منوعاتتقارير منوعةرئيسية

الليثيوم.. هل ينتشل سكان سالتون الأميركية من ثالوث البطالة والفقر والمرض؟

تقديرات حكومية بإنتاج 600 ألف طن سنويًا

حياة حسين

يبدو أن تنفيذ وعود الحكومة والشركات الخاصة في وادي إمبريال المحيط ببحيرة سالتون في ولاية كاليفورنيا الأميركية، بإنتاج الليثيوم الذي يُستخدم في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية، ملجأ السكان الأخير لانتشالهم من ثالوث البطالة والفقر والمرض، فهل يتم ذلك؟

حاولت صحيفة الغارديان البريطانية الإجابة على هذا التساؤل من خلال تحقيق نشرته مؤخراً.

بحيرة ملوثة

سالتون هي بحيرة مالحة، ملوَّثة وملوِِّثة للبيئة، ويعاني المواطنون الذين يقطنون بالقرب منها أمراض الجهاز التنفسي المتنوعة.

غير أن شركات عديدة ترى أن تحت سالتون تقبع كميات هائلة من الليثيوم ستقود ازدهار هذا القطاع مستقبلًا.

وتشكّلت بحيرة سالتون 5 مرات خلال 1300 عام، وكان آخرها في 1905؛ بسبب فيضان نهر كولورادو.

ومنذ منتصف ألفية القرن الماضي، حوّلت البحيرة وادي إمبريال المحيط إلى "كارثة بيئية".

جاء ذلك بسبب إلقاء المزارعين بكميات هائلة من المبيدات الحشرية قرب البحيرة خلال مدة طويلة، مع نشاط عمليات تبخّر المياه؛ ما ترك رواسب في المناطق الجافة منها، لتلقي غبارها على المجتمعات السكنية المحيطة.

وكانت تلك المنطقة في الماضي سلة غذاء كبيرة؛ بسبب انتعاش النشاط الزراعي فيها.

مركز الثروة

في الوقت الذي تواجه سالتون فيه مصير الجفاف، يعتقد بعضهم أنها ستكون مركزًا لثروة المنطقة بفضل الليثيوم المتوافر فيها.

الليثيومومن المتوقع أن يزيد الطلب على الليثيوم بمقدار 40 ضعفًا خلال الأعوام الـ20 المقبلة؛ نتيجة للتوسع العالمي في مشروعات الطاقة المتجددة.

ويرى رئيس شركة التعدين الأسترالية "ليثيوم ريسورس"، رود كولول، وآخرون، أن المنطقة التي يسمونها "وادي الليثيوم"، ستجعل كاليفورنيا مركزًا لإنتاج الليثيوم عالميًا، كما أنه سيسهم في توفير آلاف الوظائف للأجيال القادمة.

وتراقب الشركة الأسترالية التي تعمل في المنطقة بحيرة سالتون عن كثب، إذ تسهم عمليات البخر في إخلاء المياه لمساحات كبيرة من الأراضي.

وحتى ولاية كاليفورنيا، رصدت 206 ملايين دولار لتنفيذ خطة تنقذ ثروات سالتون، لكن معاناة السكان المستمرة من التلوث حتى الآن تثبت فشل الحكومة، وفق كولول.

الشركات الخاصة

يعتقد رئيس شركة التعدين الأسترالية "ليثيوم ريسورس"، رود كولول، أن ابتعاد الحكومة عن سالتون وثرواتها من الليثيوم أمر مفيد، إذ يمكنها التعاقد مع شركات القطاع الخاص، والتي تستطيع النجاح في تسويق تلك "الكارثة البيئية".

لكن التقديرات الحكومية الكبيرة لحجم الليثيوم في وادي أمبريال المحيط، ربما تدفعها إلى التمسك بها، وعدم ترك الساحة فارغة للقطاع الخاص.

ووفق تقديرات رسمية، فإن إنتاج الوادي السنوي من الليثيوم قد يصل إل 600 ألف طن سنويًا، وهي كميات كافية لقلب موازين سوق إنتاج الليثيوم عالميًا، خاصة إذا نجحت المنطقة في جذب شركات تعمل بمجال بطاريات السيارات الكهربائية.

وشكّلت حكومة الولاية لجنة لدراسة مستقبل تلك الصناعة في المنطقة، من ناحية توفير آلاف الوظائف في قطاع الطاقة النظيفة، وآثارها الاقتصادية على المجتمعات المحيطة، والذين يقطنون الخط الحدودي بين أميركا والمكسيك، وهم أشدّ السكان فقرًا.

وفي المقابل، يعاني هؤلاء الفقراء من وعود الانتشال من الفقر المتكررة، والتي لا تدخل حيز التنفيذ أبدًا.

كما يخشون من ألّا تتجاوز مسألة إنتاج الليثيوم كونها محاولة جديدة لجعل أراضيهم وأجسادهم تجربة صناعية غير معروفة النتائج، خاصة أن التقنيات المطلوبة لإنتاج الليثيوم لا تزال بدائية.

تجربة تشيلي

تلك المخاوف عززها الباحث في جامعة كاليفورنيا -قسم أميركا اللاتينية- فيرناندو ليفا، ببحث نفّذه عن آثار تعدين الليثيوم في دولة تشيلي، والذي كشف أن قبائل صحراء آتاكاما، والتي تُعدّ مركز احتياطي الليثيوم في العالم، لم تستفد سوى القليل من أرباح شركات التعدين العالمية التي تعمل هناك.

