هل يضمّد الشتاء جراح الغاز الطبيعي الأميركي؟
توقّعات بارتفاع أسعاره إلى 4.5 دولارًا لكلّ مليون وحدة حرارية
- خسائر الغاز قصيرة المدى تتحول إلى مكاسب بحلول الشتاء
- تراجع الإنتاج يلتهم وفرة المعروض ويرفع الطلب في ديسمبر
"انهيار أسعار النفط قد يكون الخطوة الأولى نحو ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي الأميركي، بل تضاعفها، الشتاء المقبل".. هذا ما خلص إليه محلّلون وتقرير لشركة (إنفيراس) لتحليل البيانات حول مستقبل الغاز الأميركي.
اجتذب انهيار أسعار النفط كلّ اهتمام وسائل الإعلام بالوضع المؤلم والتحدّيات الكبيرة التي تواجهها صناعة النفط الأميركية جراء تراجع الطلب العالمي على خام النفط، بسبب تفشّي فيروس كورونا، والتدابير التي اتّخذتها دول العالم لاحتواء الفيروس، حيث تكافح شركات الطاقة الأميركية للبقاء في ظلّ تراجع أسعار خام تكساس الوسيط إلى نحو 20 دولارًا للبرميل.
وفي ظلّ هذه الصورة القاتمة، يبدو ضوء في نهاية النفق بالنسبة للغاز الطبيعي، الذي كان يعاني بالفعل، حتّى قبل أزمة كورونا.
يرى محلّلون أن صناعة الغاز الطبيعي في الولايات المتّحدة ستعاني كثيرًا على المدى القصير، ولكن المكسب على المدى المتوسّط قد يكون قاب قوسين أو أدنى بعد هذا الألم القصير. وقد تُجسّد سوق الغاز الطبيعي الأميركية مقولة: "علاج انخفاض الأسعار يكمن في الأسعار المنخفضة"، وفقًا لما نقله موقع (أويل برايس).
أغلق السعر القياسي للغاز الطبيعي وفق تسعير مركز هنري الخميس عند 1.733 دولارًا لكلّ مليون وحدة حرارية بريطانية، بانخفاض بنسبة 2.8 % خلال اليوم. وفي وقت سابق من أبريل / نيسان، انخفض السعر إلى 1.552 دولارًا.
وأوائل العام الجاري، أدّى الطقس الشتوي الدافئ إلى تقليل الطلب على الغاز الطبيعي في الولايات المتّحدة للتدفئة، ومع استمرار نموّ الإنتاج بمعدّل يتجاوز نموّ الطلب، تراجعت أسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتّحدة في فبراير / شباط إلى أدنى مستوياتها في هذا الشهر، منذ عقدين.
تخفيض الإنفاق
وفي فبراير / شباط ومارس / آذار، أصاب فيروس كورونا المتفشّي بشدّة صناعة النفط العالمية، وتفاقمت الأزمة مع فشل اجتماع لتحالف أوبك+ أوائل مارس، في الاتّفاق على تمديد تخفيضات الإنتاج لضبط أسواق النفط، ليتسارع معدّل انهيار الأسعار وسط تراجع مروع في الطلب على النفط.
وفي غضون أيّام قليلة، واجه قطاع النفط الصخري الأميركي مطالب بالتكيّف مع هذا الوضع المؤلم، بتخفيض الإنفاق في جميع الاتّجاهات.. وبدءًا من شركة إكسون موبيل العملاقة، إلى الشركات الأصغر حجمًا، أعلن الجميع تعديل الإنفاق الرأسمالي، وتقليص عملياتهم وميزانياتهم لحين الخروج من هذا المستنقع.
انخفاض حفّارات النفط والغاز، وتراجع فرق التكسير الهيدروليكي، سيؤدّي حتمًا إلى تراجع إنتاج النفط، ومعه الغاز الطبيعي، الذي يشهد تباطؤًا في الإنتاج، بسبب ارتفاع مخزوناته عن المتوسّط، في ظلّ انخفاض أسعاره إلى أقلّ من دولارين لكلّ مليون وحدة حرارية بريطانية، وهو ما يصرف الكثير من الشركات عن رفع الإنتاج.
من المتوقّع أن ينخفض إنتاج الغاز الطبيعي الأميركي بمعدّلات كبيرة في الأشهر المقبلة، ما سيؤدّي إلى عجز في سوق الغاز مع دخول فصل الشتاء، حسبما قالت شركة إنفيراس، في تقريرها الذي جاء تحت عنوان (الجانب المظلم من الطفرة).
مع تأثير وفرة النفط العالمية على أسعار النفط، وتخفيض شركات الطاقة الأميركية لعمليات التنقيب والإنتاج، سينخفض إنتاج الغاز الطبيعي أيضًا لبقية العام، وفقًا لتقييمات إنفيراس
وقالت الشركة: "تشير توقّعاتنا إلى انخفاض إنتاج الغاز الجافّ بأكثر من 6 مليارات قدم مكعّبة يوميًا، بحلول ديسمبر / كانون الأوّل 2020 ، مقارنةً بعام 2019. وسيتسبّب ذلك في تحوّل سوق الغاز من الوفرة خلال أشهر الصيف، إلى عجز شديد بحلول شتاء 2020-21".
