هل يقضي ارتفاع أسعار النفط على تعافي الاقتصاد العالمي؟
بعد تداول خام برنت فوق 75 دولارًا للبرميل
أحمد عمار
- رجح اقتصاديون أن الموجة الأخيرة من ارتفاع أسعار النفط لن تحدث تأثيرًا كبيرًا
- نمو الاقتصاد وزيادة الاستهلاك سيُساعدان العالم على استيعاب ارتفاع النفط
- صندوق النقد الدولي يتوقع نمو الاقتصاد العالمي 6% العام الجاري
- الأسواق الناشئة الأكثر حساسية بحركة أسعار النفط
- هناك شكوك في استمرار ارتفاع أسعار النفط بوتيرتها الأخيرة
يثير ارتفاع أسعار النفط إلى أعلى مستوى في 6 أعوام تقريبًا تساؤلاً بشأن تعافي الاقتصاد العالمي الذي تأثر سلبًا العام الماضي، بسبب التداعيات الناجمة عن فيروس كورونا.
وبعد فشل الاجتماع الأخير لتحالف أوبك+ في التوصل إلى قرار بشأن مستويات الإنتاج خلال المدة المقبلة، ينظر الجميع بعين الاهتمام إلى انعكاس نتائج هذا الفشل على الاقتصاد العالمي.
وتباينت آراء محللين بشأن مدى تأثير ارتفاع أسعار النفط على تعافي الاقتصاد العالمي المنهمك جراء أزمة كورونا، إذ يرى فريق أن النمو القوي والتدفق الاستهلاكي في الاقتصادات المتقدمة يساعدان على استيعاب زيادات الأسعار، لكن في المقابل أثار فريق آخر مخاوف بشأن استمرار هذا الاتجاه فضلًا عن مشكلات التضخم.
امتصاص زيادات الأسعار
توقع اقتصاديون -في تحليل نشرته صحيفة وول ستريت جورنال- أنه من غير المرجح أن تُحدث الموجة الأخيرة من ارتفاع أسعار النفط تأثيرًا كبيرًا في تعافي الاقتصاد العالمي، مؤكدين أن نمو الاقتصادات المتقدمة وزيادة الاستهلاك سيُساعدان العالم على استيعاب الكثير من هذه الزيادات.
وتوقّع مورغان ستانلي أن يرتفع المؤشر الذي يرصد عبء النفط -أو تكلفته بوصفها نسبة من الناتج المحلي الإجمالي- إلى 2.8% العام الجاري على افتراض متوسط سعر برميل النفط عند 75 دولارًا، وهو ما اعتبره التحليل أنه لا يزال أقل من المتوسط طويل الأجل والبالغ 3.2%.
ويرى البنك الأميركي أنه حال وصول متوسط سعر برميل النفط إلى 85 دولارًا، سيرتفع عبء النفط العالمي قرب المتوسط طويل الأجل، مع الإشارة إلى أن المرة الأخيرة التي ارتفع فيها هذا المؤشر فوق متوسطه طويل الأجل كان عام 2005، لكن الاقتصادات استطاعت الصمود أمام تأثير ارتفاع أسعار النفط بدعم النمو العالمي القوي وقتها.
وتُجدر الإشارة إلى أن صندوق النقد الدولي يتوقّع نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 6% العام الجاري، التي من شأنها أن تكون أسرع وتيرة نمو في 4 عقود.
وفسر بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك أن الصعود الذي شهدته أسعار النفط مؤخرًا كان مدفوعًا بزيادة الطلب لا نتيجة نقص المعروض.
وفي هذا الصدد، يعتقد خبراء الاقتصاد أن أسعار النفط المرتفعة نتيجة الطلب القوي على الخام تشير عادةً إلى نمو مرن، عكس المشكلات الناتجة عن مشكلات الإمدادات، بحسب تحليل وول ستريت جورنال.
واعتبر التحليل أن الاقتصادات المتقدمة في الوقت الراهن أقل تأثرًا بزيادات أسعار النفط مما كانت عليه قبل عقود، وهو ما يرجع إلى أن الخدمات -التي تستهلك كميات أقل من النفط مقارنة بالصناعات الثقيلة- أصبحت تمثّل حصة أكبر في الإنتاج.
الولايات المتحدة نموذجًا
استشهد التحليل بالتكلفة في الولايات المتحدة، إذ أصبح يتطلب كل دولار الآن من الناتج المحلي الإجمالي نصف كمية النفط المطلوبة قبل 35 عامًا، وفقًا لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
وبالتوازي مع ذلك، استطاعت الأسر في الولايات المتحدة وكذلك البلدان الغنية الأخرى أن تراكم مدخرات غير مسبوقة خلال مدة جائحة فيروس كورونا، ما قد يحميها من ارتفاع أسعار البنزين، بحسب تحليل وول ستريت جورنال.
وبدوره، أكد كبير الاقتصاديين في مجموعة "بي إن سي" للخدمات المالية، غوس فاوشر، أنه نظرًا إلى حقيقة أن المستهلكين في حالة مالية جيدة للغاية، ليس من المتوقع أن يُشكّل ارتفاع الأسعار ضربة كبيرة لخططهم.
وفي السياق نفسه، استطاعت الولايات المتحدة أن تكون منتجًا للنفط أكبر بكثير مما كانت عليه في الماضي، نتيجة ارتفاع عمليات التنقيب عن النفط الصخري على مدى العقدين الماضيين، ما يعني أن المنتجين الأميركيين الذين عانوا انخفاض أسعار النفط جراء كورونا، يستفيدون الآن من ارتفاع الأسعار.
الطاقة المتجددة تحمي أوروبا
أصبح الاقتصاد الأوروبي -الذي تُهيمن عليه الخدمات أيضًا- أقل اعتمادًا على الوقود الأحفوري في إمدادات الطاقة خلال العقود الأخيرة، إذ تلبّي الطاقة المتجددة نحو 20% من احتياجات أوروبا من الكهرباء، مقابل 9.6% عام 2004.
وبحسب التحليل، لا يرى صانعو السياسة في أوروبا أن ارتفاع أسعار النفط قد يُشكّل تهديدًا لتعافي اقتصاد القارة العجوز في الوقت الراهن، إذ رفع الاتحاد الأوروبي توقعاته لنمو اقتصاد الكتلة إلى 4.8% هذا العام بدلاً من التقديرات السابقة والبالغة 4.2%.
ويعني ذلك أن اقتصاد الاتحاد الأوروبي من المتوقع أن يعود إلى مستويات ما قبل وباء كورونا نهاية العام الجاري، وذلك على الرغم من تكهنات بأن ارتفاع أسعار النفط والسلع الأساسية الأخرى سيدفع معدل التصخم إلى الارتفاع إلى أعلى المستويات التي توقعها الاتحاد في السابق.
وتشير كذلك توقعات الاتحاد الأوروبي إلى أن أسعار النفط سيبلغ متوسطها 68.7 دولارًا للبرميل العام الجاري، بارتفاع 54% عن 2020.
الوضع في الصين
بشأن الاقتصاد الصيني، توقّع المحللون -بحسب وول ستريت جورنال- أنه لا يزال من المتوقع نمو اقتصاد بكين بشكل أسرع العام الجاري، لتبلغ وتيرة التوسع 8%.
وفي هذا الصدد، يرى بنك الاستثمار الفرنسي، ناتيكسيس، أن ارتفاع أسعار النفط وبعض السلع الأخرى يضغط على بعض الواردات، ولكن مؤشرات التصنيع في البلاد تشير إلى أن الطلب المحلي لا يزال قويًا.
وفي الوقت نفسه، تتجه مصافي النفط الصينية إلى تكثيف الإنتاج المحلي لتخفيف الضغط من ارتفاع الأسعار العالمية، وفقًا لما ذكره محللون في مؤسسة ستاندرد آند غلوبال بلاتس.
الأسواق الناشة تتأثر سلبًا
ماذا عن قدرة الأسواق الناشئة على تحمل صعود أسعار النفط؟ يرى تحليل وول ستريت جورنال، أن هذه الأسواق هي الأكثر تضررًا من حركة أسعار النفط، فعادةً ما يكون المستهلكون في تلك الأسواق أكثر حساسية لارتفاع الأسعار، بالنظر إلى أن الأغذية والطاقة تستحوذ على النسبة الأكبر من إنفاق الأسر.
واضطر عدد من البنوك المركزية في تلك الأسواق الناشئة، وأبرزها البرازيل وروسيا، إلى رفع أسعار الفائدة مؤخرًا لمواجهة تسارع التضخم.
وعلى سبيل المثال، فإن كل زيادة في أسعار النفط بقيمة 10 دولارات تضيف أكثر من 4 مليارات دولار إلى عجز الحساب الجاري في تركيا، ما يدفعها إلى الاقتراض لتغطية العجز وخدمة الدين الخارجي، كما تضيف نحو 0.5% إلى معدل التضخم، بحسب رؤية مورغان ستانلي.
ويرى البنك الأميركي كذلك أن الآثار السلبية نفسها في تركيا تنطبق على أسواق الهند وجنوب أفريقيا.
اضطرابات اجتماعية
تسبب ارتفاع أسعار الوقود في اضطرابات اجتماعية في بعض الدول مثل البرازيل وباكستان، ما دفع الحكومة إلى رفع رواتب موظفي الدولة بنسبة 25% في وقت سابق من هذا العام، نقلاً عن وول ستريت جورنال.
ويرى مدير الاستثمار في شركة أبردين ستاندرد للاستثمارات كيفن دالي، أنه بمجرد وصول سعر برميل النفط إلى 90 دولارًا سيُركّز أكثر على الفائزين والخاسرين.
ومن جهة أخرى، فإن ارتفاع أسعار النفط يعزّز خزائن الدول المصدره للخام، مثل السعودية وروسيا، إذ إن زيادة سعر البرميل يساعد حكومات تلك الدول على إصلاح الموازنات وتحسين أرصدة الحساب الجاري وزيادة الإنفاق الحكومي لتحفيز تعافي الاقتصاد.
أسعار النفط تزيد التحديات
على النقيض، يرى اقتصاديون أن ارتفاع أسعار النفط جاء في الوقت الذي يكافح فيه الاقتصاد العالمي للخروج من عثرته الناتجة عن التداعيات السلبية لفيروس كورونا، وهو ما قد يزيد بعض التحديات على اقتصادات الدول.
واستعرض تقرير نشرته صحيفة ذا نيويورك تايمز اقتصاد الولايات المتحدة بوصفه مثالًا في هذا الشأن، إذ يواجه أكبر اقتصاد في العالم الآن عدوًا مألوفًا أكثر، وهو ارتفاع أسعار النفط والبنزين.
ونتيجة ارتفاع أسعار خام غرب تكساس الوسيط إلى أعلى مستوى في 6 سنوات، زاد متوسط سعر غالون البنزين في الولايات المتحدة إلى 3.13 دولارًا بعد أن كان 3.05 دولارًا الشهر الماضي، وفقًا لرابطة السيارات الأميركية.
وفي المقابل، عندما تسبّب تفشي فيروس كورونا في الولايات المتحدة في فرض بعض الإجراءات الاحترازية وبقاء الأفراد في منازلهم، كان متوسط سعر البنزين يبلغ 2.18 دولارًا للغالون الواحد فقط.
صعود أسعار البنزين
توقعت رابطة السيارات الأميركية أن تشهد أسعار البنزين في الولايات المتحدة زيادة تتراوح ما بين 10 و20 سنتًا أخرى مع حلول نهاية أغسطس/آب المقبل.
واعتبر تحليل ذا نيويورك تايمز أن ما تشهده المدة الراهنة من ارتفاع بأسعار النفط يأتي في لحظة حرجة بالنسبة إلى الاقتصاد الأميركي الذي كان يعاني بالفعل تسارع التضخم لأعلى مستوى في سنوات وسط تعافي الاستهلاك واختناقات سلاسل التوريد، كما قد يسبب صداعًا سياسيًا للرئيس بايدن.
وفي الوقت الذي يُعد فيه ارتفاع أسعار النفط سلبيًا للاقتصاد الأميركي، لكن هذا الاتجاه الصعودي يُعدّ بمثابة أخبار إيجابية وجيدة لشركات النفط وعُمالها وكذلك مزودو المعدات والخدمات لتلك الشركات.
ويرى كبير الاقتصاديين في شركة "أر إس إم"، جو بروسولاس، أن أسعار النفط عند مستويات 80 دولارًا حتى 100 دولار للبرميل لا تثير القلق، وإنما يبدأ القلق الشديد بشأن التأثير على الاقتصاد عندما تصل الأسعار إلى 120 دولارًا للبرميل، نقلًا عن ذا نيويورك تايمز.
ورغم رؤية التأثير المحدود على الاقتصاد ككل، فإن الأمر قد يكون مختلفًا للمواطن العادي، إذ يؤكّد التحليل أن تكاليف ارتفاع الأسعار لن تكون متساوية، فالفقراء والطبقة العاملة يقودون سيارات وشاحنات قديمة وأقل كفاءة وينفقون المزيد من دخولهم على الوقود.
وفي حقيقة الأمر، فإن ارتفاع أسعار البنزين يثير قلق المستهلكين وبعض الاقتصاديين بشأن تسارع التضخم، إذ ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 5% مايو/أيار الماضي، وهي أكبر وتيرة زيادة سنوية منذ عقود، مع توقعات بزيادات أخرى في الأسعار، بحسب التحليل.
ارتفاع النفط لن يستمر
وسط كل تلك المخاوف والتوقعات، هناك شكوك في استمرار ارتفاع أسعار النفط بوتيرتها الأخيرة، إذ يتفق أعضاء أوبك+ على ضرورة زيادة إنتاج الخام، لكن الخلاف فقط حول الكم، بالإضافة إلى أن التوصل لاتفاق نووي جديد مع إيران سيزيد الإمدادات.
ومن المتوقع أن تضيف إيران وحدها حال التوصل إلى اتفاق ما بين 2.5 و3 ملايين برميل يوميًا من النفط في السوق العالمية، طبقًا للتحليل.
وفي الوقت نفسه، من المرجح انخفاض الطلب على النفط، نتيجة انتشار سلالات جديدة من فيروس كورونا، ما دفع بعض الدول إلى إعادة فرض قيود جديدة.
وتتوقع كابيتال إيكونوميكس أن تسجّل أسعار النفط ذروتها عند 80 دولارًا للبرميل، قبل أن تبدأ الأسعار في الانخفاض على خلفية زيادة المعروض من الخام، مع الإشارة إلى أن حدوث انهيار أو قفزات مفاجئة للأسعار لا يزال كلاهما أمرًا مرجحًا.
اقرأ أيضًا..
-
مصادر تكشف تطورات أزمة أوبك+ وحقيقة اتفاق السعودية والإمارات
-
وكالة الطاقة تحذر من حرب بأسعار النفط.. وتؤكد: الأسواق قد تظل متقلبة
-
شركات النفط العملاقة تستعين بجماعات الضغط للهيمنة على ولاية نيو مكسيكو