يعدّ مشروع حقل بحر السلام القريب من الحدود التونسية، ذا أهمية اقتصادية وسياسية لليبيا، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي والقطر العربي أيضًا.
لذلك حرصت إيطاليا على العودة مباشرة لاستكمال الاستثمارات في الحقل، بعد هدوء الأحداث التي أطاحت بالرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، حتى باتت إيطاليا دافئة بالغاز الليبي من خلال حقل السلام.
يقع حقل بحر السلام على بعد 110 كيلو مترات من الساحل الليبي، وقد بدأت نشاطات الاستكشاف فيه خلال الفترة بين 1977 – 1979، وذلك بحفر بئرَي C1 و C2، ثم أعقب ذلك حفر 5 آبار استكشافية أخرى، كما تمّ حفر 26 بئرًا فيما بعد، دخلت مرحلة الإنتاج خلال سبتمبر/أيلول 2005.
يجري إنتاج الغاز والمكثفات من 15 بئرًا بالقرب من المنصة و11 بئرا تحت سطح البحر مقسمة إلى مجموعتين واقعتين على مسافة 20-24 كم من منصة صبراتة.
أهمية المشروع لتونس
مشروع بحر السلام كما هو إستراتيجي يهمّ أوروبا، فهو يهمّ تونس أيضًا، ورغم النزاعات بين ليبيا وتونس منذ سنوات على الحقل، فإن الأخيرة تقبّلت الحكم لصالح ليبيا أخيرًا، وتحاول الآن الاستفادة من المشروع بالقرب منها، عن طريق الاستثمار المتبادل مع ليبيا، وإيجاد مصدر مستدام لتزويدها بالمحروقات.
في الثمانينات، شهدت البلاد نزاعًا مع تونس حول مكامن بالبحر المتوسط، لكن ليبيا كسبت تلك القضية المعروفة بالجرف القارّي أمام المحكمة الدولية، واشتهرت تلك القضية بمقولة: "النفط الليبي في الميزان أثقل من الإسفنج التونسي".
منذ عام 1951 والعلاقات بين البلدين تتّصف بالتوتر، لكن نظام الحكم في تونس لم يكن متهورًا، وكان أقوى من السلطات الليبية من الناحية التفاوضية، بينما تغلّبت ليبيا عن طريق تعيين جهات قانونية غربية وتمتّعها بالقدرات المالية من أموال النفط واستخدامها ورقة ضغط.
في عام 1988 عندما شهد النفط ارتفاعًا بنسب مئوية كبيرة، أدركت تونس أن الحكم ليس في صالحها، وأن اعتمادها على حقوقها في صيد الإسفنج لم يُجدِ أمام الواقع الليبي، وتركيزها على الجيولوجيا والامتداد الطبيعي، ورغبة إيطاليا ودول أخرى ذات مصالح إستراتيجية بمناطق صحراوية، حسم الموقف.
وفي عام 2010 تمّ الاتفاق بين ليبيا وتونس لإنشاء مصفاة الصخيرة بسعة 130 ألف برميل يوميًا، لكن الغريب في الأمر دخول قطر على الخط بعد سقوط النظام الليبي، والإعلان عن رغبتها بتدشينها للمصفاة بمنطقة الصخيرة، وموافقة تونس التي فقدت الأمل من اتفاقيات عدّة تم توقيعها خلال عهد النظام الليبي السابق.
خلال ثورات الربيع العربي، حاولت تونس توقيع اتفاقية تقضي بأن تستورد من ليبيا 450 ألف برميل من النفط شهريًا، إلى نهاية 2013، ثم ترتفع الكمية إلى 650 ألف برميل عام 2014.
وقتها، اتفق الطرفان على تكوين مجموعة عمل مشتركة لدراسة إمكان استخدام الجانب الليبي لأنبوب تملكه الشركة التونسية للنقل بوساطة الأنابيب (المعروفة اختصارًا باسم ترابسا) وأنبوب الغاز الذي يربط الجنوب التونسي بمدينة قابس، من أجل نقل الخام الليبي إلى تونس.
