المقالاترئيسيةسلايدر الرئيسية

مقال- د. محمد الشـطي يكتب لـ"الطاقة" عن انعكاسات الاتفاق النفطي المشروط بمشاركة المكسيك

يلغي مرحلة حرب الأسعار نهائيا

د. محمد الشطي*

اتفقت دول أوبك بلس على خفض معدلات إنتاج النفط الحالية بمقدار 10 ملايين برميل يوميا اعتبارا من أول مايو 2020، ولفترة أولية تستمر شهرين وتنتهي في 30 يونيو 2020، وذلك ضمن خطة عمل لإنقاذ أسواق النفط واستعادة التوازن لها. وقال البيان الختامي إن تحالف المنتجين في أوبك بلس اتفقوا أيضًا على تقليص الإنتاج الإجمالي لفترة لاحقة تمتد ستة أشهر وتبدأ من 1 يوليو إلى 31 ديسمبر 2020، إلى ثمانية ملايين برميل يوميا قبل تطبيق تقليص آخر إلى ستة ملايين برميل يوميا لمدة 16 شهرا اعتبارا من 1 يناير 2021 إلى 30 أبريل 2022، وأشار إلى أنه تقرر أن يكون هذا الاتفاق ساري المفعول حتى 30 أبريل 2022 مع إعادة مراجعة تمديده خلال ديسمبر 2021.

هذا الاتفاق حظي بمتابعة العالم أجمع لأنه يوقف حرب الأسعار والتسابق لرفع الإنتاج وكسب حصص في السوق على حساب حصص الآخرين. وبالتالي فإنه يوقف انهيار الأسعار ويضع حدًا أدنى للأسعار ويدعمها لاحقًا. كما أن حجم الخفض الإجمالي كبير وتاريخي.

وتضمن الاتفاق تخفيض روسيا والمملكة العربية السعودية 2.5 مليون برميل يوميا لكل منهما، من مستوى 11 مليون برميل يوميا، ليكون إنتاج كل منهما 8.5 مليون برميل يوميا. هذا يعني انسجام الموقفين ودعم الجهود بشكل واضح، وبقاء تحالف منتجين أوبك بلس كقوة في السوق تنظم توازن أسواق النفط وتقلص الفائض، وبدأت الجهود بمبادرة أميركية للرئيس الأميركي من خلال محادثات مباشرة مع المملكة العربية السعودية وروسيا، أضف إلى ذلك تبني جدول زمنى واضح للمستقبل والآليات التي ستتبع للتأكيد على الخروج من حالة الفوضى في السوق وتقليص الفائض. هذه الأمور كلها تؤكد مصداقية عالية ومهارة عالية في التعامل لعلاج مشكلة طاقوية آنية.

جاءت ردة فعل السوق في البداية على جهود المبادرة إيجابية حيث ارتفعت الأسعار إلى 30 دولارا للبرميل واكثر، لكن بعد المفاوضات عادت الأسعار إلي مستوى 30 دولارا. وهناك عدة محاذير يعبر عنها المحللون في أسواق النفط، أولها عدم موافقة المكسيك على حصتها من الخفض وهي 400 ألف برميل يوميا. لهذا فإن الاتفاق مازال يراوح مكانه رهن موافقة المكسيك، كما أن بدء تنفيذ الاتفاق هو الأول من مايو 2020، وهو قريب جدًا لا يضمن الالتزام بإيقاف إنتاج 10 ملايين برميل يوميًا، ولا يتماشى مع الالتزامات القائمة حسب عقود التحميل القائمة، في وقت السوق تحتاج فيه إلي تقليص المعروض فورًا.

كما أن هناك العديد من الشحنات النفطية المحملة على ناقلات النفط لم تجد موضعا لها في السوق، فيما يعرف بـالمخزون العائم، والاعتقاد السائد بأن الفائض في السوق يبقى على الأقل في حدود 10 ملايين برميل يوميا، رغم الاتفاق. ويرى آخرون أن الفائض أكبر من ذلك، وهذا يعني ارتفاع مستويات المخزون النفطي، وبقاء الأسعار منخفضة خلال الربع الثاني من 2020.

ومن الواضح أن تخفيضات أوبك بلس المقترحة لا يمكنها وحدها عكس منحنى الكونتانغو العميق (الأسعار المستقبلية أكبر بكثير من الأسعار الحالية) لأسعار برنت بطريقة ذات مغزى أو دائمة، حيث أن التخزين ضروري للبقاء اقتصاديًا للتعامل مع الفائض في السوق. وفي أحسن الأحوال يمكن أن تشهد الأسواق سحوبات من المخزون النفطي خلال النصف الثاني من العام بحدود 5 – 8 ملايين برميل يوميا، تبدأ معها الأسعار في التعافي التدريجي.

كما ان المؤثر الرئيس في السوق هو تطورات فيروس كورونا وليس المعروض، لذلك فإن تأثيرات كورونا على الطلب هي الورقة الأهم في أسواق النفط. المشكلة أن آثار فيروس كورونا متحركة وليست ثابتة، وهذا يقلل من تأثير إستراتيجية أوبك بلس في تحقيق التوازن في الأسواق. ولذلك وجدنا استجابة حذرة من السوق، حيث أن سعر خام برنت ظل يحوم حول ٣٠ دولارا للبرميل، صعد قليلا لكنه تراجع.

يلغي اتفاق أوبك بلس مرحلة حرب الأسعار نهائيا، ويؤصل لمرحلة جديدة عنوانها التعاون الدولي لاستقرار الأسواق. وسيكون لذلك تأثير إيجابي في الأسواق على المدى المتوسط. لكنه لن يؤثر آنيا لأن الأسواق متخمة، وفيها مخزون عائم لنفط لم يتم تصريفه في ظل تراجع كبير للطلب.

انتهى اجتماع وزراء طاقة مجموعة العشرين بتوصيات من أبرزها استخدام جميع الأدوات للحفاظ على استقرار السوق وتشكيل لجنة لمراقبة تدابير الاستجابة، من دون تحديد تفاصيل محددة او التزام بأرقام معينة لحجم انخفاض النفط المفترض، وهذا بلاشك لن تستقبله السوق بإيجابية.

ولكن حتى بدون التزام بعض دول مجموعة العشرين بتخفيض واضح، إلا أن إنتاجها سينخفض بشكل كبير بسبب ضعف أسعار النفط. فقد أشارت توقعات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، إلى أن إنتاج النفط الأميركي سيبدأ بالانخفاض الفعلي بمقدار 200 ألف برميل يوميا في شهر مايو المقبل، ليصل الخفض الفعلي 1.8 مليون برميل يوميا مع نهاية 2020. ويرى بعض المراقبين أن الانخفاض في إنتاج النفط الأميركي سيكون أكبر من ذلك بكثير وقد يصل إلى 2 – 3 مليون برميل يوميا مع نهاية العام، إذا بقيت أسعار النفط في نطاق 20 – 30 دولارا للبرميل.

وتقدر بعض مصادر السوق بأن أسعار النفط المنخفضة ستخفض الإنتاج قسريا في دول خارج أوبك بحوالي 3 – 4 مليون برميل يوميا، وهذا يشمل الولايات المتحدة الأميركية، وكندا، كولومبيا، والبرازيل، وتتوزع كالآتي: 2 مليون برميل يوميا من الولايات المتحدة، 500 ألف برميل يوميا إلى 1 مليون برميل يوميا من كندا، و 200 ألف برميل يوميا من البرازيل.

مؤشرات تحدد أسعار النفط

هناك العديد من المؤشرات التي تحدد مسار أسعار النفط في السوق أهمها حجم الالتزام بتخفيض إنتاج 10 ملايين برميل يوميا في شهر مايو، والتي لن يتم التأكد منها الا في بداية شهر يونيو 2020. ومن ضمن المؤشرات حركة المخزون النفطي الأميركي الأسبوعية، وحركة المخزون العائم لأنها تحدد اتجاه السوق والنجاح في التخلص من الفائض في السوق، كذلك تطورات آثار فيروس كورونا على الطلب.

ومن ضمن المؤشرات أيضًا مدى تأثر الإنتاج الحالي في العالم سواء الصخري والكندي، وكذلك حجم الإنتاج الفعلي لأوبك بلس حسب تقديرات الصناعة، لأن كل ذلك يحدد مسار السوق والاسعار. وتتوقع بعض المصادر أن خلاصة هذه المؤشرات هو دوران متوسط خام برنت في فلك 35 دولارا للبرميل. بينما يرى آخرون أن السعر سيكون أقل من ذلك بسبب استمرار ارتفاع المخزون النفطي.

وبالرغم من التأخر في الاتفاق في أعقاب موقف المكسيك، لكن يسجل لأوبك بلس نجاحها في تفعيل دورها الرائد لاستعادة النظام للأسواق من جديد، والعلامة البارزة والفارقة في هذا الاجتماع هو الدور السعودي من خلال نشاط ودبلوماسية سعودية بامتياز من أعلى الهرم في القيادة السعودية إلى سمو الأمير عبدالعزيز وزير الطاقة، والذي بدأ في التحضيرات التي سبقت الاجتماع سواء بالتواصل مع كل الأطراف الدولية، وكذلك الرسائل التي يتم توجيهها بانتظام إلى الإعلام بشفافية ومصداقية، والقدرة على تحقيق مشاركه كبيره في فتره قصيرة.

وقد نجح انعقاد الاجتماع في وقت قياسي في الظروف غير الاعتيادية، وهذا ما أكد عليه معالي وزير النفط الكويتي الدكتور خالد الفاضل عندما تحدث عن جهود جبارة ومفاوضات واستعدادات ومشاورات سبقت الاجتماع وأثناء الاجتماع لإنجاح المؤتمر شاركت فيها الكويت.

*خبير نفطي - خاص لـ"الطاقة"

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق