هل ذهبت ذروة الطلب النفطي إلى غير رجعة؟
سؤال تجيب عنه "ستاندرد آند بورز غلوبال بلاتس"
حازم العمدة
- نمو قطاع البتروكيماويات يطيل أمد ذروة الطلب حتى 2041
- القطاع يمثل 19% من إجمالي الطلب على النفط
- توقعات بانخفاض الطلب 3 ملايين برميل يوميا فقط خلال عقدين من الزمن
- وقود الطائرات والسفن الأكثر تضررا من كورونا لا يتجاوز 14% من إجمالي الطلب
- حجم تجارة الفحم العالمية رسالة لمن يبالغون في توقع زوال النفط
- عوائد المستثمرين حاسمة في التخلي عن النفط والتحول إلى الطاقة النظيفة
بعد تفشي جائحة فيروس كورونا وانهيار الطلب على النفط جراء تدابير الإغلاق وتقييد حركة المواطنين ووقف السفر الجوي، وغيرها من التدابير التي شلت الاقتصاد العالمي وهوت بأسعاره إلى أدنى مستوى في تاريخه، بل دفعت خام غرب تكساس الوسيط إلى المنطقة السلبية لأول مرة في تاريخه- خرج البعض بتساؤل: هل يودع الطلب النفطي عصر الذروة ويكتب كورونا شهادة وفاة له في ظل النزيف الذي تشهده الصناعة حاليا؟
حاولت مؤسسة (ستاندرد آند بورز غلوبال بلاتس) الإجابة عن هذا السؤال في تقرير، خلصت فيه إلى أن الطلب على النفط قد يمر بمراحل ذروة جديدة في عالم ما بعد كورونا، على الأقل حتى عام 2041.
يأتي ذلك، بينما توقعت شركة ريستاد إنرجي للبحوث ومعلومات الطاقة، ارتفاع الطلب على النفط من شهر نوفمبر /تشرين الثاني المقبل، واستمرار ضعف الطلب من يوليو/تموز إلى أكتوبر/تشرين الأول، وسط توقعات بموجة ثانية من فيروس كورونا تجتاح العالم.
وبالرغم من أن جائحة كوفيد-19 قد تكون ألحقت أضرارا دائمة باستهلاك النفط في قطاع النقل، فإن النمو القوي في قطاع البتروكيماويات يشير إلى أن ذروة الطلب على النفط يمكن أن تظل قائمة لعقدين من الزمن، وفقا لتوقعات ستاندرد آند بوروز غلوبال بلاتس.
تقول المؤسسة "يثير تغيير أنماط الطلب أيضًا أسئلة كبيرة حول كيفية تكيف المصافي والمنتجين في عالم ما بعد الوباء قبل أن يهوي الطلب من قمته في نهاية المطاف".
والحقيقة أن التحول المتسارع إلى السيارات الأنظف والمركبات الكهربائية، إلى جانب تحسينات كفاءة السيارات، خفص ولو بشكل محدود الطلب على النفط قبل وقت طويل من تفشي كورونا.
لكن اللافت للنظر هو أن قطاعات النقل التي يُنظر إليها على أنها أكثر مقاومة لتحول الطاقة بسبب تحديات تشغيلها بأنواع الوقود البديلة - كشركات الطيران والشحن - هي الأكثر تضرراً وستكون الأكثر بطئا في عملية التعافي من كورونا.
100 مليون برميل يوميا
وفي حين يرى بعض المحللين أن الطلب العالمي على النفط سيبلغ ذروته في وقت لاحق من هذا العقد، يعتقد آخرون أنه قد لا يعود أبدًا إلى الذروات السابقة التي بلغ متوسطها 100 مليون برميل يوميا.
وبين هذا وذاك، ترى ستاندر آند بوروز غلوبال بلاتس أن الوضع الأكثر احتمالا هو انخفاض الطلب بنحو 3 مليون برميل يوميا فقط حتى عام 2040، مشيرة إلى أن قطاع الطيران هو الأكثر تضررا، لكنها شددت أيضا على أن هذه التوقعات ينبغي أن توضع في سياق التطورات التي تشهدها صناعة النفط.
وفي هذا السياق، تقول المؤسسة إن وقود الطائرات ووقود السفن يشكل نسبة صغيرة نسبيا من كعكة النفط الخام، بحوالي 8٪ و 6٪ على التوالي.
وفي المقابل، يستحوذ قطاع البتروكيماويات على حصة أكبر تبلغ نحو 19% من إجمالي الطالب على النفط.. ويشمل القطاع إنتاج مواد تستخدم بشكل أكثر في عصر الفيروس التاجي، من الهواتف المحمولة إلى التغليف ومعقمات الأيدي.
ومن ثم ترى المؤسسة أن استمرار نمو الطلب على البتروكيماويات على المدى الطويل سيطيل أمد ذروة الطلب على النفط عموما حتى عام 2041.
في الواقع، حققت المواد البلاستيكية نموا كبيرا حتى خلال فترة الانكماش والشلل الاقتصادي التي شهدها العالم خلال الأشهر القليلة الماضية.
من جانبها، تشكك وكالة الطاقة الدولية أيضًا فيما يصفها البعض بشهادة وفاة للطلب على النفط .
قال المدير التنفيذي للوكالة فاتح بيرول في أوائل يوليو/تموز "لن أشعر بالمفاجأة، إذا عاد الطلب على النفط إلى 100 مليون برميل يوميا.. وفي ظل انتعاش قوي، لن أفاجأ إذا ارتفع الطلب أعلى من ذلك."
وفي هذا الإطار، تتوقع ستاندرد آند بوروز أناليتيك انخفاض الطلب على النفط عند مستوى 94.2 مليون برميل يوميا في 2020 قبل أن يصل إلى أعلى مستوى له بأكثر من 100 مليون برميل يوميا في عام 2021، إذا حقق العالم انتعاشًا سريعًا ومستدامًا.
توازن الطلب بعد كورونا
ووفقا للمؤسسة البحثية والاستشارية، ستتأثر ذروة الطلب على النفط أيضًا بافتراضات حول سعر النفط على المدى الطويل وبدائل الطاقة التقليدية. كما سيتأثر نمو البتروكيماويات، وبالتحديد صناعة المواد البلاستيكية، على سبيل المثال، إلى حد كبير باقتصاديات إعادة التدوير. وكذلك استبدال وسائل النقل التقليدية التي تعتمد على النفط، بأخرى تعمل بالطاقة النظيفة مثل السيارات الكهربائية
ومع ذلك، قالت المؤسسة "ينبغي على أي شخص يتوقع زوال النفط الخام أن ينظر في وضع الفحم، الذي لا يزال جزءًا لا يتجزأ من اقتصادات الصين والهند، حيث توجد أكثر من نصف محطات توليد الطاقة في العالم والتي يزيد عددها عن 10000 محطة في البلدين.
ولا تزال التجارة العالمية للفحم المنقول بحرا، سواء المستخدم كوقود لمحطات توليد الطاقة أو في صناعة الصلب، قوية جدا.
وبالرغم من أن كلا البلدين تعهد بأن يكون اقتصاده منخفض الكربون، لكنهما شددا في الوقت ذاته على أن هذا التحول سيستغرق بعض الوقت.
تعقيدات ما بعد كورونا
على الجانب الآخر من المشكلة، تقول الافتراضات إن ذروة الطلب النفطي في غضون عقدين من الزمن تخفي بين طياتها حقيقة أن نمو الطلب قد يكون ضعيفًا، على الأقل مقارنة باتجاهات النمو السنوي التاريخية التي تزيد عن مليون برميل يوميا.
وبالتالي فإن التأثير المحتمل للفيروس التاجي على الطلب متفاوت ومتناقض. فمقابل كل توقع بأن التباعد الاجتماعي سيعيق السفر الجوي، ويقلل التنقل والتسوق، هناك توقع مضاد بأن الناس سوف يتحولون إلى استخدام السيارات الخاصة بدلا من وسائل النقل العام، فضلا عن تراجع الإقبال على السيارات الكهربائية مع انخفاض أسعار النفط، وهو ما سيصب في صالح الطلب عموما.
وفي السياق ذاته، يقول بيرول "البعض يرى أن الطلب على النفط ينخفض لأننا نغير أسلوب حياتنا، لكنني لست متأكدا تماما من صحة هذا الرأي.. فالعمل عن بعد وحده لن يؤدي إلى انخفاض الطلب على النفط.. نحن بحاجة إلى السياسات الصحيحة".
تحول الطاقة
وأشار بريان غيلفاري، المدير المالي السابق لشركة بريتيش بتروليوم ، إلى أن عوائد المستثمرين ستكون "ذات أهمية حاسمة" في أي تحول للطاقة.
وقال في تصريحات لستاندرد آند بورز غلوبال بلاتس يوم 9 يوليو/حزيران "أحد الأشياء التي سمعتها من بعض المستثمرين هو أنهم لا يبحثون عن شركات طاقة تقلص الأرباح والعوائد من خلال الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة".
ومن هنا، دعت وكالة الطاقة الدولية وصندوق النقد الدولي إلى إنفاق 1 تريليون دولار لإنعاش الاقتصادات وتعزيز التوظيف، ما يجعل أنظمة الطاقة أكثر نظافة ومرونة في إطار خطة التعافي من الجائحة.
ولكن قدرة الحكومات قادرة على تحقيق مستقبل أكثر خضرة من خلال الاستثمار في البنية التحتية اللازمة لفترة ما بعد الفيروس التاجي، لا تزال مفتوحة للنقاش.
ومازالت هناك حاجة لمزيد من التقدم التكنولوجي لخفض التكاليف وتعزيز توافر المركبات الكهربائية والطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والطاقات البديلة الأخرى.
لذا فإن مستقبل النفط والتحول إلى طاقة أنظف والطلب على المنتجات المشتقة من النفط ليس في أيدينا فقط كمستهلكين، بل أيضًا في أيدي صانعي السياسات.
فهل يمكن أن تتحول المركبات الكهربائية من كونها منتجًا متخصصًا إلى سلعة رائجة وتحظى بسوق ضخمة؟ هل يمكن للوقود الأنظف مثل الهيدروجين الأخضر في نقل وغيره من المجالات؟
هناك شيء واحد فقط مؤكد بشأن استخدام الطاقة في مرحلة ما بعد كورونا، وهو أن النماذج التقليدية لفهم تحول الطاقة قاصرة وينبغي إعادة بناءها مع عودة الطلب على النفط.