مقال - مادة الغرافين.. الثورة القادمة في مجال الطاقة
من قلم رصاص إلى ثورة صناعية في العديد من المجالات مثل الطاقة والإلكترونيات، مادة الغرافين هي موضوعنا اليوم، في إطار تناول مختلف المعادن والمواد ذات الصلة بالطاقة.
وتتميّز الغرافين بأنها شريحة رقيقة من الكربون العادي، بسماكة ذرة واحدة فقط، بدأ العالم مطلع هذا القرن اكتشاف أهميتها وما قد تمنحه للبشرية من مزايا وفوائد.
افتتحت مادة الغرافين عطاءها بمنح العالمين "أندر غيم" Andre Geim وقنسطنطين نوفوسيلوف Konstantin Novoselov جائزة نوبل للفيزياء سنة 2004، لإثباتهما أن الكربون في مثل هذا الشكل المسطح "له خصائص استثنائية في عالم فيزياء الكم".. لكن ما أهمية هذه المادة؟ وأين وصلت البحوث للاستخدامات المحتملة لها؟
ما هي مادة الغرافين؟
من المعروف أن المادة العضوية التي ترتكز على الكربون هي أساس كل أشكال الحياة المعروفة على الأرض، ويومًا بعد يوم يفاجئ الكربون العالم، تارة لتذكيره أن الألماس هذه المادة الغالية هي مكونة حصريًا منه، وتارة أن الغرافين ذا الخواص الاستثنائية أيضًا مكون من الكربون تمامًا مثل الألماس، إلا أنه يختلف عنه بتموضع ذراته، وهو المعروف بخواصه الفيزيائية المهمة.
واليوم تتواصل المفاجآت، إذ يقدّم لنا الكربون آخر "منتجاته" الغرافين، وهو شكل من أشكال الكربون.
وتتميّز هذه المادة بأنها ليست فقط الأصغر سمكًا على الإطلاق، وإنما أيضًا الأقوى.
والغرافين موصل للكهرباء مثل معدن النحاس، وموصل أيضًا للحرارة، ضف إلى ذلك أنه يتفوّق على جميع المواد المعروفة الأخرى، كما أنه شبه شفاف، لكنه كثيف جدًا، لدرجة أنه لا يمكن حتى للهيليوم -أصغر ذرة غاز- المرور عبره.
لقد فاجأنا الكربون مرة أخرى
استخرج العالمان المذكوران "أندر غيم"، و"قنسطنطين نوفوسيلوف" الغرافين من قطعة من الجرافيت مثل تلك الموجودة في أقلام الرصاص العادية، وباستخدام شريط لاصق منتظم تمكنا من الحصول على شريحة من الكربون بسُمك ذرة واحدة فقط، فاتحة الباب على مصراعيه نحو ثورة صناعية تدخل فى مجموعة كبيرة ومتنوعة من التطبيقات العملية الممكنة، بما في ذلك إنشاء مواد جديدة وتصنيع الإلكترونيات المبتكرة.
ويتوقع أن تكون الشرائح الإلكترونية والترانزيستورات المصنوعة من الغرافين أسرع بكثير من ترانزستورات السيليكون الحالية وتؤدي إلى أجهزة كمبيوتر أكثر كفاءة وسرعة.
ولأنه شفاف وموصل جيد، فإن الغرافين مناسب لإنتاج شاشات اللمس الشفافة، والألواح الضوئية، وربما حتى الخلايا الشمسية.
وعند خلطه بمواد مثل البلاستيك، يمكن للغرافين تحويلها إلى موصلات للكهرباء مع جعلها أكثر مقاومة للحرارة وقوة ميكانيكيًا.
يمكن استخدام هذه المرونة في مواد جديدة فائقة القوة، وفي الوقت نفسه رقيقة ومرنة وخفيفة الوزن، كما يمكن مستقبلًا تصنيع الأقمار الصناعية والطائرات والسيارات من المواد المركبة الجديدة.. واللائحة تطول.
مجالات جديدة للغرافين
من التطبيقات التي دخلت اليوم حيز التطبيق، هو مجال الطيران، إذ يُستغل الغرافين بسبب ميزته رائدًا في التوصيل الكهربائي، وكذلك بسبب كثافته المنخفضة ومرونته، إذ مكّنته هذه الخصائص من تقديم حلول للمشكلات التي يواجهها الطيران، مثل التعرّض للصواعق، وتراكم الجليد على هيكل الطائرة، وهي مشكلات شائعة عندما تكون الطائرات على ارتفاعات عالية.
فالصاعقة على سطح غير موصل تسبّب أضرارًا جسيمة، بما في ذلك اشتعال الجهاز، ويؤدي إضافة الغرافين -بسبب الموصلية الكهربائية العالية- إلى تبديد تيار الطاقة العالي هذا، ويوجّه التيار إلى أقصى مكان ممكن من مناطق الخطر وخزانات الوقود وكابلات التحكم موفرًا الأمان اللازم للملاحة.
ومن بين أهم المجالات التي يُستخدم الغرافين فيها، هو تخزين الطاقة الكهربائية.
كما يُعدّ الغرافين مرشحًا مثاليًا بوصفه قطبًا كهربائيًا لبطاريات "لي آيون" (Li-ion) والمكثفات الفائقة، وذلك لسببين: التوصيل الكهربائي العالي، ولأن سطحه عالي الجودة يسمح بتدفق كبير للحصول على سعة تخزين كبيرة عبر إدخال عدد هائل من الأيونات بين صفائحه، ما يجعل من الممكن تبادل المزيد من الإلكترونات، وهو ما يؤدي إلى زيادة سعة تخزين الكهرباء وكذلك دورة تفريغ وشحن أقصر بكثير للبطاريات وذلك دون زيادة حرارة البطاريات.
والسبب أن الغرافين موصل حراري جيد، ما يحدّ من ارتفاع درجة حرارة البطاريات عن طريق تبديد الحرارة.
وعلى المستوى الصناعي، فقد طوّرت شركة "رييل غرافين" Real Graphene بطارية خارجية تشحن بشكل كامل هاتفًا خلويًا في 17 دقيقة.
وفي 18 أكتوبر/تشرين الأول 2017، جرى قبول براءة اختراع مقدمة من شركة سامسونغ الكورية الجنوبية، في الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، لبطارية الغرافين التي من شأنها أن توفّر ضعف استقلالية الهواتف الذكية الحالية، دون تدفئة وبوقت إعادة شحن يقدر بـ15 دقيقة.
كما أعلنت أيضا شركة "جي إم جي" Graphene Manufacturing Group) GMG) -ومقرها بريسبان في أستراليا- أنها في طور تصنيع بطاريات من خلايا الغرافين ألومنيوم أيون، يمكن أن تشحن ما يصل إلى 60 مرة أسرع من أفضل خلايا الليثيوم أيون، وتُخزن الطاقة بثلاثة أضعاف من أفضل الخلايا القائمة على الألمنيوم.
السيارات الكهربائية والغرافين
أما في مجال السيارات الكهربائية فإن شركة مرسيدس تعمل على صنع نموذج أولي لسيارة ببطارية مكونة من أقطاب الغرافين، يبلغ مدى استقلاليتها 700 كيلومتر، ويمكن إعادة شحنها في 15 دقيقة فقط.
وقد تبدو هذه القيم مفاجئة للوهلة الأولى خصوصًا بالنسبة إلى السيارات الكهربائية، التي تتطلّب بطاريات ذات سعة تخزين عالية، ولكن هذا ما يدور في ورشات التصنيع في الوقت الحالي.
ويتوقع أغلب الباحثين أن الغرافين يمكنه أن يُحدث ثورة في التطبيقات اللاسلكية، والاتصالات بشكل عام، خصوصًا النطاق العريض الرقمي، والاتصالات عبر الأقمار الصناعية، والرادارات قصيرة وطويلة المدى، وأخيرًا مجال "تيراهيرتز" والكشف الضوئي في مجال الفيزياء الفلكية.
وتبقى أكبر مشكلة يواجهها الغرافين -المادة ثنائية الأبعاد- هي تصنيعه بكميات تجارية وبأسعار معقولة.
وفي انتظار حدوث تلك الثورة، تبقى هناك دائمًا فجوة بين العمل الأكاديمي وتطبيقه العملي.
*أحمد الطالب محمد - خبير الموارد المعدنية في موريتانيا
اقرأ أيضًا..
- مقال - "الثوريوم" أحد المصادر المتوقعة للطاقة مستقبلًا.. موريتانيا مثالًا
- موريتانيا تبحث التعاون في مجال النفط مع 3 دول
- موريتانيا تختار تحالفًا استشاريًا لتطوير خطة استكشاف النفط والغاز