هل تحل الطاقة النووية أزمة الكهرباء في العراق؟
وسط معاناة من الانقطاع المتكرر للتيار
أحمد عمار
- العراق يدرس بناء 8 مفاعلات كهروذرية لإنتاج نحو 11 غيغاواط من الطاقة
- أكبر تحديات قطاع الكهرباء العراقي هي توفير الطاقة اللازمة لتشغيل المحطات
- الأوضاع الأمنية والسياسية في العراق أضعفت من إمكان إنتاج الغاز محليًا
- التكلفة المالية لإنشاء وصيانة المنشآت النووية قد تشكّل عبئًا ماليًا على العراق
- الهجوم الإرهابي المتكرر الذي تتعرض له أبراج الكهرباء في العراق مصدر قلق رئيس
تأتي الطاقة النووية أحد الحلول التي تفكر فيها الحكومة العراقية لمواجهة معضلة أزمة قطاع الكهرباء الممتدة منذ سنوات، وسط اعتمادها على الوقود المستورد في توليد التيار، لكن هل تنقذ المفاعلات النووية المدن العراقية من الظلام الذي قد تتعرض له لساعات؟
في واقع الأمر، كانت حكومة بغداد قد كشفت على لسان رئيس هيئة السيطرة على المصادر المشعة، كمال لطيف، أنها تدرس بناء 8 مفاعلات كهروذرية، لإنتاج نحو 11 غيغاواط من الكهرباء بتكلفة 40 مليار دولار، بهدف معالجة نقص الكهرباء في البلاد؛ إذ تتزايد الحاجة إليها بنسبة 15% سنويًا.
ويبحث العراق بناء الـ8 مفاعلات نووية مع كل من روسيا وكوريا الجنوبية، بالإضافة إلى عقد محادثات مع الولايات المتحدة عبر سفارتها في بغداد، للمساعدة في إقامة تلك المشروعات.
وتعتقد بغداد أن المفاعلات الـ8 من شأنها أن تسدّ الفجوة بين العرض والطلب حتى خلال الصيف، مع تقليل الاعتماد على الغاز الإيراني، فضلاً عن تعزيز صادرات الهيدروكربونات، والحدّ من الاعتماد على الوقود الذي يطلق انبعاثات كربونية عمومًا.
أزمة الكهرباء والانقطاعات التي تصل في بعض الأحيان إلى 15 ساعة يوميًا، دافع رئيس للتفكير في الحل النووي..
تتجسد أكبر تحديات قطاع الكهرباء العراقي في توفير الطاقة اللازمة لتشغيل محطات توليد الكهرباء، والتي تزداد سوءًا مع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف، فضلًا عن خروج بعض المحطات عن الخدمة، نتيجة تعرّضها لهجمات إرهابية من خلال زرع عبوات ناسفة أسفلها، الأمر الذي يزيد من أزمة القطاع.
وتجدر الإشارة إلى إنتاج العراق من الكهرباء يبلغ 19 ألف ميغاواط/ساعة، وفي المقابل تحتاج البلاد أكثر من 23 ألف ميغاواط/ساعة من الكهرباء، وفقًا لتقرير صادر عن وزارة الكهرباء في العراق.
استيراد الوقود
على الرغم من أن العراق يُعدّ ثاني أكبر منتج للخام في منظمة أوبك، مع امتلاكه احتياطيات كبيرة من النفط والغاز، فإن الأوضاع الأمنية والسياسية التي تعانيها البلاد أضعفت من إمكان إنتاج الغاز اللازم لتوليد الكهرباء، مما دفع للاعتماد على الوقود المستورد.
ونتيجة اعتماده على الوقود المستورد، تعرّض العراق مؤخرًا إلى نقص شديد في إنتاج الكهرباء عندما قررت إيران تخفيض تزويد بغداد بالغاز الطبيعي جراء عدم سداد الأخيرة الديون المستحقة.
وكانت الحكومة العراقية قد تعثّرت في سداد ديون بقيمة 4 مليارات دولار لإيران نهاية يونيو/حزيران الماضي، إذ كان من الصعب دفع هذه الديون في ظل تفشّي جائحة كورونا، بالإضافة للمشكلات الاقتصادية الأخرى.
وبحسب تصريحات سابقة للمتحدث باسم وزارة الكهرباء، أحمد موسى، نقلاً عن وكالة الأنباء العراقية (واع)، يحتاج العراق لنحو 70 مليون متر مكعب من الغاز لتوليد الكهرباء في فصل الصيف.
وبالنظر إلى الاحتياطيات، كان يجب أن يتمتع العراق بالاكتفاء الذاتي من الطاقة، لكن عقودًا من أضرار الحرب وسوء الإدارة جنبًا إلى جنب مع الاعتماد المفرط على صادرات النفط والغاز، تعني أن البلاد لا تُولّد طاقة كافية لتلبية الطلب المحلي.
معوقات أمام الحل النووي
برز الحلّ النووي أحد الطرق الممكنة التي تساعد العراق في تقليل اعتماده على الغاز الإيراني، وعلى الربط القائم بينهما من خلال 4 خطوط كهربائية، ولكن ما هي الصعوبات التي من المحتمل أن تواجه تطبيق الفكرة؟
وتناول تقرير منشور على موقع نشرة علماء الذرّة (منظمة غير ربحية تهتم بقضايا العلوم والأمن العالمي)، بعض المعوقات والمشكلات التي قد تواجه خطة العراق نحو بناء مفاعلات نووية لمواجهة الانقطاع المستمر للكهرباء وتقليل الاعتماد على الغاز الإيراني.
وجاء في مقدّمة تلك المشكلات -وفقًا لرؤية التقرير- التكلفة المالية لإنشاء وصيانة المنشآت النووية، والتي قد تمثل عبئًا ماليًا كبيرًا على الحكومة العراقية، وسط أزمة اقتصادية تواجه البلاد مع عجز موازنة، من المتوقع أن يسجّل 28.67 تريليون دينار(نحو 20 مليار دولار) بنهاية العام الحالي.
ويرى التقرير أنه من الصعب تبرير مشروع بقيمة 40 مليار دولار، في الوقت الذي تعاني فيه الحكومة من صعوبة في الوفاء بالتزاماتها المالية.
وتسبّب انخفاض أسعار النفط العام الماضي -نتيجة التداعيات السلبية لفيروس كورونا- في اتجاه الحكومة إلى الاحتياطيات الأجنبية والاقتراض لدفع رواتب موظفي القطاع العامّ، بالإضافة إلى إلغاء خطة لإصلاح وتحديث شبكة النقل في البلاد.
المعضلة المالية للحكومة العراقية تتفاقم، مع حقيقة أن نحو ثلث تكلفة الكهرباء المولدة لا يُدفع ثمنها من قبل الأفراد، وذلك بسبب سرقة التيار..
وبالفعل، تدعم الحكومة تكاليف الكهرباء بشكل كبير، إذ يدفع العملاء نحو 10% فقط من التكلفة الفعلية للكهرباء التي يستخدمونها.
ونتيجة ذلك، تحتاج وزارة الكهرباء -بحسب التقرير- إلى 12 مليار دولار سنويًا لموازنة التكلفة، ومن شأن إضافة الطاقة النووية في مزيج الطاقة لتوليد الكهرباء أن يزيد التكلفة بشكل أكبر على الحكومة.
ومن شأن إضافة الطاقة النووية إلى هذا المزيج أن يزيد من التكاليف التي تحتاجها الوزارة، بناءً على حجم التمويل الذي يحتاجه العراق للمشروع.
الهجوم الإرهابي مصدر قلق
يمثّل الهجوم الإرهابي المتكرر الذي تتعرض له أبراج الكهرباء في العراق، مصدر قلق رئيس، بحسب رؤية التقرير، مع حقيقة أن شبكة الكهرباء تجاوزت 35 هجومًا إرهابيًا حتى الآن هذا العام.
ورأى التقرير أن إدخال التكنولوجيا النووية من شأنه أن يزيد من خطر وصول المواد النووية إلى الإرهابيين في العراق، سواء من خلال مسؤول حكومي فاسد، أو عبر الهجوم على منشأة نووية.
كما إن البرنامج النووي سوف يُثير شكّ الدول المجاورة للعراق، خصوصًا أنها تتمتع بمصدر وفير من النفط والغاز، مما سيعيد للأذهان المخاوف من استغلال الاستخدام المدني للمفاعلات الذرّية في التغطية على تطوير أسلحة نووية أكثر خطورة، بحسب ما ذكره التقرير.
ويزيد هذا الخطر من عدم اليقين بشأن ماذا سيحدث حال عدم الوصول لاتفاق حول برنامج إيران النووي أو تجديده.
وخلص التقرير إلى حاجة العراق للكهرباء، لكن الطاقة النووية لن تكون الحل لمواجهة تلك الأزمة، فعلى المدى القصير يتطلب إعادة بناء نظام نقل وتوزيع الكهرباء المعطل، بالإضافة إلى إدخال إصلاحات على منظومة تحصيل فاتورة الكهرباء، وحلّ مشكلة الغاز لتحسين قدرة توليد الكهرباء.
ودعا التقرير كذلك الحكومة العراقية إلى تشجيع استخدام الطاقة المتجددة على المدى المتوسط، وتنويع مزيج الطاقة لديها من خلال توسيع مشاريع الطاقة الشمسية وتجديد مرافق الطاقة الكهرومائية الموجودة حاليًا.
وأكد التقرير أن مشاريع البنية التحتية ستضمن للعراق أن يمتلك مصدرًا موثوقًا لتوليد الكهرباء على المدى الطويل، وبشكل أفضل من التوجه إلى المشروع النووي الذي سيمثل ضغطًا كبيرًا وغير ضروري على موازنة البلاد.
السبق النووي للعراق
حال توصُّل العراق إلى اتفاق بشأن بناء 8 مفاعلات نووية، لن تكون المرة الأولى لها في دخول النادي النووي عالميًا.
وتلقّت البلاد بالفعل أول مفاعل نووي لها من الاتحاد السوفيتي عام 1962، كما حصلت على مفاعلات أخرى على مدى العقدين التاليين لتلك المدة.
ورغم أن هذه المفاعلات جرى تطويرها لأغراض سلمية، فإن البلاد بدأت برنامجًا سريًا للأسلحة النووية أوائل السبعينات، وانتهكت معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية التي وقّعها العراق عام 1968، بحسب التقرير.
كما قام العراق بتخصيب اليورانيوم سرًا، بالإضافة إلى إجراء أبحاث حول تصاميم الأسلحة النووية، نقلًا عن التقرير المنشور على موقع نشرة علماء الذرّة.
وبعد حرب الخليج، وتحديدًا عام 1991، قرر مجلس الأمن الدولي تفكيك برنامج الأسلحة النووية العراقي، وبالفعل أزالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية جميع المواد النووية الصالحة لصنع الأسلحة من العراق، وأوقفت المنشآت النووية في البلاد.
وفي عام 2010، رفع مجلس الأمن الدولي رفع القيود المفروضة على الصناعة النووية في العراق.
اقرأ أيضًا..
- العراق يعرض 3 فرص استثمارية لتنفيذ مشروعات طاقة شمسية
- العراق يخطط لإضافة 6 آلاف ميغاواط لمنظومة الكهرباء في 2022
- العراق يبحث الاستفادة من خبرات اليابان في مشروعات الطاقة المتجددة
- العراق يحدد سعر برميل النفط بـ50 دولارًا في موازنة 2022