استهلاك النفط العالمي يتّجه لأسوأ انكماش في التاريخ
تدابير مكافحة كورونا تشل النشاط الاقتصادي وتقصف الطلب العالمي
- غولدمان ساكس: الطلب على النفط ينخفض 4 ملايين برميل يوميا حتى أبريل
- تجار يتوقعون تراجع سعر البرميل إلى دون 10 دولارات لأول مرة منذ حرب النفط بين السعودية وفنزويلا
خاص- الطاقة
بدأ الاستهلاك العالمي للنفط في السقوط الحرّ، متّجهًا إلى أكبر انكماش سنوي في التاريخ، حيث يفرض المزيد من البلدان تدابير غير مسبوقة لمكافحة تفشّي كورونا المستجدّ.
حظر السفر، والعمل من المنزل، والإجازات الملغاة، وسلاسل الإمداد المعطّلة، كلها تعني انخفاض الطلب على الوقود. وبينما تستجيب مختلف دول العالم للفيروس، يتراجع بشكل أكبر الطلب على النفط، الذي أصابه بالفعل قرار الصين إغلاق أجزاء كبيرة من الاقتصاد.
في هذا المناخ القاتم، يقوم تجّار النفط والمديرون التنفيذيون ومديرو صناديق التحوّط والاستشاريون بتكثيف مراجعة توقّعاتهم .
ويتوقّع محلّلون -حسب شبكة بلومبرغ الإخبارية- انكماش الطلب العالمي على النفط بشكل كبير، يتجاوز بسهولة انخفاض المليون برميل الذي شهدته أسواق النفط في أثناء الكساد الكبير في عام ٢٠٠٩، بل قد يتجاوز انخفاض ٢،٦٥ مليون برميل يوميًا، الذي حدث عام ١٩٨٠، عندما انهار الاقتصاد العالمي جراء قفزة أسعار النفط إلى مستويات تاريخية وقتها بسبب الثورة الإيرانية.
في هذا السياق، يقول بيير أندوراند، الذي يدير صندوق التحوّط النفطي (أندوراند كابيتال مانجمنت إل إل بي): "إن هذا الوباء العالمي لم يشهده العالم منذ عام 1918".
تراجعت أسعار النفط بأكثر من 50٪ هذا العام، حيث يتزامن تأثير الفيروس المتزايد على الاقتصاد العالمي مع زيادة كبيرة في الإمدادات، فالسعودية وروسيا في حرب أسعار شاملة لضخّ المزيد من النفط الخام.
في 9 مارس / آذار، انخفض خام برنت بأكثر من 20 ٪، وهو أكبر انخفاض ليوم واحد منذ حرب الخليج عام 1991. كما انخفضت الأسعار بنسبة 6.6 ٪ الإثنين بعد التقلّبات الشديدة في جلسات التداول في البورصة الآسيوية.
أقلّ من 10 دولارات للبرميل
بشكل خاصّ، يعتقد بعض التجّار أن أسعار النفط يمكن أن تنخفض إلى أقلّ من 10 دولارات للمرّة الأولى منذ حرب أسعار النفط بين 1997 و 1999 بين السعودية وفنزويلّا.
ويقول سعد رحيم، كبير الاقتصاديين في مجموعة ترافيجورا العملاقة لتجارة النفط: "لم نشهد تراجعًا في الطلب بهذا المعدّل في التاريخ.. كلّ يوم سيكون أسوأ للطلب لبعض الوقت."
من هذا المنطلق، تتوقّع غولدمان ساكس، مؤسّسة الخدمات المالية والمصرفية، التي تدير واحدة من أكبر شركات التداول في بورصة وول ستريت، أن ينكمش الطلب على النفط بأكثر من 4 ملايين برميل يوميًا كلّ شهر، من فبراير / شباط إلى أبريل / نيسان.
ويرى مستثمرون آخرون انخفاضًا أكبر بكثير في الطلب على المدى القصير.
وتشير تقديرات أندوراند إلى أن الطلب يمكن أن ينخفض بسهولة بمقدار 10 ملايين برميل يوميًا في هذا الربع وما بعده.
وقال جيوفاني سيريو، كبير الاقتصاديين في مجموعة فيتول أكبر شركة نفط مستقلّة في العالم: "سنشهد انخفاضًا كبيرًا في الطلب على النفط...إنها صدمة مفاجئة للطلب."
قيود شديدة القسوة
الهبوط المتسارع في الطلب على النفط يفتح نافذة على الحالة المتدهورة للاقتصاد العالمي، حيث تفرض الحكومات في أوروبا والولايات المتّحدة قيودًا على السلوك الاجتماعي الذي يمنع الناس من إنفاق الأموال والتنقّل، تحسّبًا لتفشّي كورونا.
وتشير كلّ الدلائل إلى انخفاض الطلب على النفط في كلّ مكان: فقد قالت شركة الطيران الألمانية الشهيرة (دويتشه لوفتهانزا إيه جي): إنها قد تقلّص عدد الرحلات بنسبة تصل إلى 70٪ في الأيّام القليلة المقبلة، بينما ستقوم مجموعة الخطوط الجوّية الأميركية بخفض عدد الرحلات الدولية الطويلة بنسبة 75٪.
وأوقفت شركة دلتا أيرلاينز للطيران ما يصل إلى 300 طائرة، وستخفض شركة طيران نيوزيلندا رحلات المسافات الطويلة بنسبة 85٪.
ويُظهر الازدحام المروري من سياتل إلى ميلانو ومدريد عددًا أقلّ من الرحلات والتنقّلات، وفقًا لبيانات شركة توم توم إنترناشونال للخدمات المرورية.
كما انخفضت حجوزات المطاعم في نيويورك وبوسطن وسان فرانسيسكو وسياتل بنسبة 50٪ مقارنةً بالعام الماضي، وفقًا لتطبيق (أوبن تايبول)، لحجز المطاعم عبر الإنترنت.
ويواجه الناس في جميع أنحاء العالم أيضًا قيودًا شديدة القسوة على التجمّعات والسفر. فقد فرضت إيطاليا وإسبانيا إغلاقًا على سكّانهما (أكثر من 100 مليون شخص) مجتمعين، بينما أغلق العديد من الدول الأوروبية الأخرى المدارس.
في الولايات المتّحدة -التي مدّدت حظر السفر ليشمل بريطانيا وأيرلندا- تتحرّك عدّة ولايات أيضًا لإغلاق جميع الأنشطة الاجتماعية تقريبًا.
وحظرت النمسا جميع التجمّعات، وأغلقت النرويج حدودها أمام الأجانب والغرباء، وأغلقت فرنسا مقاهيها ومطاعمها. وقالت أستراليا: إن أي شخص يدخل البلاد يجب أن يعزل نفسه لمدّة أسبوعين.
بالنسبة لسوق النفط، فإنها مرآة لما حدث في الصين أوائل العام الجاري، ولكن على نطاق أوسع بكثير، ففي ذروة تفشّي الفيروس التاجي في الصين في فبراير/شباط، انخفض الطلب على النفط في البلاد بنسبة 20 ٪ على الأقلّ، أو حوالي 3 ملايين برميل في اليوم.
وتستهلك الولايات المتّحدة وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا والمملكة المتّحدة وكندا 31 مليون برميل يوميًا ، ما يعني أن انخفاض النسبة المئوية للاستهلاك الذي تأثّرت به الصين سيقلّل الطلب بنحو ستة ملايين برميل يوميًا.
10 ملايين برميل يوميًا
تعدّ شركة ترافيجورا -وهي من بين أكبر ثلاثة تجّار نفط مستقلّين في العالم- الأكثر هبوطًا معلَنًا بشأن الطلب، قائلة: إن الاستهلاك قد ينكمش قريبًا بما يقرب من 10 ملايين برميل يوميًا، أو 10 ٪ من الطلب العالمي، وربّما أكثر في المستقبل. تشمل توقّعاتها فترة زمنية قصيرة نسبيًا ، وليس توقّعات ربع سنوية أو سنوية، لكنها تُظهر الانخفاض المفاجئ في الاستهلاك.
خفض مستشارو النفط توقّعاتهم للطلب بشكل ملحوظ خلال اليومين الماضيين.
تعتقد شركة (آي إتش إي ماركت) للاستشارات أن الاستهلاك سينخفض بمعدّل 1.42 مليون برميل يوميًا في المتوسط هذا العام- ولديها سيناريو أسوأ- انخفاض 2.8 مليون برميل يوميًا.
وتتوقّع (إف جي إي) -وهي شركة استشارية نفطية أخرى- انخفاضًا قدره 1.3 مليون برميل يوميًا في المتوسّط لهذا العام.
وقالت وكالة الطاقة الدولية، في توقّعات تبدو قديمة بالفعل، في 9 مارس / آذار: إن الطلب على النفط في عام 2020 سينكمش بنحو 90 ألف برميل يوميًا.
تلك التوقّعات المرعبة، دفعت جيمي ويبستر، من مجموعة بوسطن الاستشارية إلى القول: إن "انخفاض الطلب يتسارع حقًا".