"نوفاتيك" تسعى للحصول على نصيب أكبر من كعكة القطب الشمالي
نوفاتيك- مورمانسك توقّع اتّفاقية تمنحها "وضعًا مميّزًا" للتنقيب في المنطقة
- رئيس الشركة: الاتفاق يسهل تنفيذ أكبر مشروعات الغاز المسال في مورمانسك
- نوفاتيك أكبر شركة مستقلة لإنتاج الغاز في روسيا ودخلت السوق العالمية من بوابة يامال
- تنافس روسي صيني محموم للهيمنة على ثروات القطب الشمالي
- تطوير طريق البحر الشمالي يضر بقناة السويس ونفط الخليج
مع إذابة وانحسار الجليد في القطب الشمالي، وزيادة أهمّيته الجيوسياسية، وقدراته الاقتصادية المحتملة، تتّجه أنظار روسيا إلى المنطقة، لتعظيم الاستفادة من ثروات الطاقة بها، وهو ما يدفع شركات كبرى، مثل عملاق الغاز الروسي (نوفاتيك)، إلى تركيز الكثير من المشروعات الاستثمارية في المنطقة، على غرار مشروع يامال الضخم للغاز.
وأملًا في الحصول على أكبر نصيب من كعكة القطب الشمالي، اتّخذت (نوفاتيك) خطوة جديدة في هذا الصدد، بإعلانها أن شركة نوفاتيك- مورمانسك التابعة لها، وقّعت اتّفاقية مع مؤسّسة الشرق الأقصى للتنمية، للعمل في المنطقة الاقتصادية الخاصّة المتقدّمة، التي تعدّ بمثابة (عاصمة القطب الشمالي).
ووفقًا للاتّفاقية، ستحصل نوفاتيك- مورمانسك على وضعيّة المقيم في المنطقة الاقتصادية الخاصّة المتقدّمة، وهي منطقة اقتصادية ذات شروط ضريبية تفضيلية وإجراءات إدارية مبسّطة، تهدف إلى جذب الاستثمار، وتسريع التنمية الاقتصادية، وتحسين حياة السكّان.
وقال ليونيد ميخيلسون -رئيس مجلس إدارة نوفاتيك-: إن "الحصول على وضع المقيم في عاصمة منطقة القطب الشمالي سيسرّع تنفيذ أحد أكبر المشروعات الاستثمارية في منطقة مورمانسك، وهو مركز بناء الغاز الطبيعي المسال".
وأضاف ميخيلسون: إن ذلك "سيسهّل النموّ الاقتصادي في المنطقة، لجذب الاستثمارات الاجتماعية، وتحسين رفاهية السكّان المحلّيين، حيث تقوم نوفاتيك بإنشاء منصّة تكنولوجية لتنفيذ مشروعاتنا الضخمة للغاز الطبيعي المسال في القطب الشمالي."
وتعدّ نوفاتيك أكبر شركة مستقلّة لإنتاج الغاز الطبيعي في روسيا، وفي عام 2017 دخلت سوق الغاز الطبيعي المسال العالمي، من خلال إطلاق مشروع يامال للغاز الطبيعي المسال.
تأسّست الشركة عام 1994، وتعمل في مجال استكشاف وإنتاج ومعالجة وتسويق الغاز الطبيعي والهيدروكربونات السائلة. تتركّز أنشطة التنقيب والاستكشاف للشركات التابعة لنوفاتيك ومشروعاتها المشتركة في منطقة يامال- نينيتس ذات الحكم الذاتي، وهي أكبر منطقة منتجة للغاز الطبيعي في العالم، وتمثّل نحو 80٪ من إنتاج الغاز الطبيعي في روسيا، ونحو 15٪ من إنتاج الغاز العالمي .
(أركتيك إل إن جي - 2)
وتسعى نوفاتيك لتعظيم الاستفادة من ثروات الطاقة في القطب الشمالي، ففي سبتمبر/أيلول، أعلنت الشركة العملاقة إطلاق مشروع ضخم للغاز المسال في القطب الشمالي، مع شركاء صينيّين ويابانيّين وفرنسيّين. وقالت الشركة، إن قرار استثمار نهائيًا، جرى التوصّل إليه بشأن تمويل مشروع الغاز المسال - 2 في القطب الشمالي (اركتيك إل إن جي - 2)، بقيمة 21.3 مليار دولار، الذي يفترض أن ينتج أوّل شحنة من الغاز المسال في 2023.
وتملك نوفاتيك 60% من المشروع، مع شركائها الفرنسية «توتال» (10 %) والصينيتين «تشاينا ناشونال بتروليوم كوربوريشن» (10 %) و«تشاينا ناشونال أوفشور أويل كوربوريشن» (10 %)، واليابانية «ميتسوي - جوغميغ» (10%)
ويقضي المشروع ببناء مصنع لتسييل الغاز الطبيعي في شبه جزيرة جيدان، في المنطقة الروسية من القطب الشمالي، ما سيعزّز موقع روسيا بصفتها منتجًا كبيرًا للغاز المسال. وسيتألّف المصنع من ثلاث وحدات للإنتاج، سيبدأ بناء أولاها في 2023 والاثنتين الأخريين في 2024 و2026.
ومن المقرّر أن تبلغ القدرة الإنتاجية لـ«أركتيك إل إن جي - 2» 19.8 مليون طنّ سنويًا، أي 535 ألف مكافئ لبرميل النفط يوميًا، عبر استثمار كمّيات من احتياطي المحروقات، يتجاوز سبعة مليارات من مكافئ برميل النفط في حقل الغاز في أوترينيي.
ويقع المشروع على بعد نحو ثلاثين كيلومترًا عن مشروع «يامال» العملاق للغاز المسال، الذي تشارك فيه نوفاتيك وتشاينا ناشونال بتروليوم كوربوريشن وتوتال، وبدأ الإنتاج فيه في ديسمبر / كانون الأوّل 2017.
التنافس الروسي الصيني
والحقيقة أن تدخّل روسيا في القطب الشمالي، واهتمامها بطريق البحر الشمالي، غنيّ عن القول، مع وجود أكثر من 24000 ميل من الساحل فوق الدائرة القطبية الشمالية، وتاريخها الذي يمتدّ لقرون في المنطقة.
وسلّطت دراسة حديثة نشرتها صحيفة (ذا دبلومات)، الضوء على القطب الشمالي، الذي تتّجه إليه الأنظار حاليًا كونه منطقة ثريّة بالموارد الطبيعية، لاسيّما النفط والغاز.
وقالت الدراسة: إن إذابة وانحسار الجليد في القطب الشمالي زادت من أهمّيته الجيوسياسية، وقدرته الاقتصادية المحتملة، مشيرةً إلى بروز روسيا والصين لاعبين رئيسين في مستقبل المنطقة.
وفي هذا السياق، رأت الدراسة أن "التعاون بين الصين وروسيا في السنوات الأخيرة يضيف تعقيدًا مثيرًا للاهتمام إلى الجغرافيا السياسية في القطب الشمالي، حيث ينقسم الخبراء حول ما إذا كان دفء العلاقات الصينية الروسيّة هو تحالف إستراتيجي حقيقي أم مجرّد زواج مصلحة”.
ويشير أنصار الرأي الأوّل إلى الاتّفاقيات العديدة الموقّعة بين البلدين – التي تخلّلتها الصداقة الشخصية لزعيمي البلدين – وسُجّل التصويت المشترك للجانبين في مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة.
أمّا أنصار الرأي الآخر، فيرون أن روسيا والصين غالبًا ما يكون لديهما أهداف متباينة، بالرغم من المصالح المشتركة ويظلّان غير واثقين في نوايا بعضهما.
مصلحتان
وفيما يتعلّق بالانخراط الروسي في المنطقة، قالت الدراسة: إن لروسيا مصلحتين اقتصاديتين رئيستين في القطب الشمالي، أولاهما أن روسيا في وضع رئيس مهمّ، يسمح لها باستغلال نفط المنطقة وغازها الطبيعي.
ويقع نحو 70 % من احتياطيات روسيا على الجرف القاري قبالة سواحلها -لاسيّما في القطب الشمالي- ووضعها كأكبر مورّد للنفط والغاز الطبيعي في العالم يجعلها لاعبًا رئيسًا لاستغلال المزيد من الاحتياطيات في المياه الدولية.
وتتمثّل المصلحة الثانية- بحسب الدراسة- في أن روسيا تتمتّع بموقع جيّد جغرافيًّا ولوجستيًا لتكون لاعبًا مهمًا في تطوير طرق الشحن عبر القطب الشمالي، حيث يفتح انحسار الجليد البحري تلك الطرق بشكل دائم. ويمثّل هذا في المقام الأوّل، حلقة وصل للشحن بين شرق آسيا وأوروبا الغربية، حيث تعمل موانئ روسيا ومرافق الدعم على طول الطريق.
ويرى خبراء أنّه حال نجاح تطوير طريق البحر الشمالي، قد تتأثّر ممرّات شحن إستراتيجية، مثل قناة السويس، ومن ثمّ التأثير على صناعة النفط في الخليج، في ظلّ تغيّر مسارات التجارة العالمية.
وبالنسبة للصين، يمثّل القطب الشمالي إحدى المناطق العديدة التي يحاول من خلالها بناء نفوذ وصقل صورتها كونها قوّة عالمية. فقد أطلقت الصين على نفسها اسم "شبه دولة قطبية"، وترى أنه نظرًا لقربها نسبيًا من القطب الشمالي، فإن التغيّرات في القطب الشمالي لها تأثيرات واضحة في اتّجاه المصبّ على الصين، ومن ثمّ على مصالحها الاقتصادية في الزراعة والغابات ومصايد الأسماك والصناعة البحرية وقطاعات أخرى.
تحرّكات صينية
في السياق ذاته، اتّخذت بكين إجراءات انفرادية وتعاونية لتحقيق طموحاتها وإضفاء الشرعية على دورها في القطب الشمالي. فقد خصّصت بمفردها موارد كبيرة لإجراء العديد من بعثات البحث العلمي. ففي منتصف أكتوبر / تشرين الثاني، انطلقت أوّل كاسحة جليد محلّية، شيويه لونغ 2 ( Xuelong 2 )، في رحلتها الأولى للمشاركة في البعثة ال36 لبكين إلى القارّة القطبية الجنوبية، وسوف تتوقّف في ميناء بجنوب إفريقيا، قبل أن تعود إلى موطنها.
وفي ظلّ هذه الأجواء- بحسب الدراسة- يعدّ التعاون الصيني – الروسي في القطب الشمالي ترتيبًا عمليًا، بل ومتبادل المنفعة لكلا الجانبين، حيث تمتلك روسيا القرب الجغرافي والخبرة لتطوير طريق البحر الشمالي، وتمتلك الصين الوسائل الاقتصادية لدعم هذا المسعى.
غير أن الدارسة قالت: “ما قد يغيّر المدّ في علاقتهما على المدى الطويل هي مؤشّرات على أن الصين تؤمّن شراكتها الروسية بخيارات أخرى -مثل تطوير كاسحة الجليد الأصلية، وبناء علاقات ثنائية مع دول القطب الشمالي الأخرى- مع الحفاظ على مكانتها الاقتصادية المتفوّقة”.
وفي الوقت نفسه، تواجه روسيا مشروعات فتح طرق في القطب الشمالي، والتي تفتقر حاليًا إلى رأس المال الكافي لتشكيلها والسيطرة عليها.
في حين أن قابلية تنفيذ ونجاح طريق البحر الشمالي على المدى القصير، تظلّ موضع جدل ونقاش ، فإن الأمر المؤكّد هو التموضع الإستراتيجي للصين لدفع التنمية القطبية، وإلقاء الضوء على مطالبتها بالموارد تحت السطح.
علاوة على ذلك، من المرجّح أن يؤدّي وجود بكين المتنامي في الشرق الأقصى الروسي إلى تفاقم بطيء، لكنه ثابت في تضارب المصالح، وفقًا لما خلصت إليه الدراسة.
ونظرًا للمسار الحالي، فإن دور الصين المتنامي في المنطقة القطبية الشمالية قد يتحوّل إلى منافسة مباشرة مع روسيا، وهو تحدٍّ تبدو موسكو غير مستعدّة لمواجهته.
شراكات مع دول قطبية
واستعدادًا لمواجهة من هذا القبيل، أقامت الصين علاقات وثيقة مع الدول المطلّة على القطب الشمالي الأخرى، إلى جانب روسيا، لزيادة تطبيع وجودها في القطب الشمالي. على وجه الخصوص، كانت أيسلندا وغرينلاند وجهة لاستثمارات كبيرة من قبل بكين. وبين عامي 2012 و 2017 شكّلت الاستثمارات الصينية ما يقرب من 6 % من متوسّط الناتج المحلّي الإجمالي لأيسلندا و 11.6 % من الناتج المحلّي الإجمالي في غرينلاند. وقد دفعت درجة وأهداف الاستثمار الصيني المراقبين الدوليين إلى التحذير من النفوذ الصيني الضخم في هذه الاقتصادات ، فضلًا عن إمكانية قيام الصين بتعزيز مصالحها في القطب الشمالي، عبر العمل من خلال أيسلندا وغرينلاند.
ويمكن لشراكات بكين المتزايدة مع أيسلندا وغرينلاند ودول القطب الشمالي الأخرى أن تقلّل أيضًا من اعتمادها على التعاون الروسي على المدى الطويل ، وتعزيز موقف الصين التفاوضي من أجل إبرام صفقات اقتصادية مواتية مع جميع نظرائها في القطب الشمالي.
وتبدو هذه الإجراءات التي اتّخذتها الصين منطقية بشكل خاصّ في ضوء مشاركتها الاقتصادية في الشرق الأقصى الروسي. إنّها تعمل بصفة قوّة قطبية ، فبعدما أصبح الشرق الأقصى الروسي امتدادًا لمجال النفوذ الصيني بشكل متزايد، أصبح لدى الصين بالفعل ساحل على القطب الشمالي.