الظلام في أفريقيا.. أزمات طاحنة وصعوبات اقتصادية وحلول بديلة
أحدث تقرير في عام 2019: 580 مليون شخص يعيشون دون كهرباء
سالي إسماعيل
- عدد الأشخاص دون خدمة الكهرباء قد يرتفع لأوّل مرّة بـ7 أعوام
- توقعات بافتقار 560 مليون أفريقي للكهرباء بحلول عام 2030
- اقتصاد أفريقيا جنوب الصحراء قد ينكمش 3% خلال 2020
- القارة السمراء الأكثر احتياجًا للاستثمارات لمواجهة نقص الكهرباء
يفتقر اثنان من بين كلّ 3 أشخاص في الدول الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى لإمكان الحصول على خدمة الكهرباء، وهو أمر قد يُضاعف من الصعوبات التي تواجه الحكومات في القارّة السمراء، بفعل الأزمات الصحّية والاقتصادية التي خلّفها وباء كورونا.
وتُشكّل الصعوبات الاقتصادية -بالإضافة للشكوك حيال أزمة الوباء- العديد من المخاطر أمام إحراز تقدّم فيما يتعلّق بزيادة إمكان الحصول على الكهرباء.
الحرمان من الكهرباء
رغم أن عدد الأفارقة الذين ليس لديهم إمكان الحصول على الكهرباء في الدول الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى، قد تراجع بشكل مطّرد، منذ عام 2013، لكن تقديرات وكالة الطاقة الدولية -الصادرة في أكتوبر/تشرين الأوّل الماضي- تشير إلى أن هذا الافتقار للكهرباء من المتوقّع أن يرتفع، في مجمل عام 2020.
وبشكل تفصيلي أكثر، فإن عدد الأشخاص الذين يتمتّعون بإمكان الحصول على الكهرباء في أفريقيا تضاعف من 9 ملايين شخص سنويًا، خلال الفترة بين عامي 2000 و 2013، إلى 20 مليون شخص، في الفترة بين 2014 و 2019.
ونتيجة لذلك، وصل عدد الأفارقة دون خدمة الكهرباء إلى الذروة عند 610 ملايين شخص، في عام 2013، قبل أن يتراجع إلى 580 مليون شخص، في عام 2019.
ويقود عدد محدود من البلدان هذا التقدّم المُحرَز في توافر الكهرباء للأفارقة، وخاصّةً كينيا والسنغال وروندا وغانا وإثيوبيا، طبقًا لتقرير وكالة الطاقة.
وتجدر الإشارة إلى أن عدد الأشخاص المحرومين من الكهرباء، انخفض إلى 770 مليون شخص على الصعيد العالمي، في 2019، وهو مستوى قياسي منخفض، بحسب تقرير وكالة الطاقة الدولية، لكن 75% من هؤلاء المحرومين من سبل الوصول لخدمة الكهرباء يعيش حاليًا في الدول الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى -أي إن أفريقيا تُعدّ بمثابة موطن لنحو ثلاثة أرباع الأشخاص حول العالم دون تيّار- وهي نسبة ارتفعت في السنوات الأخيرة.
وتشير تقديرات أوّلية من وكالة الطاقة إلى احتمالية ارتفاع عدد الأشخاص دون إمكان الحصول على الكهرباء، في عام 2020، لأوّل مرّة، منذ سنة 2013.
ويعني ذلك أنه، بحلول عام 2030، سيكون هناك نحو 660 مليون شخص حول العالم دون كهرباء، من بينهم 560 مليون شخص في أفريقيا جنوب الصحراء، أو 9 من بين كلّ 10 أشخاص يعيش في هذه المنطقة.
وبحلول نهاية هذا العقد، من المحتمل أن يتركّز 50% من السكّان المحرومين من الوصول للكهرباء على الصعيد العالمي في 7 بلدان، وهي: الكونغو ونيجيريا وأوغندا وباكستان وتنزانيا والنيجر والسودان.
