النحاس.. سلاح الصين للتحكم في تطوير مشروعات الطاقة المتجددة بالعالم
الشركات تستثمر دورة المعدن في تحول الطاقة
نوار صبح
- عزز اندفاع الصين لبناء مقياس "الطاقة الخضراء" التوسع في الملوثات الصناعية وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري
- يتطلب إنتاج كل ألف سيارة كهربائية تعمل بالبطارية نحو 83 طنًا متريًا من النحاس
- تستهلك توربينات الرياح نحو 3.6 طن متري من النحاس لكل ميغاواط والخلايا الكهروضوئية من 4 إلى 5 طن متري لكل ميغاواط
- الاستغناء عن الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة البديلة يرهق إمدادات النحاس العالمية
- يمثل الإنتاج المحلي الصيني 8% من حجم النحاس المستخرج عالميا
يُعدّ النحاس عنصرًا مهمًا في استثمارات الصين الخارجية، ويمثّل توفيره هاجسًا للشركات الصينية، نتيجة المخاوف الناشئة من سلاسل توريد المواد الخام والقائمة على قلة الإنتاج المحلي الصيني.
وعزّز اندفاع بكين لبناء مقياس "الطاقة الخضراء"، وحجم السوق العالمية، التوسّع في الملوثات الصناعية وكذلك انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، حسبما أوردت مدونة معهد بيكر الأميركي.
من ناحية ثانية، يمكن لمراكز القوى في سلسلة قيمة النحاس أن تسهّل أهداف السياسة الصناعية الكبرى للصين المتمثلة في التحكم بالشركات التي تتخذ من الصين مقرًا لها، وبموردي الأجهزة والتكنولوجيا الأساسيين، من أجل تطوير الطاقة الجديدة في جميع أنحاء العالم.
وتشكّل هذه الديناميكيات القوة الدافعة لدورة النحاس الفائقة المحتملة، إذ يتعرض الإمداد العالمي لضغط كبير نتيجة طموحات الطاقة الخضراء.
النحاس في أنظمة الطاقة البديلة
تتميز أنظمة الطاقة البديلة بكثافة عالية لاستهلاك المواد الأولية، التي يُعدّ النحاس مكونًا رئيسًا لها؛ إذ يتطلب إنتاج كل ألف سيارة كهربائية تعمل بالبطارية نحو 83 طنًا متريًا من النحاس (أكثر من المركبات التقليدية بـ3 أضعاف، بحدود 23 طنًا متريًا).
وتستهلك توربينات الرياح نحو 3.6 طنًا متريًا من النحاس لكل ميغاواط من المخرجات، والخلايا الكهروضوئية من 4 إلى 5 أطنان مترية لكل ميغاواط، وتتطلب الحذافات (دارات الموازنة)، في الطاقة الكهرومائية التي يجري ضخها من 0.3 إلى 4 أطنان مترية لكل ميغاواط.
كما يمكن أن تستهلك 30 ألف سيارة كهربائية تعمل بالبطارية كمية من النحاس تعادل ناطحة سحاب، وسيتطلب تسليم ثلث أسطول سيارات الركاب العالمي (تضم الصين، حاليًا، نحو ثلث سيارات الركاب قيد التشغيل)، تشغيل أكثر من 300 مليون سيارة كهربائية.
ويمكن أن تضم هذه الأرقام مجتمعة 20 مليون طن من النحاس، أي ما يعادل إجمالي الاستهلاك العالمي السنوي الحالي، تقريبًا، أو حوالي 20% من مخزون النحاس بالكامل الذي يقدِّر المحللون أنه موجود حاليًا في المباني والمركبات الصينية.
وفي أنظمة الطاقة البديلة -التي تزيد كثافة استهلاك النحاس فيها 5 أضعاف عن نظيراتها التقليدية- فإن الاستغناء عن الوقود الأحفوري يمكن أن يُرهق إمدادات النحاس العالمية، حسبما أوردت مدونة معهد بيكر الأميركي.
وأدى التفاؤل بشأن الطاقة الخضراء، وتوقعات حدوث أزمة في الإمدادات، إلى ارتفاع أسعار النحاس إلى أعلى مستوى لها في 10 سنوات في بورصة نيويورك التجارية في أواخر فبراير/شباط 2021.
ويمثّل الإنتاج المحلي الصيني ما يقرب من 8% من حجم النحاس المستخرج عالميًا، بعد تشيلي (بنسبة 28%)، وقبل الولايات المتحدة بقليل (نحو 6%)، وتستهلك الصين نحو 52% من النحاس المكرر عالميًا، ما يقرب من 24 مليون طن متري، وتنتج نحو 41%.
وبحسب بيانات معهد أميركان إنتربرايز، استثمرت الشركات الصينية أكثر من 56 مليار دولار في أصول النحاس في الخارج بين عامَيْ 2005 و2020.
قدرة المناجم على سد العجز
يتوقع المتداولون في سوق النحاس العالمية أن تكون أصول المناجم الصينية -في مختلف البلدان- قادرة على تقديم كميات متفاوتة في حالة حدوث فجوات في العرض والطلب.
وفي حال عجز أصول النحاس الصينية، سيؤدي ارتفاع الأسعار إلى جعل خيارات الطاقة البديلة أقل قدرة على المنافسة مع الوقود القديم.
وعلاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي نقص الإمدادات إلى الحد من نشر الطاقة الخضراء؛ إذ تحاول الصين استخدام الألمنيوم لتخفيف الطلب المحلي على النحاس، وقد تخفف هذه الإستراتيجية بعض الضغط على النحاس، ولكنها قد تنقل العبء إلى سلاسل توريد الألمنيوم.
مشروعات استخراج النحاس
دفعت سياسة "الخروج" التي انتهجتها الصين، في التسعينات، الشركات الصينية المملوكة للدولة إلى تأمين الموارد الطبيعية الحيوية في الخارج.
وقد تزامن تمويل مشروعات النحاس في الخارج -لاحقًا- مع عديد من مبادرات السياسة الرئيسة التي تهدف إلى وضع البلاد مصدرًا استراتيجيًا للتكنولوجيا الخضراء الناشئة، حسبما أوردت مدونة معهد بيكر الأميركي.
وفي عام 2015، أطلق رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ مبادرة "صُنع في الصين 2025"، التي تسعى إلى إنهاء اعتماد الصين على التكنولوجيا الأجنبية من خلال تحديث البحث والتطوير المحلي في عشرة قطاعات رئيسة، ومن بينها توفير المركبات ومعدات الطاقة الجديدة.
وتدعو الخطة الخمسية الـ14 -التي كشفت عنها الصين مؤخرًا- إلى التطوير والاستفادة من التحكم في "التقنيات الأساسية" في قطاعات مثل السكك الحديدية عالية السرعة، ومعدات الطاقة والطاقة الجديدة.
ويبقى النحاس موردًا حيويًا لتسهيل التوسع في الإنتاج في عديد من القطاعات المستهدفة بمبادرة "صُنع في الصين 2025".
ومن المرجح أن يتردّد صدى أي أوجه قصور في أداء المناجم الصينية في الخارج (حجم الإنتاج والعوائد المالية) محليًا، خاصة إذا عجز اندفاع النحاس عن تحقيق العوائد المتوقعة على الاستثمار.
اقرأ أيضًا..
- الطاقة الخضراء طوق نجاة أفريقيا للتعافي من تبعات كورونا
- تعدين البيتكوين يعرقل خطط الصين لتحقيق الحياد الكربوني