المقالاترئيسيةسلايدر الرئيسيةمقالات النفطنفط

أنس الحـجـي يكتب لـ"الطاقة": 7 دروس من تاريخ صناعة النفط

من المفاهيم "غير المفهومة"... إلى الارتباطات الخفيّة والمصائد والحالات الخاصّة

د. أنس بن فيصل الحـجـي*

1- الحاجة لإدارة السوق:

إذا كان الهدف هو تخفيض ذبذبة أسعار النفط واستقرارها، وتخفيض تكاليف الإنتاج، وزيادة الكفاءة في مراحل الصناعة كافّةً، فإنه لابدّ من إدارة السوق، سواء من القطاع العامّ أو الخاصّ. فقد تحقّقت هذه الأهداف عند سيطرة روكفلّر من خلال شركته "ستنادارد أويل" على أسواق النفط الأميركية، ثمّ سيطرة سكّة حديد تكساس ومثيلاتها على الإنتاج والنقل في الولايات المتّحدة، في الوقت الذي سيطرت فيه "الأخوات السبع" على أسواق النفط العالمية خارج الولايات المتّحدة. ثمّ جاءت "أوبك" مبنيّة على فكر وأفعال مصلحة حديد تكساس، حيث قام ألفونسو بيريز بدراساتها في بداية الأربعينات، وجاء بفكرة "أوبك". ولا يمكن عزل تغريدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب النفطية عن الموضوع، سواء عندما طالب بزيادة الإنتاج، أو بتخفيضه.

2- محدوديّة دور أوبك في إدارة السوق:

دور "أوبك" الكبير كان في تحقيق عائد أكبر لبلادها، ولكنّها لم تستطع إدارة السوق. باختصار، أوبك أوقفت نهب شركات النفط العالمية لثروات البلاد النفطية، إلّا أنّها لم تستطع السيطرة على السوق وإدارته، كما فعل روكفلر أو شركات النفط العالمية أو مصلحة سكّة الحديد في تكساس. ويعود ذلك إلى أمرين، الأوّل: إن أوبك تسيطر فقط على القسم الأعلى من الصناعة، أو ما يسمّى بالمنبع، بينما سيطر روكفلر أو الأخوات السبع على كلّ أطراف الصناعة من المنبع إلى المصبّ. والثاني: إنه ليس لدى أوبك أيّ نظام عقابي يعاقب من لا يلتزم بالحصص الإنتاجية. ونظرًا لوجود منتجين كبار خارج دول أوبك، فإن أوبك فقدت فعاليّتها. من هذا المنطلق جاءت فكرة "أوبك+" التي أضافت عشر دول نفطية إلى أوبك، أهمّها روسيا. وحتّى فعالية "أوبك+" محدودة مقارنةً بفعالية روكفلر والأخوات السبع، إلّا أن أهمّيتها تنبع من قدرتها على تخفيف الذبذبات الحادّة في السوق، مثل قيامها مؤخّرًا بتخفيض الإنتاج بأكثر من 10 ملايين برميل يوميًا، لمنع الأسعار من الانهيار.

3- ارتباط النفط بالسياسة:

النفط والسياسة توأمان، وهناك تداخل كبير بين النفط والسياسة على عدّة مستويات. فالعوامل السياسية تؤثّر في أسواق النفطـ، كما أن النفط يؤثّر في القرارات السياسية. ونظرة سريعة إلى رسم بياني لأسعار النفط خلال المئة سنة الماضية، يوضّح أن أغلب الارتفاعات الكبيرة في أسعار النفط سببها أحداث سياسية في البلاد النفطية، وهذا يتضمّن الأحداث السياسية في العشرين سنة الأخيرة، بما في ذلك الاحتلال الأميركي للعراق، والعقوبات الأميركية على إيران وفنزويلّا وروسيا، والربيع العربي. كما أن الحرب ضدّ النفط في كثير من الدول المستهلكة، وتبنّي سياسات للتخفيف من الاعتماد عليه، بسبب ربطه بالتغيّر المناخي، أو بالإرهاب، أو بالقلاقل السياسية، توضّح أيضًا الترابط بين النفط والسياسة.

