البيئة والفقراء أوّل من يدفعون ثمن التحوّل للطاقة الخضراء
علماء وباحثون يرون أن الحلول الحالية لتجنّب تلك العواقب الخطيرة غير ناجحة
محمد زقدان
بدعم من نشطاء البيئة ودول ومنظّمات دولية، يتبارى المهندسون حول العالم لتطوير التقنيات الخضراء التي من شأنها المساعدة وتسريع الاعتماد على المصادر المتجدّدة، والابتعاد عن الوقود الأحفوري المتّهم بالتسبّب في الاحتباس الحراري.
ولتحقيق هذا التحوّل المنشود، برزت محطات طاقة الرياح والطاقة الشمسية لتحلّ محلّ محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم والغاز، وأيضًا تسير السيارات الكهربائية بوتيرة سريعة لتأخذ مكانها بدلًا من مركبات البنزين والديزل حول العالم.
ورغم ذلك، ووفقًا لعلماء، فإن ثمّة ثمن بيئي يجب دفعه لخلق عالم مدعوم بما يسمّى التقنيات الخضراء، بينما سيكون أوّل المتضرّرين منه هم الفقراء والبيئة.
وبحسب العلماء، فإن التنقيب عن الموادّ والمعادن اللازمة لصناعة هذه التقنيات -لا سيّما الكوبالت والليثيوم- سيؤدّي إلى عواقب بيئية خطيرة.
ليس هذا فحسب، بل إن الحلول المقترحة لتجنّب هذه العواقب البيئية الخطيرة تؤدّي حتّى الآن إلى تأثيرات كبيرة تضرّ بالتنوّع البيولوجي، حسبما أفادت دراسات حديثة.
الكوبالت والليثيوم
يقول رئيس علوم الأرض بمتحف التاريخ الطبيعي في لندن، البروفيسور ريتشارد هيرينجتون، إن مساعي الوصول إلى الحياد الكربوني ستخلق ضغوطًا جديدة على كوكب الأرض، على الأقلّ على المدى القصير.
وأضاف: "سيتعيّن علينا تعلّم كيفية حساب الربح والخسارة فيما يتعلّق بالنظام البيئي، تمامًا كما نفعل الآن في القضايا الاقتصادية"، حسب صحيفة الغارديان البريطانية.
وأوضح أن "معادن مثل الليثيوم والكوبالت تقدّم أمثلة على المشكلات المحرجة التي تنتظرنا"، وكلا العنصرين ضروريان لصناعة بطاريات خفيفة الوزن قابلة لإعادة الشحن في السيارات الكهربائية وتخزين الطاقة من محطات الرياح والطاقة الشمسية.
ولفت إلى أنه من المرجّح أن يزداد إنتاج العنصرين بشكل كبير، خلال العقد المقبل، "وقد يتسبّب ذلك في مشكلات بيئية خطيرة".
وفي حالة الكوبالت، يأتي 60% من إمداد العالم من جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث تشغّل أعداد كبيرة من المناجم غير النظامية أطفالًا لا تتجاوز أعمارهم السابعة، عمّالًا في المناجم.
وهناك يتنفّس الأطفال الغبار المحمّل بالكوبالت الذي يمكن أن يسبّب أمراض الرئة المميتة، خلال وجوده في الأنفاق المعرّضة للانهيار.
وقال مارك دوميت من منظّمة العفو الدولية، التي أجرت تحقيقات في أزمة تعدين الكوبالت في الكونغو الديمقراطية: "يعمل الرجال والنساء والأطفال من العائلات الفقيرة دون أبسط معدّات الحماية اللازمة، مثل القفّازات وأقنعة الوجه".
وأضاف: "في إحدى القرى التي زرناها في الكونغو، أوضح السكّان كيف تلوَّثَ مجرى المياه الذي يشربون منه بسبب نفايات من مصنع لمعالجة المعادن".
ومن المقرّر ارتفاع الإنتاج العالمي من الليثيوم، وهو المعدن الذي يصفه نشطاء البيئة بأنه يمكنه إنقاذ مناخ الأرض، لأن الاعتماد عليه سوف يخفض من الاستهلاك العالمي للوقود الأحفوري.
ورغم ذلك يرتبط تعدين الليثيوم بالعديد من المشكلات البيئية، ففي المنطقة التي تسمّى مثلّث الليثيوم -تقاطع تشيلي وبوليفيا وشمال غرب الأرجنتين- تُضَخّ كمّيات هائلة من المياه من مصادر تحت الأرض للمساعدة في استخراج الليثيوم، وارتبط هذا الأمر بانخفاض مستويات المياه الجوفية وانتشار التصحّر.
