الخطر القادم.. التحوّل من "الإرهاب" إلى "الكربون" في تصنيف الدول!
فوز الديمقراطيين بالبيوت الثلاثة سيجبر بايدن على التوجّه يسارًا
أنس الحجي
- خطط بايدن للطاقة المتجددة لاتختلف عن أي ديمقراطي معتدل
- صناعة النفط والغاز الصخريين ستعاني بشكل كبير بسبب تطرف بعض الديمقراطيين
- نتائج انتخابات جورجيا ليست في صالح بايدن كما يتصوّر بعضهم
- موضوع العقوبات سيشكل حقبة تاريخية من الإمبريالية العالمية تحت ستار التغير المناخي
خطورة سيطرة الديمقراطيين على البيوت الثلاثة في الولايات المتحدة، خلال السنوات المقبلة، تكمُن في تسلّل المتطرّفين البيئيين إلى مفاصل صناعة القرار الأميركية، يليها تحالفهم مع اليساريين في الدول الأوروبية، عندها ستُكشّر الإمبريالية العالمية عن أنيابها من جديد تحت غطاء التغيّر المناخي، حيث يجري تصنيف الدول حول العالم، ومكافأتها أو معاقبتها، بناءً على معايير بيئية.
باختصار، صُنِّفَت الدول تاريخيًا بناءً على موقفها من الإرهاب.. الآن سيجري الانتقال من "الإرهاب" إلى "التغيّر المناخي" أو انبعاثات "الكربون"، وقد يجري ربط التجارة العالمية والإعانات والقروض والعقوبات الاقتصادية وقيود التجارة الخارجية بهذا التصنيف، تمامًا كما هو الحال مع "الإرهاب".
البداية جاءت من جورجيا الأميركية.. دستور الولاية يتطلّب حصول المرشّح الذي يمثّلها في العاصمة الأميركية واشنطن على أكثر من 50% من الأصوات، ونظرًا لأنه لم يحصل أحد على نسبة أعلى من 50%، في انتخابات 3 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لمقعدي مجلس الشيوخ، أُعيدت الانتخابات أوّل أمس، وكانت النتيجة مؤلمة للجمهوريين، حيث خسروا المقعدين الذين يشغلهما جمهوريان، وفاز اثنان من الحزب الديمقراطي.
يتكوّن مجلس الشيوخ من 100 عضو، اثنين عن كلّ ولاية، فوز الديمقراطيين بمقعدين عن ولاية جورجيا يقسم مجلس الشيوخ 50-50.
وفقًا للقانون الأميركي، أيّ تعادل في الأصوات يمكن ترجيحه بتصويت نائب الرئيس، وبما أن نائبة الرئيس هي كاميلا هاريس من الحزب الديمقراطي، فإن الفوز في مقعدي جورجيا يعني سيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ، وبما أنهم يسيطرون على البيت الأبيض والكونغرس، فإن نتائج انتخابات جورجيا تعني سيطرتهم على البيوت الثلاثة، وهنا يكمن الخطر على صناعة النفط العالمية بشكل عامّ، ودول أوبك بشكل خاصّ.
هناك أدلّة عديدة على أن أفضل وضع بالنسبة لأسواق النفط -خاصّةً الأميركية- هو سيطرة الديموقراطيين على البيت الأبيض، والجمهوريين على مجلس الشيوخ، وهو وضع أفضل بكثير منه في ظلّ ترمب، حيث يسيطر الجمهوريون على البيت الأبيض ومجلس الشيوخ، لأن ترمب يُفضّل أسعار نفط منخفضة.
كما إّن هذا الوضع أفضل من فوز ترمب بالبيت الأبيض، والديمقراطيين بمجلس الشيوخ، إلا أن أسوأ وضع بالنسبة لصناعة النفط هو الوضع الحالي: سيطرة الديمقراطيين على البيوت الثلاثة.. لماذا؟ هذا هو محور مقال اليوم.
