تحول الطاقة وتداعيات كورونا.. خيارات صعبة لدول الشرق الأوسط
المستثمرون يضخون مليارات الدولارات في مصادر الطاقة المتجددة
نوار صبح
- انتشار الوعي بالتغير المناخي أدّى إلى حثّ الحكومات والمستهلكين للاستغناء عن الهيدروكربونات
- تحوّل الطاقة لن يحصل بين عشية وضحاها، بل سيستغرق عقودًا
- البنية التحتية المبنية لاستهلاك الهيدروكربونات تضمن تعافي السوق لسنوات عديدة
- %90 من مبيعات السيارات الجديدة لا تزال تعمل بالبنزين
يتّسم اقتصاد منطقة الشرق الأوسط باعتماده الكبير على عائدات النفط والغاز، في وقت يتحدث فيه الجميع عن تحول الطاقة، وتنقسم معظم بلدان المنطقة تقريبًا إلى دول مصدِّرة للطاقة وأخرى مصدِّرة للقوى العاملة، وهكذا ترسل الدول الفقيرة العمّال إلى الدول الغنية، ويرسل العمّال المليارات إلى عائلاتهم في بلادهم.
ورغم الانطباع الراسخ في أذهان الناس عن ارتباط هذه المنطقة تقليديًا بالدين والسياحة، انصبّ الاهتمام العالمي الحديث على المنطقة، لكونها منتجة للطاقة وتؤدي دورًا فاعلًا في أسواق الطاقة العالمية.
ونشر مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية -ومقرّه العاصمة الأميركية واشنطن- قبل أيام، تقريرًا بعنوان: "ثورة جديدة في الشرق الأوسط"، للنائب الأول لرئيس المركز، مدير برنامج الشرق الأوسط، جون بي ألترمان، استعرض فيه السيناريوهات المتوقعة للمنطقة.
ويشير ألترمان إلى أن انتشار الوعي بالتغير المناخي أدّى إلى حثّ الحكومات والمستهلكين للاستغناء عن النفط والغاز والوقود الأحفوري بصفة عامة؛ وهكذا يضخّ المستثمرون الآن مليارات الدولارات في مصادر الطاقة المتجددة، التي تراها الصين ضرورة لأمنها القومي.
ويتوقع هذا السيناريو أن يتجاوز إنتاج النفط الطلب، ونتيجة لانخفاض الأسعار، سيضخّ المنتجون المزيد للتعويض عن الكميات المنخفضة الأسعار، مّا يولّد ضغوطًا إضافية على الأسعار، التي ستشهد تدهورًا حادًا.
تحول الطاقة وتعافي السوق
تطرّق جون بي ألترمان إلى وجهة النظر البديلة القائلة، إن تحوّل الطاقة لن يحصل بين عشية وضحاها، بل سيستغرق عقودًا، وإن البنية التحتية المبنية لاستهلاك الهيدروكربونات تضمن تعافي السوق لسنوات عديدة.
وفي حين تستقطب السيارات الكهربائية الأضواء، فإن نحو 90% من مبيعات السيارات الجديدة لا تزال تعمل بالبنزين، كما تتطلب البنية التحتية للشحن مليارات الدولارات على مدى عقود، وكذلك يستمر استخدام المنازل لأفران ومواقد الغاز لعقود.
يضاف إلى ذلك أن جميع أنواع وقود الطائرات في العالم يعتمد على النفط، وأن المواد البلاستيكية المشتقة من النفط تلقى رواجًا في الأسواق.
وفي البلدان النامية -موطن معظم سكان العالم- تعتمد الحياة على هوامش اقتصادية أصغر من الدول الغنية، كما يزداد استهلاك هذه البلدان بازدياد الدخل، ومن المرجح أن تعتمد هذه البلدان على المعدات والتكنولوجيا الحالية لفترة أطول.
ومع أن سكان الدول الغنية ينفقون مبالغ كبيرة على المنتجات البيئية الخضراء، فإن النفط والغاز سيظلان الوقود الميسور التكلفة والمتاح لكثير من سكان العالم.
