التقاريرتقارير منوعةسلايدر الرئيسيةعاجلمنوعات

الغرب يتحايل على سياسات المناخ.. والدول الفقيرة تدفع الثمن

استخدام ثغرات قانونية للتنصل من قيود البيئة الصارمة لتخريد السفن

سالي إسماعيل

هل تساءلت يومًا ماذا يحدث للسفن عندما تصبح قديمة للغاية للإبحار؟.. غالبًا ما تُفكّك ويُعاد تدويرها، للاستفادة من كمية الحديد الكبيرة فيها وبيعها على شكل "خردة"، إلا أن تكاليف عمليات التفكيك والتدوير في الدول الصناعية مرتفعة، ليس بسبب تكاليف العمالة فقط، وإنما بسبب القوانين البيئية الصارمة التي تحكم عملية التفكيك والتدوير وطرق التخلّص أو الاحتفاظ بالمواد السامة.

ولهذا تلجأ الشركات إلى حيل وأساليب مختلفة لتفكيك هذه السفن وإعادة تدويرها في الدول الفقيرة، مستغلة ثغرات قانونية تتيح لها تغيير جنسية السفينة، ومن ثَمّ تفكيكها في دول أخرى.

وبعيدًا عن تفكيك السفن، تلجأ بعض الشركات إلى إغراق السفن في المحيطات بشكل غير قانوني، كما تُحوّل أحيانًا إلى متاحف أو استخدامات أخرى.

وفي حين أن عملية تفكيك المواد وإعادة تدويرها أفضل بيئيًا من عمليات الإغراق، إلا أنها تُثير المخاوف بشأن استغلال أصحاب السفن في البلدان المتقدمة الغنية الدول الفقيرة منخفضة الدخل، التي في العادة تكون متساهلة للغاية فيما يتعلّق بالأنظمة البيئية، وذلك عبر ثغرة تُعرف باسم "الأعلام السهلة".

وتنبع فكرة أعلام التهرب من القيود (الأعلام السهلة) من محاولة الهروب من القوانين البيئية الصارمة المفروضة في بعض البلدان خصوصًا تلك المتقدمة، ما يعني إلحاق الضرر بالبلدان الأخرى التي تفتقر إلى التشريعات القاسية والرامية للحفاظ على البيئة.

وتُعدّ مسألة تخريد السفن بمثابة مثال واضح للغاية على انتهاك الاتفاقيات الدولية بشأن البيئة، ما يعني أن هناك حاجة ملحة لتحرُّك المجتمع الدولي من أجل القضاء على مثل هذه الثغرات التي تهدِّد البيئة، كما يشير تقرير نشرته مجلة نيتشر البريطانية.

الأعلام السهلة

يومًا بعد يوم، يتزايد عدد الدول التي تستغل ثغرة أعلام السفن أو الأعلام السهلة (flag of convenience) في عمليات التخريد الملوّثة للبيئة بشكل صارخ.

ومن الشائع أن ترفع سفينة علم دولة غير تلك التي ينتمي إليها مالكوها، بغض النظر عن جنسية المالك، وهو الأمر الذي يواجه انتقادات عديدة.

وتسمح هذه الممارسة لمالكي السفن من الدول ذات اللوائح البيئية الصارمة بتفكيك سفنها بتكلفة منخفضة، لكن يحدث ذلك في كثير من الأحيان بطرق ضارة للبيئة.

وفي المقابل، تحظى دول الأعلام السهلة تلك -التي في العادة تكون أكثر فقرًا- بالمزيد من الأموال التي تدخل اقتصادها وتدعمه رغم الأضرار البيئية.

وبحسب دراسة نقلتها مجلة نيتشر تحت عنوان "سجلات تخريد السفن تكشف عن وجود ظلم بيئي مقلق"، شهد عدد السفن المسجلة في دول أخرى غير بلد المنشأ قفزة مفاجئة منذ عام 2002، وذلك تحت مظلة الأعلام السهلة.

"التخريد" على شاكلة غسل الأموال

على غرار غسل الأموال -إن جاز التعبير- ربما ينطبق الأمر نفسه على لجوء السفن إلى الأعلام السهلة من أجل إتمام عملية التفكيك، فتقوم الشركات بعمليات تغيير للمكلية والأعلام، حتى تصل السفينة إلى الميناء الذي ستُفكّك فيه.

