لأوّل شهر على الإطلاق.. كهرباء بريطانيا بدون فحم في مايو
انخفاض الطلب والربيع المشمس دفع لندن للاعتماد على الطاقة الخضراء
- مايو يجعل نظام الكهرباء في بريطانيا "الأكثر خضرة"
- الشبكة الوطنية تسجل أدنى متوسط كثافة كربون على الإطلاق
- ربيع بريطانيا الأكثر إشراقا منذ عام 1929 ومايو الأكثر جفافا منذ 124 عاما ليرتفع إنتاج الطاقة الشمسية
لأوّل مرّة، أصبح نظام الكهرباء في المملكة المتّحدة "الأكثر خضرة" على الإطلاق، بعد تشغيله طوال شهر مايو/أيّار، بطاقة كهربائية نظيفة لا تعتمد تمامًا على الفحم.
وقالت الشبكة الوطنية -مشغّل أنظمة الطاقة-، إن أكثر مواسم الربيع المشمسة في البلاد ساعدت في توليد طاقة شمسية كافية لتقليل كثافة الكربون في الشبكة إلى أدنى مستوى على الإطلاق.
ساعد الطقس المنسّم بالرياح في أن تمثّل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح نحو 28٪ من الكهرباء في بريطانيا الشهر الماضي، بفارق ضئيل عن توليد الطاقة بالغاز، والتي شكّلت 30٪ من مزيج الطاقة.
في الوقت ذاته، لم يترك انخفاض الطلب القياسي على الكهرباء في البلاد جراء تدابير الإغلاق لاحتواء فيروس كورونا المستجدّ، أيّ مساحة تُذكر لكي تلعب آخر محطّات الطاقة التي تعمل بالفحم في المملكة المتّحدة دورًا في إنتاج الكهرباء.
منذ أبريل/نيسان، ظلّ نظام الكهرباء في المملكة المتّحدة يعمل دون طاقة تعمل بالفحم، لمدّة 54 يومًا متتالية، ما ساعد على انخفاض كثافة الكربون في شبكة الكهرباء إلى أدنى متوسّط لكثافة الكربون المسجّلة، وهو 143 غرامًا من ثاني أكسيد الكربون لكلّ كيلوواط / ساعة.
أدنى كثافة للكربون
وسجّلت أدنى كثافة للكربون على الإطلاق عند 46 غرامًا من ثاني أكسيد الكربون / كيلوواط ساعة، الأحد، الموافق 24 مايو/أيّار.
يرجع هذا الرقم القياسي -جزئيًا- إلى انهيار الطلب على الطاقة في المملكة المتّحدة، بسبب تدابير الإغلاق، وعطلتين مصرفيّتين في أسبوعين.
بيد أن السبب الرئيس- كما قال رويسين كوين، رئيس مركز التحكّم في الشبكة الوطنية- يتمثّل في طقس الربيع المشمس بشكل غير معقول.
كان هذا الربيع هو الأكثر إشراقًا منذ بدء تسجيل البيانات في عام 1929، والأكثر جفافًا في مايو/أيّار، لمدة 124 عامًا، وفقًا لمكتب الأرصاد الجويّة.
سجّل المكتب أكثر من 573 ساعة من أشعّة الشمس بين 1 مارس/آذار، و 27 مايو/أيّار، متجاوزًا الرقم القياسي السابق البالغ 555.3 ساعة في عام 1948.
وفي هذا السياق، قال كوين: "استمرّ تشغيل بريطانيا لنظام كهرباء خالٍ من الفحم طوال شهر مايو/أيّار، ما منحنا أوّل شهر تقويمي كامل 744 ساعة متواصلة من توليد الكهرباء دون فحم منذ الثورة الصناعية".
وأوضح كوين أن الجمع بين انخفاض الطلب القياسي على الكهرباء، والارتفاعات شبه القياسية لمخرجات الطاقة المتجدّدة، يمثّل "تحدّيًا فريدًا" لغرفة التحكّم في الشبكة الوطنية، لأنّه كان على المهندسين التأكّد من أن ارتفاع الطاقة المتجدّدة لم يثقل كاهل الشبكة.
وتتوقّع الذراع التشغيلية الخاصة بالشبكة الوطنية، أن تنفق 500 مليون جنيه إسترليني أكثر من المعتاد، هذا الصيف، لأنّها ستحتاج إلى الدفع لشركات توليد الكهرباء لإيقاف مزارع الرياح أو مشروعات الطاقة الشمسية أو محطات الطاقة.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع الأخيرة في المصارف وحدها، ورد أن الشركة دفعت 50 مليون جنيه إسترليني للشركات لخفض إمداداتها، بالإضافة إلى عقد بقيمة 50 مليون جنيه إسترليني عُرض على محطة Sizewell B لتعمل بنصف طاقتها هذا الصيف.
أكبر مزرعة شمسية
يأتي هذا الرقم القياسي، في الوقت الذي تكثّف فيه المملكة المتّحدة جهودها لتعظيم الاستفادة من مصادر الطاقة المتجدّدة والتخلّي عن المصادر الملوّثة للبيئة.