وهنا يجب ملاحظة أن 6 من بين هذه البلدان الـ7 سالفة الذكر، هي دول أفريقية.
ومن المرجّح أن يكون الافتقار للكهرباء ذا تداعيات سلبية على آفاق الاقتصاد في القارّة السمراء، حيث تشير تقديرات صندوق النقد الدولي، الصادرة في أكتوبر/تشرين الأوّل 2020، إلى أن اقتصاد أفريقيا جنوب الصحراء من المتوقّع أن ينكمش بنحو 3%، في العام الماضي، قبل أن ينمو بنسبة 3.1%، في 2021.
حلول في متناول اليد؟
مع هذه الأزمة المتنامية وسط جائحة كوفيد-19، هل هناك حلول متاحة يمكن من خلالها التغلّب على مأزق الافتقار للكهرباء في القارّة السمراء، وانتشالها من الظلام الدامس التي هي بصدده؟
تشير منظّمة الطاقة المستدامة للجميع، عبر تقرير حديث، إلى أن تحسين إمكان التمتّع بخدمة الكهرباء في القارّة الأفريقية، يعتمد على 3 مجالات رئيسة: إصلاح السياسات، وتعزيز الاستثمار، ومشاركة القطاع الخاصّ.
وفيما يتعلّق بإصلاح السياسات، من المهمّ استعراض أطر الاستثمار الجيّدة عبر البلدان التي حقّقت تقدّمًا كبيرًا في إصلاح سياسات الطاقة، وإمكان الحصول على الكهرباء.
وعلى الجانب الاستثماري، تحثّ المنظّمة الدولية للطاقة المستدامة للجميع، على تحفيز الاستثمارات اللازمة للوصول إلى الطاقة، بالنظر إلى أن تمويل الحصول على الطاقة لا يتدفّق بالسرعة أو النطاق المطلوبين.
ومن أجل تحقيق الوصول الشامل للطاقة، تتطلّب أفريقيا استثمارًا يزيد عن 1.5 تريليون دولار بقطاع الطاقة، في الفترة بين عامي 2018 و2050.
ودون مثل هذا الاستثمار، ستكون أفريقيا جنوب الصحراء موطنًا لما يُقدَّر بنحو 89% من فقراء الطاقة في العالم، بحلول عام 2030، وفقًا لتقرير وكالة الطاقة الدولية، الصادر عام 2017.
أمّا مشاركة القطاع الخاصّ، فتعمل منظّمة الطاقة المستدامة للجميع على تسهيل لغة الحوار بين القطاعين العام والخاصّ حول الأطر التنظيمية والاستثمارات المصمّمة لتعزيز مشاركة القطاع الخاصّ.
كيف سيكون المستقبل؟
من المتوقّع أن يتضاعف إجمالي توليد الكهرباء عبر القارّة الأفريقية، بحلول عام 2030، بحسب دراسة جديدة صادرة عن جامعة أكسفورد.
وتتوقّع الدراسة كذلك أن يظلّ الوقود الأحفوري مهيمنًا بمزيج الطاقة في أفريقيا، بحلول نهاية العقد الجاري، حيث يمثّل ثلثي إجمالي الكهرباء التي يجري توليدها في جميع أنحاء أفريقيا، الأمر الذي يُشكّل خطرًا محتملًا على التزامات تغيّر المناخ العالمي.
ويشير أحدث تقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية إلى أن سيناريو التنمية المستدامة -الذي يتضمّن تحقيق حصول الجميع على الكهرباء، بحلول عام 2030- يتطلّب إنفاق نحو 35 مليار دولار سنويًا، في الفترة من عام 2021 وحتّى عام 2030، على شبكات التوليد والكهرباء، مع حقيقة أن ثلثي هذه الاستثمارات يجب أن تذهب إلى أفريقيا جنوب الصحراء.
