مصر تتحوّل من مستورد للغاز إلى محور إقليمي لتصدير الطاقة لـ 3 قارّات
نجاح القاهرة في هذا الملفّ يزعج تركيا وإثيوبيا
أحمد صقر
- القاهرة تتحول من مستورد للغاز إلى مُصدر بفضل حقل ظُهر
- محطات الإسالة ركن أساسي في إستراتيجية الدولة
- محطة الضبعة النووية تمثل 10% من كهرباء مصر
- يمكن أن تمد مصر دول جنوب أوروبا بالكهرباء
باتت مصر على أعتاب التحوّل إلى مركز إقليمي لتصدير الطاقة (الغاز الطبيعي والكهرباء)، بين أوروبّا وأفريقيا والشرق الأوسط، حيث بدأت برنامجًا لتطوير صادراتها من الطاقة، يُسهم في إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية في منطقة شرق البحر المتوسّط إلى القرن الأفريقي.
وفي تطوّر مذهل، تحوّلت مصر –أكبر بلد في البحر المتوسّط من حيث عدد السكّان- من دولة تعاني من أزمات اقتصادية، إلى دولة تقترب من أن تصبح مركزًا إقليميًا لنقل الطاقة وتصديرها.
حقّقت القاهرة الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، وأصبحت مصدرًا صافيًا، بفضل الاحتياطي الهائل من الغاز الطبيعي البحري، الأمر الذي أدّى لخلق فائض كهرباء قابل للتسويق، من المقرّر أن ينمو بشكل كبير في المستقبل القريب، خاصّةً مع بدء مشروعات الطاقة المتجدّدة والطاقة النووية الجديدة في البلاد، عملية الإنتاج.
ووفقًا لرؤية مايكل تانتشوم، الكاتب بمعهد الدراسات السياسية الدولية، عمدت القاهرة إلى تطوير الوصلات لبدء توصيل الكهرباء إلى أوروبّا والشرق الأوسط وأفريقيا، ما يمكّن القاهرة من لعب دور بارز في هندسة الطاقة شرق البحر المتوسّط.
4 عوامل
ليس الموقع الجغرافي -فقط- الذي سيؤهّل مصر للعب هذا الدور البارز في قطاع الطاقة، لكن نتيجة تضافر 4 عوامل رئيسة على مدى السنوات الـ 5 الماضية، هي: اكتشافات الغاز الطبيعي، الإصلاح المالي، تنمية موارد الطاقة المتجدّدة، وبناء وصلات الكهرباء.
حقل ظُهر
يعدّ اكتشاف حقل ظُهر -أكبر حقل للغاز الطبيعي بشرق البحر المتوسّط، في أغسطس/آب 2015، من قبل شركة إيني الإيطاليّة- الحدث الذي غيّر قواعد اللعبة في المنطقة، وأطلق تقارب هذه العوامل، فمن خلاله أصبحت مصر مكتفية ذاتيًا من الطاقة.
وأصبح حقل ظهر دليلًا على أن منطقة شرق البحر المتوسّط لديها بشكل جماعي كمّيات من الغاز الطبيعي قابلة للتسويق.
والفرصة لم تفوّتها شركة إيني الإيطاليّة، التي بدأت تطوير عدد من حقول الغاز الطبيعي في قبرص، كما إنّها أحد مساهمي وحدة تسييل الغاز في مصر بدمياط، الذي يعدّ حجر الأساس في خطّة تجميع الغاز المصري والقبرصي والإسرائيلي وتصديره لأوروبّا.
تحرّكات مصرية إقليمية
بحلول عام 2019، وقّعت قبرص وإسرائيل، عقود توريد الغاز مع مصر، بينما دخلت شركة توتال الفرنسية العملاقة للطاقة، في شراكة مع إيني، في جميع عملياتها القبرصية.
وفي يناير/كانون الثاني 2020، تشكّل منتدى غاز شرق المتوسّط (EMGF)، وهو منصّة تعاون متعدّدة الجنسيات لتطوير الغاز الطبيعي في المنطقة، ويضمّ في عضويّته، إلى جانب مصر، كلًّا من إيطاليا وفرنسا واليونان وقبرص وإسرائيل والسلطة الفلسطينية والأردن، لكنّه تحوّل قبل يومين إلى منظّمة دولية حكومية، مقرّها القاهرة.
انقطاع الكهرباء
في 2014، عدَّ المسؤولون عدم انقطاع التيار الكهربائي في مصر أمرًا مستحيلًا، لكن، بين عامي 2016 و2018، قامت شركة سيمنس الألمانيّة، بالشراكة مع القاهرة، بتركيب 3 محطّات طاقة ضخمة ذات دورة مركّبة تعمل بالغاز، تبلغ قدرتها 14.4 غيغاواط، ممّا يمكن أن يوفّر لأكثر من 40 مليون مصري إمدادات كهرباء موثوقة.
