معاناة سوريا.. الطاقة الشمسية خيار إدلب لتأمين احتياجاتها من الكهرباء
المواطنون يتجهون إلى المصادر المتجددة لأنها الأرخص
محمد فرج
- الطفرة الشمسية في سوريا لا علاقة لها بالمخاوف من تغير المناخ أو خفض الانبعاثات
- تمتلك العديد من عائلات اللاجئين لوحة شمسية واحدة على الأقل لشحن هواتفهم وتشغيل مصابيح الإنارة
- معظم المواطنين في شمال غرب سوريا لديهم احتياجات أبسط للكهرباء وأموال أقل بكثير للاستثمار
- ما يهم المزارعون الحصول على الكهرباء بصرف النظر عن تقليل الضوضاء والحفاظ على البيئة
دفعت أزمة الكهرباء التي تعيشها سوريا، فضلًا عن الحرب المستمرة في البلاد منذ 10 سنوات، عديدًا من المواطنين إلى اللجوء نحو الطاقة الشمسية، من أجل تأمين احتياجاتهم من الكهرباء وبأسعار رخيصة.
وتنتشر الألواح الشمسية -الكبيرة والصغيرة، القديمة والجديدة- في كل مكان بالمدينة على طول الحدود السورية مع تركيا، ومجهزة في ثنائيات وثلاثيات على أسطح المباني السكنية وشرفاتها، وفوق خيام اللاجئين، ومثبتة بالقرب من المزارع والمصانع على مساحة ضخمة.
ومعظم الناس في شمال غرب سوريا لديهم احتياجات أبسط للكهرباء وأموال أقلّ بكثير للاستثمار، إذ نزح أكثر من 4.2 مليون شخص إلى المنطقة خلال سنوات الحرب، ويكافح كثيرون لتأمين أساسات الحياة، مثل الغذاء الصحي والمياه النظيفة والصابون.
وتمتلك عديد من عائلات اللاجئين -الذين يعيشون في مخيمات مزدحمة- لوحة شمسية واحدة على الأقلّ، تنتج طاقة كافية لشحن الهواتف وتشغيل مصابيح الإنارة في الليل، وبعضهم لديه 3 أو 4 ألواح لتشغيل الكماليات مثل أجهزة التلفاز، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز.
وينظر كثيرون في الغرب إلى الألواح الشمسية على أنها علامة على الثراء، وقد استثمرت الدول الغنية مثل الولايات المتحدة مليارات الدولارات للترويج للطاقة البديلة.
الطاقة الشمسية.. خيار وحيد قابل للتطبيق
من المؤكد أن الطفرة الشمسية في شمال غرب سوريا لا علاقة لها بالمخاوف من تغيُّر المناخ أو الرغبة في تقليل البصمة الكربونية، إنه الخيار الوحيد القابل للتطبيق بالنسبة إلى كثيرين في منطقة قُطعت فيها الكهرباء، فضلًا عن عدم توفر الوقود اللازم لتشغيل المولدات الخاصة.
وتسبّبت محاولات النظام السوري في محاصرة تنظيم داعش الإرهابي خلال السنوات الماضية، في إزالة عدد من المناطق من شبكة الكهرباء الوطنية، التي تغذّيها محطات توليد الكهرباء بالنفط والغاز والسدود الكهرومائية على نهر الفرات، ومن بينها محافظة إدلب.
في البداية، لجأ السكان المحليون إلى المولّدات، ووُفِّرَت وحدات صغيرة تعمل بالغاز للمحلات التجارية ومحركات الديزل الكبيرة لكهربة المباني السكنية بأكملها، وأصبح الزئير الدائم والدخان السامّ من المولدات جزءًا من الحياة في البلدات التي يسيطر عليها المتمردون.
ولمدة من الوقت، كان معظم الوقود -الذي يرد إلى المنطقة- يأتي من آبار النفط في شرق سوريا الذي سيطر عليه تنظيم داعش لمدة، إذ يُجرى تكريرها محليًا وبجودة سيئة جدًا، ما يعني أنها تلطخ المولدات، الأمر الذي تطلّب بعد ذلك صيانة متكررة مكلفة، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز.
ارتفاع أسعار الكهرباء
بحلول الوقت الذي خرج فيه تنظيم داعش من آخر رقعة له من الأراضي في سوريا عام 2019، كان الشمال الغربي يستورد الوقود من تركيا الذي كان أكثر نقاءً، ولكنه يكلّف أكثر من ضعف ذلك السعر، والآن نحو 150 دولارًا للبرميل (58 غالونًا من الديزل التركي)، مقارنةً مع 60 دولارًا للبرميل من شرق سوريا قبل بضع سنوات.
وقال بائع ألواح شمسية وبطاريات في بلدة بنش في إدلب، أحمد فلاحة، إن ارتفاع الأسعار دفع العملاء إلى الاتجاه نحو الطاقة الشمسية.
وقد باع فلاحة المولدات في الأصل، لكنه أضاف الألواح الشمسية في عام 2014، ولم تكن شائعة في البداية، لأنها أنتجت قدرًا أقل من الكهرباء، ولكن عندما ارتفعت أسعار الوقود لاحظ الناس في الليل أن جيرانهم الذين لديهم ألواح شمسية ما زالوا يستخدمون الأضواء أثناء جلوسهم في الظلام، ونما الطلب، وفي عام 2017 توقف عن بيع المولدات.
وأضاف: "كنت أمتلك ألواح طاقة شمسية بقدرة 400 واط، صينية الصنع، مقابل 100 دولار"، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز.
وقال فلاحة إن مجموعته القياسية لمنزل متواضع تتكون من 4 ألواح وبطاريتين وكابلات ومعدات أخرى مقابل 550 دولارًا.
ويمكن لمعظم العائلات استخدام ذلك لتشغيل الثلاجة أو الغسالة في أثناء النهار والأضواء وجهاز تلفزيون في الليل.
مزارعون يسعون للحصول على كهرباء رخيصة
عقب اعتماد عديد من المواطنين على الطاقة الشمسية بدأت عمليات بيع الألواح الشمسية إلى المنشآت الكبيرة والورش ومزارع الدجاج.
ويُعدُّ أكثر ما يهم المزارعون سعر الحصول على الكهرباء، بصرف النظر عن تقليل الضوضاء والحفاظ على البيئة، حسبما يقول فلاحة: "آخر ما يفكر فيه الناس هو البيئة، وأحد العملاء سكب حامض البطارية في مصرف المتجر".
وفي السنوات الأخيرة، أصبح سعر الديزل لتشغيل مضخة الري باهظًا، لدرجة أنه أدّى إلى محو أرباح أحد المواطنين في سوريا، مأمون كيبي، إذ أنفق العام الماضي ما يقرب من 30 ألف دولار لتركيب 280 لوحًا بقوة 400 واط على أسطح مزرعة دواجن مهجورة.
وكانت الرقعة الكبيرة من الألواح موضوعة على قاعدة متأرجحة متصلة برافعة، حتى يتمكن من ضبط زاويتها على ضوء الشمس خلال النهار، وعندما كان الجو مشمسًا أبقى النظام المضخة تعمل لمدة 8 ساعات، وكان يعمل بشكل أقل في الأيام الملبدة بالغيوم، لكنه كان سعيدًا بمظهر محاصيله حتى الآن.
وتابع: "بالفعل هناك تكلفة كبيرة للتنفيذ، ولكنها ستُنسى بعد ذلك لمدة طويلة"، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز.
الطاقة الشمسية تضيء خيم اللاجئين
في مدينة إدلب، استقر رجل إطفاء سابق، أحمد بكار، وعائلته في الطابق الثاني من مبنى سكني مكون من 4 طوابق تعرّض سقفه لضربات جوية.
وأوضح أن الأسرة تحرّكت 6 مرات خلال الحرب، وفقدت كل شيء تقريبًا على طول الطريق، إذ تفتقر معظم الغرف في شقة العائلة الحالية إلى النوافذ، لذلك علّق البطانيات لمنع الريح، ولم يكن بمقدورهم تحمل تكلفة زيت التدفئة، لذلك أحرقوا قشور الفستق للتدفئة.
وذكر أنه تمكّن من شراء 4 ألواح شمسية مستعملة مثبتة على رف في الشرفة المواجهة للسماء، وعندما غابت الشمس قدّموا كهرباء كافية لضخ المياه إلى الشقة حتى لا يضطروا إلى حملها، وشحنوا بطارية حتى تتمكن الأسرة من الحصول على بعض الأضواء في الليل.
وألقت إحدى العائلات الملابس والبطانيات والمراتب في أثناء الهجوم على قريتهم، على عجل، في شاحنتهم وانطلقوا لبدء حياة جديدة بوصفهم لاجئين، تاركين وراءهم منزلهم وأراضيهم الزراعية والتلفزيون.
ومن بين المتعلقات التي حرصوا على الاحتفاظ بها وتكون معهم في حياتهم الجديدة بصفتهم لاجئين، كانت الألواح الشمسية المثبتة الآن على الصخور بجوار الخيمة الممزقة التي يسمونها المنزل في بستان زيتون بالقرب من قرية في شمال غرب سوريا.
اقرأ المزيد..