إذا كانت الصين هي أكبر منتج للكهرباء في العالم، حيث تقوم بتوليد نحو 5.883 تريليون كيلوواط/ساعة من الكهرباء، بحسب بيانات كتاب حقائق العالم في نسخته الأخيرة الصادرة في 2021، فماذا عن أكبر المنتجين في القارّة السمراء؟
تأتي جنوب أفريقيا في الصدارة، بإنتاج 235 مليار كيلوواط في الساعة، يليها مصر بإنتاج 184 مليار كيلوواط/ساعة، ثمّ الجزائر (67 مليار كيلوواط/ساعة)، وليبيا (34 مليار كيلوواط/ساعة)، ونيجيريا (29 مليار كيلوواط/ساعة).
وبالنسبة للمراكز الخمسة التالية، فهي على الترتيب: المغرب (29 مليار كيلوواط/ساعة)، وتونس (18 مليار كيلوواط/ساعة)، وموزمبيق (18 مليار كيلوواط/ساعة)، والسودان (14 مليار كيلوواط/ساعة)، وغانا (13 مليار كيلوواط/ساعة).
على صعيد السعة القصوى بين الدول الأفريقية لمحطات الطاقة والمنشآت الأخرى التي تستخدم مصادر الطاقة المتجدّدة لإنتاج الكهرباء، تأتي جنوب أفريقيا في الصدارة، بحسب تقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجدّدة الأخير، عن عام 2020.
وتعدّ جنوب أفريقيا هي الدولة الرائدة عندما يتعلّق الأمر بالسعة الخاصّة بالطاقة المتجدّدة، حيث وصلت السعة إلى 6167 ميغاواط، في عام 2019، بزيادة عن السعة المسجّلة في العام السابق له، والبالغة 6065 ميغاواط.
ويحلّ بعد جنوب أفريقيا، مصر، لتكون في المركز الثاني بأفريقيا، مع صعود سعتها للطاقة المتجدّدة من 4814 غيغاواط إلى 5972 غيغاواط.
وكانت الوكالة الدولية للطاقة المتجدّدة، قد قالت، في أكتوبر/تشرين الأوّل عام 2018، إن مصر قد توفّر 53% من الكهرباء عبر مزيج من مصادر الطاقة المتجدّدة، بحلول عام 2030.
وتشغل إثيوبيا المرتبة الثالثة، مع بقاء سعتها للطاقة المتجدّدة ثابتة عند 4450 غيغاواط، يليها المغرب (3267 غيغاواط) في الترتيب الرابع، ثمّ الكونغو (2772 ميغاواط)، وأنغولا (2763 ميغاواط)، بالمركزين الخامس والسادس.
ويحلّ بعد ذلك في المراكز الأربعة الأخيرة من قائمة العشرة الكبار، زامبيا (2538 ميغاواط)، وموزمبيق (2273 ميغاواط)، وكينيا (2178 ميغاواط)، ونيجيريا (2152 ميغاواط).
لم تُصَنَّف نيجيريا بين أكبر 10 دول أفريقية تتمتّع بالكهرباء المستقرّة، بحسب تقرير منتدى الاقتصاد العالمي، لعام 2019، حول إمكان الوصول للكهرباء.
وتأتي موريشيوس وتونس في المركزين الأوّل والثاني، مع إمدادات من الكهرباء بنحو 100% لكلّ منهما، فيما تحتلّ مصر المرتبة الثالثة بـ99.8% من توافر الكهرباء.
وفي المراكز الـ 3 من الرابع وحتّى السادس، تأتي الجزائر (99.1%)، والمغرب (99%)، وسيشيل (99%)، مع حقيقة أن دولة كابو فيردي (96.1%) تشغل المرتبة السابعة.
ويشهد الترتيب الثامن دولة الغابون (90.7%)، ثمّ غانا (84.3%) بالمرتبة التاسعة، يليها في المرتبة الأخيرة في قائمة العشر الكبار جنوب أفريقيا (84.2%).
اقرأ أيضًا..
- استمرار انقطاع الكهرباء في جنوب إفريقيا منذ 4 أيّام
- القارة السمراء تعاني.. 50% من الأفارقة لا يحصلون على الكهرباء