تقارير التكنو طاقةرئيسيةغاز

فيتنام تضرب عصفورين بحجر "الطاقة" مع أميركا.. وتكبح الأطماع الصينية

التعاون مع واشنطن في مجال النفط والغاز ذو أبعاد إستراتيجية لهانوي

كاقتصاد سريع النموّ، من المتوقّع أن يزداد طلب فيتنام على الطاقة، بنسبة تتراوح بين 8.5% و 9.5% سنويًا، على مدى الأعوام الخمسة المقبلة.

ومع الحاجة إلى تقليل اعتمادها على محطّات الطاقة التي تعمل بالفحم، لجأت فيتنام إلى الاتّجاه لاستكشاف مصادر طاقة بديلة.

وبالإضافة إلى الاستثمار في الطاقة المتجدّدة، تسعي فيتنام -أيضًا- إلى العمل مع شركاء في الولايات المتّحدة، لتطوير إمدادات النفط والغاز، ومحطّات الطاقة التي تعمل بالغاز، وهي جهود تغذّيها حسابات إستراتيجية، وكذلك دوافع اقتصادية بحتة.

ووفق تقرير للكاتب "لي هونج هيب"، زميل بمعهد يوسف إسحاق البحثي في سنغافورة، نشرته مجلّة "ذا ديبلومات" الأميركية، فإن فيتنام تعمل حاليًا مع شركة إكسون موبيل الأميركية، لتطوير حقل غاز بلو ويل (Blue Whale) قبالة الساحل الأوسط للبلاد، وتقدّر احتياطاته بنحو 150 مليار متر مكعّب.

واردات الغاز الأميركي

من المقرّر استخدام الغاز من هذا الحقل لتشغيل 3 محطّات طاقة تعمل بالغاز، مخطّط بناؤها في المنطقة الاقتصادية المجاورة "دونغ كوات".

وفى نوفمبر 2019، حصلت شركة "أيه إي إس كورب" الأميركية -أيضًا- على موافقة لإنشاء محطّة "سون ماي 2" (بسعة 2.25 غيغاواط) لتوليد الطاقة من الغاز، في منطقة "بينه ثوان".

وسيجري تشغيل المحطّة التي تبنيها "أيه إي إس كورب" من الغاز الطبيعي المسال، الذي ستستورده فيتنام من الولايات المتّحدة.

وبصرف النظر عن "سون ماي 2"، تعمل فيتنام حاليًا على تطوير 4 مشروعات أخرى للطاقة، تعمل بالغاز الطبيعي المسال المستود، وهي "كا نا 1" (سعة 1.5 غيغاواط) وسون ماي 1، (2.25 غيغاواط)، و "وباك ليو" (3.2 غيغاواط)، ولونج سون1 (1.2 غيغاواط).

ووفقًا لوزارة الصناعة والتجارة الفيتنامية، ستؤدّي تلك المشروعات الجديدة إلى رفع إجمالي الطاقة الإنتاجية المركّبة من محطّات توليد الكهرباء التي تعمل بالغاز في فيتنام، من 9 غيغاواط، في الوقت الحالي، إلى 19 غيغاواط، بحلول 2029، ما يعني أنّه سيتعيّن على البلاد زيادة وارداتها من الغاز الطبيعي المسال.

في الوقت ذاته، برزت الولايات المتّحدة ثالثة أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال على مستوى العالم، ففي عام 2019، شكّلت الولايات المتّحدة أكثر من نصف قدرة تسييل الغاز العالمية.

وتفتح صناعة الغاز الطبيعي المسال الأميركية سريعة التوسّع، والطلب المتزايد لفيتنام على الغاز الطبيعي المسال المستورد، آفاقًا جديدة محتملة لتعاون أميركي فيتنامي.

فبمجرّد تشغيلها، ستخلق محطّة الطاقة "سون ماي 2" طلبًا سنويًا من الغاز الطبيعي المسال الأميركي، بقيمة 2 مليار دولار، وهذا مبلغ كبير بالنظر إلى أن إجمالي حجم الواردات الفيتنامية من الولايات المتّحدة، في عام 2019، بلغ 14.4 مليار دولار.

عصفوران بحجر

يقول الكاتب "لي هونج هيب"، على الرغم من احتمال استيراد فيتنام الغاز الطبيعي المسال من عدد من البلدان الأخرى، فإنّها مهتمّة -بشكل خاصّ- بالاستفادة من المورّدين الأميركيّين، نظرًا لقدرة هذه المشتريات على تحسين ميزانها التجاري مع الولايات المتّحدة.

ووفقًا للجمارك الفيتنامية، سجّلت فيتنام فائضًا تجاريًا، قدره 47 مليار دولار، مع الولايات المتّحدة، عام 2019، وطالما كان هذا الفارق التجاري المتضخّم مصدر استياء من قبل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي وصف فيتنام، في منتصف العام الماضي، بأنّها "منتهكة للتجارة"، مهدّدًا بفرض رسوم جمركية على صادراتها.

وبموازاة ذلك، التزمت فيتنام بتحسين الميزان التجاري، لا سيّما عبر رفع وارداتها من الولايات المتّحدة، والمتعلّقة بالغاز الطبيعي المسال الأميركي، لتزويد محطّات توليد الطاقة التي تعمل بالغاز، ومن شأن تلك الإستراتيجية "ضرب عصفورين بحجر واحد".

وترى هانوي أن معالجة مخاوف ترمب أمر مهمّ بالنسبة لها، إذ تُعدّ الولايات المتّحدة حاليًا أكبر سوق تصدير لفيتنام، وأيّ تعرفات تجارية عقابية تفرضها واشنطن، ستضرّ كثيرًا بصادرات فيتنام، وتهدّد نموّها الاقتصادي على نطاق واسع.

ردع الصين

من الناحية الإستراتيجية -وفقًا للكاتب "لي هونج هيب"- تلعب الولايات المتّحدة -حاليًا- دورًا رئيسًا في جهود فيتنام، لمواجهة الإجراءات القسريّة التي تقوم بها بكين في بحر الصين الجنوبي.

فعلى سبيل المثال، خلال المواجهات الثنائية بين هانوي وبكين في بحر الصين الجنوبي، عامي 2014 و2019، أثبت الدعم الدبلوماسي الأميركي أنّه ضروري لمساعي فيتنام على حشد الدعم الدولي ضدّ السلوك العدواني الصيني.

وفي هذا الصدد، فإن مضايقات الصين المتكرّرة لأنشطة النفط والغاز الفيتنامية في بحر الصين الجنوبي، يعطي هانوي سببًا وجيهًا آخر يدفعها لإشراك الشركات الأميركية، مثل إكسون موبيل، في مشروعاتها للنفط والغاز، لاسيّما بالنظر إلى أن الشركاء الأجانب الآخرين أثبتوا عدم قدرتهم على مقاومة التهديدات الصينية.

ويمكن الاستشهاد بقرار شركة النفط الإسبانية "ريبسول" إلغاء عقود تقاسم الإنتاج مع شركة بتروفيتنام (حكومية) في 3 كتل ،بالقرب من منطقة "فانغارد بانك" في بحر الصين الجنوبي.

كما يبدو -أيضًا- أن الشريك الروسي "روسنفت"، الممتدّ لشركة البترول الفيتنامية، يتّجه للتراجع في مواجهة الضغوط التي تمارسها الحكومة الصينية.

لكن، في المقابل، شدّدت -مؤخّرًا- الولايات المتّحدة من موقفها تجاه المطالبات البحريّة التوسّعية لبكين في بحر الصين الجنوبي، وأدانت عرقلة بكين للأنشطة التي تقوم بها عدد من الدول -من بينها فيتنام- للتنقيب عن الغاز والنفط في المياه الخاصّة بها، في بحر الصين الجنوبي.

بهذه الخلفية، يمكن أن يكون العمل مع الشركات الأميركية لتطوير موارد الهيدروكربون، إستراتيجية عملية لهانوي، بالنظر إلى أن واشنطن ستكون أكثر استعدادًا من معظم الدول الأخرى، لتقديم الدعم لشركاتها في مواجهة المضايقات الصينية.

استعداء الصين

طالما حافظت فيتنام على موقف معتدل من واشنطن وبكين، لتتجنّب المواجهة مع الأخيرة، لكن الانحراف عن هذا المسار، والدخول في شراكات واسعة النطاق مع شركات أميركية، في إطار مشاريع النفط والغاز في بحر الصين الجنوبي، وأيضًا تعزيز العلاقات الفيتنامية الأميركية، يحمل في طيّاته مخاطر استعداء الصين.

في المقابل، لا تستطيع هانوي الاستمرار في الانصياع للضغوط الصينية، فعلى الرغم من النوايا الحسنة، وجهودها لتخفيف تقاربها مع واشنطن من أجل عدم الإساءة لبكين، تواصل الأخيرة ممارسة المزيد من الضغوط على الحكومة الفيتنامية، من خلال تعطيل الأنشطة البحريّة للنفط والغاز بشكل متكرّر.

لذا -وفقًا للكاتب "لي هونج هيب"- من الضروري بالنسبة لفيتنام تحويل التعاون في مجال النفط والغاز مع الولايات المتّحدة إلى أحد أشكال النفوذ الإستراتيجي ضدّ الضغوط البحريّة الصينية.

ويرى الكاتب أنّه إذا قررت فيتنام -في نهاية المطاف- الاقتراب من واشنطن، فعلى الصين ألّا تلوم إلّا نفسها، لأن توسّعها البحري، ومضايقاتها المستمرّة المتكرّرة تلوي ذراع فيتنام.

ففي واقع الأمر، لن يهدّد الفشل في مواجهة ترهيب الصين، سيادة فيتنام في بحر الصين الجنوبي فحسب، بل سيعرّض -أيضًا- أمن الطاقة على المدى الطويل، والازدهار الاقتصادي، للخطر.

خطأ القيادة الفيتنامية

تعقيبًا على المقال، قال المحلّل "بيل هايتون": إن لجوء فيتنام إلى شراء الغاز من الولايات المتّحدة الأميركية، بعد عرقلة الصين تطوير الغاز البحري في فيتنام "سيكون خيارًا سياسيًا لهانوي، فيما يتعلّق بمحطّات الطاقة الصينية التي تعمل بالفحم".

وأضاف أن فيتنام تمتلك مشروعًا كبيرًا ممتدًّا للغاز البحري، تقوم بتطويره إكسون موبيل، وهو "بلو ويل"، قبالة الساحل الأوسط للبلاد، لكن، لسوء الحظّ، هذا المشروع يقع في المكان الخطأ تمامًا.

وأوضح أن الطلب على الكهرباء (المولّدة من الغاز)، في شمال وجنوب البلاد، لكن شبكة الكهرباء الفيتنامية لا يمكنها الوصول إلى هناك، لذا فإن إكسون موبيل وشركة الكهرباء الفيتنامية تتفاوضان، منذ سنوات، حول سعر الغاز.

وقال: إن فيتنام تمتلك احتياطات أخرى من الغاز البحري، هي الحقول التي كان من المقرّر تطويرها من قبل شركتي ريبسول ورونسنفت، لكن الصين منعت فيتنام من تطويرها، وهدّدت باستخدام القوّة العسكرية، وقد أذعنت القيادة الفيتنامية لتلك التهديدات، وتتحدّث الآن عن استيراد الغاز.

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق