إمكانات نفطية ضخمة في جنوب السودان.. هل تعيد له أميركا شريان الحياة؟
مي مجدي
يمثّل الانتعاش الاقتصادي الأولوية الحالية لدولة جنوب السودان بعد سنوات من الصراع والتحديات.
ويعدّ قطاع الطاقة، وخاصة النفط، شريان الحياة لاقتصاد جوبا -ثالث أكبر احتياطي نفطي في دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ويُقدَّر بنحو 3.5 مليار برميل- ويدرّ نحو 90% من العائدات للحكومة.
وعلى الرغم من التطورات الضخمة التي شهدها القطاع مؤخرًا، ما يزال يعاني من مشكلات لا تُعدّ ولا تحصى، بدءًا من الفساد، إلى استمرار الصراعات والاضطرابات.
وفي مقال بعنوان "الشركات الأميركية يمكنها تغيير قطاع الطاقة في جنوب السودان"، للكاتبة، غريس غودريتش، نشره موقع "إنرجي كابيتال باور"، قالت فيه، إن الاستثمارات الأجنبية، وخاصة الأميركية، قادرة على لعب دور كبير في المدة المقبلة لتطوير الاقتصاد وقطاع الطاقة بالبلاد.
الدعم الأميركي
يعتمد جنوب السودان على ثروته الريعية، لكن الصراعات الأهلية زعزعت من استقرار الاقتصاد، وابتعاد المستثمرين الأجانب عن المخاطرة لأوقات طويلة.
وقالت كاتبة المقال، إن الولايات المتحدة كانت واحدة من الرعاة الأساسيين والداعمين الرئيسيين لمُضي جنوب السودان صوب الاستقلال قبل 10 سنوات، وأدّت دورًا حاسمًا في مفاوضات اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) لعام 2005 التي أرست الأسس للاستفتاء اللاحق لجنوب السودان بشأن تقرير المصير والاستقلال في عام 2011.
وفي مستهل العقد الثاني من الاستقلال، يتطلع جنوب السودان إلى الولايات المتحدة لإقامة شراكة وتعزيز الدعم المتبادل وعلاقات صداقة دبلوماسية لتوطيد قطاع النفط بوصفه محفزًا للنمو الاقتصادي.
ويمكن للتصورات المضللة القائلة بأن الشركات الأميركية عاجزة عن القيام بأعمال تجارية في جنوب السودان، أن تحدّ من قدرة البلاد على تحقيق الاستقرار الاقتصادي، على حدّ قول الكاتبة.
تعزيز قطاع النفط
عززت اتفاقية السلام التاريخية في أكتوبر/تشرين الأول 2018، واستئناف الإنتاج في العديد من حقول النفط الرئيسة، وإطلاق جولة التراخيص الأولى، والإطار التنظيمي المقرر إصلاحه قريبًا، مناخ الاستثمار في البلاد.
وأوضحت كاتبة المقال أن وزارة النفط في جنوب السودان ناشدت المستثمرين الأجانب التدخل في إصلاح حقول النفط التي عفا عليها الزمن، والحدّ من الأضرار البيئية المقترنة بإنتاج النفط، بعد أن طرحت مناقصة لإجراء مراجعات بيئية (التدقيق البيئي) في فبراير/شباط الماضي.
ومع ذلك، ظل المستثمرون الأميركيون حذرين تجاه الخوض في أيّ استثمار بجنوب السودان، ويرجع ذلك إلى شروط الترخيص التي فرضتها وزارة التجارة الأميركية على بعض مشغّلي النفط في جنوب السودان منذ مارس/آذار 2018.
على الجانب الآخر، استغلت الصين العديد من الفرص لدخول صناعة النفط والغاز في جنوب السودان، وتمثّل حاليًا أكبر مستثمر أجنبي بالبلاد.
ووفقًا لكاتبة المقال، يمكن للشركات الأميركية أن تبرز مصدرًا رئيسًا للتكنولوجيا ورأس المال والخبرة للمساعدة في التخفيف من أوجه القصور البيئية والتنفيذية التي أثّرت في إنتاج النفط جنوب السودات حتى الآن، خاصة أن الولايات المتحدة لديها تاريخ طويل في دعم النمو والتنمية في جنوب السودان والمنطقة.
ومنذ أكثر من 40 عامًا، ساعدت الخبرات الأميركية على اكتشاف صناعة النفط في السودان، وكانت شركة شيفرون الأميركية أول من اكتشف النفط في مقاطعتي بينتو وهجليج بجنوب السودان، جنبًا إلى جنب مع حقل نفط الوحدة غزير الإنتاج الواقع شمال بنتيو.
ترينيتي إنرجي تقبل المخاطرة
تعدّ ترينيتي إنرجي أكبر شركة طاقة مستقلة في جنوب السودان.
وتقود الشركة بناء مصفاة نفط خام بتكلفة 500 مليون دولار في منطقة أعالي النيل بجنوب السودان، بهدف تكرير نحو 200 ألف برميل يوميًا للاستخدام المحلي والتصدير إلى البلدان المجاورة، كإثيوبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى.
وبما أن جنوب السودان هو المنتج الوحيد في شرق أفريقيا، فإن مشروعًا بهذه الأهمية سيكون نقطة تحوّل للمنطقة من خلال تعزيز أمن الطاقة الإقليمي وتجارة المنتجات النفطية بين البلدان الأفريقية.
كما قامت شركة ترينيتي إنرجي بتأمين الأراضي وإجراء دراسات جدوى وأخرى بيئية للمصفاة، وتعمل على دراسة التصميم الهندسي للواجهة الأمامية لتمهيد الطريق للاتفاق مع الممولين بما فيهم البنك الأفريقي للاستيراد والتصدير.
واتخذت من شركة "كيمكس غلوبال" الأميركية مديرًا للمشروع بفضل خبرتها في المصافي المعيارية والتقليدية.
والمصفاة المعيارية هي مصفاة مبسطة تتطلب استثمارات رأسمالية أقلّ بكثير من مرافق التكرير التقليدية.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة ترينيتي إنرجي، روبرت مديزا، إن تقييد نمو البلاد يشكّل تهديدًا خطيرًا لأمن الطاقة والتنمية، ليس فقط على جنوب السودان، ولكن على منطقة البلدان غير الساحلية أيضًا.
وأضاف أن الصراع الأهلي قد عرّض الأعمال التجارية للخطر وزعزع استقرار الاقتصاد، لكن اتفاقية السلام لعام 2018 وإنشاء حكومة وحدة وطنية في فبراير/شباط 2020 كانتا إيذانًا لبداية مدة من السلام والتفاؤل.
ونتيجة لذلك، يأمل مديزا أن يتبنّى المستثمرون الأميركيون دورًا فعالًا للبحث عن فرص لتقديم الخدمات والتصدير بهدف تنمية الطاقة المستدامة في جنوب السودان.
اقرأ أيضًا..
- هل التخلي التدريجي عن الوقود الأحفوري وراء أزمة الطاقة الحالية؟
- الإمارات تدشن مبادرة لتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050 (صور)