9 دروس من توقعات "وكالة الطاقة" حتى عام 2040
"التحييد الكربوني" يتطلب تغييرات ضخمة منها 11 سلوكاً بشرياً
- مفاجأة في تقرير وكالة الطاقة الدولية الأخير بخصوص تحقيق الحياد الكربوني
- 6 تحديات لتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050
- تقرير وكالة الطاقة به متناقضات يبرزها نيكوس سافوس
يتحدث الكثيرون عن "تحييد الكربون"، ويقدمون السيناريوهات المختلفة لتحقيق ذلك على مستوى الدول أو على مستوى العالم. والكل يعرف أن وكالة الطاقة الدولية من زعماء هذه الحركة، وتدعو دائماً إلى الاستثمار في المزيد من الطاقة المتجددة. والمفاجأة أن وكالة الطاقة نفسها تتكلم في تقريرها الأخير الصادر في 13 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، عن صعوبات جمة في تحقيق الحياد الكربوني بطريقة توحي باستحالة تحقيق ذلك، مخالفةً بذلك عدداً من المنظمات البيئية الدولية.
وعلى الرغم من أن تقرير وكالة الطاقة صبّ اهتمامه على تداعيات فيروس كورونا في أسواق الطاقة، والذي هو حديث الساعة. إلا أن كل الجزء المستقبلي للتقرير، والذي يمتد إلى عام 2045، ركّز على السياسات الحكومية لمجابهة التغير المناخي، والتحول الطاقي، وآثار ذلك في أسواق الطاقة المختلفة.
وبغض النظر عن الانتقادات الموجهة لتوقعات وكالة الطاقة الدولية الأخيرة، فإن هناك مجموعة دروس يمكن استنتاجها من هذه التوقعات، لخصها باحث في أمن الطاقة والتغيّر المناخي في معهد الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن، وهو نيكوس سافوس، في تسع نقاط في تقرير حديث نشره المعهد. وفيما يلي ملخص لهذه الدروس:
1- كورونا وحده ليس نقطة تحول لقطاع الطاقة
يُظهِر تقرير الطاقة أن المؤثر في اتجاهات الطاقة على المدى الطويل هو السياسات الحكومية، ودور كوفيد-19 يقتصر على المدى القصير فقط، وأن التغير في سلوك الأفراد المتعلق بالسفر والعمل من البيت مؤقت. بعبارة أخرى: بعد فترة من الزمن، تعود الاتجاهات إلى مجراها الطبيعي وكأن كورونا لم يكن موجوداً.
2- قلة من الحكومات تدفع باتجاه الانتعاش "الأخضر"
يتضح من تقرير وكالة الطاقة أنه يركّز على فكرة وجوب استغلال حزم الإنعاش المالية لمجابهة آثار كوفيد-19 الاقتصادية لتشجيع مصادر الطاقة الخضراء، ودعمها، وتسريع تبنيها. إلا أن التقرير أشار إلى أن هذا لم يحدث، إذ تبنى الفكرة عدد بسيط من الدول، مثل: الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، وكندا، وكوريا الجنوبية، ونيوزيلندا.
3- صعوبة كبيرة في تحييد الانبعاثات بحلول 2050
تحييد الانبعاثات بحلول 2050 يتطلب:
- تضاعف الاستثمار في الخلايا الكهروضوئية الشمسية 5 مرات بحلول 2030.
- تضاعف الاستثمار الإجمالي في قطاع الكهرباء 3 مرات بحلول 2030.
- إغلاق كل محطات الكهرباء العاملة بالفحم، أو احتجاز الانبعاثات منها بحلول 2030.
- أن تكون نصف السيارات المباعة في عام 2030 كهربائية. وهذا يعني ارتفاع نسبتها من 2.5% حالياً إلى 50% خلال عشر سنوات.
- تجديد المباني بمعدلات تاريخية لم تحدث من قبل، يما يتناسب مع متطلبات تحييد الكربون.
- أن تتم كل عمليات التسخين (الاحتراق) في القطاع الصناعي باستخدام مصادر طاقة أغلبها غير متوافر حالياً.
4- الحاجة لانبعاثات سلبية
تعد انبعاثات الكربون من حرق الوقود -مثلاً-، "انبعاثات إيجابية"؛ لأنها تزيد في الانبعاثات. أما "الانبعاثات السلبية" فهي سَحْب الكربون من الجو بطرق صناعية، أو طبيعية، إما بتخزينه أو تحويله إلى مادة أخرى.
ونظرا لأنه لا يمكن الوصول إلى تحييد الانبعاثات بحلول 2050؛ اقترحت وكالة الطاقة الدولية سيناريو الاستدامة، والذي يمكن فيه تحييد الانبعاثات بحلول عام 2070. وفي هذا السيناريو لابد من تبني الانبعاثات السلبية ابتداءً من عام 2050؛ للوصول إلى هذا الهدف ومنع درجات الحرارة من الارتفاع أكثر من درجة ونصف الدرجة.
وأهمية هذا السيناريو ليست في إمكانية تحقيقه، بل في أنه يثبت عدم صحة التقارير الصادرة عن الفريق الدولي المكلف بملف التغير المناخي القائلة إنه يمكن الوصول إلى الحياد الكربوني دون انبعاثات سلبية. ومن ثم يثبت أن الوصول إلى هدف الحياد الكربوني صعب المنال.
5- ضرورة تغيير السلوك البشري
تؤكد وكالة الطاقة على أن كل ما ذُكر سابقاً لا يكفي للوصول إلى الحياد الكربوني، وإنه، إضافة إلى ذلك، لابد من التغير في السلوك الإنساني. وذكرت الوكالة 11 سلوكاً يجب أن تتغير ليسهم الناس بدورهم في تحقيق الهدف، منها: التوقف عن استخدام الطائرات لمسافات قصيرة، وتحديد سرعة السيارات، وتحديد درجات الحرارة في المباني.
كما يتطلب التخلي عن السيارة للمسافات القصيرة واستخدام الدراجات الهوائية بدلا عنها، وقيادة السيارات ببطء لتحسين كفاءة استخدام الوقود في المحركات. وهذا التغير في السلوك يتطلب تبني سياسات معينة تشجع الشعوب على هذا السلوك، في الوقت الذي يجب أن يتم فيه تشجيع التكنولوجيا التي تسهم في تغيير هذا السلوك.
6- مشكلة التمويل
يشغل موضوع التمويل مركزا رئيسياً في توقعات وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الأخير. فالوكالة ذكرت أن وفرة رأس المال مكنت من تخفيض تكاليف الطاقة المتجددة بشكل كبير، ومكنت من انتشارها، ومن ثم، فإن وفرة رأس المال مهمة لتحقيق الحياد الكربوني.
إلا أن الوكالة متشائمة بهذا الخصوص -خاصة في الدول النامية- بسبب فيروس كورونا وآثاره الاقتصادية. فشركات الكهرباء تحتاج إلى الإيرادات التي تجمعها من تقديم خدماتها للاستثمار في الطاقة المتجددة وبرامج الحياد الكربوني، ولكن هذه الإيرادات تقلصت بسبب عدم قدرة كثير من الزبائن على دفع فواتير الكهرباء؛ الأمر الذي يزيد من عبء الديون على هذه الشركات.
وتاريخياً، قدّمت الحكومات إعانات وتسهيلات وضمانات لمشاريع الطاقة المتجددة. والآن، بعد تقديم حزم مالية إنعاشية، وزيادة ديون هذه الحكومات، فإن الإعانات والتسهيلات لمشاريع الطاقة المتجددة ستنخفض أو تتلاشى. وخلاصة الأمر أن عدم وفرة التمويل كما كان يعني التأخر في تطبيق الحياد الكربوني وتحقيقه.
7- التقدم في محاربة فقر الطاقة قد يتحول إلى تراجع
في كل عام، تقدم الوكالة الدولية للطاقة تقديرًا لعدد الأشخاص الذين يفتقرون إلى الكهرباء وطرق الطبخ غير الملوثة للبيئة. وخلال السنوات القليلة الماضية، أظهرت هذه الأرقام مسارًا مشجعًا؛ إذ حصل المزيد من الأشخاص على الكهرباء مع تحسن بسيط في موضوع الطبخ بطرق غير ملوثة للبيئة.
لكن -لأول مرة منذ عام 2013- يرجح أن يرتفع عدد الأشخاص الذين يفتقرون إلى الكهرباء في أفريقيا، وقد يجد أكثر من 100 مليون شخص الخدمات الحالية عالية التكلفة؛ "ما يدفع هذه الأسر إلى الاعتماد على مصادر أكثر تلويثًا للبيئة".
ويعني هذا أن مسار الوصول إلى الحياد الكربوني يصبح أكثر صعوبة من قبل. لقد أصاب فيروس كورونا الفئات الأكثر ضعفاً، وزاد فقر الطاقة بينهم.
8- الغاز الطبيعي قابل للاستبدال أيضًا
في السابق، كان للغاز دور كبير في توقعات وكالة الطاقة الدولية دون توقع أي انخفاض لدوره في المستقبل. إلا أن المفاجئ في التقرير الأخير أن أحد السيناريوهات يتضمن انخفاض الطلب على الغاز. والفكرة مبنية على أن إحلال الغاز محل الفحم سيقل مع تلاشي دور الفحم، عندها ستنافس مصادر الطاقة الأخرى الغاز.
ويوضح التقرير أنه متى ما تم الانتهاء من كل مشاريع تسييل الغاز، فإنه لن يكون هناك أي زيادة بعدها، خاصة إذا تم تبني سياسات صارمة فيما يتعلق بالتغير المناخي.
9- الاستثمار ينخفض بشكل أسرع من الطلب
تقدّر وكالة الطاقة الدولية أن الطلب على الطاقة قد ينخفض بنسبة 5% في 2020، مع تضرر النفط والفحم بشكل أكبر، يليهما الطاقة النووية والغاز، بينما يُتوقع أن تحقق مصادر الطاقة المتجددة مكاسب متواضعة في عام 2020.
وعلى النقيض من ذلك، انخفض الاستثمار في الطاقة بنسبة أكبر بكثير تصل لـ 18%، مدفوعًا بانكماش الاستثمار في النفط والغاز.
وإذا استمرت أزمة فيروس كورونا لعدة سنوات، فإن انخفاض الاستثمار لن يسبب مشكلة؛ لأنه سيكون مناسباً للانخفاض في الطلب. وإذا قرر العالم اتخاذ قرارات صارمة بشأن التغير المناخي، فإن تخفيض الاستثمار بهذا الشكل سيظهر مناسباً.
لكن الانخفاض في الاستثمار قد يسبب ارتفاعاً في الأسعار على المديين القريب والمتوسط؛ ما يثير مخاوف بشأن أمن الطاقة، وقد يغير -أيضًا- مواقف المستهلكين بشأن المنتجات والخدمات البديلة.
ومهما كان الوضع، فإن أرقام وكالة الطاقة الدولية الخاصة بالاستثمار يُذكّرنا بأنه "بِغضّ النظر عن المسار الذي نسير فيه، فإننا سنواجه عقبات على طول الطريق".