هل تصبح طاقة الرياح بديلًا لصناعة النفط والغاز في إسكتلندا؟
القطاع يُشكل 7% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد
أحمد عمار
- تُشكل صناعة النفط والغاز نحو 7% من حجم اقتصاد إسكتلندا
- الوظائف المرتبطة بصناعة النفط البحرية في إسكتلندا انخفضت 40%
- صناعة النفط والغاز لم تعد مصدرًا للإيرادات في إسكتلندا
- الأزمة الحالية في أسعار الغاز قد تعزز مواصلة حفر المزيد من الآبار
- تتميز إسكتلندا بموقعها على المحيط الأطلسي وبحر الشمال
تتعرّض صناعة النفط والغاز في إسكتلندا لمأزق كبير، نتيجة تراجع الإنتاج وما يقابله من محاولات تعزيز طاقة الرياح والطاقة المتجددة بشكل عام، لمواجهة تغيرات المناخ.
ويعني ذلك أن قطاع النفط والغاز -الذي يضم نحو 71 ألف شخصًا من مهندسين وخبراء وعمال- لم يعد القوة الاقتصادية المهيمنة في إحدى دول المملكة المتحدة كما كان الوضع سابقًا.
وتُشكّل صناعة النفط والغاز نحو 7% من حجم الاقتصاد للدولة الواقعة في شمال غربي أوروبا، لكنها تواجه منذ سنوات العديد من التحديات، وسط انخفاض مستمر في الإنتاج نتيجة التوجه نحو الطاقة الخضراء، بحسب تقرير نشرته صحيفة ذا نيويورك تايمز الأمريكية.
ولمدة عقدين، ظلّ إنتاج النفط في بحر الشمال البريطاني في تراجع مستمر، فيما بلغ الإنتاج خلال العام الماضي ثلث ذروته فقط المسجلة عام 1999.
ولم يتوقف الأمر عند النفط الخام، وإنما يتبع كذلك إنتاج الغاز الطبيعي في المنطقة اتجاهًا هبوطيًا، ما شكّل عقبة رئيسة للبلاد مع الزيادة القوية في أسعار الغاز مؤخرًا، وهو الأمر الذي أدى إلى ارتفاع فواتير الخدمات العامة.
صناعة النفط البحرية تتراجع
انخفضت الوظائف المرتبطة بصناعة النفط البحرية في إسكتلندا بنحو 40% خلال السنوات الـ5 الماضية، بحسب ما نقلته الصحيفة عن مجموعة النفط والغاز في المملكة المتحدة.
ويرى نائب رئيس شركة وود ماكنزي لاستشارات الطاقة، مالكولم فوربس كيبل، أن صناعة النفط والغاز لم تعد مصدرًا للإيرادات في إسكتلندا كما كانت من قبل، قائلًا: "كانت صناعة النفط والغاز ذات يوم الدعامة الأساسية للاقتصاد الإسكتلندي ومصدرًا مهمًا للتمويل الحكومي".
وتحت ضغط دعاة حماية البيئة، دعت رئيسة وزراء إسكتلندا، نيكولا ستورغن، الحكومة البريطانية إلى إعادة النظر في التراخيص الممنوحة لحقول النفط البحرية التي ما تزال قيد التخطيط.
وأرجعت دعوتها هذه إلى خطورة حالة الطوارئ المناخية التي يواجهها العالم في الوقت الراهن.
وكانت دعوة نيكولا ستورغن بمثابة صدمة لصناعة النفط والغاز في إسكتلندا، إذ إن إغلاق حقول النفط الجديدة ووقف ما يصل لـ18 مشروعًا والكثير من الاستثمارات المخطط لها على مدى السنوات الـ5 المقبلة يُعدّ بمثابة حكم بالموت على هذه الصناعة، إلا أن القرار النهائي ما يزال في يد جونسون.
وبالتوازي، هناك تحركات لدعاة البيئة نحو اتخاذ إجراءات فورية للتصدي لارتفاع درجات حرارة الأرض، ومنها الحشد نحو إيقاف مشروع حقل النفط (كامبو) غرب جزر شيتلاند في المياه البريطانية، وهو ما عدّه التقرير بأنه الهدف الرئيس من دعوة نيكولا ستورغن.
ويرى التقرير أن الأزمة الحالية في أسعار الغاز الطبيعي التي تتعرّض لها بريطانيا ودول أخرى، قد تعزز حجة صناعة النفط والغاز في مواصلة حفر المزيد من الآبار واستخراج الوقود الأحفوري.
تحوّل تدريجي لاستبدال النفط
شهد العام الماضي انخفاض الاستثمار في التنقيب والحفر في بريطانيا لأدنى مستوى منذ عام 1973، ليسجل نحو 3.7 مليار جنيه إسترليني (5.01 مليار دولار أميركي) فقط، وفقًا للتقرير.
وتُجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من انخفاض إنتاج بحر الشمال، فإن بريطانيا ما تزال ثاني أكبر منتج للنفط في أوروبا بعد النرويج.
ورغم أن تراجع الاستثمارات يؤدي -في الوقت نفسه- إلى الافتقار إلى فرص العمل الجديدة، رأت مديرة معهد فريزر في آلاندر بجامعة ستراثكلايد، مايري سبواج، أن تراجع استثمارات النفط والغاز بمثابة أمر جيد لإسكتلندا من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، ولكنها حذّرت -في الوقت نفسه- من تكرار أخطاء الثمانينيات، عندما أدى فقدان الاستثمارات في الصناعات الثقيلة -مثل الفحم والصلب- في بريطانيا إلى ارتفاع معدلات البطالة والتشرد.
وبحسب التقرير، هناك الكثير من الأفراد يرون أن نمو الطاقة المتجددة في إسكلتندا -خاصةً طاقة الرياح عبر توربينات بطول ساحلها- يُعدّ مسارًا لاستبدال صناعة النفط والغاز تدريجيًا.
وأشار التقرير إلى أن توربينات الرياح البحرية ما تزال تمثّل أقل من 1% من توليد الكهرباء على المستوى العالمي، ولكنها جذبت استثمارات بقيمة 29 مليار دولار العام الماضي، ما يعادل 8% من الإجمالي العالمي للطاقة المتجددة، نقلًا عن المحلل في وكالة الطاقة الدولية، هيمي باهار.
ونتيجة تميّز إسكتلندا بموقعها على المحيط الأطلسي وبحر الشمال، فقد تصدرت مزرعة الرياح الموجودة في مدينة بيترهيد الإسكتلندية، مزارع الرياح البحرية البريطانية في نسبة الطاقة التي تنتجها، بسبب الرياح القوية والأكثر ثباتًا.
ويُشار إلى أن مزرعة الرياح الموجودة في مدينة بيترهيد الإسكتلندية تبلغ تكلفتها 230 مليون دولار، وتقع على عمق 300 قدم تقريبًا في المياه.
من جهته، أكد مدير العمليات والصيانة لمزرعة رياح بيترهيد، بن لوسون -التي تملكها وتديرها شركة إكوينور النرويجية- أن توربينات الرياح في المزرعة يمكن أن تصل إلى عمق أكبر، وسرعات رياح أعلى.
وهو ما رأى التقرير أنه يفتح الطريق أمام إنشاء مزارع رياح واسعة النطاق بمليارات الدولارات قبالة سواحل كاليفورنيا واليابان وفرنسا، إذ توجد أسواق رئيسة للطاقة الكهربائية، ولكن المياه عميقة بشكل كبير بالنسبة إلى الآلات البحرية التقليدية.
تزويد العالم بمعدات الرياح
لا يقتصر حلم إسكتلندا على بناء مزارع الرياح، وإنما تهدف إلى تطوير الخبرة لتزويد العالم بمعدات الرياح، مثل أبردين -ثالث أكبر مدينة في إسكتلندا- في صناعة النفط، التي تُعد منطقةً رائدةً عالميًا في التكنولوجيا تحت سطح البحر.
وفي السياق نفسه، تبني مدينة أبردين ميناءً جديدًا بقيمة 350 مليون جنيه إسترليني (476.7 مليون دولار أميركي) يتضمن أرصفة مصممة لتحمل الوزن الهائل لتوربينات الرياح.
وتوقع مدير ونائب رئيس جامعة ستراثكلايد ومستشار الحكومة الإستكلندية لشؤون الطاقة، جيم ماكدونالد، أنه حال تصميم وبناء وتشغيل الهياكل العائمة بشكل صحيح من خلال التعاون بين صناعة طاقة الرياح والحكومة، فإن ذلك سيؤدي إلى خلق الصناعة الكبرى التالية لإسكتلندا خلال السنوات الـ50 المقبلة.
وبالتوازي -بحسب التقرير- تعمل الحكومة الإسكتلندية على اختيار الشركات عقود إيجار لتنفيذ مشروعات الرياح البحرية الجديدة التي يمكن أن تجذب استثمارات بقيمة 30 مليار جنيه إسترليني (40.46 مليار دولار).
ونقل التقرير، عن شركة بي بي البريطانية، تأكيدها أنها حال حصولها على المساحة التي تريدها، فستحوّل مدينة أبردين إلى مركز أعمال لطاقة الرياح البحرية المتنامية، ما قد يوفّر 120 فرصة عمل.
وأكد مدير معهد انتقال الطاقة بجامعة روبرت جوردون في مدينة أبردين، بولي دي ليو، أهمية إعطاء إسكتلندا وبريطانيا -ككل- الأولوية لاستخدام المعدات المصنعة محليًا لبناء توربينات الرياح، وذلك للحفاظ على الوظائف مع التراجع الذي تشهده صناعة النفط والغاز.
انتقادات لرئيسة وزراء إسكتلندا
رغم دعوة رئيسة وزراء إسكتلندا نيكولا ستورجون، الحكومة البريطانية إلى إعادة النظر في التراخيص الممنوحة لحقول النفط البحرية، فإنها واجهت انتقادات من قِبل دعاة البيئة، على أنها فشلت في الدعوة إلى إغلاق حقل كامبو النفطي الجديد بسبب أزمة المناخ.
وكانت منظمة غرينبيس وأصدقاء الأرض في إسكتلندا اتهمت نيكولا ستورغن بعدم إظهار القيادة ومقاومة ضغوط إنهاء عمليات التنقيب الجديدة في بحر الشمال.
وتشير التوقعات إلى أن حقل كامبو -الواقع في بحر الشمال- ينتج نحو 255 مليون برميل من النفط، ويخلّف انبعاثات قدرها 132 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون.
ووصف نشطاء البيئة موقف رئيسة وزراء إسكتلندا بالاختباء خلف بوريس جونسون، إذ قالت الناشطة في مجال المناخ، كارولين رانس، إن نيكولا ستورغن تنتظر قرار جونسون بشأن مستقبل النفط والغاز في بحر الشمال، عندما يتعيّن عليها اتخاذ موقف جريء ضد كامبو.
وظائف قطاع النفط والغاز
ما يزال قطاع النفط والغاز في إسكتلندا يوفّر المزيد من الوظائف، رغم تراجع الإنتاج العام الماضي، إذ كشفت دراسة حديثة أجرتها هيئة صناعة النفط والغاز في المملكة المتحدة، أن قطاع النفط والغاز وفّر نحو 71.5 ألف وظيفة في جميع أنحاء إسكتلندا، منها 64 ألف وظيفة بشمال شرق إسكتلندا.
وتشير أبحاث أجرتها مؤسسة خدمات المعلومات البريطانية (إكسبريان) إلى توقعات تحقيق قطاع النفط والغاز نحو 19.44 مليار جنيه إسترليني (26.76 مليار دولار أميركي)، ما يعادل 12% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي الإسكتلندي.
وقبل التداعيات السلبية لفيروس كورونا، كان قطاع النفط والغاز في إسكتلندا يوفّر وظائف بشكل أعلى مما هو عليه الآن، بحسب الهيئة.
وفي الوقت نفسه، رأت هيئة النفط والغاز البريطانية أن العديد من الوظائف المرتبطة حاليًا بالصناعة سوف تساعد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في تعزيز الانتقال إلى الحياد الكربوني.
وبنت الهيئة البريطانية رأيها بالنظر إلى أن موظفي قطاع النفط والغاز في أبردين لديهم الخبرة الكافية للمساعدة في تحقيق أهداف المناخ لحكومة المملكة المتحدة، والحكومة الإسكتلندية.
موضوعات متعلقة..
- توتال إنرجي تقود تحالفًا لمزاد رياح بحرية في إسكتلندا
- قطاع النفط والغاز يوفر 71 ألف وظيفة في إسكتلندا
- إسكتلندا تعول على الطاقة الشمسية في تحقيق الأهداف المناخية بحلول 2030
اقرأ أيضًا..
- "توربينات غاز".. الجزائر تبرم صفقة هي الأولى من نوعها في أفريقيا
- رأي مفاجئ.. تغير المناخ ليس نهاية العالم والخسائر لن تكون كبيرة