أفريقيا تعاني.. هل تعالج فقر الطاقة أولًا أم تستجيب لضغوط الحياد الكربوني؟
القارة تحتاج 2.8 تريليون دولار لمواجهة فقر الطاقة
نوار صبح
- تعهّد 35 من أصل 54 بلدًا أفريقيًا بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050
- أفريقيا تنتج أقلّ من 5% من الانبعاثات السنوية العالمية
- تواجه البلدان الأفريقية تحديًا مزدوجًا في معالجة فقر الطاقة وتحوّل الطاقة
- تقدّر احتياطيات الوقود الأحفوري في أفريقيا بأكثر من 15.2 تريليون دولار
تعاني أفريقيا من خطر فقر الطاقة، الذي يهدد معظم بلدان القارة السمراء، ورغم ذلك تواجه ضغوطات دولية لتحقيق الحياد الكربوني في سياق توجه عالمي.
هذا الخطر عبر عنه بوضوح شديد، أمين عام منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، محمد باركيندو، خلال مشاركته في فعاليات أسبوع الطاقة الأفريقي، الذي اختُتم في 12 من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، في عاصمة جنوب أفريقيا كيب تاون.
وقال باركيندو: إن "أرقام فقر الطاقة في الدول الأفريقية صادمة"، لكنه شدّد -في الوقت ذاته- على أن الحصول مستقبلًا على الطاقة بصورة موثوقة ومستدامة حق مكفول للجميع، وليس منحة.
أفريقيا وقمة المناخ
في قمة المناخ كوب 26، الأخيرة، تعهّد 35 من أصل 54 بلدًا أفريقيًا بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، على الرغم من أن الاستغناء عن الوقود الأحفوري في مزيج طاقة توليد الكهرباء الأفريقية الحالي يتطلب نحو 2.8 تريليون دولار.
ولا يبدو أن توفير هذا المبلغ اللازم لبلوغ أهداف الحياد الكربوني متاح لغالبية البلدان الأفريقية النامية، التي تفتقر إلى الطاقة، ويسكنها 17% من سكان العالم، وتُنتج أقلّ من 5% من الانبعاثات السنوية العالمية، وتمثّل 3% فقط من الانبعاثات العالمية التراكمية.
وهكذا تواجه البلدان الأفريقية تحديًا مزدوجًا في معالجة فقر الطاقة، وكذلك تحوّل الطاقة في ظل الابتعاد المتسارع عن استثمارات الوقود الأحفوري –النفط والغاز- الذي يمثّل الجزء الأكبر من الاستثمار والدخل الأجنبي للعديد من البلدان الأفريقية، وفقًا لما نشره موقع مجلة "إي إس آي أفريكا".
تحديات تحوّل الطاقة
نشر موقع المجلة، في 16 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، مقالًا بعنوان "انتقال الطاقة أو الوصول إليها: مشكلة الوقود الأحفوري في أفريقيا"، للكاتبة الصحفية تيريزا سميث، استعرضت فيه السيناريوهات المحتملة في أفريقيا لتحقيق التوازن بين إزالة الكربون واستمرار توليد الكهرباء.
وتطرّق المقال إلى فقر الطاقة، من خلال تقرير الطاقة في أفريقيا لعام 2021 الصادر عن شركة "برايس ووترهاوس كوبرز"، وأفاد أن معالجة تحوّل الطاقة من الوقود الأحفوري إلى المصادر المتجددة تتعارض من نواح كثيرة مع معالجة تحديات فقر الطاقة، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ويفترض التقرير 4 سيناريوهات مختلفة يمكن أن تحدث في عمليات تحوّل الطاقة في أفريقيا، ويشير إلى خطر أن تصبح القارّة معزولة عن الأسواق العالمية ومتعثرة اقتصاديًا.
احتياطيات النفط والغاز في أفريقيا
يركّز تقرير الطاقة في أفريقيا لعام 2021 الصادر عن شركة "برايس ووترهاوس كوبرز، مؤخرًا، على مخزونات الوقود الأحفوري في أفريقيا، مما يدل على تراجع الإنتاج والاستهلاك والتصدير بين عامي 2019 و 2020.
وأشار إلى أن تفشّي وباء كوفيد-19 أثّر في المشروعات الكبيرة التي تأجّلت أو أُلغِيَت، وأن الضغط على الاستثمارات العالمية أدى إلى الخروج السريع وسحب مَحافظ الاستثمار.
في المقابل، انخفضت النفقات الرأسمالية المخطط لها في المدة من 2020 إلى 2021 من 90 مليار دولار قبل تفشّي وباء كوفيد-19 إلى 60 مليار دولار، على الرغم من أن الشركات بدأت مشروعات الاستكشاف والتطوير.
علاوة على ذلك، يُظهر قطاع الطاقة المتجددة في أفريقيا ارتفاعًا طفيفًا في توليد الكهرباء والسعة والتوقعات.
من جهتها، تتزايد مشروعات الطاقة المتجددة في القارّة بمعدل نمو سنوي قدره 21% بين عامي 2010 و 2020، فقد نما إجمالي توليد الكهرباء بالمصادر المتجددة المركّبة في أفريقيا بأكثر من 24 غيغاواط منذ عام 2013.
- الربط الكهربائي.. بوابة مصر لتجارة الطاقة مع أفريقيا وأوروبا
- فقر الطاقة.. إشادة بريادة نيجيريا في جذب الاستثمارات
- 5 دول أفريقية تتعاون في استثمار الموارد المشتركة من الغاز الطبيعي
ويبلغ إجمالي القدرة المتجددة الحالية 58 غيغاواط نتيجة مساهمة الطاقة الكهرومائية بنسبة 63%، ومن المتوقع أن تزداد سعة التوليد في القارّة بحلول نهاية عام 2021، مع بدء مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في مصر والجزائر وتونس والمغرب وإثيوبيا.
وتشير التوقعات حتى عام 2050، إلى أن 27.32 إكساجول من توليد الكهرباء من المصادر المتجددة الإضافية ستصبح ضرورية في مزيج الطاقة في أفريقيا للتعويض عن انخفاض استخدام الوقود الأحفوري، ويمثّل هذا زيادة كبيرة عن جيل التوليد الحالي المتجدد البالغ 1.79 إكساجول.
فقر الطاقة ونقص تمويل "التحوّل"
تحتاج أفريقيا لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، إلى استثمار نحو 2.8 تريليون دولار في مزيج الطاقة النظيفة وتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية الحالية البالغة 1.62 مليون كيلو طن، رغم أن الاستثمار في أنظمة الطاقة منخفضة الكربون لديها يتخلف عن الوتيرة العالمية.
ومع أن الدول المتقدمة تعهدت بمبلغ 100 مليار دولار في التزامات تمويل المناخ العالمي، فإن المخصصات المحددة لأفريقيا تُعدّ أقل بكثير مما هو مطلوب لتحقيق الأهداف العالمية؛ إذ تمثّل القيود المالية في بلدان أفريقيا تحديًا كبيرًا.
لذلك تزداد أهمية الشراكات الخاصة والشراكات بين القطاعين العامّ والخاص والتمويل المختلط، لكنها تحتاج إلى حوكمة قوية للقطاع العامّ وأدوات تمويل مبتكرة. وتقدّر احتياطيات الوقود الأحفوري في أفريقيا بأكثر من 15.2 تريليون دولار على أساس القيمة السوقية الحالية.
ويمثّل الوقود الأحفوري ما يقرب من 50% من قيمة الصادرات في الدول الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى، ويسهم إنتاج النفط والفحم والغاز الحالي بالناتج المحلي الإجمالي في أفريقيا بنحو 156.2 مليار دولار، وفقًا لما نشره موقع مجلة "إي إس آي أفريكا".
وقال مدير شركة برايس ووترهاوس كوبرز، جيمس ماكاي، إنه يجب على أفريقيا أن تدرس بعناية الأثر الاقتصادي للتحول من الوقود الأحفوري والإيرادات المرتبطة به في سياق الوتيرة المعقولة لتنمية ونمو قطاع الطاقة المتجددة.
وأضاف أن أكثر من ثلث البلدان الأفريقية يعتمد اعتمادًا كبيرًا على سلع الوقود الأحفوري في تحقيق إيرادات الدولة واحتياطيات العملات الأجنبية الجارية والنشاط الاقتصادي المحلي.
ورأى أن من شأن الإغلاق السريع وغير الممول لهذا القطاع أن يفرض ضغوطًا مالية كبيرة ومصاعب على أفريقيا.
ودعا الاقتصادات المتقدمة إلى لعب دورٍ فعّال في أفريقيا لضمان نتيجة عالمية مربحة للجانبين، وتفادي أن يؤدي تحوّل الطاقة البطيء إلى تخلّف أفريقيا عن الأسواق العالمية وعدم تحقيق أهداف خفض الانبعاثات.
استخراج الوقود الأحفوري
وفي إطار الحديث عن فقر الطاقة أيضًا، فقد أشار تقرير الطاقة في أفريقيا لعام 2021 الصادر عن شركة "برايس ووترهاوس كوبرز إلى أن ترك الوقود الأحفوري في باطن الأرض يعني أن أفريقيا ستفقد إيرادات العملات الأجنبية المحتملة التي تمثّل حاجة ماسّة لديها.
وتشير الدراسات إلى أن ما يقرب من ثلث احتياطيات الغاز الطبيعي الحالية وما يقرب من 90% من احتياطيات الفحم الحالية يجب أن تبقى دون استخراج؛ من أجل تحقيق هدف الاحترار العالمي والمحافظة على مستوى دون 1.5 درجة مئوية، بموجب اتفاقية باريس.
ومن الأمور المهمة لأفريقيا التركيز على تعزيز الوظائف غير المرتبطة بالطاقة من خلال توسيع النشاط الاقتصادي في المجتمعات الريفية؛ إذ يتوقف تحسين الوصول إلى الطاقة من خلال الشبكات الصغيرة والحلول خارج الشبكة على الإنتاجية الاقتصادية.
وفي إطار تناوله لفقر الطاقة في القارة السمراء، أشار تقرير شركة برايس ووترهاوس كوبرز إلى 4 سيناريوهات محتملة يمكن أن تتحقق مع تقدّم أفريقيا في تحوّل الطاقة، وهي السيناريو المدعوم والمستعجل، والسيناريو التعاوني القابل للقياس، وسيناريو العمل المعتاد، وسيناريو التعثّر والجمود.
وتعتمد كل هذه السيناريوهات على عدّة عوامل، منها: سرعة تبنّي الحياد الكربوني العالمي، والتمويل الأجنبي المتاح لأفريقيا، ومستوى النمو الاقتصادي لأفريقيا، الذي سيشمل عائدات تصدير الوقود الأحفوري.
وقال مدير شركة برايس ووترهاوس كوبرز، جيمس ماكاي، إن هناك حاجة إلى مزيد من التركيز على السياسة العادلة والأسواق والاستثمار.
اقرأ أيضًا..
- أديبك 2021.. رسائل حاسمة من وزراء أوبك+ إلى أميركا (إنفوغرافيك)
- فقر الطاقة.. ترافيغورا تحذر: أسعار النفط ستصل إلى 100 دولار.. وأوروبا مهددة بانقطاع الكهرباء
- توقعات بتعافي كفاءة استخدام الطاقة لمستويات ما قبل كورونا (تقرير)