4 دولارات
ونتيجة لهذا العجز -كما تشير تقديرات إنفيراس- ستعاود أسعار الغاز الطبيعي الانتعاش، لتتجاوز 4 دولارات لكلّ مليون وحدة حرارية بريطانية، ويمكن أن تصل إلى 4.50 دولارًا مع حلول الشتاء.
وفي هذا السياق، رأت الشركة أن هذه الزيادة الكبيرة في الأسعار الحالية (1.73 دولارًا أميركيًا لكلّ مليون وحدة حرارية بريطانية) ستحفّز الإنتاج في حقول الغاز الكبيرة، مثل (مارسيلاس)، و(أوتيكا)، و(هاينسفيل).
وعلى المدى الطويل، تتوقّع إنفيراس أن يبلغ متوسّط أسعار الغاز الطبيعي 2.80 دولارًا لكلّ مليون وحدة حرارية بريطانية، وهو ما سيسمح بنموّ إنتاج الغاز لتلبية مكاسب الطلب المتوقّعة.
من جانبها، تتوقّع إدارة معلومات الطاقة أيضًا حدوث انخفاضات قصيرة المدى في إنتاج الغاز الطبيعي الأميركي.
من الناحية التاريخية، يميل الإنتاج إلى التباطؤ عندما ينخفض خام غرب تكساس الوسيط إلى ما دون 45 دولارًا للبرميل، أو عندما يهبط سعر مركز هنري إلى أقلّ من دولارين لكلّ مليون حدة حرارية بريطانية، كما تقول إدارة معلومات الطاقة، وهو الوضع القائم حاليًا.
92 مليار قدم مكعّبة
ومن هذا المنطلق، تتوقّع إدارة معلومات الطاقة انخفاضًا إضافيًا في إنتاج الغاز، بنسبة 15٪ في المتوسّط، في الربع الثاني من عام 2020 ، وانخفاضًا بنسبة 12٪ في الربع الثالث من عام 2020 ، في ضوء الآثار غير المسبوقة لفيروس كورونا على أنشطة الحفر والتنقيب، خاصّةً أن العديد من شركات الإنتاج أعلنت بالفعل خططًا لخفض الإنفاق الرأسمالي ومعدّلات الحفر، وفق تقرير أصدرته قبل أيّام عن توقّعات الطاقة قصيرة المدى في أبريل / نيسان.
من المتوقّع أن يبلغ متوسّط إنتاج الغاز الطبيعي الجافّ في الولايات 91.7 مليار قدم مكعّبة يوميًا هذا العام، منخفضًا عن المستوى القياسي البالغ 92.2 مليار قدم مكعّبة يوميًا في 2019، ووفقًا لتقديرات إدارة معلومات الطاقة.
تراجع الطلب عالميًا
يأتي ذلك، فيما قالت المجموعة الدولية لمستوردي الغاز الطبيعي المسال، إن الطلب العالمي على الغاز الطبيعي المسال سيتقلّص هذا العام عن مستويات قياسية في 2019، إذ تضغط أزمة فيروس كورونا على الاقتصادات في سوق تشهد بالفعل تخمة في المعروض من الوقود.
وقالت المجموعة، إنه بعد ارتفاع الطلب في العام الماضي 13% إلى 354.7 مليون طنّ، يبدو أن الانكماش الاقتصادي في الكثير من الأسواق الرئيسة سيقلّص واردات الدول المستهلكة من الغاز.
وقال رئيس الجمعية، جان ماري دوجير، في بيان صحفي: "على المدى القصير، التأثير السلبي لتفشّي كوفيد-19 على اقتصادات الدول المستوردة سينتج ضغطًا نزوليًّا على الطلب في سوق تعاني تخمة بالفعل”.
زاد إنتاج الغاز الطبيعي المسال عالميًا العام الماضي، بفضل خمسة مشروعات تسييل جديدة ضخمة في الولايات المتّحدة وأستراليا، لتصبح الأولى أكبر مصدّر بعقود قصيرة الأجل.
وبدأ تشغيل مشروعين صغيرين في روسيا والأرجنتين. وقفزت الاستثمارات في مشروعات مستقبلية رغم وفرة الإمدادات، إذ جرت الموافقة على أحجام إنتاج جديدة بلغت 71 مليون طنّ.
ومع انخفاض إنتاج الغاز الطبيعي إلى أقصى حدّ في منطقة أبالاتشيا والحوض البرمي، حيث تجبر أسعار النفط المنخفضة المنتجين على خفض الإنتاج، وبالتالي تقليل إنتاج الغاز المصاحب من آبار النفط الموجّهة، قد يأتي موسم الشتاء ليضمّد الجراح، لتتخلّص صناعة الغاز الأميركية من الآلام قصيرة المدى، وتتحوّل إلى مكاسب متوسّطة المدى لشركات الطاقة التي ستنجو من حمام الدم الذي يواجهه قطاع النفط الصخري الأميركي حاليًا.