انهيار أسواق النفط.. هل حقًا مؤامرة روسية مع مضاربين للإطاحة بالنفط الصخري؟
ارتباك واضح في السوق
خاص - الطاقة
- الولايات المتحدة بدأت تحقيقات سرية
- الطلب العالمي على النفط بلغ أدنى مستوياته
في 20 أبريل / نيسان الجاري، حدثت صدمة في أسواق النفط، تمثّلت في تحوّل أسعار النفط بالسالب، وللتدقيق، فإن أسعار عقود مايو / أيّار الآجلة للخام الأميركي، صارت تُباع وعليها 37 دولارًا للبرميل، الأمر الذي كان كفيلًا بأن يكون "يوم أسود" على المتعاملين في النفط.
صار الجميع في حيرة، في حين أن الخسائر تزداد وسط مخاوف من أن تطال موجة التراجعات العقود الآجلة اللاحقة، يونيو / حزيران، يوليو / تموز، وبالفعل، تراجعت الأسعار، مقتفيةً أسعار النفط الفورية، ليثبت هذا اليوم في ذاكرة أسواق النفط بـ"الإثنين الأسود".
وهبوط الأسعار إلى ما دون الصفر حدث فقط لعقود الخام الأميركي لمايو / أيّار، لأن صلاحيتها كانت ستنتهي اليوم التالي (الثلاثاء)، ومن سيشتريها سيتحتّم عليه استلام كمّيات النفط المذكورة في العقد، وفي ظلّ امتلاء مخزونات الخام، فإن المستلم سيتحمّل تكاليف تخزين مرتفعة.
وتداول العقود بالسالب يعني أن البائع سيدفع للمشتري مقابل امتلاك العقد، وهذا أقلّ تكلفة للبائع من تكاليف استلام النفط وتخزينه.
ولتهدئة المتعاملين، خرج مسؤولو الطاقة في بعض الدول، بتصريحات، بقصد خفض حدّة التوتّر التي زادت في السوق، بتداول جميع العقود في المنطقة الحمراء، غير أن الكرملين زاد من التوتّر في السوق، بتعليقه يوم الثلاثاء 21 أبريل، بقوله: لا نرى أمرًا كارثيًا في تراجع العقود الآجلة للخام الأميركي.
تداول معظم العقود الآجلة في المنطقة الحمراء زاد حدّة التوتّر في السوق.. لكن تصريحات الكرملين زادتها توتّرًا
يهدف التعليق بالأساس إلى تهدئة السوق، غير أن شيئًا من الشماتة ظهر في تصريحات روسيا، التي كانت قد دعت فيما قبل، إلى أهمّية اشتراك الجانب الأميركي في تخفيضات إنتاج النفط، خوفًا على حصّة روسيا في السوق.
روسيا التي أشارت في أكثر من مناسبة إلى أن تزايد النفط الصخري يهدّد السوق، وهي بالخصوص.
ومن المواقف السابق لموسكو، استطاعت السوق شمّ رائحة الشماتة في النفط الصخري الأميركي، وهو ينزف في يوم أسود كلون النفط الثقيل غير المكرّر.
ساعات قليلة، وبدأت رائحة الشماتة التي اشتمّها المتعاملون، في التحوّل إلى كلمات وجمل، تلقّفتها السلطات الأميركية، لتُجري فيها تحقيقًا.
والسلطات الأميركية لا تتحدّث عن روائح أو شماتة، بل تتحدّث عن مؤامرة صفقات، دبّرتها روسيا قبل يوم الإثنين الأسود، وتحديدًا يوم 6 مارس / آذار، حينما انسحبت موسكو من اتّفاق أوبك+ لتخفيض الإنتاج، وأعلنت تخلّيها عن التزامها بداية من أبريل / نيسان.
وقتها استجابت الأسعار بشكل سريع، وتراجعت الأسعار بنحو 30% في يوم واحد، السقوط الحرّ، إلّا أن هذا كان البداية، وليس النهاية، بحسب التقارير الأميركية التي تتحدّث عن المؤامرة.
المتحدّث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، علّق بأنه لا يعلم مدى مصداقية التقارير التي تتحدّث عن تحقيق تجريه السلطات الأميركية، بشأن ما إذا كان متعاملون قد استفادوا من تلميحات عن خطط روسيا خلال اجتماع لأوبك+ الشهر الماضي.
وذكرت وكالة بلومبرغ، نقلًا عن أشخاص قريبين من الأمر، أن الولايات المتّحدة تحقّق فيما إذا كان تجّار لديهم معلومات من مصادر مطّلعة على مباحثات روسيا مع دول أخرى منتجة للنفط، قد استفادوا من رهانات غير قانونية على تقلّبات أسعار النفط.
تحقّق أميركا فيما إذا كان تجّار لديهم معلومات من مصادر مطّلعة على مباحثات روسيا مع دول أخرى منتجة للنفط، قد استفادوا من رهانات غير قانونية على تقلّبات أسعار النفط.
وقال المتحدّث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، في مؤتمر صحفي يومي عبر الهاتف، مساء الخميس الماضي: "رأينا التقارير، ولا نعلم إلى أيّ مدى تُعدّ ذات مصداقية".
غير أن وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك، أرجع ما يحدث في السوق إلى "انخفاض أسعار النفط هو نتيجة لعوامل المضاربة، وأيضًا نقص قدرات التخزين". ولم يتطرّق من بعيد أو قريب إلى المؤامرة المزعومة.
الأمر بدأ يتحوّل إلى كابوس أسود، على المتعاملين في أسواق النفط، إذ يتجاذب اللاعبون الكبار أطراف أكثر من قضيّة، يدّعي كلّ طرف فيها بأنه يسعى إلى توازن السوق.
وقد يتحوّل تصريح الكرملين في هذا الخصوص، بأنه لا يوجد "أمر كارثي"، بالكارثة الكبرى، حال إثبات أن هناك مؤامرة بالفعل، ممّا سيقفز بهذا السؤال على السطح: ماذا سيحدث حال فرض عقوبات على النفط الروسي؟ أو التلويح به؟
كلّ هذا يحدث، والطلب العالمي على النفط -الذي هبط بما يصل إلى الثلث بسبب فيروس كورونا- وصل ِإلى أدنى مستوياته، لكن "السوق ستبقى متقلّبة، لحين سريان اتّفاق تخفيض الإنتاج في أوّل مايو / أيّار. بحسب وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك، يوم 22 أبريل / نيسان.
وتصريحات نوفاك تشير إلى أن روسيا تعلم جيّدًا أن السوق تعاني: "اليوم نحن -على الأرجح- في المرحلة الأكثر نشاطًا في انخفاض الطلب العالمي على النفط. وفقًا لتقديرات متعدّدة، فإن الانخفاض وصل في الوقت الحالي إلى 20-30 مليون برميل يوميًا".
"الانخفاض حاليًا هو الأعمق، ولن يكون دائمًا. نأمل بأنه مع رفع الإجراءات التقييدية (المرتبطة بفيروس كورونا)، فإن الطلب سيرتفع، وهذا سيجلب الاستقرار إلى أسواق النفط".
كورونا المتّهم الرئيس في جميع القضايا.. وعادةً ما يلجأ إليه كمتّهم أوحد
إذن، هل تتحوّل الأنظار إلى كورونا؟ وتوقيت انتهاء الفيروس، والانفراجة المتوقّعة بعده؟.. أم نتعامل مع الأحداث يومًا بيوم؟، خصوصًا وأن أسواق النفط بها جديد كلّ يوم.
أمام هذه المعطيات، فإن اجتماع أوبك+ الرسمي القادم في يونيو / حزيران، عليه أن يجيب على كلّ هذه الأسئلة وغيرها، لأن أسواق النفط لم تعد تعزف بتناسق، والنشاز أضحى واضحًا.