كورونا وانخفاض استهلاك النفط
أوضح جون بي ألترمان أن احتمال انخفاض أسعار النفط انخفاضَا حادّا يستند إلى فكرة أن النفط سوق، حيث تنطوي الاختلالات الصغيرة على عواقب اقتصادية كبيرة.
وأضاف أن استهلاك النفط العالمي يبلغ اليوم نحو 100 مليون برميل يوميًا، وأن الدول المنتجة لديها قدرة محدودة نسبيًا على إنتاج المزيد، واستشهد بوصول سعر الخام إلى 140 دولارًا للبرميل، عندما هدّد الاستهلاك بتجاوز العرض في عام 2008.
وتسبّب تفشّي جائحة كورونا بتقليص الطلب في ربيع عام 2020، إذ بدأ مخزون العالم في النفاد، وانخفضت أسعار النفط.
ويرى ألترمان أن الانخفاض المستمر في الاستهلاك العالمي، مهما كان صغيرًا، سيدفع دول الخليج لزيادة الإنتاج، في محاولة لإخراج المنتجين بتكلفة مرتفعة من السوق، والتأكد من توقّفهم عن إنتاج النفط منخفض القيمة، عندما يستمر انخفاض الاستهلاك أكثر من ذلك.
ويقول، إن هذا يفسّر جزئيًا الخلاف حول الإنتاج، هذا الشهر، بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
الرابحون والخاسرون
لم يتبيّن للكاتب من الرابحون والخاسرون في العقد المقبل بالشرق الأوسط، فقد تُعوِّض الكميات المتزايدة منخفضة التكلفة، التي يعرضها المنتجون، انخفاض الأسعار، مما يؤدي إلى تركيز استراتيجي متجدد على المنتجين في الشرق الأوسط.
ويقول ألترمان، إن مسؤولية انضباط السوق تقع على عاتق المنتجين في الشرق الأوسط، الذين ينبغي عليهم تحجيم الإنتاج لمنع الأسعار من الانهيار.
وأضاف أن الحكومات في كل بلدان الشرق الأوسط لا تزال بعيدة عن تحقيق أهدافها في الاستعداد لمرحلة ما بعد النفط.
وأوضح أن الانتقال من العمّال ذوي الإنتاجية العالية والأجور المنخفضة، الذين يدعمون جهود العمّال ذوي الإنتاجية المنخفضة والأجور المرتفعة، سيستغرق سنوات في دول الخليج.
من جهته، يسعى القطاع الخاص لتوفير فرص عمل للوافدين الجدد إلى سوق العمل، حيث تتخطى بطالة الشباب 30% في العديد من البلدان.
وينطوي تحوّل الطاقة على أهمية بالغة لمنطقة الشرق الأوسط وغيرها من المناطق، حيث يحفّز أمن الطاقة الكثير من استثمارات الصين الأخيرة في المنطقة.
ويتوقع ألترمان تحوّل اهتمام بكين ووجهة رأس المال، إذا ارتأت الحكومة الصينية أن أمن طاقتها مستمدّ من المناجم في أفريقيا، وليس من آبار النفط والغاز في الشرق الأوسط.
على صعيد آخر، إذا كان هناك دور أكثر ديمومة للنفط والغاز في مشهد الطاقة العالمية، فمن الممكن حدوث المزيد من الخلاف بين الولايات المتحدة والصين على النفوذ الإقليمي.
علاوة على ذلك، من الممكن أن تستغني الدول الغربية عن الهيدروكربونات لأسباب بيئية، بينما تظل الصين والعالم النامي مهتمين بها لأسباب اقتصادية، وقد يتبلور هذا التوجّه في تخلّي الولايات المتحدة عن دورها المستقبلي في الشرق الأوسط، مع استفادة الصين من تطورات كهذه.
وقد يتجلى هذا في تخلّي الولايات المتحدة عن دورها المستقبلي في الشرق الأوسط، مع استفادة الصين الكثيرَ من هذه التطورات.
اقرأ أيضًا..