فقبل أيّام، أعطت بريطانيا الضوء الأخضر لخطط تطوير أكبر مزرعة للطاقة الشمسية في البلاد، وهو مشروع مترامي الأطراف، سيغطّي مساحة كبيرة للغاية على الساحل الشمالي لمقاطعة كينت.
سيجري تنفيذ مزرعة (كليف هيل سولار بارك)، التي تُقدّر تكلفتها بنحو 450 مليون جنيه إسترليني ( 555 مليون دولار أميركي)، على مساحة 900 فدّان، بالقرب من مدينتي ويتستيبل وفيفيرشام، وهو مشروع مشترك تنفّذه شركتا (هايف إنرجي) و(ويرسول إنرجي).
ويتضمّن المشروع نصب 880 ألف لوح شمسي مصمّم لتوليد طاقة تصل إلى 350 ميغاواط/ساعة، وهي قدرة يمكنها تغطية 91 ألف منزل. ومن المقرّر أن يشمل المشروع أيضًا مرفقًا لتخزين الطاقة لإرسال الكهرباء إلى الشبكة عند اللزوم.
يأتي ذلك في إطار هدف حكومة المملكة المتّحدة، بشأن القضاء تمامًا على انبعاثات الغازات الدفيئة بحلول عام 2050، وإزالة الفحم من نظام الطاقة البريطاني بحلول عام 2025. وأعلنت مؤخّرًا أنّها ستتشاور بشأن تقديم هذا الموعد النهائي إلى 1 أكتوبر/تشرين الثاني 2024.
وتتطلّب كلّ هذه الأهداف حتمًا تطوير المزيد من مشروعات الطاقة المتجدّدة.
وفي في نفس الأسبوع، أعلن مجلس مقاطعة ليسترشاير عن خطط لمزرعة شمسية، يمكنها إنتاج ما يقرب من 10000 ميغاواط / ساعة من الكهرباء سنويًا بمجرد تشغيلها. وإذا جرت الموافقة على الخطط، فإن التكلفة الأوّلية للمشروع ستُقدّر بنحو 14 مليون جنيه إسترليني، وفقًا للسلطات.
شوط كبير
والحقيقة أن بريطانيا قطعت شوطًا كبيرًا في طريق مصادر الطاقة المتجدّدة، فقد كشف تقرير جديد، أن مصادر الطاقة المتجدّدة ولّدت أكثر من 40% من طاقة بريطانيا في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، متجاوزةً الوقود الحفري للمرّة الأولى، حيث أظهر التحليل أن الرياح والطاقة الشمسية والكتلة الحيوية أسهمت في أكثر من ثلث توليد الطاقة في البلاد في الربع الأوّل من العام.
ووفقًا لما ذكرته صحيفة "ديلي ميل" البريطانيّة، ساعدت العواصف الشتوية التي ضربت البلاد، على تعزيز إنتاجية مزارع الرياح في جميع أنحاء البلاد، في فبراير/شباط.
كما ساعدت هذه العواصف على جعل فبراير/شباط 2020 الشهر الأوّل على الإطلاق، الذي ينتج فيه المزيد من الكهرباء بواسطة مزارع الرياح أكثر من محطّات الطاقة التي تعمل بالغاز في المملكة المتّحدة.
وأنتجت مصادر الطاقة المتجدّدة مجتمعة 41.8% من الطاقة في البلاد، خلال الربع، أي أكثر من نسبة 34.5% المولّدة من الوقود الحفري.
يشير التحليل إلى أن الوقود الحفري الضارّ -أي الغاز والفحم- في طريقه للخروج من البلاد بصفة مصدر لتوليد الطاقة، كما أسهم الإغلاق لاحتواء فيروس كورونا في انخفاض الطلب على الكهرباء خلال أيام الأسبوع، إلى أدنى مستوى له منذ عام 1982.
وانخفضت الانبعاثات لكلّ وحدة طاقة منتجة بنسبة 20%، مقارنةً بالأشهر الثلاثة الأولى من عام 2019، حيث قال الباحث الرئيس، الدكتور إيان ستافيل، في مركز السياسة البيئية في إمبريال كوليدج بلندن: "إن نظام الكهرباء في بريطانيا يتعرّض لضغوط لم يسبق لها مثيل، حيث أصبح الطقس في البلاد أكثر تطرّفًا بجانب الوباء العالمي".
وفي إطار المصادر الأخرى المتجدّدة لتوليد الطاقة، أسهمت الكتلة الحيوية (تشير إلى الموادّ الحيوية الحيّة، والتي كانت حيّة إلى وقت قريب، ويمكن استخدامها وقودًا، أو في الإنتاج الصناعي)، بنسبة 6.7% من مزيج الطاقة، وشكّلت الطاقة الشمسية 2.6 %، ومرّت البلاد أيضًا بأربعين يومًا، محقّقةً الرقم القياسي دون أيّ توليد طاقة للفحم، وهي أطول فترة منذ الثورة الصناعية.
وشهدت إجراءات الإغلاق تأثيرًا في تلوّث الكربون، حيث انخفضت الانبعاثات من إنتاج الطاقة البريطانيّة بنسبة 35%، مقارنةً بنفس الفترة من العام الماضي.