفّق الأمطار على الممرات المائية، بما يخالف قانون الأنواع المهددة بالانقراض الصادر عام 1973.
في المقابل، أقرّت إدارة الرئيس الحالي جو بايدن إجراءات جديدة تمنع استخدام مبيدات مُركب الباراكوت، في اتجاه معاكس لتراخي إدارة ترمب باتخاذ خطوات لحماية البيئة.
غير أن إدارة بايدن وافقت على استخدام مبيد الملاثيون في مكافحة ذبابة فاكهة البحر المتوسط والقضاء على البعوض، وتسبّب المبيد في خفض أعداد الأنواع المهددة بالانقراض من 1284 نوعًا إلى 78 فقط، طبقًا لبيانات خدمة الأخبار غير المخصصة للربح إنفستيغيت ميدويست.
حالة الضفدع الذهبي
تتفق الدراسات الحديثة فيما بينها على أن هناك تداعيات أكبر من تأثير الأراضي الرطبة، إذ تشير إلى أن تغيّر المناخ هو مجرد أحد أجزاء أزمة انقراض أوسع وأشمل.
وطرحت إحدى الباحثات في جامعة أريزونا، وتدعى إيميلي شولتز، تساؤلات حول إذ ما كانت التغيرات المناخية السبب وراء انقراض العلجوم الذهبي (يطلق عليه بعضهم الضفدع الذهبي) بمنتزه مونتي فيردي في كوستاريكا، أم انتشار فطر شيتريد الذي يُصيب البرمائيات.
وتوصلت الباحثة شولتز إلى أن كلا العاملين تسبّبا في انقراض الضفدع الذهبي، إذ دفع الجفاف إلى تقليص حجم المنتزه ومستنقعات نمو الضفادع (البرك) وتكدّسها في تجمعات صغيرة، ما ساعد على انتقال الفطريات بينها بصورة أكبر.
تشريعات مواجهة الانقراض
بدأ نوّاب من ولايات أميركية مختلفة مهتمون بالحفاظ على التكوين البيئي من خطر انقراض بعض الأنواع في تعزيز مشروعات قوانين تهدف لمواجهة الانقراض في أميركا.
جاء المشروع الأول لقانون طوارئ أزمة الانقراض تحت رعاية نائبين ديمقراطيين من ولاية إلينوي، ويهدف لإعلان حالة الطوارئ على الصعيد الوطني، لحماية الحياة البرية من الانقراض بتوجيه الوكالات الفيدرالية لحماية الأنواع والحفاظ على موطنها.
أمّا مشروع القانون الثاني - الذي قدّمته نائبة عن ولاية ميتشيغان- فيهتمّ بتعافي الحياة البرية الأميركية، عن طريق توفير التمويل للولايات والقبائل لمنع تهديدات الانقراض.
وشملت إجراءات مشروع القانون الثالث حول منع الانقراض تخصيص تمويل محدد للأنواع الأكثر عرضة لخطر الانقراض، والتي تواجه اهتمامًا أقلّ في أميركا، مثل: الفراشات، وأسماك الصحاري، وبلح بحر المياه العذبة (رخويات ذات صدفتين).
اقرأ أيضًا..
- وودسايد الأسترالية تتعهد بإنفاق 5 مليارات دولار في تقنيات إزالة الكربون
- شركات النفط الكبرى تتبرع لـ 3 من أعرق الجامعات البريطانية
- استمرار اجتماع أوبك+ في حالة انعقاد يدعم أسعار النفط (تقرير)
