تحويل آخر محطة إسبانية لتوليد لكهرباء بالفحم إلى الهيدروجين الأخضر
المالك البرتغالي يعتزم إغلاقها بعد أشهر
نوار صبح
- إسبانيا ستغلق آخر محطة للكهرباء تعمل بالفحم بعد أشهر
- المستقبل حصريًا لتوليد الكهرباء النظيفة ولمصادر الطاقة المتجددة
- أنفقت إسبانيا المليارات لدعم المناجم غير المربحة بدل جني المليارات من صادرات الفحم
- أستراليا تصرّ على أن الفحم سيظل مربحًا لعقود من الزمن
وقّعت حكومة حزب العمال الاشتراكي الإسباني، قبل 3 سنوات، اتفاقية مع النقابات العمّالية وشركات الطاقة لإغلاق صناعة الفحم بأكملها مقابل التقاعد المبكر والاستثمار في الصناعات البديلة.
وأصبحت الاتفاقية المعروفة باِسم (التحول الصِّرْف- جاست ترانزيشن)، نموذجًا للانتقال السريع من إنتاج الوقود الأحفوري؛ إذ يوجد الآن منجم واحد فقط لا يزال يعمل في إسبانيا، ومن المقرر إغلاقه في ديسمبر/كانون الأول المقبل.
ولمتابعة هذا التطور، نشرت شبكة هيئة الإذاعة الأسترالية "إيه بي سي" تقريرًا مفصَّلًا بعنوان "كيف تقوم إسبانيا بإغلاق صناعة الفحم للانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة؟"، لمراسلها الصحفي إريك كامبل، رصد من خلاله آراء المختصين والمعنيين في صناعة الفحم الإسبانية.
إنهاء استثمارات الوقود الأحفوري
قال كاتب المقال، إريك كامبل، الذي استطلع مقاطعة أستورياس عشية صدور تقرير المناخ التاريخي عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ، الذي عزّز الدعوات لإنهاء الاستثمار في الوقود الأحفوري، إن إسبانيا ستغلق آخر محطة للكهرباء تعمل بالفحم بعد أشهر.
والتقى كاتب المقال بأحد مهندسي صناعة الفحم، خوسيه مانويل بيريز رودريغيز، الذي تذكَّر قول أستاذه الجامعي عن الطاقة المتجددة، بأنها ليست مربحة وباهظة الثمن، ويجب التركيز فقط على الفحم.
واضاف المهندس أنه بعد عشرين عامًا من العمل في آخر محطة كهرباء تعمل بالفحم بدوام كامل في إسبانيا في مقاطعة أستورياس لتعدين الفحم، يعمل حاليًا في التخطيط لتحويل المحطة إلى محطة هيدروجين أخضر.
وأعرب بيريز رودريغيز، بصفته رئيس قسم تحويل الهيدروجين في شركة الكهرباء البرتغالية (إي دي بي)، عن اندهاشه من سرعة تلاشي الفحم من بيئة الطاقة.
الاستغناء عن الفحم
على عكس أستراليا، إذ دفعت مجموعات الضغط لتوسيع إنتاج الفحم، تبنّت الشركات الإسبانية نهج التغيير وتحوّل الطاقة.
وقال المدير التنفيذي لشركة الطاقة العملاقة إبيردرولا، أنجيلس سانتاماريا، إن الشركة لن تستثمر بمشروع فحم واحد في العالم.
وأضاف أنها لا ترى للفحم دورًا حاليًا لأنه أصبح من الماضي، وأن المستقبل هو حصريًا لتوليد الكهرباء النظيفة ولمصادر الطاقة المتجددة والاستفادة من التقنيات العديدة.
- إسبانيا تحث الاتحاد الأوروبي على توفير سقف لأسعار الكهرباء
- إيبردرولا تشكل تحالفًا للاستثمار بالطاقة المتجددة في إسبانيا
- وكالة الطاقة الدولية تقدم توصيات لتحقيق أمن الطاقة في إسبانيا
جدير بالذكر أن مقاطعة أستورياس تملك محطة وحيدة لتوليد الكهرباء بالفحم، ولا تزال تعمل بشكل دائم في إسبانيا، لكن الشركة البرتغالية المالكة (إي دي بي) تخطط لتحويلها إلى محطة هيدروجين أخضر.
وقال عضو جوقة عمال المناجم المتقاعدين الموسيقية، خافيير تورال، إنه متشكك في وعود الحكومة بخلق وظائف خضراء جديدة لعمّال المناجم الشباب.
مقارنة صناعة الفحم بين أستراليا وإسبانيا
قال كاتب المقال، إنه كان لدى إسبانيا أسباب اقتصادية ملحة للتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، لكنها أنفقت المليارات في دعم المناجم غير المربحة، بدلًا من جني المليارات من صادرات الفحم.
وأوضح أن الحكومات المتعاقبة كانت تقاتل النقابات لإغلاق المناجم منذ التسعينات، لكن اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015، إلى جانب قرار الاتحاد الأوروبي بإلغاء دعم الفحم، جعلت النهاية حتمية.
وبيّن أن أستراليا تصرّ على أن الفحم سيظل مربحًا لعقود من الزمن، حتى مع تبنّي الشركاء التجاريين الرئيسيين لأهداف الحياد الكربوني، أمّا في إسبانيا فيُنظر إلى هذا على أنه تفكير خيالي سحري.
وتوقّع المهندس بيريز رودريغيز أن أستراليا ستواجه قريبًا ضرائب الكربون إذا لم تنتقل إلى الطاقة النظيفة.
وقال، إن هذا الاتجاه سيصل إلى أستراليا بطريقة ما، لأنها بخلاف ذلك، لن تكون قادرة على منافسة البلدان التي تنفّذ هذه الإجراءات، ولأن الناس والسياسيين سيطالبون بذلك.
وأضاف أنه يعتقد أن كل جزء من العالم سوف يقلّد ما تقوم دول أوروبا الآن.
الاستغناء عن عمّال المناجم
قال كاتب المقال، إريك كامبل، إن الشركات قد تدعم تحوّل الطاقة، لكن ناقوس الموت النهائي للفحم مثل صدمة نفسية موجعة لعمّال التعدين.
وذكر أحد عمّال المناجم الشباب السابقين، لوكويس دياز روزادا، أن عائلته بأكملها كانت تعمل في المناجم، وأنه يعمل الآن فنّي كهرباء، بسبب توقّف عمل المناجم.
وأكد أن بعض أصدقائه لا يزالون يعملون في شركة التعدين الحكومية هونوسا، ويقومون بترميم المناجم بدلًا من استخراج الفحم.
وأوضح أن صفقة "جاست ترانزيشن" عرضت على عمّال المناجم من كبار السن التقاعد المبكر مع معاشات تقاعدية مريحة نسبيًا، بمتوسط 3700 دولار شهريًا مدى الحياة، وأعرب عن قلقه بشأن ما سيحدث لجيله.
وأضاف أن الشيء الوحيد الذي يراه كل يوم هو مغادرة الأصدقاء والموظفين ذوي المهارات العالية والكفاءة المهنية والخبرة الطويلة، وفي نهاية المطاف يتعيّن عليهم المغادرة.
وقالت وزيرة الدولة الإسبانية للطاقة، سارة أجسين، إن كوكب الأرض يعطي الكثير من الإشارات الداعية إلى وقف استخدام الفحم بالسرعة الممكنة، بشرط عم تأثّر الوظائف.
التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة
أشار كاتب المقال إلى أن المنح الحكومية حققت نجاحًا متباينًا في إنشاء مشروعات جديدة، وأن صناعة الطاقة المتجددة تشهد ازدهارًا.
وقد وفرت مصادر الطاقة المتجددة، في شهر مايو/أيار الماضي، أكثر من 50% من الكهرباء في إسبانيا، وحددت الحكومة هدفًا يتمثل في 74% من الكهرباء الخضراء بحلول عام 2030.
وفي الوقت الذي تفاوضت فيه على صفقة الانتقال العادل، ألغت الحكومة الاشتراكية الجديدة في إسبانيا ما يسمى "ضريبة الشمس"، مما أجبر الأُسَر التي لديها ألواح طاقة شمسية على دفع ضريبة بنسبة 7% لاستمرار الاتصال بالشبكة، وكانت النتيجة امتصاصًا هائلاً للطاقة الشمسية.
ولم تستفد مقاطعة أستورياس بقدر ما استفادت منه الأجزاء المشمسة من إسبانيا، ويعود السبب إلى تقلّب أحوال الطقس بين صيف بارد وأمطار ضبابية.
في المقابل، يرى المستثمرون إمكانات هائلة للهيدروجين الأخضر، إذ تعمل المحولات الكهربائية التي تعمل بالرياح أو الطاقة الشمسية على فصل وقود الهيدروجين عن الماء.
وقال المهندس خوسيه مانويل بيريز رودريغيز، إن لدى الشركة التوصيلات الكهربائية و المياه بفضل الموقع المتاخم للبحر، بجوار الميناء لتصدير الهيدروجين المنتج، إضافة إلى قرب المصادر المتجددة.
استثمارات إبيردرولا
من جهتها، تخطط شركة الطاقة الإسبانية العملاقة إبيردرولا لإنفاق 250 مليار دولار على مشروعات الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، كما تقوم بإنشاء توربينات رياح عملاقة في جميع أنحاء مقاطعة أستورياس.
وتُعدّ طاقة الرياح جزءًا أساسيًا من تحوّل إسبانيا بعيدًا عن الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة، إذ تحتلّ البلاد حاليًا المرتبة الثانية بين الدول الأوروبية في إنتاج طاقة الرياح، ولديها خطط لمضاعفة ذلك في السنوات الـ10 المقبلة.
وبنت شركة إبيردرولا مؤخرًا سلسلة من مزارع الرياح العملاقة في جميع أنحاء مقاطعة أستورياس، وتقول، إنها ستنفق ما يصل إلى ربع تريليون دولار على الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة، أنجيلس سانتاماريا، إن الطاقة النظيفة أكثر فعالية من حيث التكلفة من الوقود الأحفوري.