تقارير منوعةسلايدر الرئيسيةمنوعات

السكّر والإيثانول.. معركة رسوم جديدة بين أميركا والبرازيل

برازيليا تهدّد بإلغاء إعفاءات الإيثانول الأميركي من الرسوم

حازم العمدة

اقرأ في هذا المقال

  • واشنطن تجاهلت مرارًا دعوات البرازيل لخفض الرسوم الجمركية على السكّر
  • ترمب يدعو لفرض رسوم جديدة على واردات الإيثانول البرازيلي
  • تحذيرات من أن يكرّر السكّر البرازيلي السيناريو الأسود لأسواق النفط

يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يأبى إنهاء فترة ولايته الأولى في البيت الأبيض، بهدنة من معاركه التجارية التي يشنّها شرقًا وغربًا، ولسان حاله يقول: "سأواصل النزال في ساحات المعارك"، حتّى الرمق الأخير من الفترة الرئاسية الأكثر إثارة للجدل في التاريخ الأميركي الحديث.

وقبل أسبوع من انتهاء فترة إعفاء حصّة واردات البرازيل من الإيثانول الأميركي من الرسوم الجمركية، تصرّ السلطات التجارية في البلاد، على أن تعاملها الولايات المتّحدة بالمثل، وتُسقط جميع الرسوم التي تفرضها على واردات السكّر البرازيلي الذي يدخل في صناعة الإيثانول، وإلّا فإنها ستُخضع جميع الإيثانول الأميركي لرسوم استيراد، بنسبة 20%.

وتنتهي في 31 أغسطس/آب الجاري، إعفاءات البرازيل لحصّة واردات الإيثانول الأميركية، البالغة 750 مليون لتر (12924 برميل يوميًا).

وتضغط جميع قطاعات السكّر والإيثانول القويّة في البرازيل، من أجل عدم تمديدها، الأمر الذي من شأنه أن يعرّض جميع واردات الولايات المتّحدة من الإيثانول للتعرفة الجمركية، البالغة 20%.

صدّرت واشنطن ما إجماليه 746.9 مليون لتر من الإيثانول إلى البرازيل، في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى يوليو/تمّوز، بانخفاض 20٪ عن 928.5 مليون لتر، جرى شحنها، خلال نفس الفترة من عام 2019، وفقًا لأمانة التجارة البرازيلية.

وفي السياق ذاته، أكّد مسؤولو الصناعة الحيويّة في البرازيل، أن السلطات الأميركية تجاهلت مرارًا الدعوة إلى خفض الرسوم الأميركية على السكّر البرازيلي.

المعاملة بالمثل

من هذا المنطق، قال أورلاندو ليت ريبيرو، مسؤول التجارة والعلاقات الدولية بوزارة الزراعة في البرازيل: إن بلاده ستكون مستعدّة لخفض رسوم واردات الإيثانول الأميركي إلى الصفر، ما دامت الولايات المتّحدة مستعدّة لمنح نفس المعاملة للسكّر البرازيلي.

وفي المقابل، أكّدت جمعيّة الوقود المتجدّد الأميركية، أنّه "إذا فشلت البرازيل في تمديد الإعفاءات الجمركية، فلن يكون أمام الولايات المتّحدة خيار سوى رفع الرسوم أيضًا، على الإيثانول البرازيلي".

في رسالة إلى مسؤولي التجارة الأميركية، دعا المشرّعون الأميركيون إلى "تكافؤ الفرص" في تجارة الإيثانول، بعد تعليقات من الرئيس دونالد ترمب في 10 أغسطس/آب، دعا فيها إلى فرض رسوم جمركية على الإيثانول البرازيلي، الذي يدخل الولايات المتّحدة.

وخلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، صدّرت البرازيل 452.9 مليون لتر من الإيثانول إلى الولايات المتّحدة، بانخفاض 18% من 552.9 مليون لتر في العام السابق، وفقًا لأمانة التجارة.

وحثّ أعضاء في الكونغرس، البرازيل على إلغاء نسبة الرسوم الجمركية، البالغة 20% على شحنات الإيثانول الأميركية، وكذلك الحصّة المحدّدة للاعفاء، وبدلاً من ذلك، طلبوا إعادة إعفاء جميع واردات الإيثانول الأميركي من الرسوم، والتي كانت سارية بين عامي 2012و2017، قبل إعادة العمل بنظام التعرفة والحصص.

وفي بيان صدر الأسبوع الماضي، قالت جمعية السكّر والإيثانول الرائدة (يونيكا): إن البرازيل ليست مسؤولة عن نقص الطلب الأميركي على الإيثانول.

وأكّدت الجمعية أن دولًا أخرى تقيّد أيضًا صادرات الولايات المتّحدة من الإيثانول، بسبب وفرة المعروض في السوق الأميركية.

وقالت: "فقدت الولايات المتّحدة الوصول إلى أسواق الاتّحاد الأوروبّي، بسبب الإغراق، وإلى الصين، بسبب الحرب التجارية".

صناعة السكّر البرازيلية

في المقابل، تضرّرت صناعة السكّر في البرازيل بشدّة، جراء الأزمة النفطية الناجمة عن تفشّي فيروس كورونا.

على غرار السيناريو الأسود الذي شهدته أسواق النفط العالمية -حيث أدّت وفرة المعروض مقابل ضعف الطلب، جراء تفشّي فيروس كورونا المستجدّ، إلى انهيار تاريخي في الأسعار، لم تتعاف منه الصناعة بعد- أطلق مسؤولون تنفيذيّون في قطاع السكّر والإيثانول في البرازيل صيحة تحذير، من أن الإفراط في إنتاج السكّر قد يؤدّي بالبلاد إلى نفس السيناريو الكئيب، لتهوي الأسعار التي انخفضت بالفعل -مؤخّرًا- بمعدّل الثلث إلى أعماق سحيقة، حتّى مع استمرار ضعف الطلب على الإيثانول، الذي يدخل السكّر في إنتاجه.

مع انتشار فيروس كورونا، انخفض الطلب على المواصلات، ومعه انخفض الطلب العالمي على الوقود، ومع تفشّي الوباء في البرازيل، انخفض الطلب على وقود السيّارات بشكل كبير، حيث تستخدم قرابة 75% من السيّارات في البرازيل الوقود المزدوج، وهو مزيج من الإيثانول والبنزين، ولكن أغلبه إيثانول، ومن ثمّ انخفض الطلب على الإيثانول داخل البرازيل وخارجها، فانخفضت أسعاره بشكل كبير.

قال مسؤولون تنفيذيون لوكالة (آرغوس ميديا) لتسعير النفط: إن ضعف العملة البرازيلية جعل صادرات السكّر أكثر قدرة على المنافسة، مشيرين إلى أن المطاحن وشركات السكّر تعمل على تثبيت أسعاره، لمدّة عامين.

لكنّهم حذّروا من أنّه إذا ظلّت سوق الإيثانول المحلّية ضعيفة، فهناك خطر أن تغمر الصادرات البرازيلية أسواق السكّر العالمية، مثلما حدث بين عامي 2011 و2014، عندما دعمت الحكومة البنزين، ما أدّى إلى تآكل أرباح مبيعات الإيثانول. وللتغلّب على ذلك، أنتجت الشركات المزيد من السكّر، ما أدّى إلى انخفاض الأسعار العالمية.

صادرات قياسية

وصلت صادرات السكّر البرازيلية إلى 1.2 مليون طنّ متري، في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2020، بزيادة 71% عن نفس الفترة من عام 2019، وفقًا لقاعدة بيانات مؤسّسة كوميكسستات الخاصّة بالاستيراد والتصدير التابعة لأمانة التجارة.

ارتفع إنتاج السكّر في منطقة جنوب الوسط البرازيلية، في الشهرين الأوّلين من الحصاد المنتهي في مايو/أيّار، بنسبة 65%، ليصل إلى 8 ملايين طنّ، مقارنةً بالعام الماضي، وفقًا لاتّحاد صناعة السكّر والإيثانول يونيكا.

وخصّصت المطاحن في المنطقة 46% من قصبها المحصود لإنتاج السكّر، خلال هذه الفترة ، ارتفاعًا من 33 %، خلال الشهرين الأوّلين من موسم 2019-2020.

ومع ذلك، هناك إجماع على أن المرونة كانت أساسيّة لبقاء الصناعة على قيد الحياة في الأزمة الحاليّة.

نظرة متفائلة

بالرغم من الانكماش الاقتصادي، يظلّ المسؤولون التنفيذيّون متفائلين بشأن التوقّعات متوسّطة الأجل للإيثانول.

وقال لوسيانو رودريغز، كبير الاقتصاديين في مؤسّسة يونيكا: "خلال العامين الماضيين، كانت آفاق الصناعة تتحسّن تدريجيًا – بدأت بتروبراس في فرض أسعار السوق على البنزين، وكان الطلب على الإيثانول قويًا، وتحسن رينوفابيو”.

كان من المتوقّع أن يكون هذا العام إيجابيًا لتلك الصناعة، لكن جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) قلبت هذا السيناريو، بينما قال "رودريغز": إن لوائح الوقود الحيوي تعكس تفاؤلًا بالنسبة للإيثانول.

ويدرك خبراء أسواق السكّر حقيقة ما يحدث في البرازيل، حيث قال تيموتي ماسون، الخبير الاقتصادي المكلّف لشؤون الأسواق، في نقابة منتجي السكّر من الشمندر في فرنسا، في تصريح لوكالة فرانس برس، مؤخّرًا: إن "قلب الأزمة مرتبط قبل كلّ شيء بأزمة النفط، التي جعلت البرازيل تهتمّ أكثر بإنتاج السكر الذي يوزّع في السوق العالمية بدلاً من إنتاج الإيثانول الذي انهارت أسعاره تمامًا بسبب النفط".

الشركات العالمية

كانت أسعار السكّر قد شهدت -مؤخّرًا- انخفاضًا بمعدّل الثلث تقريبًا، جراء أزمة كورونا، وانخفاض الأسعار، ما أثار اهتمام منتجي سكّر الشمندر الفرنسيّين والدول المنتجة للسكّر، خصوصًا الأوروبّية منها، التي كانت تأمل في استعادة عافيتها بعد عام اتّسم بتراجع الأسعار وإغلاق المصانع.

وكانت أسعار رطل السكّر قد انخفضت إلى ثمانية سنتات أميركية، ثمّ ارتفعت مؤخّرًا إلى 10 سنتات، بعد أن كانت 15 سنتًا، في فبراير/شباط الماضي.

كما يدرك خبراء أسواق السكّر أهمّية تغيّر أسعار الصرف في زيادة صادرات البرازيل من السكّر، حيث جاء في تقرير الشركة الوطنية للإمدادات الغذائية في البرازيل: إن "تراجع قيمة الريال البرازيلي مقابل الدولار" كان من أهمّ العوامل المحفّزة لصادرات البرازيل من السكّر، لموسم حصاد 2020-2021.

وخسر الريال البرازيلي 30% من قيمته، مقابل الدولار، منذ الأزمة الصحّية.

ويقول ماسون: إن "ذلك يعني -على المدى القصير جدًّا- أن البرازيليّين أكثر تنافسية، ويمكنهم البيع في السوق الدولية بأسعار أرخص بالدولار، ستكون لديهم الكمّية نفسها بالريال". مشيرًا إلى أن دولًا أخرى منتجة للسكّر، مثل جنوب إفريقيا وتايلاند، تنحو المنحى نفسه.

السوق الأوروبّية

ثمّة موقف مماثل في ألمانيا، من جانب شركة "زوددزوكر"، الأولى عالميًا في إنتاج السكّر. إذ إن المسؤولين فيها يقولون، إن الأسعار في السوق الأوروبّية لا تتراجع، على خلاف السوق العالمية. ففيما كان سعر طنّ السكّر في الاتّحاد الأوروبي 300 يورو، عام 2019، أصبح سعره 370 يورو، في نهاية فبراير / شباط، و "يتواصل ارتفاع الأسعار"، وفق قول متحدّث باسم المجموعة.

وفي مؤشّر آخر على التفاؤل بالنسبة إلى الشركة الرائدة عالميًا، يبدو موسم الحصاد الأوروبّي ضعيفًا، بسبب ربيع جافّ، ما سيجعل العرض ينخفض تلقائيًا، ويؤكّد حالة نقص السكّر في أوروبّا.

ويطالب كوميسير "بدراسة بند حماية في أوروبّا، لتجنّب التدفق الذي يمكن أن يأتي من البرازيل والولايات المتّحدة في وقت واحد". وختم بالقول: "مطلع العام، كان الدولار الواحد يوازي 3,5 ريالًا برازيليًا، أمّا اليوم، فالدولار يوازي 5,5 أو 5,7 ريالًا، ويتوقّع المصرفيّون أن يصبح الدولار الواحد بـ7,5 ريالًا، هذا الصيف. وهذا يعني أنّه ليس فقط السكّر، بل كلّ قطاع الزراعة سيتأثّر بما يحدث في البرازيل”.

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق