مقال- تصوّرات أسواق النفط بعد يوم دامٍ
محمد الشطي*
يدور الحديث الآن، حول وجوب مراعاة السرعة غير المتوقّعة في تراجع أسعار النفط إلى السالب، في احتساب مقاييس المخاطر، لتغطية المتعاملين في تعاملات العقود الآجلة وحمايتهم.
وشهد يوم الإثنين الماضي، يومًا داميًا في تعاملات النفط، في بورصة نيويورك نايمكس لشهر مايو / أيّار 2020، الذي هبط فيه الخام الأميركي إلى منطقة السالب، غير أن الأسعار عوّضت جزءًا من خسائرها أمس، مرتفعةً بنحو 30%، إلّا أنه ما زال مؤشّرًا يدلّ على ضعف السوق، التي تعاني من ارتفاع في المعروض، وتحتاج إلى خفض الإنتاج بشكل فوري.
وقد تراجعت مؤشّرات الأسهم الأميركية، تزامنًا مع تراجع أسعار النفط الخام، حيث تدور أسعار نفط خام برنت دون 20 دولارًا للبرميل، وكذلك نفطا دبي وعمان دون 18 دولارًا للبرميل، وهي في الجملة تعني أننا أمام مرحلة من ضعف الأسعار.
وبالرغم من ذلك، فإن عددًا من التوقّعات التي تستشرف المستقبل، تأمل في حدوث انفراجه خلال الربع الأخير من العام الجاري، وتتعافى الأسعار إلى مستويات ما بين 35 - 45 دولارًا للبرميل.
*إجراءات فورية
إن التغيير الحقيقي في أسواق النفط، مرتبط بمؤشّرات تؤكّد تقييدًا في المعروض وإيقاف إنتاج الخام بشكل واضح، وبدء إجراء سحوبات من المخزونات أو تحسّنًا في التعامل مع كورونا، وبدء تعافي في الطلب على النفط ومنتجاته، وهي كلّها مؤشّرات ليست آنيّة، وإنما تحتاج لوقت، لتستوعبها السوق وتظهر تأثيراتها.
كذلك فإن تنفيذ اتّفاق أوبك بلس، يبدأ من الأوّل من شهر مايو / أيّار، وتوقّعات تأثّر الإنتاج في كندا وأميركا والبرازيل بشكل واضح، يبدأ مع نهاية العام في آخر النصف الثاني، والسحوبات متوقّعة أيضًا في النصف الثاني، وهي مرتبطة بتقييد المعروض وعودة المصافي للعمل بمعدّلات عالية نسبيًا، وهو مرتبط بكورونا.
إن تراجع الطلب على النفط بأرقام غير مسبوقة في تاريخ صناعه النفط، تقارب 30 مليون برميل يوميًا في شهر أبريل / نيسان، يفرض حقيقة أن المنتجين يمكن أن يعانوا من خسارة للأسواق والزبائن، وتأجيل في توقيت تحميل النفط، بناء على طلب الزبائن، لأنه -ببساطة- لا يوجد طلب يمكن أن يستوعب المعروض.
حيث جرى خفض معدّل تشغيل المصافي في أنحاء العالم، ومن ثمّ لا يوجد منفذ للتصريف إلّا المخزون النفطي، وهو محدود في سعته الإجمالية، ومع استمرار ارتفاع المعروض منذ شهر مارس / آذار 2020، فإن معدّل البناء وارتفاع المخزون بوتيرة متسارعة، أوجد مخاوف بقرب الوصول إلى الذروة، ولا يوجد متّسع للتخزين على العموم.
*تقييم تجربة التحالف
في هذا السياق، فإنه -وعند تقييم تجربة تحالف المنتجين، الذي جرى تشكيله في نهاية 2016- قد نجحت أوبك بلس في اتّفاقها في 2017، في خفض الفائض في المخزون النفطي من مستويات قريبة من 500 مليون برميل إلى 30 مليون برميل أو أقلّ، على مدى ثلاث سنوات، وتحقّق توازن السوق واستقرارها ودعم الأسعار، ذلك أن تحقيق هدف استقرار السوق مرتبط بشكل متكامل مع سحب الفائض في المخزون النفطي، فإن القاعدة الواضحة وآليّة استعادة توازن السوق ليست في استهداف المخزون لتصريف الفائض في المعروض، لأن هذا يعني بناءً في المخزون وضغوطًا على الأسعار، ولكن الاستهداف المنطقي هو في تناقص وسحوبات من المخزون، لأنه يحقّق استقرار الأسواق ودعم الأسعار.
