قطاع الطاقة خلال 2020 الأسوأ في 7 عقود.. لماذا؟
انبعاثات الكربون تراجعت بأكبر وتيرة منذ الحرب العالمية الثانية
سالي إسماعيل
شهد نظام الطاقة العالمي على مدى العقود السبعة الماضية أكثر الأزمات إثارة في التاريخ، لكن هذه الأزمات كافّة تبدو باهتة مقارنة بما حدث في عام الوباء.
ووصفت شركة النفط والغاز البريطانية (بي بي)، في المراجعة الإحصائية للطاقة العالمية، عام 2020 بأنه عام لا مثيل له، بسبب تأثير جائحة كورونا على نظام الطاقة عالميًا.
وتوضح الشركة البريطانية السبب في أن أزمة الطاقة العام الماضي كانت الأسوأ تاريخيًا، مقارنة بالأزمات السابقة طوال الـ70 عامًا الماضية، بما في ذلك أزمة قناة السويس عام 1956، وأزمة الحظر النفطي عام 1973، والثورة الإيرانية عام 1979، وكارثة فوكوشيما عام 2011.
وفي هذا السياق، يقول كبير الاقتصاديين في بي بي، سبنسر ديل، خلال التقرير: "كل لحظات الاضطرابات الكبرى في الطاقة العالمية تبدو باهتة مقارنة بأحداث العام الماضي".
ومنذ تفشي وباء كورونا، أُبلغ عن أكثر من 185 مليون حالة إصابة بالفيروس في جميع أنحاء العالم، مع وفاة أكثر من 4 ملايين شخص، بحسب البيانات التي جمعتها جامعة جونز هوبكنز الأميركية.
وعلى الجانب الاقتصادي، كانت تداعيات الوباء هائلة، إذ سبّبت خسائر اقتصادية حادة مع تقديرات تشير لانكماش الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو 3.3% العام الماضي، في أسوأ ركود منذ وقت الكساد العظيم.
الوضع في قطاع الطاقة
بعيدًا عن التداعيات الاقتصادية، كان الوضع أكثر مأساوية بالنسبة إلى قطاع الطاقة العالمي، كما يوضح التقرير نصف السنوي لشركة بي بي.
وتسبّبت أزمة كورونا العام الماضي في انخفاض كل من الطلب على الطاقة وانبعاثات الكربون بأسرع وتيرة منذ الحرب العالمية الثانية.
وبحسب التقرير، تراجع الطلب العالمي على الطاقة بنسبة 4.5%، كما هبطت انبعاثات الكربون العالمية ذات الصلة بقطاع الطاقة بنحو 6.3%، وهذه الانخفاضات هائلة بالمعايير التاريخية (الأكبر منذ عام 1945).
كما انخفضت كثافة الكربون في مزيج الطاقة -أو متوسط الكربون المنبعث مقابل كل وحدة طاقة مستخدمة- بنسبة 1.8% العام الماضي، وهو كذلك أحد أكبر الانخفاضات على الإطلاق في وقت ما بعد الحرب.
ومع ذلك، أشارت (بي بي) إلى التوسع المستمر في مصادر الطاقة المتجددة، مع حقيقة الزيادة غير المسبوقة المسجلة العام الماضي.
النفط في 2020
تعرّض الطلب على النفط عام 2020 إلى صدمة تاريخية جراء أزمة كوفيد-19، وما نتج عنها من تدابير إغلاق وتوقف للنشاط الاقتصادي، ما انعكس بالسلب على شركات النفط الكبرى طوال الـ12 شهرًا.
وظهرت الآثار السلبية لصدمة الطلب في تحول شركات النفط الكبرى لخسائر قوية وشطب للأصول بشكل غير مسبوق، بالإضافة إلى خفض وظائف عشرات آلاف العاملين في القطاع.
وحسب تقديرات (بي بي)، فإن استهلاك النفط تراجع بوتيرة قياسية بلغت 9.1 مليون برميل يوميًا أو 9.3% العام الماضي، ليسجل أدنى مستوياته منذ عام 2011.
وكان النفط هو الدافع الأساسي وراء انخفاض استهلاك الطاقة الأولية عام 2020، رغم أن الغاز الطبيعي والفحم كذلك سجلا انخفاضات كبيرة.
ووفقًا للتقرير، سجّلت الولايات المتحدة أكبر وتيرة هبوط الطلب على النفط، إذ تراجع بنحو 2.3 مليون برميل يوميًا، يليها الاتحاد الأوروبي والهند بانخفاض 1.5 مليونًا و480 ألف برميل يوميًا على التوالي.
وبحسب تقديرات بي بي، فإن إنتاج النفط عالميًا تراجع بنحو 6.6 مليون برميل يوميًا العام الماضي، مع حقيقة أن منظمة أوبك تُشكّل ثلثي هذا الانخفاض.
وبلغ متوسط سعر خام برنت العام الماضي 41.88 دولارًا للبرميل، وهو أدنى مستوى منذ عام 2004، لكنه عاود الشهر الجاري الصعود أعلى حاجز 77 دولارًا للبرميل.
الغاز والفحم
تراجع استهلاك الغاز الطبيعي العام الماضي بنحو 2.3% أو 81 مليار متر مكعب، لتقود روسيا الانخفاض في الطلب، على حين أسهمت الصين وإيران على الترتيب في أكبر الزيادات.
وانخفضت أسعار الغاز الطبيعي في مركز هنري إلى 1.99 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في المتوسط العام الماضي، وهو الأدنى منذ عام 1995.
وبالنسبة إلى الفحم، فتراجع استهلاكه بنحو 4.2% أو 6.2 إكساجول، مع حقيقة أن الطلب على الفحم سجل أكبر وتيرة انخفاض في الولايات المتحدة تليها الهند.
كما أن استهلاك الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للفحم تراجع لأدنى مستوى على الإطلاق منذ بدء رصد السجلات عام 1995.
انبعاثات الكربون
تراجعت انبعاثات الكربون من قطاع الطاقة بنحو 6.3% -أو ما يعادل 2.1 غيغاطن- العام الماضي، لتسجل أدنى مستوى منذ عام 2011.
وتُعدّ وتيرة انخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العام الماضي هي الأكبر منذ عام 1945، بحسب بي بي.
ومع ذلك، يرى التقرير أن تأثير وباء كورونا على انبعاثات الكربون بحاجة إلى التكرار كل عام على مدى العقود الثلاثة المقبلة إذا كانت الحكومة تأمل في الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة.
الطاقة المتجددة
في ظل مساعي مواجهة أزمة تغير المناخ ودعم النمو المستدام، فإن سعة مصادر الطاقة المتجددة في العالم واصلت النمو بوتيرة قياسية العام الماضي، رغم الوباء.
وبحسب التقرير، فإن مصادر الطاقة المتجددة، بما في ذلك الوقود الحيوي وباستثناء الطاقة المائية، ارتفعت بنحو 9.7% عام 2020.
وكانت وتيرة النمو في مصادر الطاقة المتجددة أبطأ من متوسط السنوات الـ10، البالغة 13.4% على أساس سنوي.
ومن ناحية السعة، توسعت الطاقة الشمسية بنحو 127 غيغاواط العام الماضي، بينما نمت سعة طاقة الرياح بمقدار 111 غيغاواط، وفقًا للتقرير الصادر عن بي بي.
وطبقًا للتقرير، فإن الصين كانت أكبر مساهم في نمو مصادر الطاقة المتجددة، تليها أوروبا.
وبالنسبة إلى الطاقة الكهرومائية، فقد نمت بنحو 1% العام الماضي بقيادة الصين مجددًا، على حين أن الطاقة النووية تراجعت بنسبة 4.1%، وهو ما كان مدفوعًا بالانخفاضات في فرنسا والولايات المتحدة واليابان على التوالي.
توليد الكهرباء
على جانب آخر، تراجع توليد الكهرباء بنحو 0.9% العام الماضي، وهي وتيرة هبوط أكبر من تلك المسجلة عام 2009، والبالغة 0.5%، مع حقيقة أن بقية الأعوام منذ عام 1985 شهدت زيادة في إنتاج الكهرباء.
ومع ذلك، ارتفعت حصة مصادر الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء من 10.3% لتصل إلى 11.7% العام الماضي.
وعلى النقيض، تراجعت حصة الفحم في توليد الكهرباء بنحو 1.3%، لتصل إلى مستوى قياسي متدنٍ جديد 35.1%.
اقرأ أيضًا..
- كيف كان أداء قطاع الطاقة الأميركي خلال عام الوباء؟
- تباطؤ سعة الطاقة الكهرومائية عالميًا قد يهدد سباق الحياد الكربوني (تقرير)