4- ارتباط النفط بالتكنولوجيا:

تزايد إنتاج النفط مع تزايد احتياطياته، وفشل نظريّات النضوب وذروة الإنتاج، وبقاء أسعار النفط منخفضة نسبيًا، يعود إلى التطوّر التكنولوجي الذي تشهده صناعة النفط بشكل شبه يومي. فالنفط ينتج في أبرد المناطق في العالم وأحرّها، وينتج في المرتفعات والهضاب وفي قاع المحيطات، وينتج من أبار سطحيّة وأخرى سحيقة العمق، وفي بلاد ذات أنظمة سياسية واقتصادية مختلفة. وليس أدلّ على ذلك من تطوّر صناعة النفط الصخري الأميركي، وأثرها في أسواق النفط العالمية في السنوات الأخيرة، وكيف غيّرت هذه الثورة معالم عالم الطاقة في العالم أجمع.

5- مفهوم "أمن الطاقة" مصطلح سياسي "غير مفهوم":

يستخدم السياسيون مفهوم "أمن الطاقة" حسبما يشاؤون، دون وجود مفهوم واضح له، وأحيانًا دون أن يفهموه هم أنفسهم. ثمّ يسنّون القوانين والتشريعات التي تناسبهم وفقًا لذلك المفهوم، فيؤثّرون على صناعة النفط وتجارته، سلبًا أو إيجابًا. وينتج عن ذلك أحيانًا قوانين تؤذي الدول المنتجة للنفط، وشركات النفط العالمية، والقطاعات الماليّة التي تدعمها. ونظرًا لعدم وجود مفهوم واضح، فإن هناك تبعات كثيرة لهذه القوانين تضرّ بمستهلكي البلاد التي سنّتها، لا يدركها السياسيون الذين أقرّوا هذه التشريعات. وليس هناك أدلّ على خطأ "مفهوم أمن الطاقة" ممّا حصل أخيرًا، حيث تبجّح بعض السياسيّين الأميركيّين باستقلال الولايات المتّحدة نفطيًا لمجرّد أن أصبحت الولايات المتّحدة أكبر منتج للنفط في العالم. وما إن أعلنت أرامكو عن تخفيض أسعار نفوطها، حتّى انهارت الأسعار، وتوقّف جزء من الإنتاج الأميركي، وقام الرئيس الأميركي نفسه مع عدد من أعضاء مجلس الشيوخ، بترجّي السعودية للتراجع عن قرارها. ومن الدلائل على ذلك أيضًا، أن المنتجين "المستقلّين"، "غير مستقلّين"، لأنهم يعتمدون على قرارات السعودية من جهة، وقرارات مصلحة سكّة حديد تكساس من جهة أخرى.

6- أهمّية النفط تنبع من الطلب عليه:

أثبت فيروس كورونا أن أهمّية النفط وقيمته تنبع من الطلب عليه. فمع انخفاض الطلب بأكثر من 20 مليون برميل يوميًا، انهارت أسعاره إلى أقلّ من تكلفة إنتاج النفط في عدد من دول العالم. وهذا يعني أن موضوع نضوب النفط من عدمه لا قيمة له هنا، لأن العبرة في الطلب.

7- حالات خاصّة و"مصيدة الطلب":

في حالة كارثة، مثل كارثة كورونا... فإن انخفاض أسعار النفط أو عدمه، أو وجود تحفيزات لتنشيط الطلب على النفط أم لا، لن يتغيّر الطلب بسبب وجود ما يسمّى بـ"مصيدة الطلب"، وهي حالة جمود لا يتأثّر فيها الطلب بأيّ من السياسات التحفيزية. من ناحية أخرى، في أثناء كوارث كهذه، فإنه لا يهمّ إذا كانت الدول معتمدة بشكل كبير على النفط، أم أنّها ذات اقتصاد متنوّع، لأن الكارثة ضربت جميع القطاعات. ونظرة سريعة حول العالم تبيّن أن أكثر الدول تأثّرًا بفيروس كورونا اقتصاديًّا هي الدول التي تعتمد على السياحة بشكل كبير، وليس الدول النفطية. هذه الفكرة الأخيرة لا تعني إطلاقًا وقف تنويع الاقتصاد، وإنّما تردّ على الذين يقولون بأنه لو كان اقتصاد الدول النفطية متنوّعًا لكان الألم الاقتصادي من كورونا أقلّ.

*خبير نفط دولي -خاص لـ"الطاقة"

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق