مقال - تنظيم تمويل الطاقة المتجددة.. كساد أم ازدهار؟
بات التنظيم القانوني للتحوّل من استخدام مصادر الطاقة التقليدية -كالوقود الأحفوري (النفط و الغاز)- إلى مصادر الطاقة المتجددة (الشمس والرياح)، حاجة ملحّة.
فنتيجةً للضغط الذي ولّدته الهيئات والاتفاقيات الدولية فيما يخصّ التغيّر المناخي والاستدامة، والتي عدّت هذا النوع من المشروعات أحد الحلول للتصدي للمشكلات البيئية التي تواجه العالم، أصبح تبنّي وإنشاء مشروعات الطاقة المتجددة ضرورة ومظهرًا من مظاهر التطور والتقدم في عصرنا الحالي.
إلّا أنه مع تسارع وتيرة تشييد هذا النوع من المشروعات، ظهرت الحاجة للفحص والبحث القانوني الدقيق، ليس لذلك فقط، بل لأن هذا التحول الذي نشاهده أمام أعيننا هو تحوّل يعني بقطاع الطاقة الذي كان وما زال منذرًا بتغيّرات اقتصادية ومجتمعية كبيرة.
فكثيرًا ما كان قطاع الطاقة من القطاعات الأقوى عالميًا من ناحية التأثير في اقتصادات الدول وحياة البشر، لذلك تظهر مجددًا أهمية الدراسة القانونية لهذا التحول، كونه مرتبطًا بالازدهار الاقتصادي والمجتمعي، وهي أسمى الغايات التي توضع من أجلها القوانين.
تمويل المشروعات النظيفة
إن تنظيم تمويل مشروعات الطاقة المتجددة بالأخصّ، يُعدّ ضرورة قصوى، لعدّة اعتبارات، من أهمّها الطبيعة المالية لهذا النوع من المشروعات ودخول القطاع الخاص مؤخرًا في العملية التمويلية.
وبالحديث عن الطبيعة المالية لمشروعات الطاقة المتجددة، أودّ الإشارة إلى الانهيار الاقتصادي الحاصل عام 2008، فقد يبدو للقارئ أنه لا رابط بين تمويل التحول إلى الطاقة المتجددة والانهيار الاقتصادي، إلّا أن أحد أهمّ العوامل التي أدّت إلى الانهيار الاقتصادي السابق كان عدم القدرة على ردّ الديون وانعدام السيولة، وبنتيجة مباشرة لعدم وجود قوانين وسياسات تنظم قطاع التمويل، وهو الأمر الوارد الوقوع عند فهم الطبيعة المالية لمشروعات الطاقة المتجددة وأدواتها.
فهذا النوع من المشروعات يتطلب تكلفة أولية عالية ومدة زمنية طويلة للحصول على مردودات مالية تغطّي تكاليفه، وهذه هي الحال أيضًا عند الحديث عن مشروعات الطاقة عمومًا، حتى التقليدي منها، إلّا أن الكفاءة المنخفضة لمشروعات الطاقة المتجددة مقارنةً بالتقليدية منها تزيد من مخاطرها التمويلية -والمقصود بالكفاءة هنا هي الكفاءة الانتاجية للطاقة-.
ومثالًا على واقعية هذه المخاطر، نذكر مشروع الطاقة الشمسية لمدينة مديسين هات الكندية، حيث أُغلق بعد مرور 5 سنوات فقط من تشغيله الذي كلّف ما يزيد عن 11 مليون دولار، بسبب انخفاض الإنتاج وتكاليفه التشغيلية المتصاعدة.
عوامل انتشار مشروعات الطاقة المتجددة
أمّا فيما يتعلق بدخول الجهات الخاصة كالمصارف والشركات في العملية التمويلية لهذا النوع من المشروعات، فقد جاء قويًا وسريعًا في انتشاره، مماثلًا في ذلك لسرعة انتشار تبنّي مشروعات الطاقة المتجددة.
ويعود ذلك لعدّة عوامل، من أهمها القوانين والنظريات الاقتصادية والوعي المجتمعي الذي يعدّ مساهمة القطاع الخاص من الأهمية بمكان لحلّ المشكلات البيئية. إضافةً إلى ذلك، أدّى إدراك ما يُعرف بالفجوة المالية بين خطط التحول إلى استخدام الطاقة المتجددة والقدرة المالية للحكومات لتنفيذها إلى زيادة الضغط على الجهات الخاصة لتمويل هذا النوع من المشروعات الصديقة للبيئة.
فعند الحديث عن إنشاء مشروعات الطاقة المتجددة، يكون الدعم والإنفاق الحكومي هما أول المعنيين بالتمويل، وبالنظر إلى الطبيعة المالية لهذه المشروعات وتكاليف وكفاءتها المنخفضة في إنتاج الطاقة، فإن الاعتماد الكلي على الدعم أو التمويل الحكومي غير كافٍ، بل ومرهق اقتصاديًا، ومن ثم أدّى كل ذلك إلى دخول القطاع الخاص في العملية التمويلية بشكل واسع وبمبالغ عالية جدًا، الأمر الذي يتطلب فرضًا صحيحًا لقوانين تحمي الممولين، المستفيدين والمتأثرين، وفي ذات الوقت تشجّع هذه التحول.
لا تكمُن أهمية تنظيم هذه العمليات التمويلية فقط بالتأكد من الكفاءة المالية للمشروعات -كما ناقشنا ذلك سابقًا-، بل أيضًا بتجنّب استغلال التمويل في مصارف أخرى غير المعنية، أو تجنّب ما يسمّى بالغسل الأخضر.
ويمكن تعريف الغسل الأخضر في هذا السياق بعملية تضليل المموّل أو تقديم معلومات خاطئة له حول طبيعة المشروعات والكفاءة البيئية للمشروعات المموّلة، فيقدّم المموّل التمويل ظنًا منه أنه سيستخدم في مشاريع صديقة للبيئة - كمشاريع الطاقة المتجددة- بينما يُستَخدَم لأغراض أخرى، أو لتمويل مشروعات ذات كفاءة بيئية منخفضة أو منعدمة.
التمويل الأخضر
مع انجذاب الحكومات والمصارف والشركات في استخدام الأدوات التمويلية المستحدثه خصيصًا لتمويل هذا النوع من المشروعات (التمويل الأخضر)، وضعت العديد من القوانين والسياسات حول العالم لتنظيم استخدام هذه الأدوات.
وفي هذا السياق، نلاحظ أن الإفصاح والشفافية كان أحد أهمّ المفاهيم التي تضمّنتها أغلب السياسات والقوانين التي تنظّم التمويل الأخضر في قطاع الطاقة، الأمر الذي يؤكد كونها مفاهيم أساسية ومهمة للحصول على توازن إيجابي يحمي ويشجع في الوقت ذاته العملية التمويلية للتحول.
ويعود ذلك لعدّة عوامل: أوّلها، أن الإفصاح عن المعلومات المالية والخطط الإستراتيجية والتنفيذية لهذه المشروعات ومنشئيها، من شأنه أن يساعد في توقّع المخاطر المحيطة بهذا النوع من المشروعات، بل وقد يمكّن المتخصّصين من منعها أو تخفيفها قبل إنشاء أو منح التمويل، بالإضافة إلى أن الإفصاح عن المشروعات المموّلة وتفاصيلها قد يحدّ من استعمال هذه التمويلات في غير محلّها كما هي الحال مع مشكلة الغسل الأخضر، ومن ثم يخفّف فرض هذا النوع من السياسات من وجود مشاريع ذات أثر سلبي اقتصاديًا وبيئيًا.
و أخيرًا، فإنه في أوج تنافس الدول والشركات على إنشاء وتطوير مشروعات الطاقة المتجددة، ومع ارتفاع الطلب على أدوات التمويل الخاصة بهذا النوع من المشروعات، تزداد الحاجة إلى فرض سياسات تتضمن مفاهيم الإفصاح والشفافية، حيث ينتج عن غيابها تساهل العديد من الجهات المنشئة بجودة المشروعات، بل وتترك للمموّلين تحديد مدى بيئية المشروعات، ما يزيد معه إمكان استغلال انجذاب الدول والجهات والمجتمعات لهذا النوع من المشروعات استغلالًا خاطئًا في غير محلّه.
ولذلك، يمكن القول بأن فرض سياسات تمويلية وقوانين تتضمن نوعًا من الإفصاح والشفافية فيما يخصّ مشروعات الطاقة المتجددة أمر مهم لا يجوز إغفاله، حتى لا نجد أنفسنا مستقبلًا، وبعد انجلاء هالة التمدن والانبهار المحيطة بمشاريع الطاقة المتجددة، في واقع مرير يعيدنا إلى الخطوات الأولى أو التي قبلها، اقتصاديًا وتنمويًا وبيئيًا.
*وجدان عبدالله- قانونية متخصصة في أسواق الطاقة والموارد الطبيعية
لقراءة المزيد..
- تمويل سياسات التغير المناخي يتطلب تريليونات الدولارات.. مَن يدفع التكاليف؟ (تقرير)
-
انخفاض تكاليف الطاقة المتجددة يوفر مليارات الدولارات ويقلل الانبعاثات (تقرير)
مقال رائع بروعتك سعادة المحامية وجدان، مع العلم أن براعتك في الكتابة الإنجليزية في مستوى مختلف، إلا أنك ابهرتنا بقلمك العربي. كل التوفيق ،،،