انتخابات جورجيا تغيّر كلّ شيء
أعلن الرئيس المنتخب جو بايدن، منذ شهور، عن سياساته في مجال الطاقة والتغيّر المناخي.. هذه السياسات ليس فيها جديد من وجهة نظر الديمقراطيين.
نفطيًا، أعلن بايدن أنه سيمنع التكسير المائي في الأراضي الفدرالية بالمشروعات الجديدة.. أثر هذه السياسات محدود، لأن أغلب أحواض الصخري، مثل حقل برميان في غرب تكساس وإيغل فورد جنوب تكساس وكانا وودفورد في أوكلاهوما، مملوكة ملكية خاصّة.
الأثر سيكون في الجزء الغربي من حوض برميان بولاية نيو مكسيكو، وفي بعض مناطق كولورادو، حيث الأراضي الفدرالية، وكما ذُكر أعلاه، فإن المنع ينطبق على المشروعات الجديدة فقط، لذا رأينا بعض الشركات تقوم بالحفر وإكمال بعض الآبار خلال الشهور الثلاثة الماضية في نيومكسيكو، رغم انخفاض أسعار النفط.. قيامها بالحفر وعمليات الإكمال يعني عدم انطباق أيّ منع رئاسي عليها.
خطط بايدن فيما يتعلّق بالطاقة المتجدّدة والسيارات الكهربائية، لا تختلف عن أيّ ديمقراطي معتدل: دعم الطاقة المتجدّدة والسيارات الكهربائية والتعاون مع الدول الأخرى لتخفيف انبعاثات الكربون وغيرها.
وعلينا أن نتذكّر أن ثورة النفط الصخري حدثت في أثناء إدارة (أوباما-بايدن)، وهي الإدارة التي سمحت، بعد 40 سنة من المنع، للنفط المنتج محلّيًا بالتصدير، في نهاية 2015.
كامالا هاريس متطرّفة بيئيًا ومعادية لصناعة النفط، إلّا أنها خفّفت من حدّة مواقفها للتواؤم مع مواقف بايدن، منذ اختيارها نائبة للرئيس، إلّا أنها ستعود إلى أفكارها إذا أصبحت رئيسة للولايات المتحدة.
سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ تعني عدم قدرة بايدن على تمرير أيّ مشروعات من شأنها أن تؤثّر سلبا في صناعة النفط والغاز، أو أيّ إعانات ضخمة لقطاع الطاقة المتجدّدة والسيارات الكهربائية.
كما إنها تساعد بايدن في الوقوف ضدّ المتطرّفين البيئيين من الديموقراطيين داخل الكونغرس ومجلس الشيوخ، أمثال بارني ساندرز و ألكساندرا كورتيز، إلّا إن نتائج انتخابات جورجيا غير كلّ شيء.
التأييد المطلق للسيارات الكهربائية من جانب بعض المتطرّفين الديمقراطيين يهدّد الطلب على النفط،
معاناة الشعب ليست من اهتمامات الديمقراطيين.. يرغبون التضحية بأيّ شيء مقابل تخفيض الطلب على الوقود الأحفوري
الظاهر أن نتائج جورجيا لصالح بايدن، لكنّها في الحقيقة ليست لصالحه، لأنها أعطت القوّة لليسار المتطرّف وليس لبايدن والوسط، كما أعطت القوّة لنائبة الرئيس المتطرفة بيئيًا، والتي قد تصبح رئيسة للولايات المتحدة إذا لم يستطع بايدن القيام بمهامّه لسبب ما.
سيطرة الديمقراطيين على البيوت الثلاثة جعلت المتطرّفين في الحزب الدمقراطي يعتقدون أنه تصويت لهم ولسياساتهم المتطرّفة، وبذلك سيقومون بتبنّي برنامجهم "الأخضر"، وسيضغطون على بايدن لتطبيقه.. قد لا يستطيعون تطبيقه بالكامل لأسباب عملية، إلّا أن المؤكّد هو أن سياسات بايدن بعد انتخابات جورجيا ستكون أميل لليسار منها لو لم يفز الديمقراطيون بمجلس الشيوخ.
معاناة الصخري وانخفاض الطلب على الفحم والنفط والغاز
ستعاني صناعة النفط والغاز الصخريين بشكل كبير، بسبب تطرّف بعض الديمقراطيين، وعدم قدرة بايدن على الوقوف أمامهم، ومن ثمّ فإنه يُتوقّع انخفاض إنتاج النفط الصخري بأكثر ممّا كان متوقّعًا سابقًا، وقد لا تكون هذه السياسات علنية وواضحة، حيث يمكن للمتطرّفين البيئيين السيطرة على وكالة حماية البيئة، ووضع العراقيل أمام الصناعة، لتأخير المشروعات وزيادة تكلفتها.
قد يظنّ بعضهم أن انخفاض إنتاج النفط الصخري مفيد لدول الخليج، الحقيقة أن وجود النفط الصخري ونموّه بشكل معقول لصالح دول الخليج، ولكن الحديث في هذا الموضوع ذو شجون!
مشكلة دول الخليج مع المتطرّفين في الحزب الديمقراطي، هي رغبة هؤلاء المتطرفين التضحية بأي شيء مقابل تخفيض الطلب على الوقود الأحفوري، الذي يتضمّن النفط.. التكلفة ومعاناة الشعب ليست في حساباتهم.
كما إن تأييدهم للطاقة المتجدّدة لن يؤثّر في النفط على كلّ الحالات، لأن الطاقة المتجدّدة تُستخدم في توليد الكهرباء، ونسبة الكهرباء المولّدة من النفط صغيرة جدًّا ولا تكاد تُذكر، إلّا أن تأييدهم المطلق للسيارات الكهربائية -مهما كان الثمن- يهدّد الطلب على النفط، كما إن محاربتهم للبلاستيك تهدّد الطلب على البتروكيماويات، ومن ثمّ تهدّد الطلب على النفط والغاز، لكنّهم لن يقفوا عند هذا الحدّ.. سيحاولون الانتقال من السيارات الكهربائية إلى بقيّة قطاع المواصلات، من قطارات وسفن وطائرات.
وبناء على تاريخ الولايات المتحدة خلال الـ 50 سنة الماضية، سيستغلّ المتطرّفون أيّ مشكلة في الدول العربية النفطية لإقناع الناس بأنه يجب الابتعاد عن النفط.
تاريخيًا، جرى تشويه سمعة البلاد العربية من خلال النفط.. ستُستَغَلّ أيّ قلاقل سياسية داخل أيّ بلد نفطي، أو بين بلدين أحدهما نفطي أو كلاهما، لتمرير قوانين تخدم أهدافهم البيئية.
السياسات الخارجية "الخضراء"
قد يرى بعضهم أنه من حقّ صنّاع القرار الأميركيين أن يفعلوا ما يشاؤون، فقد فازوا بالانتخابات، وسيطروا على البيوت الثلاثة، ويحاولون إنقاذ بلادهم من براثن التغيّر المناخي.
من ثمّ فإن من حقّهم تخفيض الطلب على الوقود الأحفوري، بما في ذلك النفط، ويرى هؤلاء أن اعتراض أيّ منّا على هؤلاء الديمقراطيين المتطرفين هو مجرّد دفاع بائس عن النفط وسوقه.
المشكلة التي لا يدركها هؤلاء، أنه حتّى بايدن المعتدل، أعلن أن سياسات المناخ الأميركية ستكون جزءًا لا يتجزّأ من سياسة الولايات المتحدة، ويقصد بذلك إعادة أميركا إلى التحالفات الدولية المتعلّقة بالمناخ، التي انسحب منها ترمب، وإجراء تحالفات ثنائية تتضمّن سياسات مناخية.
نتائج انتخابات جورجيا وسيطرة الديمقراطيين على البيوت الثلاثة ستمكّن المتطرفين البيئيين في الحزب الديمقراطي من جعل السياسات المناخية جزءًا من السياسة الخارجية، ليس بالشكل الذي يريده بايدن، بل أعمق من ذلك بكثير.
تاريخيًا، كانت السياسة الخارجية تتطلّب تجاهل سياسات الطاقة أو السياسات البيئية في كثير من الأحيان، بسبب التعارض بينها.. التخوّف الآن من أن تصبح متطلّبات السياسة البيئية أقوى من المتطلّبات الأخرى، ومن ثمّ تسود السياسة البيئية في السياسة الخارجية.
مثلًا، تُربَط كلّ الإعانات الخارجية بتطبيق سياسات بيئية معنية، أو فرض حظر أو عقوبات اقتصادية على بعض الدول التي تُصنَّف على أنها ملوّثة للبيئة، أو حظر استيراد موادّ محدّدة من دول، أو صناعات معينة لأن طريقة تصنيعها أو تحضيرها لا تتواءم مع السياسات البيئية التي يروّج لها هؤلاء المتطرّفون، وقد يصل الأمر إلى تجريم دول وأشخاص وشركات، ومن ثمّ فرض عقوبات عليها، مع أنها خارج تغطية القانون الأميركي.
لهذا، لا أستغرب أن يحدث الانتقال من تصنيف الدول "إرهابيًا" إلى تصنيفها "بيئيًا"، وبناء سياسة الولايات المتحدة الخارجية على هذا التصنيف.
لا يوجد أيّ قلق على الدول الخليجية النفطية.. لديها قدرة عالية على التفاوض في مواجهة السياسات المتطرّفة للبيئيين
الفكرة العامّة لمتطرّفي البيئة، توليد الطاقة محلّيًا من الطاقة المتجدّدة، بحيث يكون لكلّ قرية أو حيّ مصادر الطاقة الخاصّة فيه، وبحيث تعتمد المصانع بالكامل على الكهرباء المولّدة من الطاقة المتجدّدة، لهذا نجد الاعتماد المبالغ به على الهيدروجين الأخضر، ومن ثمّ فلا حاجة لهم باستيراد الطاقة من أيّ مكان آخر.
إيمانهم بأنهم يستطيعون تطبيق هذه الفكرة على أرض الواقع يجعلهم يقتنعون بأنهم يستطيعون تغيير العالم عن طريق جعل السياسات البيئية هدفًا من الأهداف الرئيسة للسياسة الخارجية.
من هنا نجد أن تعيين وزير الخارجية السابقة، جون كيري مسؤولًا عن السياسات المناخية، لم يأت من فراغ.. إنه الربط بين السياسات البيئية والخارجية.
خلاصة الأمر، أن فوز الديمقراطيين بالبيوت الثلاثة ليس في صالح صناعة النفط المحلّية والعالمية، وليس في صالح دول الخليج، وربّما بالنهاية ليس في صالح الشعب الأميركي.
هناك تخوّف حقيقي من سيطرة المتطرّفين على السياسات الطاقية والبيئية، الأمر الذي ينتج عنه تصنيف دول العالم بيئيًا، ومعاقبة الدول بناءً على موقفها وأدائها بالنسبة للتغيّر المناخي.. موضوع العقوبات سيشكّل حقبة تاريخية من الإمبريالية العالمية تحت ظلّ التغيّر المناخي.
ومن فضل الله أن الذي سيساعد دول الخليج هو أن قدرتها على التفاوض عالية، لأن السياسات المتطرّفة للبيئيين ستؤدّي إلى زيادة الاعتماد العالمي على النفط الخليجي.
- للتواصل مع خبير الطاقة الدولي، مستشار تحرير منصّة الطاقة الدكتور أنس الحجي (هنا)..
- وللتواصل مع منصّة الطاقة الإخبارية (هنا).
لقراءة المزيد..
- أنس الحجي يكتب لـ “الطاقة”: بايدن.. والنفط
- الاكتشافات السعودية الجديدة.. أنس الحجي: إنها أرامكو يا عزيزي