صدارة جينكو سولار.. هكذا تحوّلت ريادة الطاقة الشمسية من أميركا إلى الصين
بكين حوّلت أزمة 2008 الاقتصادية للهيمنة في مجال الطاقة المتجدّدة
ترجمة وتحرير: كريم الدسوقي
كيف تحوّلت الصين من دولة ناشئة في صناعة الطاقة الشمسية إلى دولة الصدارة في هذا المجال؟ سؤال فرضَه تصدّر شركة "جينكو سولار" الصينية لتصنيع الألواح الشمسية على المستوى العالمي، في عام 2020، وقدّمت باحثة الماجستير بجامعة كورفينوس في بودابست (المجر) المتخصّصة في الشأن الصيني "مينا ميدجيدوفيتش" مقاربة إجابة له في ورقة بحثية نشرتها بمجلة "مودرن دبلوماسي".
واستندت مقاربة "ميدجيدوفيتش" إلى سياسات الحكومة الصينية الخاصّة بضمان تنافسية شركات الطاقة الشمسية، وإستراتيجيتها الاقتصادية الشاملة، والعوامل المحلّية التي دفعت لتطوير المجال.
واستعرضت ورقة الباحثة تاريخ بداية صناعة الطاقة الشمسية، في بداية القرن الحادي والعشرين، حيث أدّت الحاجة إلى التغيير في نمط الحياة اليومي والإنتاج الصناعي إلى خلق مساحة لتطوير تقنيات من شأنها أن تخدم البشرية بطريقة صديقة للبيئة.
وفي هذا الإطار شهد العالم توسّعًا في المنتجات التي تدعم الطاقة المستدامة، مثل الألواح الشمسية وتوربينات الرياح، وغيرها من مصادر الوقود الصديقة للبيئة، التي أصبحت منتجات شائعة في جميع أنحاء العالم.
واحتكرت الولايات المتحدة هذه المساحات التجارية، بعد نهاية الحرب الباردة، وسيطرت شركات مثل "فيرست سولار" و"صن باور" على السوق، قبل انضمام الشركات الألمانية واليابانية إلى السباق.
لكن مجال الحرب الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة تجاوز، في الآونة الأخيرة، التوسّع للهيمنة على التكنولوجيا إلى مجال الطاقة المتجدّدة، بعدما احتلّت "جينكو سولار" المركز الأوّل في تصنيع الألواح الشمسية.
بداية التحوّل الصيني
بداية قصّة التحوّل تعود إلى ما قبل التسعينيات من القرن الماضي، عندما لم تكن الشركات الصينية نشطة في صناعة الطاقة الشمسية، وبسبب تحوّل الطاقة العالمي والحاجة المفرطة للقوى العاملة والتكنولوجيا بأسعار معقولة، بدأت الصين تطوير قدراتها الصناعية في هذا المجال.
وترتبط بدايات المشاركة الصينية في صناعة الطاقة الشمسية بالمعرفة الفنّية والعمالة الماهرة التي أرسلتها بكين إلى بلدان أخرى -بينها ألمانيا- لنقل الخبرة، ما أدّى في النهاية إلى إنشاء الصين شركات صناعة الطاقة الشمسية، ودعوتها المستثمرين إلى الانتقال إلى أراضيها، حيث يمكنهم العثور على عمالة ماهرة رخيصة الثمن.
وبدلًا من دفع المستثمرين للضرائب، حصلوا على ائتمانات من الحكومة الصينية، ما أسهم –مع الخبرة المكتسبة لعمل الشركات الألمانية بهذا المجال– في الاتّجاه المتزايد لصدارة الشركات الصينية لسوق الألواح الشمسية.
سرعان ما تجاوز إنتاج الألواح الشمسية الطلب في سوق الصين المحلّية، ويوجد اليوم 4 شركات صينية ضمن أفضل 10 شركات تصنع الألواح الشمسية حول العالم، بينها "جينكو سولار"، التي تحتلّ الصدارة.
وجد الاقتصاد الصيني النامي، آنذاك، أسبابًا لخلق سوق محلّية أكثر فائدة لتطوير الطاقة الشمسية والطاقة الخضراء، مع تنامي الطلب على الطاقة، وبحث الدول المكثّف عن بدائل أرخص لاحتكار الولايات المتحدة الأميركية هذا المجال.
وأسهم في تعزيز التقدّم الصيني الاتّجاه العالمي نحو التركيز على قضايا تغيّر المناخ والطاقة المتجدّدة وتوقيع العديد من الاتّفاقيات الدولية، المدعومة على نطاق واسع من قبل معظم الدول.
وإزاء ذلك، بدأت الصين في إعادة تشكيل مكانتها الدولية، وبناء حيثيات تحوّلها اللاحق، لتصبح القوّة المهيمنة عالميًا على صناعة الطاقة الشمسية.
دعم منشآت التصنيع
في آخر خطّتين خمسيتين للحكومة الصينية، نشأت حاجة إستراتيجية نابعة من الحكومات المحلّية في المناطق الريفية، لإنشاء مرافق لتصنيع الطاقة الشمسية وتوليدها، وأسهم في تحقيق ذلك توفّر القوى العاملة والمساحة اللازمة لهذا النوع من التطوير.
ويمكن ربط هذا النوع من التحفيز التجاري بعامل آخر أثّر في تطوير قطاع الطاقة الشمسية في الصين، وهو التلوّث المحلّي.
فالخطّة الخمسية الحادية عشرة (2006-2010) استهدفت زيادة استهلاك مصادر الطاقة المتجدّدة في السوق المحلّية، للتغلّب على هذه المشكلة، وتسليط الضوء على جودة الشركات الصينية، وتقدّم الدول في حماية البيئة.
وزاد إجمالي الاستثمار في معالجة التلوّث البيئي بنسبة 15% سنويًا، ووصل الاستثمار في قطاع البيئة إلى 1.33% من إجمالي الناتج المحلّي الصيني، بحلول عام 2009.
استمرّ ذلك أيضًا في الخطّة الخمسية التالية (الثانية عشرة)، ما دفع الحكومة الصينية إلى إنشاء نظام تصنيف ائتماني لسلوك الشركات البيئي، وتأسيس نظام التصنيف الأخضر في المصارف، ودراسة آليّات توزيع الأموال المخصّصة للتعويضات البيئية الوطنية.
ونتيجةً لذلك، شهدت السوق المحلّية الصينية نموًا مستمرًا، ما أثّر أيضًا في تغيير صورة الصين بوصفها دولة متخمة بالتلوّث البيئي.
أزمة 2008 الاقتصادية
ثمّة عامل آخر كان ذا أثر مهمّ في صناعة الطاقة الشمسية المتصاعدة في الصين وهيمنتها عالميًا، وهو الزخم الذي أحدثته الأزمة الاقتصادية العالمية، عام 2008، عندما أدركت الحكومة الصينية الحاجة الملحّة المتزايدة للتكنولوجيا المستدامة وتطويرها، فقدّمت لها الدعم من خلال سياسات مكثّفة ساعدت في الحفاظ على الشركات المعنيّة بالمجال في السوق.
واعتمدت الحكومة الصينية في معايير هذا الدعم على المزج بين الفوائد الاقتصادية ونظيرتها السياسية، حسب تقدير "ميدجيدوفيتش".
فبفضل الاهتمام الخاصّ الذي أولاه الحزب الشيوعي الصيني، أصبحت شركات الطاقة الشمسية الصينية -مثل "جينكو سولار"- من أكثر الشركات قيمةً للاقتصاد، ما خلق العامل الأهمّ في تمكين الشركات الصينية من الهيمنة على السوق.
ونشأ عن الدعم الحكومي لمجال الطاقة الشمسية حافز قوي دفع الشركات الصينية إلى أن تكون أكثر تنافسية، الأمر الذي أنقذها من الأزمة الاقتصادية.
ونظر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى الدعم الصيني لشركات الطاقة الشمسية بوصفه إشكالية لعدّة سنوات، بينما وضعت بكين العديد من السياسات لزيادة القدرة التنافسية للشركات الصينية.
وعلى الرغم من فرض تعرفات جمركية على إنتاجها، تمكّنت الصين من التفوّق بمنافسة الإنتاج الألماني، بحلول عام 2015، وكذلك إنتاج الولايات المتحدة الأميركية، بسبب قدراتها الإنتاجية الهائلة وأسواقها المتطوّرة.
وأصبحت الصين لاحقًا رائدة في تجارة الطاقة الشمسية، وفي تأسيس تقنياتها حول العالم، كما تمكّنت من أن تصبح رائدة في براءات الاختراع المتعلّقة بالمجال.
وباتت الهيمنة الصينية في مجال الطاقة المتجدّدة أمرًا واقعًا بالتزامن مع انسحاب الولايات المتحدة من اتّفاقية باريس للمناخ، الأمر الذي خلق فرصة جديدة أمام الصين لتصبح أكثر استغراقًا في السياسات المتعلّقة بالبيئة داخل المنظّمات الدولية، وتتحوّل بذلك إلى مثال يُحتذى للآخرين.
ولم يكن التقدّم الصيني مفاجئًا، لأن السياسات المتعلّقة بالطاقة الخضراء تحتلّ مكانة واسعة التأثير في البلدان النامية في أفريقيا، وكذلك في الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، وهو الميدان الذي تستهدف الصين توسيع وجودها خلاله.
ومن ناحية أخرى، أثارت "جينكو سولار" وغيرها من الشركات، بعض الجدل بشأن ارتباط انخراطها التجاري الكبير بالحكومة الصينية، ما أدّى إلى كبح عجلة تقدّمها في بعض الدول، لكن ليس بوتيرة مماثلة لحجم التباطؤ الذي شهدته شركة هواوي في قطاع تكنولوجيا المعلومات. وفي عضون ذلك تحافظ إستراتيجية بكين على تقدّم انتشارها وفرضها لقوّة الصين الناعمة.
مواءمة السياسة الإنتاجية
تماشيًا مع ذلك، فإن العامل الذي يفسّر تأثير الصين بقطاع الطاقة الشمسية يتعلّق بمواءمة سياساتها الإنتاجية، وكذلك المناطق المستهدفة في الاتحاد الأوروبي بما يتّسق مع الصفقة الخضراء الجديدة -أطلقها الاتحاد الأوروبي، في نهاية عام 2019، وتُعدّ أوّل خطّة رسمية إقليمية شاملة في العالم لتحقيق التنمية المستدامة-.
فقبل عامين، كان لدى الاتحاد الأوروبي سلسلة من التعرفات الجمركية المفروضة على الصين، بسبب سياسات الدولة التي تجعل الألواح الشمسية الصينية أكثر تنافسية في السوق، ولكن مع مرور الوقت، أصبح من الواضح أن "جينكو سولار" والشركات المماثلة تسيطر على هذا القطاع في جانبي الابتكار والانتشار، متفوّقةً على الشركات الأميركية والألمانية.
وإزاء ذلك، رفع الاتحاد الأوروبي التعرفات الجمركية على دخول المنتجات الصينية، التي يمكن أن تساعد هدف الاتحاد الجديد في قطاع الطاقة المتجدّدة.
كانت الصين توفّر نحو 20% من احتياجات السوق الأوروبية للطاقة الشمسية، حتّى عام 2014، وقد تضاعف هذا الرقم، اليوم، بعد رفع التعرفات الجمركية.
ورغم أن الصفقة الأوروبية الخضراء تركّز بشكل أكبر على طاقة الرياح، التي تعدّ رائدة في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، إلّا أن الصين لديها تأثير أكبر في مجال الطاقة الشمسية، بما لديها من تنافسية أفضل بسبب انخفاض الأسعار من جانب وخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من جانب آخر.
وبإلقاء نظرة على شركة مدعومة بشكل كبير من الحكومة الصينية، مثل "جينكو سولار"، يمكن ملاحظة قيادتها لمشروع "كوزاني"، وهو أكبر مشروع حديث للطاقة المتجدّدة في اليونان، ويعدّ "معيارًا" للطاقة الخضراء في أوروبا.
ولم تتعرّض جودة إنتاج الشركة الصينية للتشكيك بسبب إنجازها العديد من المشروعات المشهورة عالميًا بجودة عالية، مثل "نور أبو ظبي" الذي سيكون أكبر محطّة للطاقة الشمسية في العالم، عند اكتماله.
ويمكن مقارنة هذا النوع من التأثير الاقتصادي في التجارة والتصنيع بالتأثير الذي أحدثه الإنتاج الصيني لألعاب الأطفال، في بداية القرن الماضي، والذي ارتبط بقوّة الصين الناعمة بشكل كبير.
خلاصة التجربة الصينية
تخلص ورقة "ميدجيدوفيتش" إلى أن كلًا من الطاقة الشمسية والطاقة المتجدّدة بلغت ذروتها، في السنوات التي تلت العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين، وهي السنوات التي عدّتها الصين فرصة اقتصادية يمكن استثمارها لتطوير الصناعة على أساس الموارد المحلّية.
ولأن التصنيع سرعان ما استوفى حوافزه المحلّية، بدأت الصين في تصدير منتجاتها في السوق العالمية، وسرعان ما أصبحت ذات هيمنة مطلقة على المنطقة الآسيوية. وبامتلاكها الجودة، استخدمت الصين فرصتها لنشر إنتاجها مرّة أخرى عالميًا.
وتداخلت فترة تطوير الطاقة الخضراء وصناعتها مع التحوّل الذي شهدته الصين في سياستها تجاه العالم، وعزمها على أن تصبح قوّة عظمى عالمية جديدة، خاصّةً في أعقاب الأزمة الاقتصادية، عام 2008.
ومن الناحية السياسية، بدأت الصين في المشاركة باتّفاقيات دولية مختلفة تتعلّق بالبيئة، والتي يمكن تفسيرها - جنبًا إلى جنب مع انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من اتّفاقية باريس للمناخ والمعركة الأوروبية من أجل الصفقة الخضراء الجديدة- على أنها مجموعة من الأحداث السعيدة التي تقدّم الصين بوصفها رائدة في مجال البيئة.
وأثبتت الصين هذه الريادة عبر مجموعة من السياسات الداعمة لشركات مثل "جينكو سولار"، التي تعدّ واحدة فقط من أمثلة متعدّدة لنجاح شركات الطاقة الشمسية الناشئة في البلاد.
يمكن تفسير موقف الحكومة الصينية في هذا المجال على أنه أحد تكتيكات الهيمنة على أوروبا، بعد أن أضعفت تأثير الولايات المتحدة، حسبما ترى "ميدجيدوفيتش".
وبذلك بات "جينكو سولار" عنوانًا لنتاج تطلّعات بكين لوضع صناعة الطاقة الشمسية في إطارها المحدّد لمستقبل الريادة الصينية.
اقرأ أيضًا..
-
تطوّر ألواح الطاقة الشمسية في الصين.. إنتاج أكبر بتكلفة أقلّ
-
الطاقة الشمسية والرياح.. أوهايو الأميركية تتجه لحظر المشروعات
-
لائحة البطاريات الأوروبية.. كيف تضمن معايير التدوير والاستدامة؟