أوّل منظّمة دولية في شرق المتوسّط.. الغاز أصبح له أب شرعي
مصادر تكشف لـ "الطاقة" آليّات التسعير
مكرم فلتس
في تطوّر لافت بأسواق الغاز، تأسّست أوّل منظّمة دولية في شرق المتوسّط، في الوقت الذي كانت تحتفل فيه منظّمة الدول المصدّرة للنفط "أوبك" بذكرى تأسيسها الـ 60، لتُلقي بظلالها على أهداف المنظّمة الوليدة من حيث تنظيم أسواق الغاز والإنتاج والإمدادات والأسعار.
شهدت القاهرة -اليوم الثلاثاء- توقيع الدول المؤسّسة لمنتدى غاز شرق المتوسّط، على الميثاق الخاصّ بالمنتدى، والذي يصبح -بمقتضاه- منظّمة دولية حكومية في منطقة المتوسّط، تسهم في تطوير التعاون بمجال الغاز الطبيعي، وتحقّق استغلالًا أمثل لموارده.
الدول الـ 6 هي: مصر، والأردن، واليونان، وقبرص، وإيطاليا، وإسرائيل، حيث يأتي اقتراح القاهرة بإنشاء المنظّمة في إطار سعيها للتحوّل إلى مركز إقليمي للطاقة في المنطقة.
الغاز صار له أب شرعي
الغاز -وهو المنتج الذي لا يقلّ أهمّية عن النفط- صار له أب شرعي الآن، ومن المقرّر أن يكون للمنظّمة دور كبير في تسعيره، فمن المتعارف عليه أن هناك عدّة طرق لتسعير الغاز الطبيعي، إذ يختلف من سوق إلى أخرى.
وعلى سبيل المثال، فإن الطريقة الوحيدة لنقل الغاز الطبيعي إلى اليابان، من البلد المنتج (ماليزيا أو قطر) هو تسييله ونقله بالناقلات البحريّة العملاقة، لذلك ترى الكثير من الدول المنتجة للغاز الطبيعي والمسال، ربط الأسعار بمعادلات سعريّة على أساس أسعار النفط العالمية.
وفي الولايات المتّحدة الأميركية، يجري إنتاج الغاز الطبيعي من الحقول، سواء التقليدية أو غير التقليدية، ويباع حسب تسعير مركز هنري هوب لتجارة الغاز، على أساس العرض والطلب.
والعرض والطلب في أميركا مرتبط بالمواسم الأربعة، فضلًا عن الكوارث الطبيعية التي تنعكس بالسلب على أسعار الغاز -أيضًا-.
ومن هنا، فإن الاعتماد على تسعير السوق الأميركية، لا يعطي تسعيرًا عادلًا للغاز على المستوى العالمي، لأن التسعير الأميركي يعتمد على عوامل داخلية أكثر منها دولية، مثل، المناخ، والغاز الصخري، والعواصف التي تضرب خليج المكسيك، والإمدادات من كندا عبر الأنابيب، وكمّيات الطاقة البديلة المستخدمة، إضافة إلى نسبة استخدامات الغاز الطبيعي في الصناعة وتوليد الكهرباء ووقودًا لوسائل النقل.
بينما تعتمد أوروبّا في تسعيرها على أسعار الغاز المسال العالمية، والأميركية، وتحتكر روسيا الجزء الأكبر من السوق الأوروبّية عبر شركة غازبروم العملاقة، لكن يوجد -بشكل عام- مصدران أساسيّان للغاز فيها: إمّا الغاز الروسي عبر الأنابيب، أو الغاز المسال عبر الناقلات.
كيفية التسعير
من المقرّر أن تعتمد المنظّمة الوليدة معادلات حسابية جديدة، لتسعير الغاز على أساس المليون وحدة حراريّة.
ووفق مصادر مطّلعة، تحدّثت إلى "الطاقة" -ورفضت الإفصاح عن هويّتها، لأنّها غير مخوّلة بالحديث للإعلام- فإن المنظّمة ستأخذ في الاعتبار أسعار النفط العالمية، لأن "أسعار النفط موحّدة عالميًا، وتعكس قيمة موارد الطاقة الأهمّ في مصادر الطاقة".
وأوضحت المصادر أن تسعير النفط حاليًا أكثر سهولة ممّا كان في الماضي؛ لأنّه كان يُنقل بالناقلات إلى كلّ العالم، بينما الغاز الطبيعي كان يُنقل بأنابيب بين الدول، لكن مع ازدهار صناعة الغاز، أصبح كالنفط، يُنقل إلى أيّ مكان في العالم، لذلك من الأجدى أن يُربَط مباشرةً بالنفط، على أساس المليون وحدة حراريّة.
وأشارت المصادر إلى زيادة أعداد محطّات استيراد الغاز المسال حول العالم، ما يسهّل انتشار هذا النوع من الغاز.