وتُعدّ عملية تخريد السفن بمثابة مصدر لتوليد كميات هائلة من التلوّث البحري، رغم أهمية تلك السفن بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي، كونها تنقل نحو 90% من البضائع المتداولة حول العالم.

ويزداد الأمر سوءًا، إذا كانت عملية تفكيك الناقلات والسفن الأخرى تحدث داخل البلدان التي تشهد لوائح بيئية أقل صرامة أو أكثر تساهلًا مع عمليات التخريد.

مراكز عالمية

في الواقع تسيطر الدول الغنية -بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان- على الغالبية العظمى من أسطول البضائع والناقلات حول العالم.

وخلال المدة بين عامي 2014 و2018، اقتصر نحو 80% من عمليات تفكيك السفن على 3 دول فقط، وهي بنغلاديش والهند وباكستان، لتكون المراكز العالمية للتخريد، بحسب تحليل سجلات تخريد السفن من مزوّدي البيانات البحرية التجارية الذي نقلته مجلة نيتشر.

ويرجع ذلك -في الأساس- إلى أن عمليات تفكيك السفن في هذه الدول الثلاث تخضع لقواعد ضعيفة فيما يتعلّق بالبيئة والعمل والسلامة.

وفي حين كانت بنما وليبيريا في طليعة الدول التي توفّر الأعلام السهلة خلال المدة بين عامي 2002 و2019، فمن المرجح أن تحلّ جزر القمر وبالاو في الصدارة، إذ تعتزمان إصدار أعلام مقابل رسوم ودون لوائح مناسبة.

أرقام وحقائق

طبقًا لإحصائيات منصة شيب بريكنغ (Ship Breaking platform)، شهد عام 2020 بيع نحو 630 سفينة تجارية عابرة للمحيطات ووحدات بحرية إلى تجار الخردة.

ويقارن ذلك مع تفكيك 674 سفينة في عام 2019، وهو ما يأتي في سياق اتجاه هبوطي في عدد السفن التي جرى التخلّص منها منذ عام 2016، الذي كان شاهدًا على التخلّص من 826 سفينة.

وشهدت دول جنوب آسيا -تحديدًا شواطئ ألانغ في الهند وشيتاغونغ في بنغلاديش وجاداني في باكستان- التخلّص من أغلب السفن -نحو 90% من إجمالي الحمولة التي خرّدت عالميًا- في العام الماضي.

وتتصدّر اليونان -كونها من أكثر البلدان ملكية للسفن- قائمة الدول الأكثر تخلّصًا من السفن القديمة في العام الماضي، فقد باع المالكون اليونانيون 48 سفينة للتخريد في جنوب آسيا، كان معظمها في بنغلاديش وباكستان.

وفي حين شهدت الدول الثلاث مجتمعة في عام 2020 تخريد 446 سفينة، لكن تركيا كذلك كانت مأوى لتخريد 94 سفينة، يليها الصين، حيث جرى هناك تفكيك 20 سفينة.

وعلى جانب البيئة، شهدت بنغلاديش قطع ما لا يقل عن 60 ألفًا من الأشجار الساحلية المحمية التي تعيش على المياه المالحة في السنوات القليلة الماضية على طول الساحل بالقرب من مدينة تيشاتوغرام، لإفساح المجال أمام مزيد من عمليات تخريد السفن.

ومن شأن قطع الأشجار الساحلية أن يكون ذا عواقب سلبية للغاية؛ لأن هذه الأشجار ضرورية للنظام البيئي الهش في المنطقة، كما أنها الحاجز الأخير ضد الآثار المدمرة للأعاصير والفيضانات.

وبموجب القانون البيئي الدولي، تُعدّ السفن بمثابة نفايات خطيرة؛ لأنها تحتوي على العديد من المواد السامة داخل هياكلها وعلى متنها.

ويعني ذلك أن هناك حاجة إلى التعامل مع هذه العملية بطريقة آمنة وسليمة من الناحية البيئية، مع حقيقة أن اتفاقية بازل التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة تحظر تصدير هذه السفن من البلدان المتقدمة إلى نظيرتها النامية.

القارة العجوز

يتطلّب القانون الأوروبي أن تُفكّك أي سفينة تحمل علم دولة أوروبية عند انتهاء عمرها الافتراضي في الدول الأوروبية، وفي ورشات معتمدة رسميًا من المفوضية الأوروبية.

وجعل هذا القانون العديد من مالكي السفن الأوروبيين يسجلون سفنهم في دول أخرى ذات قوانين سهلة وأقل صرامة؛ لهذا أصبح استخدام أعلام الدول الفقيرة للتهرّب من القيود الصارمة بمثابة الوضع الطبيعي بين أصحاب السفن في الاتحاد الأوروبي، بحسب دراسة سجلات تخريد السفن.

وفي غضون المدة بين 2002 و2019، ارتفعت نسبة السفن المملوكة لدول الاتحاد الأوروبي -المسجلة في البلدان منخفضة الدخل- من 46% إلى 96%، وفقًا للدراسة التي نقلتها مجلة نيتشر.

ويمكن للمالكين -عبر تسجيل السفن في دول أخرى- كذلك التهرب من الضرائب وتشغيل سفن لا تستوفي المعايير المطلوبة.

وفي 17 مايو/أيّار الماضي، اقترحت المفوضية الأوروبية نهجًا جديدًا من أجل اقتصاد أزرق مستدام في الاتحاد الأوروبي والقطاعات المتعلّقة بالمحيطات والبحار والسواحل.

ويقصد بـ"الاقتصاد الأزرق" صفاء مياه المحيطات، ومن ثَمّ فهو تعبير آخر عن "الاقتصاد الأخضر".

كما يُعدّ الاقتصاد الأزرق المستدام ضروريًا لتحقيق أهداف الصفقة الأوروبية الخضراء وضمان التعافي الأخضر والشامل من الوباء.

وفي ظل مساعي تحقيق هذا الاقتصاد المستدام والخالي من الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2050، تعتزم المفوضية الأوروبية مراجعة القواعد الخاصة بإعادة تدوير السفن، في خطوة من شأنها تشديد هذه الضوابط.

القواعد البحرية

لم تكن المعاهدات الدولية فاعلة نهائيًا فيما يتعلق بمنع الظلم البيئي، كما تشير دراسة سجلات تخريد السفن التي أجراها باحثون بقيادة باحث النقل في جامعة شنغهاي البحرية، زينغ وان.

وتشمل هذه المعاهدات اتفاقية بازل لعام 1992، والخاصة بمنع نقل النفايات الخطرة من البلدان المتقدمة إلى الدول الأقل نموًا، واتفاقية هونغ كونغ لعام 2009 بشأن إعادة تدوير السفن بشكل آمن وسليم من الناحية البيئية.

ويقول وان: "تجعل الممارسات التجارية العديد من المعاهدات الدولية واللوائح الإقليمية غير قابلة للتنفيذ؛ لأن الأعلام السهلة تميل إلى التقليل من الاهتمام بالقواعد".

أضرار محتملة

يأتي تخريد السفن في البلدان منخفضة الدخل مع مخاطر صحية قاتلة وتلوّث شديد للبيئة، بما في ذلك إطلاق الزئبق والرصاص والمواد المستنفدة لطبقة الأوزون.

وتُقدّر إحدى الدراسات أنه بحلول عام 2027، سيفقد نحو 5 آلاف عامل حياتهم في ساحات إعادة تدوير السفن في الهند؛ بسبب مرض ناجم عن استنشاق الأسبستوس.

وعادةً ما تتجاهل البلدان منخفضة الدخل -التي تقبل تخريد السفن داخل حدودها- صحة العمال، كما يقول وان.

وعلى الجانب الآخر، لقي نحو 407 أشخاص حتفهم في ساحات تفكيك السفن منذ عام 2009 حتى عام 2020، بحسب بيانات منصة شيب بريكنغ.

وتُعدُّ عملية تفكيك السفن واحدة من أكثر الوظائف خطورة في العالم، على حد وصف منظمة العمل الدولية.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق