أزمة القيادة تهدد قطاع النفط الليبي.. هل تتدخل واشنطن لحسم الصراع؟
بعد أن وصلت الأمور لطريق مسدود بين الوزير وصنع الله
ياسر نصر
ما بين تهديدات بوقف الإنتاج، وصراع إداري، تتصاعد أزمة قطاع النفط اليبي، وسط تجاذبات من الوزارة المسؤولة سياسيًا عن القطاع، ومؤسسة النفط الليبية، الذراع الفني للحكومة.
خلال الأيام الماضية تكاد تكون الطرق كافة وصلت إلى طريق مسدود بين وزير النفط والغاز محمد عون، ورئيس المؤسسة الوطنية مصطفى صنع الله، في ظل مساعي الأول للإطاحة بالأخير.
وصلت الأمور إلى إصدار الوزير قرارًا بإقالة صنع الله، وتكليف جاد الله العوكلي بمهام رئيس المؤسسة، وإحالة الأخير إلى التحقيق.
وفي ظل الصراع الدائر بين قطبي قطاع النفط في ليبيا، تدخل رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، داعيًا لاجتماع في 5 سبتمبر/أيلول المقبل، على خلفية تنازع الاختصاصات المتصاعد خلال الأونة الأخيرة، ومن يفوز بقيادة قطاع النفط الليبي.
بداية الأزمة
كانت الشرارة الأولى للأزمة في نهاية شهر يونيو/حزيران الماضي، عندما أصدرت وزارة النفط بيانا هاجمت فيه السفارة الأميركية، ووصفت لقاء مسؤولها في طرابلس مع صنع الله وتصريحاته بأنها تدخل علني في الشؤون الداخلية للدولة الليبية.
وعلى الرغم من أن البيان الصادر عن اللقاء والتصريحات لم تحمل أي إساءة، وأكدت ضرورة دعم حيادية مؤسسة النفط، وأن كفاءتها الفنية تعد أحد المكاسب للدولة الليبية، إلا أن بيان الوزارة كشف عن أزمة تواصل بين الوزارة والمؤسسة الوطنية.
وعلى الرغم من تجاوز أزمة بيان "عون" من خلال عقد مصطفى صنع الله مباحثات مع العديد من مسؤولي الشركات الأميركية، وكذلك مسؤولي السفارة، والعمل على التجهيز لمؤتمري نفط أحدهما في طرابلس والآخر في تكساس، إلا أنه على مدار الشهرين لم يحدث أي تقارب بين صنع الله وعون.
وغاب مصطفى صنع الله عن جميع الفعاليات والاجتماعات التي عقدها الوزير خلال الشهرين الماضيين، والتي كان العديد منها يختص بمناقشة مهام مؤسسة النفط والمشكلات التي تواجهها وكذلك تذليل العقبات أمام شركات النفط الليبية.
من يقود قطاع النفط الليبي؟
شهدت الأزمة تصاعدًا ملحوظًا منذ منتصف الشهر الجاري، مع رفع الوزير محمد عون مقترحًا بإعادة تشكيل مجلس إدارة مؤسسة النفط، والذي يهدف للإطاحة بصنع الله، مطالبًا مجلس الوزراء بإصدار قرار بالتشكيل المقترح.
ضم التشكيل المقترح 6 أعضاء برئاسة طاهر رمضان حمد القطعاني، وعضوية كل من وكيل وزارة النفط والغاز، وأحمد الجيلاني الغزال، والدوكالي رمضان الزريقي، ومحمد علي عبدالله دنقو.
تحركات الوزير ينظر إليها الكثير بأنها محاولة من القوى والأحزاب السياسية في ليبيا للسيطرة على المؤسسة الوطنية، وهو ما ترفضه العديد من المؤسسات الدولية، وغيرها من الدول وفي مقدمتها الأمم المتحدة وأميركا التي دائما ما تدعو إلى حياد المؤسسة من أجل تحقيق مصالح الشعب الليبي.
مصطفى صنع الله رد على تحركات الوزير برسالة إلى رئيس الحكومة، طالب فيها ضرورة أن تظل المؤسسة بعيدة عن التجاذبات السياسية وأن تكون عنوانًا للمهنية والانضباط والكفاءة والشفافية والنزاهة.
وفي الوقت الذي يترقب فيه الجميع ما سيسفر عنه اجتماع الدبيبة يوم الأحد المقبل، إلا أن مصادر ألمحت إلى أن رئيس الوزراء يرغب هو الآخر في التغيير لكن ليست بالطريقة التي يسعى إليها الوزير.
وكان رئيس الحكومة قد أشار في تصريحات سابقة إلى أنه لم يدرس بعد الاقتراح المقدم من وزير النفط، قائلا: "صنع الله قد يتغير وقد لا يتغير (...) كل شيء ممكن.. ستكون هناك بعض التغييرات في المؤسسة".
تداخل الصلاحيات
مع رفض مجلس الوزراء إصدار قرار بإعادة تشكيل مجلس إدارة المؤسسة الوطنية، أرسل وزير النفط خطابًا جديدًا في 23 أغسطس/آب الجاري إلى الدبيبة، منتقدًا فيه تجاوزات مصطفى صنع الله، وتخطيه مهام الوزير.
انتقاد وزير النفط طال أيضًا رئيس الحكومة، متهمًا إياه بتجاوز صلاحيات الوزير، من خلال التواصل المباشر مع رئيس مؤسسة النفط، قائلًا: إن "الفترة الأخيرة شهدت تواصلًا مباشرًا بين رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، ورئيس الوزراء، وهو ما يعدّ تخطّيًا لوزير النفط، بالإضافة إلى تشكيل لجان بمعرفة الإثنين دون أن يصدر ذلك بمقترح من وزارة النفط، أو حتى تكون شريكة فيه، وهو صلب عملها".
سفر صنع الله
مع تصاعد الأزمة، استغل عون سفر مصطفى صنع الله إلى إيطاليا للمشاركة في اجتماع للّجنة التسييرية لمشروع تطوير التركيبين البحريين "أ" و"هـ"، بالتعاون مع شركة إيني، وأصدر قرارًا في 24 أغسطس/آب الجاري بتكليف عضو مجلس إدارة المؤسسة جادالله العوكلي، مرجعًا ذلك إلى غياب رئيس مجلس إدارة المؤسسة عن العمل.
وفي اليوم التالي أرسل مصطفى صنع الله رسالة إلى عون يُخبره بأن قراره لا يستند إلى نصٍ قانوني، وأنه يمارس عمله من الخارج.
كما خاطب العوكلي الوزير في 26 أغسطس/آب بعدم تمكنه من مهام المنصب الموكل إليه، وأن رئيس مؤسسة النفط أبلغ مدير مكتبه بأنه مستمر في ممارسة عمله بصورة اعتيادية.
وعاد صنع الله إلى طرابلس يوم 28 أغسطس/آب وبدأ في مباشرة مهام عمله الاعتيادية وعقد العديد من اللقاءات على مدار اليومين الماضين، بالتزامن مع صدور قرار من وزير النفط محمد عون بوقفه عن العمل وإحالته للتحقيق، لسفره للخارج دون إذن الوزير وعرقلته تنفيذ القرارات، ومخاطبة حرس المنشآت النفطية بإيقاف مصطفى صنع الله عن العمل.
في اليوم التالي أصدر الوزير قرارًا جديدًا بتكليف العوكلي بمهام رئيس مجلس الإدارة، إلا أن الأخير رفض.
ويرجع الصدام بين وزارة النفط والمؤسسة الوطنية بسبب تدخّل مراكز القوى السياسية ومحاولة بعض الأطراف ترشيح شخصيات بعينها لقيادة دفّة أكبر المؤسسات الاقتصادية في البلاد.
دعم دولي
يلقى مصفى صنع الله -الحائز على جائزة بطل مكافحة الفساد في ليبيا المقدمة من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن- دعمًا دوليًا، ومحليًا من عدد من القبائل، وذلك لعمله على حيادية المؤسسة طيلة فترة الانقسام السياسي، ولعب دورًا في تماسك قطاع النفط الليبي، ونال احترام وتقدير المؤسسات الدولية، لنزاهته وشفافيته.
وتؤكد مصادر أن واشنطن تدعم بقاء صنع الله على رأس مؤسسة النفط، وهو ما قد يغير دفة الصراع لصالحه، ويمنع ما من شأنه زعزعة استقرار قطاع النفط لمصالح شخصية.
وكان مصدر سياسي رفيع المستوى من حكومة الوحدة أكد في تصريحات سابقة لـ"الطاقة" أن التغيير في إدارة قطاع النفط سوف يكون ذا أثر سلبي، وقد يزجّ بالقطاع الذي لا يحتمل أيّ جدال بسبب وجود الحقول والموانئ في مناطق ذات أيديولوجيات وانتماءات سياسة مختلفة، "وقد نذهب إلى ما بعد الانقسام، خاصة مع ظهور جماعات الاستفزاز بمناطق النفط والغاز والتي تطالب بمبالغ مالية ما يضعف سيطرة الدولة".
اقرأ أيضًا..
- أموال النفط المجمدة.. تفاصيل أزمة المؤسسة الوطنية مع المصرف المركزي الليبي
- ميزانية ليبيا.. هل تعلن مؤسسة النفط حالة القوة القاهرة من جديد؟
- ليبيا تحتاج إنتاج 1.8 مليون برميل يوميًا في 2022