أزمة الوقود في فنزويلا.. مادورو يستعين بالنفط الإيراني مقابل الذهب
واستمرار تراجع إنتاج النفط
تعاني فنزويلا من أزمة وقود حادّة، خلال الأشهر الماضية، بسبب أزمة وباء كورونا، ومن قبلها العقوبات الأميركية المفروضة على قطاع النفط في البلاد، على الرغم من أنّها تمتلك أكبر احتياطي من النفط الخام في العالم.
تراجع إنتاج فنزويلا -الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية- إلى نحو 339 ألف برميل يوميًا، حاليًا، بحسب أحدث تقديرات منظّمة البلدان المصدّرة للبترول (أوبك)، بالمقارنة مع 1.354 مليون برميل، خلال عام 2018.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، فرضت فنزويلا قيودًا على مبيعات الوقود في محطّات التموين، مع نقل السيطرة عليها إلى القوات المسلّحة، وفقًا لما ذكرته وكالة الأنباء الأميركية (بلومبرغ).
ونهاية شهر يونيو/حزيران الماضي، أبلغت شركة النفط الفنزويلّية الحكومية (PDVSA) مشغّلي محطّات الوقود المستقلّين أنّها تستطيع إلغاء تراخيصهم "في أيّ وقت"، وذلك بعد أسابيع -فقط- من رفع أسعار الوقود، وتخفيض الدعم الذي استمرّ لعقود طويلة.
وأظهرت وثيقة صادرة عن الشركة المملوكة للحكومة، اطّلعت عليها رويترز، أن شركة PDVSA "ستكون قادرة على إلغاء العقد من جانب واحد، وفي أيّ وقت".
تخفيض دعم الوقود
بدأت فنزويلا، مطلع شهر يونيو/حزيران الماضي، في تطبيق نظام جديد لبيع الوقود، يضع حدًّا لدعم الدولة، ويسمح لسائقي السيّارات بشراء 120 لترًا -فقط- من البنزين شهريًّا، بأسعار مدعّمة، وحتّى هذه الكمّية، يُفترض أن تبلغ تكلفة لتر الوقود ما يعادل 2 سنتًا أميركيًا، وإذا مازادت الكمّية عن 120 لترًا شهريًا، يباع البنزين بسعر عالمي تنافسي، يبلغ 50 سنتًا للّتر.
وتحتكر شركة النفط الحكومية في فنزويلا، سوق توزيع الوقود بالجملة، وتمتلك تقريبًا جميع محطّات الخدمة في البلاد، البالغ عددها 1200 محطّة، على الرغم من أن معظمها يجري تشغيله بوساطة شركات خاصّة، من خلال تراخيص تجارية.
احتجاجات البنزين
أحصى المرصد الفنزويلّي للصراع الاجتماعي، في تقرير له، صدر في منتصف شهر يونيو/حزيران الماضي، أكثر من 1075 احتجاجًا، خلال شهر مايو/أيّار، وهو الأعلى خلال عام 2020، بحسب بلومبرج.
وقال المرصد -وهو منظّمة غير حكومية-، إن نحو 997 مظاهرة كانت بدافع تحقيق مطالب اقتصادية واجتماعية، حيث احتجّ المواطنون على نقص البنزين، والانتظار لمدّة طويلة، والرقابة التقديرية للقوّات المسلّحة في محطّات التزوّد بالوقود.
الحلّ في النفط إيراني
في ظلّ التظاهرات الشعبية المحتجّة على نقص الوقود، بالإضافة إلى العقوبات الأميركية المفروضة على شركة النفط الحكومية، لم يعد أمام الزعيم اليساري للبلاد، نيكولاس مادورو، سوى اللجوء إلى حليفه في الشرق الأوسط، لتجنّب المزيد من العقوبات، والحصول على الوقود المطلوب، لأن معظم المصافي المحلّية إمّا معطّلة أو غير نشطة، وفقًا لخبراء.
وتلقّت فنزويلا إمدادات وقود إيرانية، بلغت نحو 1.53 مليون برميل من البنزين، وسط انتقادات من واشنطن، لأن البلدين العضوين في منظّمة أوبك يخضعان لعقوبات أميركية.
أعلن مسؤولون إيرانيون، في 24 مايو/أيّار الماضي، وصول أوّل ناقلة وقود من بين 5 ناقلات نفط إيرانية، كانت متّجهة إلى فنزويلا، في حين كشفت شبكة "تيليسور" الإخبارية، في 5 يونيو/حزيران الماضي، عن دخول ناقلة الوقود الإيرانية "ظريف" إلى المياه الفنزويلّية، وهي الناقلة الخامسة التي تحمل البنزين، وتصل إلى فنزويلا، خلال شهر.
النفط مقابل الوقود
وحذّر خوسيه جويرا، الخبير الاقتصادي والمشرع المعارض، من أن الوقود الإيراني قد ينفد بعد فترة وجيزة من الكشف عن إغلاق 70% من محطّات الوقود المدعومة، و 40% لبيع الوقود بالأسعار الدولية.
وقال جويرا في مقابلة لـVOA : "من الواضح أن إدارة مادورو سوف تضطرّ إلى اللجوء إلى الاستيراد، من أجل تزويد السوق الوطنية بالوقود، وسيجري -على الأرجح- من خلال برنامج تبادل النفط مقابل الوقود، مع طهران أو الهند".
وتابع، إنّ جلب الوقود من أماكن بعيدة سيكون أكثر تكلفة بالنسبة لفنزويلا، حيث يجب دفع تكاليف الشحن والتأمين لمدّة 21 يومًا (زهاء 8450 ميلًا) في البحر. وقال: "سيؤدّي ذلك إلى زيادة تكاليف الوقود، بنسبة 10%على الأقلّ، وهي أغلى بنحو 20% من النفط".
النفط مقابل الذهب
ويتّفق الخبير الاقتصادي ليوناردو بونياك مع جويرا، في القول، إن حكومة مادورو ربّما تستخدم احتياطيات الذهب من المصرف المركزي، إذا لم يكن لديها موارد نقديّة كافية لدفع ثمن الوقود.
غير أن بونياك أكّد أن للإيرانيّين مصلحة جيوسياسية، أكثر منها اقتصادية، لأن لديهم إمكان الحصول على ذهب نقدي، عندما يتعلّق الأمر بالتعامل مع الأسواق الدولية، عبر نظام المقايضة، والقيام بأعمالهم الخاصّة، وهو ما يفوز به كلّ من فنزويلا وإيران، كسب العلاقة "ببيعنا الوقود، ومنحهم الذهب في المقابل."
وأضاف: إن "إيران هي أعظم شريك لفنزويلا في هذا الصدد، لأن شركة روسنفت الروسيّة لم تعد تفعل ذلك، من أجل تجنّب تلك العقوبات".
ويعمل فريق من الفنيّين الإيرانيّين في شركة النفط الفنزويلّية الحكومية وشركة تكرير النفط، بجزء من خطّة تعاون أوسع بين الجانبين، تشمل توفير العمّال والفنيّين وقطع الغيار من إيران لقطاع النفط في فنزويلا، مقابل قرابة 9 أطنان من الذهب، قيمتها نحو 500 مليون دولار، بحسب وكالة بلومبرغ.
عقوبات أميركية
وتعتزم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض عقوبات على ما يصل إلى 50 ناقلة نفط ووقود، بمثابة جزء من جهودها لوقف حركة التجارة بين إيران وفنزويلا، حسب وكالة بلومبرغ للأنباء، وذلك لتجنّب حدوث مواجهة عسكرية من إيران أو فنزويلا، في حال تدخّل البحريّة الأميركية لمنع وصول الناقلات القادمة من إيران إلى فنزويلا.
وأشارت بلومبرغ إلى أن إدارة ترمب تحاول وقف الدعم الإيراني للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، الذي دافع، الشهر الماضي، عن حقّ بلاده في "التجارة الحرّة" مع إيران، في حين تخضع الدولتان لعقوبات أميركية.
ويمثّل فرض عقوبات على ناقلات النفط تصعيدًا في جهود الولايات المتّحدة لوقف حركة التجارة والأموال بين طهران وكاراكاس، مع تنامي العلاقات بينهما.