ويُعتقد أن منطقة مثلّث الليثيوم تحتوي على أكثر من 75% من احتياطيات الليثيوم القائمة المعروفة.
وبالمثل في التبت، تسبّب تسرّب مادّة كيمائية سامّة من منجم Ganzizhou Rongda Lithium، في تسميم مياه نهر ليتشو، في عام 2016، وأثار ذلك احتجاجات واسعة النطاق في المنطقة.
الإسمنت والنحاس والنفايات النووية
يرى محلّلون أن مشكلات متطلّبات التحوّل إلى الطاقة الخضراء لن تتوقّف على الكوبالت والليثيوم، بل تمدّ إلى معادن أخري تقليدية.
وسوف يكون هناك طلب متزايد على الإسمنت لبناء السدود الكهرومائية، وأيضًا النحاس من توفير الكابلات لربط مزارع الرياح والطاقة الشمسية بالمدن وصناعة السيارات الكهربائية، ووفقًا للمحلّلين، قد يتسبّب ذلك أيضًا في أضرار بيئية واسعة النطاق، إذا لم يُتَوَخَّ الحذر.
ومن أجل إنتاج أجهزة طاقة الرياح والطاقة الشمسية، أصبح هناك حاجة لألاف الأطنان من النحاس، بينما تستخدم المركبات الكهربائية النحاس بنحو 3 أضعاف أكثر من نظيرتها التي تعمل بمحرّكات الديزل والبنزين.
ونتيجة لذلك، من المرجّح أن تقفز شهية العالم للنحاس بأكثر من 300%، بحلول عام 2050، وفقًا لتقارير حديثة.
وقال رئيس علوم الأرض بمتحف التاريخ الطبيعي في لندن، البروفيسور ريتشارد هيرينجتون، إن السيارات الكهربائية بحاجة إلى عشرات الكيلوغرامات الإضافية من النحاس مقارنةً بالتي نعمل بمحرّك بنزين.
وأضاف: "هذا يعني أنه إذا كنت ترغب في تحويل جميع سيارات المملكة المتحدة البالغ عددها 31 مليونًا إلى سيارات كهربائية، فستحتاج إلى 12% من إجمالي النحاس في العالم فقط لبريطانيا".
وعقّب قائلًا، هذا طلب غير واقعي بالنظر إلى أننا نأمل في تصنيع سيارات كهربائية، في غضون عقد من الزمن فقط.
وعلى صعيد آخر فيما يتعلّق ببريطانيا، فمن المرجّح أن يؤدّي التوسّع المقترح للطاقة النووية في المملكة المتحدة في تلبية الطلب إلى خلق كمّيات متزايدة من النفايات النووية.
حلول غير ناجعة للبيئة
يتمثّل أحد الحلول المطروحة للمشكلات الناجمة عن التكنولوجيا الخضراء، في الحدّ من استغلال الموارد على الأرض، والتحوّل بدلًا من ذلك إلى البحر لجمع الموادّ اللازمة.
وجرى تحديد العديد من المصادر البحرية الواعدة، مع التركيز على العقيدات المعدنية، وهي عبارة عن كتل خرسانية تتكوّن عادةً من المنغنيز والكوبالت والحديد والنيكل، وتتناثر على نطاق واسع في أرضيات محيطات العالم.
ووفقًا للسلطة الدولية لقاع البحار، تحتوي بعض الرواسب على ملايين الاطنان من الكوبالت والنحاس والمنغنيز.
ونتيجة لذلك تقوم العديد من المنظّمات بعمليات مسح لأكثر الرواسب الواعدة، لا سيّما منطقة كلاريون كليبرتون في المياه الدولية في المحيط الهادي، ويمكن تحريكها باستخدام غوّاصات ربوتية.
ومع ذلك، كشفت أبحاث حديثة أجراها علماء بحار، أنه على الرغم من عمق منطقة كلاريون كليبرتون –التي تقع بين 4000 و5500 متر تحت سطح البحر- فإن منطقة قاع المحيط هناك تعدّ غنية بالحياة البحرية.
وخلصت دراسة استقصائية، عام 2017، إلى أن أكثر من 30 نوعًا من الكائنات الحية في تلك المنطقة معظمها من كائنات الزينوفيوفور، التي تعدّ أكبر الكائنات الحية وحيدة الخلية في العالم، وحذّر العلماء أن هدم العقيدات المعدنية يمكن أن يدمّر أشكال الحياة تلك.
اقرأ أيضًا..
- دراسة أميركية: الطاقة المتجددة عدو البيئة
- التحوّل إلى الطاقة المتجددة يرفع أسعار كهرباء ثاني أكبر شركات ميشيغان