بريطانيا على درب السعودية في "طاقة الرياح"
"نموذج المملكة" آخذ في الانتشار
خاص - وحدة أبحاث الطاقة
- جونسون يقول إنه مثلما تملك السعودية النفط ستكون الرياح في بريطانيا
- تنتج بريطانيا حاليًا ما يقلّ قليلًا عن 10.5 غيغاواط من الطاقة من الرياح البحريّة أي 10% من إجمالي توليد الطاقة لديها
- يخطّط جونسون الآن لرفع هدف 30 غيغاواط السابق إلى 40 غيغاواط بحلول عام 2030
- ساعدت العواصف الشتوية التي ضربت بريطانيا على تعزيز إنتاجية مزارع الرياح
وضعت بريطانيا -ثاني أكبر اقتصاد في أوروبّا- خطّة تسعى من خلالها لتتصدّر مشهد طاقة الرياح في العالم، أي أن تكون "سعوديّة طاقة الرياح"، تستحوذ على نصيب الأسد من إنتاج وتوزيع وتصدير طاقة الرياح، يساعدها في ذلك "محطّات الرياح" في مسطّحاتها المائيّة.
وأعلن رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، ذلك صراحةً في عدّة مناسبات، آخرها مساء أمس، والذي أشار فيه إلى سعي بلاده لأن تتميّز في طاقة الرياح، مثل السعودية في النفط، التي تعدّ أكبر مصدر للنفط في العالم. غير أن المملكة العربية السعودية -والتي أصبحت نموذجًا يحتذي به في قطاع الطاقة، عبر رؤية 2030- لديها احتياطي نفطي ساعدها على تصدّر المشهد في أسواق الذهب الأسود، سريعًا، ومازالت تقوده بشكل مباشر وغير مباشر، عبر تجمّع أوبك+.
جونسون قال: "مثلما تملك المملكة العربية السعودية النفط، سوف تكون الرياح في المملكة المتّحدة، مكان به موارد غير محدودة تقريبًا، ولكن في حالة الرياح، فإنّها (الطاقة) تكون دون انبعاثات الكربون، ودون الإضرار بالبيئة". غير أن العديد من الخبراء يشكّكون في إمكان حدوث ذلك على أرض الواقع.
- بريطانيا تعطي الضوء الأخضر لإقامة أكبر مزرعة طاقة شمسية
- بريطانيا تدعو لاستخدام جائحة كورونا محفّزًا لثورة الطاقة الخضراء
وجعلت المملكة المتّحدة، مؤخّرًا، قطاع توليد الطاقة عبر الرياح البحريّة، إحدى ركائز إستراتيجية الانتقال إلى طاقة تخلو من انبعاثات الكربون، وحدّدت هدفًا طموحًا، هو مضاعفة طاقتها في هذا المجال إلى أربع مرّات، بحلول 2030.
وتعدّ "مصفوفة لندن"، التي افتُتِحَت صيف عام 2013، من أكبر محطّات طاقة الرياح البحريّة في العالم. وتسهم المحطّة من خلال 175 توربيناً يعمل بقوّة الرياح، في توليد الطاقة الكهربائية لأكثر من نصف مليون منزل في المملكة المتّحدة، إضافةً إلى الحدّ من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بنحو مليون طنّ سنويًا.
وبدأت الأعمال الإنشائية على اليابسة، عام 2009، قبل عامين من انطلاق الأعمال الإنشائية في البحر. ودخلت المحطّة أولى مراحل الإنتاج في شهر أكتوبر 2012، قبل أن يتمّ تركيب آخر التوربينات، في شهر ديسمبر/كانون الأوّل من العام نفسه.
وتضمّ "مصفوفة لندن" محطّتين فرعيّتين بحريّتين، وأخرى برّية، يصل بينهما كابلات بحريّة يتجاوز طولها 400 كيلومتر، وتمّ إنشاء قاعدة جديدة متخصّصة بأعمال التشغيل والصيانة في ميناء رامزجيت.
وتتطلّب إقامة التوربينات البحريّة الضخمة لتوليد الطاقة من الرياح مهارات هندسية استثنائية، لكن الطاقة التي تنتجها تعدّ نظيفة ورخيصة أيضًا، ممّا قد يُبرز بريطانيا مصدرًا للكهرباء للدول الأوروبّية، الأمر الذي قد يؤدّي إلى خلافات أوروبّية، أولا تتطوّر فيما بعد إصدار قرارات حماية، لأن الدول الأوروبّية تتمتّع بنفس ما تتمتّع به بريطانيا من مصبّات هواء كبيرة.
تُنتج بريطانيا -حاليًا- ما يقلّ قليلًا عن 10.5 غيغاواط من الطاقة من الرياح البحريّة، أي نحو 10% من إجمالي توليد الطاقة لديها. ويخطّط جونسون الآن لرفع هدف 30 غيغاواط السابق إلى 40 غيغاواط، بحلول عام 2030، للوفاء بتعهّده المتعلّق بالمنازل. وفقًا لوكالة الصحافة البريطانيّة.
كهرباء جميع منازل بريطانيا من الرياح
تسعى بريطانيا إلى تزويد جميع المنازل بالكهرباء من مزارع الرياح البحريّة، بحلول عام 2030، وسط تحدّيات تزداد مع جائحة كورونا في قطاع الطاقة.
تعدّ "مصفوفة لندن" التي افتُتِحَت في صيف عام 2013 من أكبر محطّات طاقة الرياح البحريّة في العالم
وذكر رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، في كلمة ألقاها أمام مؤتمر عبر الإنترنت لحزبه المحافظ، مساء أمس الثلاثاء، إنّه ينبغي استخدام جائحة كورونا محفّزًا لثورة الطاقة الخضراء.
وقال جونسون: "هناك مجال واحد نتقدّم فيه بسرعة العاصفة، بمعنى الكلمة، وهو الاقتصاد الأخضر، الثورة الصناعية الخضراء التي ستوفّر خلال العشرة أعوام المقبلة مئات الآلاف، إن لم يكن ملايين، من الوظائف". مشيرًا في هذا الصدد إلى إمكان تصدُّر بريطانيا إنتاج وتصدير طاقة الرياح في العالم، على غرار السعودية في النفط.
ومن المقرّر أن تستضيف بريطانيا مؤتمر المناخ للأمم المتحدة “COP26” في جلاسكو بإسكتلندا. وكان لابدّ من تأجيله إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2021، بسبب الوباء.
مشاريع جديدة
أعطت المملكة المتّحدة الضوء الأخضر لخطط تطوير أكبر مزرعة للطاقة الشمسية في البلاد، وهو مشروع مترامي الأطراف سيغطّي مساحة كبيرة للغاية، على الساحل الشمالي لمقاطعة كينت.
سيجري تنفيذ مزرعة (كليف هيل سولار بارك) التي تُقدَّر تكلفتها بنحو 450 مليون جنيه إسترليني ( 555 مليون دولار أميركي) على مساحة 900 فدّان، بالقرب من مدينتي ويتستيبل وفيفيرشام، وهي مشروع مشترك تنفّذه شركتا (هايف إنرجي) و(ويرسول إنرجي).
ويتضمّن المشروع نصب 880 ألف لوح شمسي مصمَّم لتوليد طاقة تصل إلى 350 ميغاواط/ساعة، وهي قدرة يمكنها تغطية 91 ألف منزل. ومن المقرّر أن يشمل المشروع أيضًا مرفقًا لتخزين الطاقة، لإرسال الكهرباء إلى الشبكة عند اللزوم.
يأتي ذلك في إطار هدف حكومة المملكة المتّحدة بشأن القضاء تمامًا على انبعاثات الغازات الدفيئة، بحلول عام 2050، وإزالة الفحم من نظام الطاقة البريطاني، بحلول عام 2025. وأعلنت مؤخّرًا أنّها ستتشاور بشأن تقديم هذا الموعد النهائي، إلى 1 أكتوبر/تشرين الثاني 2024.
مصادر الطاقة المتجدّدة ولّدت أكثر من 40% من طاقة بريطانيا في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري
والحقيقة أن بريطانيا قطعت شوطًا كبيرًا على طريق مصادر الطاقة المتجدّدة. فقد كشف تقرير جديد، أن مصادر الطاقة المتجدّدة ولّدت أكثر من 40% من طاقة بريطانيا، في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، متجاوزةً الوقود الحفري للمرّة الأولى، حيث أظهر التحليل أن الرياح والطاقة الشمسية والكتلة الحيوية أسهمت في أكثر من ثلث توليد الطاقة في البلاد، في الربع الأول من العام.
وساعدت العواصف الشتوية التي ضربت البلاد على تعزيز إنتاج مزارع الرياح في جميع أنحاء البلاد، في فبراير/شباط.
كما ساعدت هذه العواصف على جعل فبراير/شباط 2020 الشهر الأوّل على الإطلاق، الذى ينتج فيه المزيد من الكهرباء بوساطة مزارع الرياح، أكثر من محطّات الطاقة التي تعمل بالغاز في المملكة المتّحدة.
وأنتجت مصادر الطاقة المتجدّدة مجتمعة 41.8% من الطاقة في البلاد، خلال الربع، أي أكثر من نسبة 34.5% المولّدة من الوقود الحفري.
يشير التحليل إلى أن الوقود الحفري الضارّ، أي الغاز والفحم، في طريقه للخروج من البلاد بصفته مصدرًا لتوليد الطاقة، كما أسهم الإغلاق لاحتواء فيروس كورونا في انخفاض الطلب على الكهرباء، خلال أيّام الأسبوع، إلى أدنى مستوى له منذ عام 1982.
وانخفضت الانبعاثات لكلّ وحدة طاقة منتجة بنسبة 20%، مقارنةً بالأشهر الثلاثة الأولى من عام 2019، حيث قال الباحث الرئيس الدكتور إيان ستافيل، في مركز السياسة البيئية في إمبريال كوليدج بلندن: “إن نظام الكهرباء في بريطانيا يتعرّض لضغوط لم يسبق لها مثيل، حيث أصبح الطقس في البلاد أكثر تطرّفًا، بجانب الوباء العالمي”.
وفي إطار المصادر الأخرى المتجدّدة لتوليد الطاقة، أسهمت الكتلة الحيوية (تشير إلى الموادّ الحيويّة الحيّة، والتي كانت حيّة إلى وقت قريب، ويمكن استخدامها وقودًا، أو في الإنتاج الصناعي)، بنسبة 6.7% من مزيج الطاقة، وشكّلت الطاقة الشمسية 2.6%، ومرّت البلاد أيضًا بأربعين يومًا، محقّقةً الرقم القياسي دون أيّ توليد طاقة للفحم، وهي أطول فترة منذ الثورة الصناعية.
وشهدت إجراءات الإغلاق تأثيرًا على تلوّث الكربون، حيث انخفضت الانبعاثات من إنتاج الطاقة البريطانيّة بنسبة 35%، مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي.
التداعيات
يأتي الاهتمام بطاقة الرياح في بريطانيا على حساب استخدام الفحم والطاقة النووية، وبالطبع الغاز الروسي، الذي سيقلّ استخدامه بشدّة حال تحقيق المملكة المتّحدة الاكتفاء الذاتي من الكهرباء باستخدام طاقة الرياح.
ورغم أنّه، في وقت سابق من الشهر الماضي، وافقت محكمة العدل الأوروبّية -أعلى محكمة في الاتّحاد الأوروبّي- على تقديم الحكومة البريطانيّة دعمًا لمحطّة “هينكلي بوينت سي” النووية، رافضةً في الوقت ذاته استئنافًا قدّمته النمسا -المعادية للأسلحة النووية- في القضيّة التي يعود تاريخها لعام 2014، أي قبل خروج بريطانيا من التكتّل الأوروبّي.
الفحم والطاقة النووية والغاز الروسي أكثر المتأثّرين بتحوّل بريطانيا إلى طاقة الرياح
غير أن ذلك يأتي مرحلةً على المدى القريب والمتوسّط، أمّا المخطّط البعيد، فيشير إلى أن طاقة الرياح ستحلّ محلّ الطاقة النووية رويدًا رويدًا.
أمّا عن الفحم، فبعد إغلاق أخر منجم فحم عميق في البلاد -وهو منجم كلينغلي شمال يوركشاير- وأيضًا بعد شهرين فقط من آخر إنتاج استُخرِج من منجم الفحم السطحي فير برادلي، والذي يقع بالقرب من دورهام، منحت بلدية مقاطعة كُمْبريا الريفيّة في شمال بريطانيا، الضوء الأخضر لخطط مقرّرة لفتح أوّل منجم جديد من منخفضات عميقة في المملكة، منذ 30 عامًا.
خلاصة الأمر، إن تحقيق أهداف بريطانيا في كونها "سعوديّة طاقة الرياح" حتّى ولو جزئيًا، لن يؤثّر في الطلب العالمي على النفط، لأن النفط قلّما يُستخدم في توليد الكهرباء في أوروبّا، بل يؤثّر في الطلب على الفحم، أوّلًا، والطاقة النووية، ثانيًا، ثمّ في الطلب على الغاز الروسي والغاز المسال من روسيا وقطر والولايات المتّحدة، ثالثًا.
كما إن قيام بريطانيا بذلك، وتصديرها للكهرباء الرخيصة، يعني منافسة الطاقة المتجدّدة لبعضها، وقد يجعل بعض الدول الأوروبّية تلجأ لحماية صناعة الطاقة المتجدّدة فيها.