الليثيوم
منجم إسكونديدا في تشيلي

ووصف ليفا، الذي قدّم بحثه للجنة الليثيوم التي شكّلتها حكومة الولاية هذا الربيع، الأمر بأنه "كارثة رأسمالية".

وقال ليفا متهكمًا: إن "الشركات الخاصة التي كانت رئيسة في خلق أزمة المناخ العالمية وتدمير الأنظمة البيئية، تظهر الآن في صورة الحراس الراغبين بإنقاذنا".

وتعاني الولايات المتحدة من شحّ إمدادات الليثيوم، إذ يتركز 80% من إنتاجه في 3 دول، هي: تشيلي، وأستراليا، والصين.

وتسيطر بكين على أكثر من نصف عمليات معالجة الليثيوم عالميًا؛ لذلك نجحت في استقطاب أكثر من ثلاثة أرباع الشركات المُنتجة لبطاريات الليثيوم على الكرة الأرضية، مقابل القليل في أميركا.

ويولي الرئيس الأميركي، جو بايدن، إنتاج الليثيوم اهتمامًا كبيرًا، ووضع خطة في يونيو/حزيران لتعظيمه محليًا، كما يستهدف الوصول بمبيعات السيارات الكهربائية إلى 50% من إجمالي السوق بحلول 2030.

ويقول كولول، الذي تخطط شركته للعمل لمدة 8 سنوات، إنه الوقت المناسب لتكون أميركا جزءًا من التحول الأخضر، ومنتجًا لليثيوم.

مشروع الليثيوم

أطلقت الشركة الأسترالية على مشروع الليثيوم في وادي إمبريال اسم "هيلز كيتشن ليثيوم آند باور".

ويعتمد المشروع على كهرباء مُولّدة من الطاقة الحرارية في الأرض، إذ يستهلك 30% منها في استخراج الليثيوم، وتبيع الشركة الباقي من الكهرباء المولّدة.

وتستثمر الشركة نحو 520 مليون دولار في المرحلة الأولى، لإنتاج نحو 40 ألف طن و130 ميغاواط من كهرباء الطاقة الحرارية بحلول عام 2024.

وعند اكتمال جفاف سالتون، سيكون هناك مساحة من الأرض تصل إلى 7300 فدان، قابلة لتوليد كهرباء من الطاقة الحرارية بها.

وتنفرد منطقة سالتون بالقدرة على توليد كهرباء حرارية بجانب إنتاج الليثيوم، إذ لا تتوافر تلك الميزة لمعاقل الإنتاج الحالية

بايدن
إحدى محطات الطاقة الحرارية في الولايات المتحدة

في دول مثل تشيلي وأستراليا.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة "ليلاك سليوشن" التي تقدّم الحلول التقنية لمشروع الشركة الأسترالية: إن "الطلب على الليثيوم زاد خلال السنوات الـ10 الماضية، ولن يكون الإنتاج كافيًا خلال المدة المقبلة".

وكانت شركة جنرال موتورز الأميركية قد استثمرت مبلغًا -لم تكشف عن قيمته- بالشركة الأسترالية في يونيو/حزيران، للحصول على جزء من إنتاج الليثيوم، في إطار خطة تبلغ استثماراتها 35 مليار دولار للسيارات الكهربائية.

ورغم كل هذا الضجيج، فإن ليثيوم وادي إمبريال غير مؤكد حتى الآن.

وقال مدير ومؤسس صندوق المجتمعات المتنوعة، توم سوتو، والذي شارك أول اجتماع للجنة الليثيوم في مارس/آذار: "إن الوعود كثيرة والأفعال قليلة في مجال الطاقة المتجددة، وقد وعدونا بطاقة شمسية ورياح وحرارية وغيرها، ولم يحدث شيء".

تحت خط الفقر

يعيش أكثر من خُمس سكان وادي أمبريال تحت خط الفقر، وينتمي 85% منهم إلى أصول لاتينية.

وتّسم المنطقة المحيطة بعدم عدالة توزيع الثروات، فعلى بُعد 20 ميلًا من 11 محطة طاقة حرارية في مدينة براولي، يعيش السكان في منازل واسعة وأنيقة.

وفي المنطقة الفقيرة، يضطر الشباب للمغادرة بحثًا عن فرصة عمل، مثل أبناء فلردا بانولس الثلاثة، والتي كانت تعمل في قطاع الزراعة.

الليثيوموقالت بانولس التي تبلغ 50 عامًا، إن الوظائف "هنا" مؤقتة، ولا تمتد إلى أكثر من 6 أشهر، "نحن نريد وظائف لأن أطفالنا يغادرون بحثًا عن فرصة عمل.. إنهم لا يجدون شيئًا في هذا الوادي".

وأضافت بانولس أن مشكلة قلّة الوظائف ليست الوحيدة، فسكان الوادي يعانون المرض بسبب التلوث وارتفاع درجة الحرارة، "لقد مات عدد من جيراني بسبب سرطان الحلق النادر".

وفي الوقت الذي لا يؤمن كثير من السكان بوجود علاج لمعاناتهم، تستعد لجنة الليثيوم لتقديم مقترحاتها إلى الهيئة التشريعية بولاية كاليفورنيا في أكتوبر/تشرين الأول من العام المقبل.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق