مقال - النفط الصخري الأميركي وجهاز الجري اليدوي!
ويلسون وانج*
تخيّل نفسك وأنت على جهاز الجري الإلكتروني.. ثمّ تخيّل الآن أنك على جهاز يدوي، فماذا ستلاحظ إذن؟
مشكلة جهاز الجري اليدوي أنه كلّما أسرعتَ في الجري،كان من الأصعب عليك مواصلة الجري لمجرّد الحفاظ على هذه الوتيرة والسرعة. ولكن إذا توقّفتَ فجأة، فإن الجهاز سيتوقّف أيضًا.
وعلى العكس تمامًا، في جهاز الجري الإلكتروني، تُضبط السرعة آليًا، وعندما يحصل إيقاف الجهاز، فإن سرعته تقلّ ببطء إلى أن يتوقّف سير الحركة.
والحقيقة أن صناعة النفط الصخري في الولايات المتّحدة تشبه -إلى حدّ كبير- جهاز الجري اليدوي. فخلال آخر انهيار شهدته هذه الصناعة (2014-2016)، كان منتجو النفط الصخري ينمون بوتيرة أكثر اعتدالًا، ومع انهيار الأسعار، خفّضوا تكاليفهم، حيث تخلّصوا من الكثير من الدهون (العمليات والتكاليف غير المجدية) للحفاظ على مستويات الإنتاج. وتزامن ذلك مع استخدام أعمال الحفر المتعدّد المنصّات في حوض برميان غرب تكساس، في وقت كان فيه طوفان من رؤوس الأموال من صناديق الاستثمار الخاصّة ينتظر الدخول. كانت هذه الأموال متاحة بسهولة في ذلك الوقت، وهو ما كان بمثابة شريان الحياة حتّى يتمكّن منتجو النفط الصخري من الاستمرار في أنشطتهم بوتيرة ثابتة.
منشّطات مالية
رؤوس الأموال هذه تشبه -تقريبًا- المنشّطات التي يحاول بعض العدّائين استخدامها، لكنّنا اليوم بدأنا نشعر بالآثار الجانبية جراء النفاد الجزئي لهذه المنشّطات (عدم وجود الائتمان، مع تضرّر رؤوس الأموال)، في الوقت الذي يسير فيه جهاز الجري الصخري بسرعة جنونية، بعد أن وصل إنتاج النفط الصخري إلى أكثر من مليوني برميل يوميًا عام 2018.
والواقع أننا ندخل الآن مرحلة الانخفاض الحقيقي في سرعة جهاز الجري الصخري الأميركي، وهو ما اتّضح جليًا في الانخفاض الشديد في عدد حفّارات النفط والغاز، الذي بلغ الأسبوع الماضي 64 حفّارًا، فضلًا عن انخفاض فرق التكسير الهيدروليكي بمقدار 40 فريقًا.
وطالما أن خام غرب تكساس الوسيط أقلّ من 35 دولارًا للبرميل، سيستمرّ عدد فرق التكسير الهيدروليكي في الانخفاض نحو الصفر. وفي ظلّ هذه الظروف الضبابية وعدم وضوح الرؤية، لن تكمل الشركات العاملة في هذا المجال أيّ آبار جديدة.
ومع ازدياد الفروق السعرية على المستوى المحلّي، حيث إن مايحصل عليه المنتج أقلّ بكثير من سعر النفط في السوق، ستبدأ الشركات في دفع رسوم جزائية مبكّرة للتخلّص من الحفّارات والعقود قبل ضخّ المزيد من الأموال في الحفر.
معدلات النضوب سريعة
ومن هذا المنطق، سيتراجع إنتاج الصخري بسبب ارتفاع معدّلات النضوب في الآبار، خاصّةً في الوقت الذي كانت فيه إنتاجية آبار النفط الصخري تشهد تراجعًا بشكل عامّ في الشهور الأخيرة.
وإذا ربطنا انخفاض الإنتاجية بالتراجع القياسي في عمليات إكمال حفر الآبار وغيرها من النتائج الكبيرة، فإن المحصّلة ستكون انخفاضًا هائلًا ومروعًا في إنتاج النفط الأميركي.
وفي ظلّ هذه الصورة القاتمة للصناعة، يُتوقّع أن ينخفض إنتاج النفط الأميركي إلى أقلّ من 10 مليون برميل في اليوم، إذا بقيت أسعار خام تكساس الوسيط أقلّ من 35 دولارًا للبرميل. ولعلّ هذا هو ما خلصت إليه وكالة ستاندرد آند بورز غلوبال بلاتس لأوّل مرّة قبل أكثر من شهر، عندما توقّعت انخفاضًا إلى 9.75 مليون برميل في اليوم، بحلول نهاية العام.
وكما قلنا من قبل، فإن كلّ التقديرات والحسابات الخاصّة بإنتاج عام 2021 ، مع بداية العام الجاري، كانت تدور حول إنتاج 13.4 مليون برميل يوميًا من النفط الصخري الأميركي.
ومن ثمّ، فإنّ أيّ رقم أقلّ من هذا، بحلول نهاية هذا العام، سيمثّل عجزًا مساويًا له في عام 2021 وما بعدها. وأيضًا، كلّما زاد الرقم، تطلّب أسعارًا أعلى للنفط، لتحفيز عملية الإنتاج، ومواجهة انهيار الطلب على النفط.
عند مستوى إنتاج 9.75 مليون برميل يوميًا، سيعاني السوق نقصًا في المعروض بمقدار 3.65 مليون برميل في اليوم، وهذا أمر لايمكن أن تتحمّله الأسواق دون تغيّرات جذرية، تتضمّن ارتفاعًا ملحوظًا في الأسعار.
يقودنا هذا العرض والتوصيف للأزمة الحاليّة إلى نتيجة مفادها، أنه كلّما طال تأثّر الطلب على النفط، بتفشّي فيروس كورونا المستجدّ، ظلّت الأسعار منخفضة. وكلّما طال أمد انخفاض الأسعار، كانت التداعيات أكثر حدّة وتدميرًا وتطرّفًا
*محلّل مالي في قطاع النفط – المقال خاصّ لـ”الطاقة”