غير أن جميع هذه الجهود توقّفت، وأصبحت مشروعات على ورق فقط دون إنجاز، بسبب الاضطرابات التي حدثت في البلدين والتداعيات المترتبة على ذلك، وهو ما يوضّح للجميع أهمية الاستقرار لقطاع النفط.
حاليًا العلاقات بين البلدين تتجه نحو الاستقرار، خاصة بوجود توافق بين رئيس المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا المهندس مصطفى صنع الله، والسفير التونسي في طرابلس، وفتح باب الاستثمار للشركات الخدمية النفطية.
حقل بحر السلام وإيني
الاتفاقيات والمصالح الاقتصادية مبنيّة على تراكمات تاريخية، ولا بدّ من الرجوع لأصل الشيء ليمكن فهمه.
مشروع الغاز الذي يجمع ليبيا بإيطاليا من خلال حقل بحر السلام، بدأت مراحله الأولى خلال نوفمبر/تشرين الثاني عام 1977، وأصبح إنتاجه أكثر فاعلية عام 2005، وكانت إيني التي تشارك المؤسسة الوطنية للنفط عبر "مليتة بي في" أسرع الشركات عودة للبلاد، بعد أشهر من سقوط نظام الحكم في ليبيا بسبب الاحتجاجات آنذاك.
كثيرون لا يعلمون شيئًا عن حقل بحر السلام الذي ينتج المكثّفات بكمية قد تصل إلى 35 ألف برميل يوميًا، تُضخّ من المنصة إلى مجمّع مليتة للمعالجة عبر أنبوب بحري إلى جانب الإنتاج للغاز الذي يبلغ تقريبًا 650 مليون قدم مكعبة من بئرين يُطلق عليهما سي 1 وسي 2، مع استمرار الشركة بحفر آبار استكشافية متعددة بالقرب من المنصة البحرية الواقعه في منطقه بحر السلام، والتي يطلق عليها اسم منصة صبراتة البحرية.
تجري معالجة الإنتاج والفصل وإزلة المياه في المنصة، ثم تضخّ المكثفات عبر خط أنابيب قطرها 10 بوصة إلى مليتة، للمزيد من المعالجة، ومنها إلى التصدير.
والغاز يُنقل عبر خط أنابيب قطره 36 بوصة إلى مليتة، لغرض المعالجة النهائية والتصدير إلى إيطاليا، عن طريق محطة ضغط مليتة للغاز التابع لشركة الدفق الأخضرGreen Stream، عبر خط بحري بقطر 32 بوصة ولمسافة 540 كم.
نحن ما زلنا نتحدث عن مراحل أولية قبل التطوير، ففي عام 2015 اكتشفت إيني -التي تعدّ مساهمًا مع شركة مليتة المشغّل من خلال 7 اتفاقيات- بئرًا كبيرًا للغاز في حقل بحر السلام.
عام 2018، بدأ الإنتاج من المرحلة الثانية بعد بناء منصّتين، وبدأ الإنتاج من 8 آبار بعد 3 أشهر فقط من الاتفاق مع إيني، التي دخلت على الخط بحوض غدامس، وأصبحت تشارك بريتش بتروليم.
بعد نجاح مؤسسة النفط وإيني في تطوير المرحلة الثانية من حقل بحر السلام، ارتفع الإنتاج إلى مليار قدم مكعبة من الغاز، سوف تزوّد الشبكة الوطنية الليبية للكهرباء في البلاد، وتدعم التحوّل نحو التصنيع.
اقرأ أيضًا..
- بدء تشغيل المرحلة الثانية لإنتاج الغاز من حقل الفارغ الليبي
- حوار – مسؤول ليبي يتحدث عن رفع دعم المحروقات وإنتاج مليوني برميل يوميًا
- مقال - شركاء النفط الليبي ورد فعل المؤسسة الوطنية