وفي 2018، بلغ إجمالي القدرة المركّبة لمصر 42 غيغاواط، منها 91% عبر توليد الطاقة باستخدام الهيدروكربونات، ثمّ شكّلت مصادر الطاقة المتجدّدة 8.6% فقط من إنتاج الطاقة في مصر، حيث شكّلت الطاقة الكهرومائية أكثر من ثلاثة أرباع هذا الإجمالي.
ومع مزيد من تطوير مصادر الطاقة المتجدّدة، تبلغ السعة المركّبة في مصر، حاليًا، قرابة 50 غيغاواط، مع وجود أكثر من 10 غيغاواط فائضًا.
تهدف إستراتيجية الطاقة المستدامة المتكاملة لعام 2035، في مصر، إلى زيادة إنتاج الطاقة من مصادر الطاقة المتجدّدة، إلى 20% من إجمالي إنتاج مصر من الطاقة، بحلول عام 2022، و42% بحلول 2035.
وتتطلّب سياسة الطاقة الطموحة في القاهرة، توفير 61 غيغاواط من السعة المركّبة من RES - 32 غيغاواط من الطاقة الشمسية الكهروضوئية، و12 غيغاواط من الطاقة الشمسية المركّزة، و18 غيغاواط من طاقة الرياح.
الطاقة الشمسية
يقول مايكل تانتشوم: "تعدّ مصر من الدول ذات الموارد الوفيرة في الطاقة الشمسية، ويتجاوز معدّل الإشعاع الطبيعي المباشر في العديد من المناطق، 2300 كيلوواط ساعة/ م 2".
ويُعدّ مجمع بنبان للطاقة الشمسية الضخم بقدرة 1.8 غيغاواط بأسوان( جنوب البلاد)، أكبر مجمّع للطاقة الشمسية
الكهروضوئية في العالم، يتكوّن من قرابة 40 محطّة شمسية، طوّرتها أكثر من 30 شركة أجنبية من 12 دولة، بتكلفة 4 مليارات دولار.
وسيعمل مجمّع بنبان للطاقة الشمسية على منع الانبعاث السنوي لمليوني طنّ من ثاني أكسيد الكربون.
طاقة الرياح
تشهد مصر طفرة في تنمية طاقة الرياح، ففي نوفمبر/تشرين الأوّل 2019، تمّ تشغيل أكبر مجمّع لتوليد طاقة الرياح في البلاد، وهي مزرعة رياح رأس غارب (جنوب شرق البلاد)، بقدرة 262.5 ميغاواط، بالقرب من خليج السويس، ومن المتوقّع أن تزوّد 500 ألف منزل بالطاقة، عند التشغيل الكامل.
ومن خلال استغلال موارد الرياح الاستثنائية في خليج السويس، أُنشِئ المصنع القريب من الشاطئ، الذي تبلغ تكلفته 380 مليون دولار، بوساطة مشروع مشترك، يضمّ شركة إنجي الفرنسية وتويوتا تسوشو اليابانية وشركة أوراسكوم للبناء المصرية.
في أغسطس/آب المنصرم، منح البنك الأوروبّي لإعادة الإعمار والتنمية (EBRD) تحالفًا فرنسيًا يابانيًا مصريًا، قرضًا بقيمة 50 مليون دولارK لإنشاء مشروع طاقة الرياح بقدرة 500 ميجاواط في رأس غارب، وفقًا لتقديرات البنك الأوروبّي لإعادة الإعمار والتنمية، سيؤدّي إلى تجنّب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويًا، بنحو مليون طنّ.
الطاقة النووية
في عام 2021، تبدأ روساتوم الروسيّة بناء أوّل محطّة للطاقة النووية في مصر، من خلال قرض بقيمة 25 مليار دولار من موسكو، لتغطية 85% من تكاليف البناء.
وستتألّف محطّة الطاقة النووية بالضبعة 4.8 غيغاواط من 4 مفاعلات بقوّة 1.2 غيغاواط، سيبدأ تشغيل أوّلها في عام 2026، والباقي في عام 2029.
من المتوقّع أن يكون إنتاج محطّة الضبعة النووية معادلاً لـ 10% من الاستهلاك في مصر، كما يوفّر لروسيا مكانة بارزة في سوق الطاقة بالقاهرة، خارج حصة روسنفت في حقل ظهر.
الفائض
بحلول عام 2035، سيكون لدى مصر فائض يُقدّر بنحو 74.4 غيغاواط، ويمكّن تطوير الربط الكهربائي مع أوروبّا والشرق الأوسط وأفريقيا جنوب الصحراء، مصر، من تسويق كمّية كبيرة من فائض الطاقة، إلى جانب فائض الطاقة المنتجة في دول مجلس التعاون الخليجي، إلى أوروبّا وأفريقيا - ممّا يُحتمل أن يحوّل مصر إلى مركز تجاري للكهرباء.
وقّعت مصر، في العام الماضي، اتّفاقية لإنشاء ربط كهربائي بقدرة 2 غيغاواط، مع قبرص واليونان، ومن المقرّر أن تبدأ المرحلة الأولى من تطوير خطّ الربط الكهربائي الأوروبّي الأفريقي، الذي يربط مصر بقبرص وكريت والبرّ الرئيس لليونان، بحلول ديسمبر/كانون الأوّل 2023، بسعة 1 غيغاواط.
وبالمقارنة، فإن خطّ الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا، المقرّر استكماله في 2025، سيكون بقدرة 0.6 غيغاواط فقط.
مصر والسعودية
مصر والسعودية بصدد بناء ربط كهربائي بقدرة 3 غيغاواط، ومن المتوقّع أن يبدأ تشغيل أوّل 1.5 غيغاواط من المشروع، الذي تبلغ قيمته 1.6 مليار دولار، عام 2023.
وتمتلك مصر فعليًّا روابط مع ليبيا والأردن، اللتين تبلغ طاقتهما الإجمالية قرابة 800 غيغاواط، لكن ليبيا التي لديها عجز 2500 ميغاواط خلال ذروة الطلب، ستكون مخرجًا كبيرًا لصادرات مصر من الطاقة.
مصر وليبيا
انخفضت نسبة الليبيّين الذين يتمتّعون بالحصول على الكهرباء، إلى 67% عن مستوى ما قبل 2011، البالغ 81%، ما يساعد على زيادة صادرات الكهرباء المصرية إلى ليبيا، لسدّ الفجوة وتعزيز التعاون الاقتصادي للقاهرة مع جارتها الغربية.
إلى جانب ليبيا، تستعدّ القاهرة للمساهمة في كهرباء أفريقيا جنوب الصحراء، حيث يبلغ متوسّط الحصول على الكهرباء أقلّ من 50%.
في ديسمبر 2019، أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، استعداد بلاده لتصدير 20% من احتياجاتها من الكهرباء الفائضة للدول الأفريقيّة، فالسودان -جار مصر من الجنوب- يحصل على كهرباء بمعدّل 60%.
أصبحت مصر والسودان على اتّصال بالشبكة التشغيلية، في أبريل/نيسان 2020، وسيصل إجمالي المدّ الكهربائي بين البلدين إلى 300 ميغاواط، عند الانتهاء.
من خلال ليبيا والسودان، يمكن للقاهرة -من الناحية النظرية- تصدير الكهرباء إلى الدول المجاورة، مثل تشاد التي بلغ معدّل وصولها للكهرباء، في 2018، نحو 12% فقط.
صعود مصر
يزعج الصعود المصري -كونها مركزًا لنقل وتصدير الكهرباء لأوروبّا وإفريقيا وآسيا- خصميها الجيوسياسيين الرئيسين، تركيا وإثيوبيا.
ويمثّل الاعتماد الأوروبّي على مص، واستبعاد تركيا، نكسة كبيرة لخطط أنقرة، التي سبق تطويرها لتصبح مركزًا إقليميًا للطاقة.
ويؤدي التنافس في مجال الطاقة بين مصر وتركيا إلى تفاقم المنافسة الأوسع التي تضع مصر وشركاءها في مجلس التعاون الخليجي ضدّ تركيا وقطر، على النفوذ السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط وأفريقيا.
مصر وإثيوبيا من التنافس للتعاون
يعدّ الصراع بين مصر وإثيوبيا محلّيًا بشكل أكبر، فتتطلّع إثيوبيا، من خلال سدّ النهضة، إلى زيادة الطاقة الكهرومائية لتحفيز التنمية الاقتصادية.
لكن يمكن للصراع أن يتحوّل إلى تعاون، من خلال تحفيز اتّفاقية ثلاثية بين مصر وإثيوبيا والسودان، حول بروتوكولات لضمان أمن المياه عند المصبّ من خلال دمج آليّات التعاون لتطوير قدرات الطاقة المشتركة والتسويق الثلاثي للكهرباء في شرق إفريقيا.
مصالح الاتّحاد الأوروبّي
مع وجود مصالح اقتصادية وسياسية عميقة لكلّ من فرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص، في تقدّم مصر، أصبح توجّه دبلوماسية الطاقة المصرية -حاليًا- مسألة ذات أهمّية حيوية لسياسة الاتّحاد الأوروبّي الخارجية.
ومن موقع الشراكة في ربط الطاقة الناشئة في مصر، يمكن لأوروبّا أن تشجّع التعاون الاقتصادي الإقليمي، عبر خطوط الصراع في شرق البحر الأبيض المتوسّط وليبيا والقرن الأفريقي.