وعندما ننظر إلى أيّ توقّعات في صناعة النفط لمختلف البيوت الاستشارية والمصارف والهيئات الرسمية، فإن بند المخزون النفطي لا يوضع في خانة الطلب العالمي على النفط أو العرض، وإنما هو نتيجة احتساب الفروقات بين معدّل الطلب المتوقّع ومعدّل العرض المتوقّع، وهو إمّا يشير إلى بناء وتراكم، ومن ثمّ يعني اختلال السوق ويضغط على الأسعار، أو إلى سحوبات وتراجع، ويعني توازن السوق ودعم الأسعار.
*أنواع المخزونات النفطية والغرض منها
عند الأخذ في الاعتبار أنواع المخزونات والهدف منها، يتّضح أن المخزون التجاري أصلًا هو لدعم عمليات المصافي وتكرير النفط والاستهلاك المحلّي والصناعة المحلّية، لتصل المنتجات إلى المستهلك والطلب الحقيقي في النقل بأنواعه أو البتروكيماويات أو غيرها، سواء في الداخل أو في مختلف الأسواق، أمّا المخزون الإستراتيجي، فهو صمّام أمان في الأسواق، في حالة بروز تناقص في المعروض في السوق -غالبًا- أو زيادة في المعروض.
وعليه، فإن المخزون لا يمثّل أبدًا طلبًا نهائيًا أصليًا، ولا يدخل في احتسابه منفذًا لتصريف النفط، أو حتّى حصّة إضافية في السوق بالنسبة للمنتجين، وإنما يمثّل المخزون النفطي آليّة لدعم العمليات على أسس تجارية، وأحيانًا تكون مكلفة حسب حالة الأسعار، هل هي كونتانغو أو باكورديشين، ويشمل تزويد أسواق مستهدفة، ولكنها بعيدة، مثل الصين، أو دعم عمليات تشغيل المصافي لإنتاج منتجات بترولية لتصديرها أو استهلاكها محلّيًا أو في أحوال الطوارئ.
ويمثل المخزون العائم أكبر تحدٍّ أمام استقرار الأسواق، حيث يشكّل عبئًا كبيرًا على السوق، لأنه عبارة عن ناقلات نفط عملاقة جرى تحميلها بالنفط، تجوب البحار والمحيطات، تبحث عن منفذ للتصريف، وعادةً وفرتها تؤكّد وجود وفره في السوق من المعروض، أو تستخدمها الدولة التي تعاني من حظر عليها للتحايل أو استغلال فرصة للبيع، ولذلك تمثّل عامل ضغط كبير على الأسعار، وتقدّر "أرغوس" ارتفاعًا في كمّية النفط الخام المخزّن حاليًا في ناقلات النفط، الذي بدأ منذ شهر مارس / آذار الماضي، بأكثر من الضعف في ستّة أسابيع، ليصل إلى ما يُقدّر بـ 114 مليونًا إلى 150 مليون برميل.
*الخلاصة
الخلاصة، إن تعبئة المخزون النفطي إلى الذروة -بلا شكّ- لن تساعد في استعادة التوازن للأسواق، وإنما تعني ارتفاع مستويات المخزون، وتعني ضغوطًا كبيرة على الأسعار، واستمرار حالة الاختلال إلى حين بروز القدرة العملية على سحب الفائض من المخزون.
لذلك، فإن التحرّك الدولي المطلوب والتفاؤل يكمن في بدء تنفيذ اتّفاق أوبك بلس في شهر مايو / أيّار، وإضافة منتجين آخرين إلى الاتّفاق بما يزيد إقناع السوق بتأثيرات الاتّفاق في ضبط إيقاع توازن الطلب والعرض، وضرورة إعطاء فرصة للاتّفاق من خلال بدء تنفيذه خلال أيّام، والتأكيد على مصداقية الاتّفاق من خلال نسب الالتزام، وهذا يبعث الأريحية والاطمئنان للأسواق بلا شكّ، خصوصًا حين ظهور الأرقام في شهر يونيو / حزيران.
كما أن تراجع الطلب يستدعي تراجع المعروض، لتوفير مناخ التعاون لاستعادة استقرار الأسواق ودعم الأسعار لمصلحة الجميع، وهو منظور منطقي في ظلّ حكومات تعاني عجز موازنتها، وأخرى تنظر في اعتبارات الاقتراض من السوق لسدّ العجز في الموازنة، وشركات نفطية وخدمية أفلست، وشركات قلّصت إنفاقها.
وارتفاع البطالة يهدّد الأمن الاجتماعي والاستقرار في العالم، ولذلك وجدنا دولًا تحاول البدء في إجراءات عودة الحياة لطبيعتها، بالرغم من المخاطر التي تحملها فرص انتشار فيروس كورونا، التي قد تصاحب التسريع في إعادة الأمور إلى طبيعتها.
*خبير نفط - خاص لـ"الطاقة"