"تشيسابيك" الأميركية للطاقة تشهر إفلاسها
تخلّصت من عقود التحوّط وحصلت على 320 مليون دولار لإعادة الهيكلة
تقدّمت شركة تشيسابيك الأميركية العاملة في قطاع الغاز، بطلب إشهار إفلاسها، بعد انهيار أسعار النفط والغاز، وتراكم الديون، وعدم القدرة على السداد، وتأثيرات أخرى، بسبب تفشّي فيروس كورونا. ومن الطبيعي أن تتأثّر الشركة بانخفاض أسعار الغاز، كونها ثاني أكبر منتج للغاز في الولايات المتّحدة، إلّا أن ارتباط أسعار السوائل الغازيّة بأسعار النفط، جعل الانخفاض الكبير في أسعار النفط يؤثّر سلبًا في أسعار هذه السوائل التي تنتجها الشركة، والتي كانت منخفضة أصلًا قبل انخفاض أسعار النفط.
وانخفضت أسعار النفط والغاز إلى أدنى مستوى لها منذ عقود، فى مارس / آذار، مع إغلاق العديد من البلاد، خشية تفشّي فيروس كورونا، ممّا أدّى إلى زيادة العرض، وانخفاض مفاجئ فى الطلب، وعلى الرغم من الانتعاش الأخير، لا يزال النفط الأميركي يُتداول تحت 45 دولارًا، بينما انخفضت أسعار الغاز إلى 1.70 دولار، وهو مستوى منخفض لم تشهده الولايات المتحدة منذ أكثر من 10 سنوات، ممّا يعرّض العديد من المنتجين للجزء إلى الفصل 11 من قانون الإفلاس الأميركي.
وقد يتسبّب انهيار تشيسابيك -التي كانت تبلغ قيمتها أكثر من 35 مليار دولار- بصدمة لقطاع الطاقة الأميركي، خاصّةً أنّها تأسّست في عام 1989، وكبرت حتّى أصبحت ثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي في الولايات المتّحدة الأميركية، بفضل تطوّر تكنولوجيا التكسير المائي (الهيدروليكي) والحفر الأفقي، والذي كشف عن احتياطيات ضخمة من الغاز. ونتج عن ذلك زيادة كبيرة في إنتاج الغاز، أسهم في تحوّل الولايات المتّحدة من مستورد للغاز المسال، إلى مصدّر له. هذا يعني أن إفلاس تشيسابيك سينعكس سلبًا على شركان أنابيب نقل الغاز، وعلى شركات الغاز المسال. وتعدّ تشيسابيك أكبر شركة منتجة للغاز في حوض هاينزفيل الغازي، القريب من محطّات تسييل الغاز. لهذا عدّ بعض الخبراء أن احتياطيات تشيسابيك من الغاز هي في الحقيقة احتياطيات كوريّة ويابانية، لأن هذا الغاز سينتهي في تلك الأسواق. هذا يعني أن أثر إفلاس الشركة يمتدّ عالميًا إلى الأسواق الآسيوية.
ما أثّر سلبًا في الشركة هو الديون الضخمة، التي قام بها أوبري ماكلندن -مؤسّس الشركة، ورئيسها السابق- الذي توفّي في حادث سيّارة غامض، بعد طرده من رئاسة الشركة، بهدف السيطرة على صناعة الغاز الأميركية، من توسيع نطاق البحث عن الغاز زالسوائل الغازية في جميع أنحاء أوكلاهوما ولويزيانا ونيو مكسيكو وتكساس وداكوتا وبنسلفانيا. وفي عام 2012، أنفقت الشركة 30 مليار دولار على عمليات الحفر، واستئجار الأراضي التي اكتشفت تحتها الغاز، أو تتوقّع أن يكون تحتها غاز. هذا الإنفاق كان أكثر بكثير من التدفّقات الماليّة للشركة. وقد تفاقمت مشكلات ديونها، بسبب سنوات من الضعف المستمرّ في أسعار الغاز الطبيعي، حتّى انهارت هذه الأسعار مؤخّرًا.
وبلغت إيرادات الشركة في الربع الأخير 2019، نحو 1.9 مليار دولار، كما تنتج يوميًا قرابة 447 ألف برميل نفط مكافيء، وتنشط، إلى جانب لويزيانا، في أوكلاهوما وبنسيلفانيا وتكساس، من خلال مكاتب وحقول ومنصّات، بينما تنشط تسويقيًا في 48 ولاية.
وقامت شركة تشيسابيك بالتخلّص من عقود التحوّط، ممّا مكّنها من الحصول على 320 مليون دولار، وهذا يساعدها خلال فترة الهيكلة.
الاقتراض لسداد الديون
وقالت الشركة، إنّها توصّلت إلى اتّفاق مع المقرضين، للقضاء على ما يقرب من 7 مليارات دولار من الديون، كما حصلت على تمويل بقيمة 925 مليون دولار، حتّى تتمكّن من مواصلة عملياتها، خلال عملية الإفلاس.
وقال دوغ لولر -الرئيس التنفيذي لشركة تشيسابيك- في بيان: "نحن نعيد -بشكل أساس- هيكل رأسمال تشيسابيك وأعماله لمعالجة نقاط ضعفنا الماليّة القديمة، والاستفادة من نقاط قوّتنا التشغيلية الكبيرة".
ومنذ بداية العام الجاري، وحتّى الآن،أفلست 18 شركة نفط وغاز بسبب تراكم ديونها، مقارنةً بـ 20 شركة لعام 2019 بأكمله، وفقًا لحصيلة التصنيفات العالمية لمؤشّر ستاندرد آند بورز، وبعد أن وقع أحد روّاد التكسير المائي في الولايات المتّحدة ضحيّة لانهيار الأسعار، فإن العديد من المنتجين الصغار الآخرين قد يحذون حذوهم قريبًا.
قرار متوقّع منذ فترة طويلة
لم يكن إفلاس تشيسابيك مفاجئًا، بل كان متوقّعًا منذ فترة طويلة. ولعلّ السبب المهمّ في الإفلاس هو الديون الضخمة التي تراكمت مع مرور الزمن، إلّا أن انهيار أسعار الغاز والغازات السائلة، فاقم الأمر، وزاد انهيار أسعار النفط من الأزمة. فانخفاض أسعار الغاز في السنوات الأخيرة، ثمّ انهياره، منع الشركة من الحصول على تدفّقات نقديّة، تجعلها تقوم بالوفاء بديونها ووصل الأمر إلى أن خدمات الدين تمنع الشركة من الوصول إلى تدفقات نقدية موجبة، في ظل كل سيناريوهات الأسعار المتوقعة للغاز الطبيعي.
وكان قرار لجوء الشركة للإفلاس تحت فصل 11 من قانون الإفلاس استراتيجيا، بعد أن أدرك قادة الشركة والدائنون أنّه الحلّ الأمثل. فالشركة هي ثاني أكبر منتج للغاز في الولايات المتّحدة، وتملك أفضل الأصول في حقول الصخري. وكان يمكنها بيع جزء كبير من الأصول لتفادي الإفلاس، إلّا أن ذلك ليس بالخيار الأمثل، لأن هذه الأصول هي التي ستساعد الشركة على النهوض فيما بعد، بالإضافة إلى أنّها ستباع بأسعار منخفضة جدًّا.
موجة اندماجات وإفلاس متوقّعة
حاولت الشركة القيام بتحالفات في بعض دول الخليج، للتنقيب عن الغاز الصخري، إلّا أن هذه المحاولات لم تنجح، وهناك شركات أخرى يمكن أن تفلس وتتّبع نفس أسلوب تشيسابيك، ومن المتوقّع أن يكون هناك حالات اندماج ينتح عنها أكبر شركة منتجة للغاز في أميركا الشمالية.
ويصل عدد شركات النفط والغاز التي أفلست في النصف الأول من 2020، في الولايات المتّحدة، نحو 18 شركة. بحسب ما ذكرته سي إن إن.
في هذا الصدد، تقول إنرجي أدفايزرز -وسيط عمليات دمج وشراء، مقرّها كالغاري، في كندا، إن شركة بو ريفر إنرجي الخاصة قد دخلت في عملية قانون ترتيب الدائنين للشركات، وتقرّر تعيين "بي بي دي أو كندا" مراقبًا للشركة. وتنتج قرابة 1400 برميل من النفط المكافئ يوميًا من أصولها في ألبرتا وساسكاتشوان.
خيارات وبدائل الشركات
في أواخر مايو / أيّار، قالت شركة سيكينس للطاقة المحدودة، إنّها بدأت عملية إستراتيجية لتحديد ومتابعة الخيارات والبدائل الاستراتيجية المحتملة، لتحقيق أقصى قدر من القيمة لأصحاب المصلحة فيها، والتي سيجري تنفيذها بموجب القانون.
أضافت: "ستستكشف العملية الإستراتيجية مجموعة واسعة من الخيارات والبدائل التي قد تكون متاحة للشركة، لمواجهة تحدّيات السيولة الناجمة عن التدهور الكبير في أسعار السلع الأساسية، مدفوعًا -إلى حدّ كبير- بالتأثير الاقتصادي، بسبب فيروس كورونا".
كما أعلنت شركة دلفي للطاقة -التي تتّخذ من كالغاري مقرًّا لها- في أبريل / نيسان الماضي: "أنّها تعتزم مواصلة تنفيذ عملية البدائل الإستراتيجية، التي قد تنطوي على بيع كلّ أو جزء من الأعمال والأصول أو أسهم الشركة، أو إعادة التمويل أو إعادة الرسملة أو أيّ صفقة إعادة هيكلة أخرى"، وذلك من خلال إجراء إعادة هيكلة تشرف عليها المحكمة.
كما تعتزم الشركة متابعة تمويل التخلّي عن الآبار من البرامج الحكومية الاتّحادية والإقليمية، لمواصلة خفض التزاماتها بالتخلّي عن الآبار.
وفي الوقت نفسه، تدخل شركة بونافيستا للطاقة أيضًا في صفقة إعادة رسملة، على غرار ما فعلته دلفي في أواخر عام 2019.
وقالت الشركة، إن صفقة إعادة الرسملة المقترحة ستخفض إجمالي ديونها المستحقّة بنحو 482.6 مليون دولار (تمثّل 56 % من الديون الحاليّة المستحقّة للشركة، وستخفض مدفوعات الفائدة النقديّة بنحو 16 مليون دولار سنويًا أو 43 % من مدفوعات الفائدة النقديّة السنويّة الحاليّة للشركة)، وتعزّز وضعها المالي العامّ.