وعقود تصدير الغاز من أيّ دولة منتجة لا تعكس سعرًا عالميًا موحّدًا، وعليه، فإن الغاز الروسي لا يباع إلى أوروبّا بأسعار نظيره المصري المقرّر نقله عبر الأنابيب إلى أوروبّا أيضًا، لأن تكلفة الحفر والإنتاج والنقل والمعالجة من الكبريت، وإزالة الشوائب الأخرى كبخار الماء، والتوزيع، كلّها عوامل مؤثّرة في تحديد التكلفة الرئيسة لإنتاج الغاز، وبعد تحديد الكلفة النهائية للإنتاج، يضع المُصدّر هوامش الربح المقبولة له وللمشتري، وفي ضوئها يجري الاتّفاق على أسعار الشراء النهائية.
تعتمد الأسعار -أيضًا- على طول الأنابيب، وعدد الدول التي تمرّ عبرها، لا سيّما أن البلدان تطلب رسومًا معيّنة على مرور الغاز (ترانزيت) عبر أراضيها.
وقالت المصادر في تصريحاتها إلى "الطاقة": إن "كلّ هذه العوامل ستُؤخَذ في الاعتبار خلال تسعير الغاز".
اهتمام أوروبّي وأميركي
لا يخفى على أحد الاهتمام الأوروبّي بغاز شرق المتوسّط، لأنّه سيقلّل الاعتماد على الغاز الروسي، وسط منافسة سعريّة تكون في صالح القارّة العجوز.
ويعكس الاهتمام العالمي بالمنتدى، ومن ثمّ المنظّمة، أن العام الأوّل بعد الإعلان عن المنتدى لم ينته قبل إعداد دراسة موَّلها البنك الدولي، حول الاستغلال الأمثل للبُنية الأساسية للغاز في المنطقة.
ووضعت أوروبّا الغاز المصري على خريطتها المستقبلية للاستيراد، تحديدًا من عام 2024، الأمر الذي يوضّح مدى الاهتمام الأوروبّي بانطلاق المنظّمة رسميًا.
وخلال حضورها، اليوم، الإعلان الرسمي للمنظّمة، قالت كريستينا لوبيللو، مديرة إدارة الطاقة في الاتّحاد الأوروبّي -ممثّلة عن الاتّحاد- إن المنظّمة ستسهم في تأمين احتياجات دول المنطقة من الطاقة من أجل الاستقرار، حيث يمثّل قيمة كبيرة، وتُعقَد عليه الآمال في أن يصبح منصّة مستقبلية للتحوّل بمجال الطاقة، ودعم التعاون في شرق المتوسّط، استنادًا إلى مبادئ القانون الدولي، التي تحظى باحترام كلّ الدول المشاركة.
وتابعت: "المجال مفتوح لانضمام دول أخرى للمنتدى، تتشارك في المبادئ والأهداف نفسها"، مؤكّدةً دعم الاتّحاد الأوروبّي الكامل لهذه المنظّمة، وتشجيع الحوار السياسي بين الدول المشارِكة.
أعضاء جدد
"إن منتدى غاز شرق المتوسّط مفتوح لتقدّم أيّ دولة في شرق المتوسّط لطلب عضويته، وأيضًا تقديم أيّ دولة أخرى أو منظّمة إقليمية أو دولية، طلب الانضمام لها بصفة مراقب، ما دامت قد تبنّت قيم المنتدى وأهدافه، وشاركته الرغبة في التعاون من أجل رفاهية المنطقة بأسرها".. جاءت هذه الفقرة ضمن الكلمة التي ألقاها وزير البترول المصري، طارق الملا، اليوم الثلاثاء، ما يُفهم منه حسن النيّة المباشرة وغير المباشرة لأهداف المنظّمة، غير أن بعضهم راح بذهنه إلى تركيا، على الفور.
وفي هذا الصدد، وقبل القمّة الأوروبّية الطارئة، التي ستُعقد بعد غد الخميس، استمرّت جهود الوساطة في النزاع بشأن تنقيب تركيا عن الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسّط.
وبحسب مصادر من الاتّحاد الأوروبّي، ستُجري المستشارة أنغيلا ميركل، ورئيس مجلس الاتّحاد الأوروبّي شارل ميشيل، محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في مؤتمر عبر الفيديو كونفرانس، اليوم الثلاثاء.
وكان الاتّحاد الأوروبّي قد وجّه إلى تركيا إنذارًا نهائيًا، في نهاية أغسطس/آب المنصرم، بسبب عمليات التنقيب، مهدّدًا بفرض عقوبات إضافية.
وتطالب اليونان وقبرص، منذ فترة طويلة، بفرض عقوبات أكثر صرامة على تركيا، إذ ترى الدولتان أن التنقيب التركي عن الغاز الطبيعي يجري في مناطقهما البحريّة، ومن ثمّ فهو غير قانوني.
وكان الاتّحاد الأوروبّي قد فرض أوّل إجراءات حظر سفر وتجميد للثروات ضدّ أنقرة، في فبراير/شباط الماضي.
وفي عام 2019، تقرّر تقييد مخصّصات الاتّحاد الأوروبي لتركيا، وتعليق المفاوضات بشأن اتّفاقية النقل الجوّي معها.