التقاريررئيسيةسلايدر الرئيسية

هل تمتلك أميركا إمكانات عقابية واقعية ضد النفط السعودي؟

"تهديد الأمن القومي"... ذريعة أميركية مطّاطة لتغطية "حماية المنافسة"

خاص-الطاقة

  • مجلس الشيوخ يتحدّث عن معاقبة السعودية لزيادة الإنتاج.. وتخفيضه في ذات الوقت.
  • يتناقض فرض ضرائب جمركية عالية على واردات السعودية وروسيا مع مصالح الشعب الأميركي.
  • مشكلة فرض ضرائب على النفط المستورد أن الضرائب تحمي وتساعد منتجي النفط.. ولكنها تضرّ بمعامل التكرير.
  • نتيجة ارتفاع التكاليف واختلاف النوعية، فإن أكثر الخاسرين سيكون قطاع الشحن البرّي والبحري، وهو عماد الاقتصاد الأميركي.

أرسل السيناتور الجمهوري كيفن كريمر من ولاية داكوتا الشمالية رسالة إلى الرئيس دونالد ترمب يطالبه فيها باستخدام السلطات الممنوحة له في "الفقرة 232" من قانون التجارة الدولية لعام 1962 لفرض ضرائب جمركية على واردات النفط من السعودية وروسيا ودول أوبك، لأن ما حصل من انخفاض في الأسعار في الأيّام الأخيرة يهدّد الأمن القومي الأميركي. كما طالب في تغريدتين منفصلتين فرض ضرائب على واردات النفط من السعودية وروسيا ودول أوبك، وفرض حظر على واردات النفط من هذه الدول.

وسبب المطالبة بفرض ضرائب أو حظر هو أن ولاية داكوتا الشمالية كانت ولاية فقيرة حتّى اكتشاف النفط الصخريّ فيها منذ حوالي 12 سنة، فأصبحت من أكبر الولايات النفطية في أميركا الشمالية. ومن أكبر الشركات المنتجة فيها هي شركة كونتيننتال ريسورس التي أعلن رئيسها هارولد هام -وهو صديق ومستشار للرئيس ترمب- أنه سيقدّم شكوى إلى وزارة التجارة الأميركية في التحقيق في إغراق السعودية للأسواق الأميركية بالنفط.

 

أعضاء بالكونغرس يناشدون السعودية استخدام ثقلها النفطي لضبط الأسواق

 

وكان 13 عضوًا في مجلس الشيوخ من الذين يمثّلون الولايات النفطية، بما في ذلك تكساس وأوكلاهوما ولويزيانا وألاسكا، قد وجّهوا رسالة إلى ولي العهد السعودي محمّد بن سلمان، يذكرون فيه دور المملكة في تحقيق الاستقرار في أسواق النفط، ويطالبونه بالعدول عن السياسات الأخيرة التي تضمّنت تخفيض الأسعار الرسمية للنفط السعودي، وزيادة إمدادات بحوالي 2,5 مليون برميل يوميًا.

الرسائل المذكورة أعلاه وفحواها تعكس تخبّط السياسة الأميركية في مجال الطاقة من جهة، وفي مجال السياسة الخارجية من جهة أخرى. فقد مرّر مجلس الشيوخ قانون "جاستا" الذي يسمح لأهالي ضحايا حادثة 11 سبتمبر (أيلول) بتقديم دعاوى على الحكومة السعودية للحصول على تعويضات. وحاول بعضهم وفشلوا، لعدم كفاية الأدلة. وهناك مشروع قانون "لا أوبك" دعَمه بعض أعضاء مجلس الشيوخ، يطالبون فيه برفع الحصانة عن المملكة ودول أوبك الأخرى لمحاكمتها بتهمة الاحتكار، لأنهم يقومون بتخفيض إنتاج النفط، وهو أمر أيّده ترامب عندما كان مرشحًا، وأفرد له مطلبًا كاملًا في كتابه الذي نشره في عام 2011. الغريب هنا أن مجلس الشيوخ نفسه يريد معاقبة السعودية لزيادة الإنتاج، ويريد معاقبتها لتخفيض الإنتاج!

  • فرض ضرائب على واردات النفط

فقرة 232 من قانون توسيع التجارة لعام 1962 تعطي الرئيس الأميركي وحكومته صلاحيات شبه مطلقة لفرض وزيادة الضرائب على المنتجات التي تهدّد الأمن القومي الأميركي. وبغضّ النظر إذا ما كان انخفاض أسعار النفط في الفترة الأخيرة يهدّد الأمن القومي الأميركي أم لا، فقد لجأت الكثير من الصناعات -تاريخيًا- في الولايات المتّحدة إلى الحكومة الأميركية لحمايتها من المنافسة، تحت فكرة "تهديد الأمن القومي"، بما في ذلك صناعة المقصّات والأحذية.

ويتناقض فرض ضرائب جمركية عالية على واردات السعودية وروسيا ودول أوبك الأخرى مع مصالح الشعب الأميركي ومصلحة الحكومة الأميركية، خاصّة أن ارتفاع أسعار النفط الناتج عنها لن يكون كافيًا لجعل إنتاج النفط في حقل "الباكان" في ولاية داكوتا الشمالية مربحًا، إلّا أنه سيخفّف من آلام المنتجين هناك. ولعل أكبر معارضة سيواجهها السيناتور كريمر هي من زملائه في مجلس الشيوخ. فالضرائب الجمركية على الواردات يدفعها المستهلك الأميركي، وبالتالي فهي عملية نقل للدخل من المستهلك الأميركي إلى منتج النفط الأميركي. وهي أيضا نقل للدخل من الولايات غير النفطية للولايات النفطية، وهذا أمر يعارضه الكثيرون في مجلس الشيوخ.

وسيؤدّي فرض الضرائب الجمركية إلى ارتفاع أسعار النفط داخل الولايات المتّحدة، الأمر الذي ينتج عنه مشكلتان:

- الأولى: أن الدول التي لم يُفرض على نفطها ضرائب ستغرق الولايات المتّحدة بالنفط في كلّ الحالات. وإذا لم تكن كمّيات النفط كافية، فإن الدولة التي فُرض على نفطها الضرائب تستطيع شحن نفطها إلى دولة ثالثة ليس عليها ضرائب، ثمّ شحن ذلك النفط إلى الولايات المتّحدة. وإذا منع القانون ذلك، فإنه يمكن مزج النفط الذي فُرضت عليه الضرائب مع نفوط أخرى في دولة ثالثة، ثم يُصدَّر المزيج إلى الولايات المتّحدة. ما ذُكر سابقًا ليس خيالًا أو افتراضات، ولكنه حصل (ويحصل يوميًا) مع بضائع مختلفة، بما في ذلك النفط، خلال العقود الماضية، في أماكن مختلفة من العالم.

- الثانية: هي أن ارتفاع أسعار النفط داخل الولايات المتحدة سيجعل منتجي النفط الأميركيين يفضّلون البيع داخل الولايات المتّحدة. وينتج عن هذا التفضيل أمران يتعارضان تمامًا مع ما ذكره السيناتور كريمر في رسالته إلى ترمب. فقد كتب كريمر في الرسالة: إن المنتجين الأميركيين يريدون أسعارًا أعلى، كما ذكّر ترمب بدور هؤلاء المنتجين في تحقيق "هيمنة الطاقة" التي يتبجّح بها ترمب دائما. في ظلّ ضرائب على الواردات، يفضّل منتج النفط الأميركي البيع داخل أميركا، وهذا يؤدّي إلى ارتفاع المخزون، ثمّ انخفاض الأسعار، كما يؤدّي إلى هبوط الصادرات. الأوّل يتنافى مع فكرة الضرائب وتوفير أسعار مرتفعة للمنتجين، والثانية تتنافى مع فكرة "الهيمنة"!

ومشكلة فرض ضرائب على النفط المستورد أن الضرائب تحمي وتساعد منتجي النفط، ولكنها تضرّ بمعامل التكرير. فوجود ضرائب على النفط المستورد من بلاد معيّنة يجبر بيوت التجارة العالمية وشركات الشحن على إعادة ترتيب عمليات شحن النفط، بحيث يذهب النفط السعودي -مثلًا- إلى كندا، ويذهب النفط القادم من بحر الشمال إلى خليج المكسيك في الولايات المتّحدة بدلًا من أن يذهب إلى كندا. هذه العمليات تخفض الكفاءة في نقل النفط وترفع التكاليف، وبالتالي فإن النفط الذي سيصل إلى المرافئ الأميركية سيكون أعلى تكلفة مما سبق، الأمر الذي يؤثّر سلبًا في تنافسية المصافي الأميركية. كما قد تعاني المصافي الأميركية من مشكلات تتعلّق بنوعية النفط المستورد الذي قد لا تتّفق مواصفاته مع النفط السعودي الذي كانت تستورده هذه المصافي على مدى العقود الماضية. ونتيجة ارتفاع التكاليف واختلاف النوعية، فإن أكثر الخاسرين في هذه الحالة هو قطاع الشحن البرّي والبحري، والذي هو عماد الاقتصاد الأميركي.

  • الحظر النفطي

طالب السيناتور بحظر نفطي يمنع دخول النفط السعودي والروسي ومن دول أوبك إلى الولايات المتّحدة. ولكن لسبب ما، تجاهل دول أوبك بلس الأخرى، ربّما لعدم معرفته بها. الحظر أو المقاطعة أخطر بكثير من فرض الضرائب على الواردات، ولكن أغلب أثارها مماثلة لأثار الضرائب المذكورة أعلاه. وقد يكون أثر الحظر في الفروقات السعرية بين داخل الولايات المتّحدة وخارجها أكبر من حالة فرض الضرائب، الأمر الذي يعني أن الفارق بين السعرين أكبر. وينتج عن هذا أن السفن الأميركية القريبة من المكسيك أو كندا ستشتري وقودها من كلا البلدين، ولكن ليس من الولايات المتّحدة، لأنه أرخص. وستكون هناك تجارة قانونية وغير قانونية عبر الحدود مع البلدين بسبب فروقات الأسعار.

وقد تلجأ المصافي الأميركية إلى تخفيض نسب التشغيل في مصافيها داخل الولايات المتّحدة لتفادي شراء النفط المرتفع التكلفة، وترفع نسب التشغيل في مصافيها خارج الولايات المتّحدة للاستفادة من النفط الرخيص. ولكن حتّى في حالة الحظر، فإن أقوى حجّة ضدّه هي أنه سيؤدّي إلى نقل الدخول من مستهلكي الموادّ النفطية إلى منتجي النفط، ومن الولايات غير النفطية إلى الولايات النفطية. لهذا فإن الفكرة ستواجه معارضة شديدة من الولايات الديمقراطية، خاصةً في نيويورك وماساتشوستس، وما حولهما.

الدول المُهدّدة

ولكن هناك مشكلات أخرى ستواجه مشروع فرض ضرائب أو حظر على الواردات النفطية من السعودية وغيرها من دول أوبك، إضافة إلى روسيا، أهمّها أن ورادات الولايات المتّحدة من هذه الدول صغيرة نسبيًا، ولا تتجاوز 1.5 مليون برميل يوميًا. هذا يعني أن أثرها في السوق الأميركية بسيط نوعًا ما، كما أن أثرها في السعودية وغيرها بسيط أيضا. فإذا كان هدف السيناتور كريمر أن يجبر السعودية وروسيا على تغيير موقفيهما من انخفاض الأسعار، فإن هذا لن يحصل، لأن خسائر كلّ منهما بسيطة، سواء من الضرائب أو الحظر، لصغر الكمّيات المصدَّرة إلى الولايات المتّحدة. كما أن صادراتهما لن تتأثّر لأن بيوت التجارة العالمية وشركات الشحن ستقوم بتغيير وجهات الشحنات فقط.

كما أن كريمر تجاهل أمرًا مهمًّا، وهو ردّة فعل السعودية وروسيا وغيرها على الضرائب أو الحظر النفطي. فقد تقوم هذه الدول بالردّ بناءً على مبدأ المعاملة بالمثل حسب قوانين منظّمة التجارة العالمية. وقد يكون الردّ قاسيًا إذا كان الردّ يركّز على حظر واردات أو شركات من ولاية داكوتا الشمالية.

  • حلول أخرى

لا شكّ أن هناك حلولًا أخرى لانخفاض أسعار النفط وحرب الأسعار الدائرة الآن، ولكن هذه الحلول تتطلّب فطنة وحنكة من أعضاء مجلس الشيوخ، وقيادة ذكية وحازمة في البيت الأبيض. فقد نتج عن الانخفاض الشديد في أسعار النفط خسائر مليارية، وأحلام تهاوت، وعشرات الألوف من المهندسين والموظّفين والعمّال خسروا، أو سيخسرون وظائفهم في المستقبل القريب. ويُتوقّع تسريح حوالي 90 ألف موظف من قطاع النفط في ولاية تكساس فقط، وقد يصل الرقم إلى 140 ألفًا في الولايات المتّحدة كافّة. وإذا انتشر الإفلاس بين الشركات النفطية، فإن القطاع المالي سيتأثر سلبًا بذلك، وستعمّ الخسائر لتشمل صناديق التقاعد والجمعيات الخيرية والجامعات، وبعض المصارف المحلّية.

مشكلات كهذه لا تُحلّ بفرض ضرائب على واردات دولة معيّنة، أو حظر نفطها، وإنما تتطلّب حلولًا جذرية للأزمة. فما اقترحه كريمر يمثّل ضمادًا، ولكن الجرح كبير وعميق، ويتطلّب غرفة عمليات.

المطلوب هو أن يرتقي البيت البيض ومجلس الشيوخ والكونغرس إلى حجم المسؤولية، لمحاولة الإسهام في حلّ الخلاف السعودي- الروسي من جهة، وأن يدركوا أن تعزيز أمن الطاقة والأمن القومي يكون بالاعتماد المتبادل بين الدول في مجال الطاقة، وليس "استقلال الطاقة" أو "هيمنة الطاقة". فقد أوضحت الأحداث الأخيرة أنه حتّى لو كانت الولايات المتّحدة أكبر دولة منتجة للنفط في العالم، وحتّى لو كانت مكتفية ذاتيًا من النفط، فإن تخفيض السعودية لأسعارها الرسمية الخاصّة بنفطها وزيادتها لإنتاجها يؤدّي إلى انخفاض الأسعار في كلّ مكان، بما في ذلك الولايات المتّحدة، والعكس صحيح، لو حصل عجز في الإمدادات في الطرف الآخر من العالم، فإن ذلك يؤدّي إلى ارتفاع أسعار النفط في كلّ مكان. ويبدو أن بعضهم لا يدرك أن أسعار خام غرب تكساس وصلت إلى عشرين دولارًا للبرميل بمجرّد "حديث" السعودية عن تخفيضها لأسعار النفط الخاصّة بها في الشهر "القادم"!؛ وأنه لم يحدث أي زيادة "فعلية" في الإمدادات السعودية إلى الولايات المتّحدة "حتّى الآن"!

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق