سلايدر الرئيسيةالمقالاترئيسيةمقالات النفطنفط

مقال - هل تحصل توتال على حصة هيس الأميركية في ليبيا؟

التحركات القادمة أوروبية

علي الفارسي

يبدو أن توتال الشريك قديم العهد في ليبيا، والحديث في حصة المشاركة بشركة الواحة للنفط، بدأ يثبت نفسه على ساحة المنافسة مع شركتيْ هيس وكونكو فيليبس الأمريكيتين.

وتمتلك توتال نحو 16.33% من امتيازات شركة الواحة، بعد حصولها على حصة ماراثون أويل الأميركية، ما يمنحها نصيبًا أكبر في حقول إستراتيجية، ومنها -على سبيل المثال- الشرارة وحقل المبروك ومشروعات في منطقة الجرف القاري، وهذا يمنح الشركة -أيضًا- وجودًا كبيرًا مقارنة بمنافسيها.

كما أن امتلاك توتال التقنيات الحديثة، وتوافقها مع أهداف مؤسسة النفط الليبية الرامية إلى تطوير المعدات السطحية ومحطات النفط، وإعادة تأهيل الآبار والمرافق الإنتاجية، وتمكين الطاقة النظيفة لإنتاج كهرباء تستخدم داخل امتيازاتها، إلى جانب مساعيها لتمويل أعمالها لمساعدة قطاع النفط الليبي بسبب ضعف التمويل، كل هذا يمنحها ميزة تنافسية مفقودة لدى شركاء ليبيا الآخرين.

أهمية توتال في ليبيا

أولًا: سوف تتمكّن الشركة من العمل في أهم الأحواض وأكبرها الواعدة بالنفط والغاز، إلى جانب تميّزها بوضعها خططًا تطويرية وتشغيلية للإنتاج، لن يستطيع العنصر المحلي القيام بها بشكل فردي.

ثانيًا: إن توتال لم تدخل بمحض الصدفة، لكنها ستعمل على دعم برامج تنمية مستدامة بقيمة 150 مليون دولار، ووافقت على تنفيذ برامج دعم مجتمعية، وتوفير أدوية لمستشفيات الأمراض المزمنة للأطفال، واشترطت تنفيذها عند أول بدء للإنتاج.

المناطق حول مراكز العمليات متعطشة لبرامج تنمية حقيقية، ويبدو أن توتال ستتمكّن من بناء الثقة والعلاقة مع سكان الجوار، على عكس شركاء الولايات المتحدة الذين يصفهم السكان بأنهم "يريدون النفط الخام -فقط- منذ عقود".

ثالثًا: توتال حدّدت مشكلة ووضعت لها حلولًا بمشروعات ضخمة، تبدأ من حقل جالو، وتنتهي بالقطعة 96 التي من الممكن أن تضيف 180 ألف برميل نفط، إلى جانب الغاز، في حالة استغلالها.

رابعًا: صفقة الشركة جاءت نتيجة رغبة فرنسا في الاستفادة الاقتصادية، وتوسيع نشاطاتها في ليبيا التي تمثل موقعًا مهمًا، وثروات واعدة، مع أن علاقة باريس لم تكن جيدة مع السلطات الموجودة في طرابلس عند إتمام الصفقة، لكنها استغلت انفتاح الساسة تلك المدة، ومحاولتهم كسب دعم الأطراف الأوروبية دونما مراعاة لعقلية التفكير الفرنسية التي تفصل بين جدال السياسة ومكاسب الاقتصاد والاستثمار.

فرنسا تعمل في أرجاء أفريقيا كافة، وتوجد لها قواعد عسكرية في دولة النيجر لحماية مصالحها الاقتصادية.

خامسًا: تُبدي توتال استعدادها كل مرة لتمويل القطاع النفطي الذي يعاني تأخر اعتماد ميزانيته.

سادسًا: سياسة فرنسا للتوسّع الاقتصادي في شمال أفريقيا والبحر المتوسط هي الأكبر، وأصبحت واضحة في دول الجوار مثل مصر في امتياز شمال الحماد البحري، وفي الجزائر حيث وقّعت عقد إنشاء مجمعات بتروكيميائية ضخمة، وفي ليبيا في الساحل الشرقي وحوض سرت.

سابعًا: ستعمل الشركة على مساعدة المؤسسة الوطنية للنفط في تسريع تطوير امتيازات الواحة بتوفير تقنياتها وخبراتها من خلال تطوير حقلي شمال جالو و"إن 98"، الذي من المتوقع أن تضيف إنتاجًا قدره 180 ألف برميل من المكافئ النفطي يوميًا.

ثامنا: الرئيس التنفيذي لتوتال، باتريك بويانيه، أكد أن الصفقة عُقدت بالتراضي بين الأطراف كافّة عندما صرّح قائلًا: "إننا نشعر بالرضا".

شعور توتال بالرضا يعني أنه بين الأطراف كافة، وجاء ذلك قبل تأكيدها أن جهودًا كبيرة سوف تُبذل لتطوير البنى التحتية، وخطوط نقل النفط، وتطوير الاستكشافات في منطقة ذات موارد عالية الجودة منخفضة التكلفة.

تاسعًا: توتال -بلا شك- تطمح إلى العمل على تحقيق اكتشافات جديدة قد تكون بحرية وبرية.

عاشرًا: الشركة لها تاريخ من الشراكة الوثيقة مع إيني وبي بي في دول مجاورة تتشارك معها النفط والغاز، ولن تواجه مستقبلًا أي مشكلات بخصوص التوسع.

حادي عشر: دخول توتال جاء بعد دراسات وتقييم من مؤسسة النفط، والحصول على الموافقات الحكومية اللازمة لإتمام الصفقة.

ثاني عشر: اعتبار توتال جديرة بالصفقة، بسبب سعيها لرفع الإنتاج من جهة أخرى، وقد أكدت الدراسات التي قامت بها مؤسسة النفط أن خيار استحواذ الدولة الليبية على حصة ماراثون -وإن كان سيزيد ظَاهِرِيًّا من إجمالي عوائد الجانب الليبي- إلا أنه، في المقابل، ستترتب على الجانب الليبي جراء ذلك الخيار التزامات مالية كبيرة للتشغيل، وتنفيذ خطط التطوير وزيادة الإنتاج، مع حتمية الالتزام بالدفع في الوقت المحدد، وانعكاس جميع ذلك على صافي الربح ومدة الاسترداد، مع الأخذ بعين الاعتبار الأولويات الحكومية الأخرى في الإنفاق، والفرص الاستثمارية الأخرى المتاحة للمؤسسة.

ثالث عشر: إن وعود توتال بتنفيذ مشروعات تنمية مستدامة، وفقًا لشروط مؤسسة النفط، عزّزت من فُرصها، لأنها ستُنفَق بوصفها مصروفات غير مستردة.

رابع عشر: توتال الأكثر توسعًا بوجودها في حوضي سرت وغدامس، والجرف القاري، وفي أقصى الشرق، وفي حوض مرزق.

ماذا عن هيس صاحبة أقل نسبة؟!

تملك شركة هيس نحو 8.12% من الشراكة مع ليبيا ممثلة في مؤسسة النفط، والمُشغّل الواحة للنفط، مع أن لديها عملية واسعة في جنوب قارة أميركا بدولة غايانا الاستوائية، وفي جنوب تايلاند، وتهتم بقيم الحفاظ على المناخ.

أما عن وجودها في دول أفريقيا المنتجة للنفط ذي الجودة الضعيفة جدًا مقارنة مع توتال من ناحية التطوير وبرامج المسؤولية الاجتماعية، فإن هيس -حسب مصادر متخصصة- تنتج نحو 310 آلاف برميل يوميًا من مناطق مختلفة وحقول برية وبحرية، باستثناء ليبيا.

أولًا: خرجت هيس خلال أعوام 2020 و2021 من 4 مناطق مختلفة حول العالم، وحسب تصريحات رئيسها، جون هيس، فإن الخروج كان بسبب سعيهم للمحافظة على أصولهم والسيولة المالية على المدى الطويل، وبسبب ارتفاع التكاليف، وهذا غير موجود في حالة ليبيا.

ثانيًا: المناطق التي خرجت منها لا يمكن مقارنتها مع ليبيا، ليس من جانب عدم الاستقرار، ولكن من ناحية الجودة والتكلفة.

ثالثًا: لن تغامر هيس بالخروج من ليبيا -على الأقل على مدى عامين- لأنها تحقّق أرباحًا عالية، وبأقل تكلفة.. النفط الليبي سهل الاستخراج وعالي الجودة.

رابعًا: هيس تهتم بما تحققه من ليبيا، ولا يمثّل عامل عدم الاستقرار هاجسًا لها، فقد كانت تعمل بظروف صعبة جدًا، وشهدت إغلاقات متكررة، ولم تقرر الانسحاب.

خامسًا: دعم الولايات المتحدة القطاع النفطي لم يكن من فراغ، لكنه بسبب سياسات الحياد والعمل مع كل الأطراف، ما يعزّز الثقة بين الطرفين في حالة ليبيا.. هذا ليس تدخلًا في السيادة، لأننا أمام مؤسسة تنتج سلعة دولية تهم العالم قبل السلطات الليبية، وأعتقد أن مؤسسة النفط تدرك ذلك.

سادسًا: دول العالم العظمى موجودة في ليبيا، وتتدخل لحماية مصالحها النفطية، وشراكتها مستقبلية، والولايات المتحدة جزء من ذلك، مع أن أميركا تتدخل عبر أدوات أخرى، وبدأت تفقد شهوتها للنفط الليبي، إن وجود أميركا -التي حققت الاكتفاء من مصادر الطاقة- هو لمنع قوة أخرى من التقدم نحو البحر المتوسط.

سابعًا: أعلنت كونكو فيليبس عن كميات إنتاجها من النفط والغاز الليبي عام 2020، ويبدو أن هيس -حسب مصادر- حقّقت نسبة أكبر بمقدار 4%.

ثامنا: تعمل هيس في أفريقيا في دولة ليبيا فقط، وخروجها يعني مغادرتها القارة بالكامل، تاركةً أكبر احتياطي وخام مطلوب دوليًا لأوروبا.

تاسعًا: لماذا تخرج وهي تحقق أرباحًا، وتطل على سواحل أوروبا، وتنتج من 13 حقلًا نفطيًا بحوض سرت، وتعمل منذ عام 1958 في ليبيا، وبدأت تنتج عام 1969، وحتى بعد التوقف عادت مجددًا إلى الإنتاج عام 2017.

عاشرًا: المدير التنفيذي للشركة، جون هيس، أشار إلى ضرورة الحفاظ على مواقعهم ذات الربحية، ما يدل على عدم وجود نيات واضحة للخروج من ليبيا.

حادي عشر: خروج هيس من مناطق في شمال أميركا، وخليج تايلاند، وخليج المكسيك، لا يمكن مقارنته بحالة أو نوعية المواد الموجودة في ليبيا.

الخلاصة

تبقى توتال صاحبة أكبر حضور في أفريقيا وليبيا، ولكن هذا لا يعني قدرتها على الحصول على حصص شركات أخرى قديمة الوجود مثل هيس.

توتال تحتاج إلى تمويل مشروعات تطويرية متفق عليها مع إدارة القطاع النفطي، وتحتاج إلى سنوات للبدء في الإنتاج من هذه المشروعات، خصوصًا في ظل ظروف ضعف التمويل الحكومي لقطاع النفط.

ومن الممكن أن تموّل توتال مشروعاتها، وستحتفظ هيس بحصتها على المدى القصير -على الأقل لعام آخر- إلا إذا كانت هيس تريد التخلُّص من أعباء إعادة التأهيل للبنى التحتية، وهذا مستبعد مقارنة مع أرباحها التي تحقّقها من منطقة عملها في ليبيا.

جلب الاستثمارات الأجنبية أمر مهم، من أجل حماية قطاع النفط والغاز، واستقطاب التقدم الكبير من الغرب نحو ليبيا، وهذا يحتاج إلى عمل مشترك بين إدارة القطاع النفطي ومؤسسات الدولة الأخرى، لخلق بيئة جذب استثمارية، واستغلال التقارب الذي حقّقه وكيل وزارة النفط لشؤون الإنتاج، رفعت العبار، بين حكومة الوحدة الوطنية، والمؤسسات السيادية، والمؤسسة الوطنية للنفط، والتزام رئيسها المهندس مصطفى صنع الله بالحياد والانفصال بشكل سياسي عن تعقيدات الأحداث التي لا تبشّر بالخير.

يأتي ذلك على الرغم من وضع مؤسسة النفط من قِبل السلطات الليبية في دائرة الضغط ومنع التمويل منذ عام 2015م، ما كان سببًا في عدم بلوغ مليوني برميل، وتراكم ديونها، وتنفيذ مشروعات التطوير، وحتى الآن -في ظل هذه الظروف- يبقى العمل لليبيين كافّة، واستمرار الإنتاج بفضل تكاتف العاملين نجاح كبير رغم ظروفهم المعقدة.

ويبقى خروج -أو بقاء- هيس أمرًا طبيعيًا لمستثمر لديه حساباته، ولكن الأمر غير الطبيعي هو عدم قدرة الجهات الليبية المخولة على الاستفادة من موارد الدولة، وقبل ذلك، نبذ أي خلافات يصنعها من أرادوا استخدام النفط كـ"عصا" وإيراداته كـ"جزرة".

* علي الفارسي - كاتب ليبي متخصص بمجال الطاقة

لقراءة المزيد..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق