خام "أورال" الروسي أكبر الخاسرين.. و"لوك أويل" تدعو موسكو للتعقّل
صحف روسية: حرب يتحمّل خسائرها المواطنون
- الروبل يفقد 10% بعد خسارة البرميل نصف قيمته
- خبراء: روسيا قد تجد نفسها في وضع محرج جدّاً حال هبط البرميل إلى 25 دولارًا
خاص-الطاقة
حذّر تقرير صادر عن شركة فورتيكسا لاستشارات أسواق النفط أن صادرات النفط من حقول الشرق الأقصى الروسي (خام أورال) سيكون أشدّ المتضرّرين من نشوب حرب أسعار عالمية، في ضوء استحواذ أسواق آسيا على 80 بالمئة من صادرات النفط السعودي في العام الماضي، وهي الأسواق الرئيسة أيضًا لهذا النفط الروسي.
وبلغ متوسّط صادرات روسيا عبر ناقلات النفط من حقول كوزمينو في الشرق الأقصى خلال الفترة من ديسمبر / كانون الأول الماضي إلى فبراير / شباط الماضي، حوالي 680 ألف برميل يوميًا، حيث ذهب نحو ثلثي هذه الكمّية إلى إقليم شانغ دونغ الصيني، بحسب وكالة بلومبرغ.
ويمكن أن يؤدّي الخفض الكبير لأسعار تصدير النفط السعودي إلى أسواق آسيا خلال الشهر المقبل، إلى زيادة إقبال مصافي النفط في إقليم شانغ دونغ على النفط السعودي، على حساب النفط الروسي، الذي يستفيد من انخفاض تكلفة النقل بسبب قصر المسافة مقارنةً بالنفط السعودي.
وبحسب تقرير فورتيكسا، فإن صادرات النفط الروسي من حقول سوكول وسخالين في الشرق الأقصى، يمكن أن تواجه ضغوطًا من صادرات النفط الخام الخفيف السعودي.
وكانت شركة النفط السعودية أرامكو قد أعلنت خفض سعر بيع الخام العربي الوسيط بمقدار 6 دولارات للبرميل في أسواق آسيا خلال الشهر المقبل، كما أعلنت الثلاثاء اعتزامها زيادة إنتاجها بمقدار الربع إلى حوالي 13 مليون برميل يوميًا.
- دعوة للتعقّل:
وفي وسط المعمعة، حثّت لوك أويل -ثاني أكبر شركة للنفط في روسيا- الدول المنتجة للخام على مواصلة التعاون للتغلّب على آثار فيروس كورونا في سوق الطاقة. وأبلغ وحيد الكبيروف رئيس لوك أويل مستثمرين في مؤتمر -عبر الهاتف- أيضًا: إنه يتوقّع اجتماعًا هذا الشهر للجنة خبراء من أوبك ودول غير أعضاء في المنظّمة، لوضع مقترح لاستقرار سوق النفط التي هوَت مع انهيار اتّفاق بين أوبك وروسيا ومنتجين آخرين لكبح الإمدادات.
وانهار الاتّفاق بعد أن رفضت روسيا دعوة من منظّمة البلدان المصدّرة للبترول إلى تعميق التخفيضات الإنتاجية، ونتيجة لذلك ألغت أوبك كلّ قيودها على الإنتاج.
وستجتمع اللجنة الفنّية المشتركة للتحالف غير الرسمي المعروف باسم أوبك+، الذي يضمّ أوبك وروسيا ومنتجين آخرين، في فيينا في منتصف مارس / آذار. وقال وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك: إن روسيا سترسل ممثّلًا لها إلى الاجتماع.
وقال الكبيروف: "آمل بعد اجتماع اللجنة الفنية لأوبك+ في مارس، أن يكون بمقدور الدول التوصّل إلى قرار يحقّق المنفعة المشتركة، وهو ما سيسمح باستقرار الأسعار والسوق".
وشركة لوك أويل أحد أقوى المؤيّدين لتعاون روسيا مع أوبك. وأبلغ مدير في الشركة المؤتمر، أن خطط لوك أويل لزيادة إنتاج النفط والغاز بما يصل إلى 1 بالمئة هذا العام ،لم تتأثّر بهبوط أسعار الخام، وأنها ستلتزم بخطّة لإنفاق 550 مليار روبل (7.7 مليار دولار) في 2020.
وقال الكبيروف: إن لوك أويل أفضل استعدادًا للنفط الرخيص ممّا كانت عليه قبل خمسة أعوام ،عندما اجتاحت اضطرابات الأسواق بسبب تخمة في المعروض هوَت بأسعار الخام. وأضاف: إنه سينضمّ إلى اجتماع بين وزير الطاقة الروسي وممثّلي شركات النفط الروسية الأخرى الخميس.
- موسكو تواصل العناد:
وتأتي دعوة لوك أويل بعدما قال نائب وزير الطاقة الروسي في مقابلة مع رويترز ،الأربعاء: إن تهاوي سعر النفط هذا الأسبوع أصبح حتميًا، وإنه لا جدوى من تعميق خفض إنتاج الخام، حتى يتّضح حجم تأثير فيروس كورونا على الطلب.
وفشلت أوبك الأسبوع الماضي في الحصول على موافقة موسكو على تخفيضات إنتاجية أعمق في أثناء اجتماع لمنظّمة البلدان المصدّرة للبترول وحلفائها الذين يشكّلون ما يُعرف بمجموعة أوبك+. وعقب ذلك الخلاف، هبطت أسعار الخام بما يصل إلى الثلث يوم الإثنين، وتراجعت مجدّدًا الأربعاء، ثمّ تفاقمت الخسائر صباح الخميس عقب إعلان منظّمة الصحّة العالمية كورونا "وباء عالميًا"، وإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعليق الرحلات الجوّية الأوروبية إلى الولايات المتّحدة.
واقترحت أوبك إضافة 1.5 مليون برميل يوميًا إلى التخفيضات الإنتاجية، وطُلب من روسيا خفض إضافي قدره 300 ألف برميل يوميًا. ووصف بافيل سوروكين نائب وزير الطاقة الروسي المهمة التي كانت ستضاعف حصة موسكو في التخفيضات إلى 600 الف برميل يوميًا، بأنها تنطوي على تحدّيات فنّية. وقال: إنه لا جدوى من زيادة التخفيضات حتى يدرك الجميع حجم الانخفاض الذي قد يشهده الطلب.
وأضاف قائلًا: "لا يمكننا أن نتصدّى لوضع يهبط فيه الطلب، بينما لا يوجد وضوح بشأن القاع الذي سيصل إليه". ويحضر سوروكين كلّ الاجتماعات المشتركة لأوبك مع وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، واختصّ رويترز بأوّل مقابلة صحفية له منذ اجتماع الأسبوع الماضي.
واقترحت روسيا تمديد تخفيضات أوبك+ الحالية التي تبلغ 1.7 مليون برميل لثلاثة أشهر أضافية -على الأقلّ- لمحاولة تقييم التأثير الحقيقي لتفشّي فيروس كورونا على الطلب، لكن أوبك رفضت. وبدءًا من أوّل أبريل / نيسان، يمكن لجميع المنتجين في أوبك+ أن يضخّوا النفط كما يريدون.
وقال سوروكين: إن روسيا تعتقد أن أسعار النفط ستجد توازنًا في نطاق 45 إلى 55 دولارًا للبرميل.
- ضغوط داخلية كبرى:
وفي مواجهة تراجع أسعار النفط، يبدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جاهزية لدى بلاده لتجاوزها، ولكن سيتوجّب عليه بموازاة ذلك الوفاء بوعوده للروس للاستثمار بشكل كبير من أجل إنعاش النموّ ورفع مستوى معيشة مواطنيه.
وتعرّضت أسعار النفط لهبوط تاريخي في الأيام الأخيرة. وإزاء ذلك، أكّد فلاديمير بوتين الأربعاء، أنّ روسيا ستخرج بـ"هدوء وكرامة" من الأزمة الحالية، وأنّ اقتصادها سيكون "أقوى".
وتشدّد السلطات الروسية على أن سنوات من التقشّف والسياسات المالية المواتية أتاحت تكوين خزينة حرب كبيرة، في إشارة إلى صندوق سيادي يعدّ احتياطيًا لمواجهة احتمالات تراجع أسعار النفط.
ولكن هناك تباين كبير بين المراقبين حول آثار هبوط النفط على النفقات الطموحة التي أعلن عنها الرئيس الروسي لرفع مستوى البلاد وإنعاش النموّ وتحسين القدرة الشرائية.
ويقول كريس ويفر، مؤسس الشركة الاستشارية "ماكرو أدفايزوري": إنّ "بويتن لا يريد خفض النفقات ضمن برنامجه الرئيس للمشاريع القومية، ولا التراجع بشأن النفقات الاجتماعية التي تعهّد بها"، بحسب وكالة فرانس برس. ومن جانبها، تبدي صوفيا دونتس، مديرة "رنسانس كابيتال" في روسيا، اعتقادها بأنّ "الأجندة المحلّية لن تتغيّر". وتقول لفرانس برس: "ثمّة خبرة في إدارة هذا النوع من الأزمات"، مذكّرةً بأنّ تلك النفقات مشمولة ضمن الموازنة الوطنية، وبالتالي هي "مؤمّنة".
برغم ذلك، فإنّ النموّ قد يعاني بعدما وعد بوتين بانتعاش يتخطّى نسبة 3 بالمئة. وبعدما كان قريباً من 70 دولارًا في بداية العام، خسر برميل برنت أكثر من نصف قيمته، وكان سعره يتراوح الخميس حول 34 دولارًا، ما أثّر في الروبل الذي خسر أكثر من 10% من قيمته مقابل الدولار منذ بداية العام.
وتراجعت توقّعات "رنسانس كابيتال" لنموّ الناتج الإجمالي المحلّي الروسي لعام 2020 إلى 1.5% استناداً إلى متوسط سعر برميل يناهز 40 دولارًا. وكانت التوقّعات السابقة عند 2.6%، وقد تصل إلى 1.1% في حال وصل سعر البرميل إلى 30 دولارًا. وقد تجد روسيا نفسها في وضع محرج جدًا، وفق الخبراء، في حال هبط سعر البرميل إلى 25 دولارًا.
وبرغم وعود الكرملين، فقد يضطرّ الروس إلى ضبط نفقاتهم التي تواجه أصلًا تراجعًا على مستوى القيمة الشرائية منذ فرض العقوبات الغربية على بلدهم عقب ضمّه شبه جزيرة القرم في 2014.
وفي افتتاحية معنونة بـ"حرب الكرملين الجديدة"، تشير الصحيفة الروسية المتخصّصة بالشؤون الاقتصادية "فيدوموستي" إلى أنّه: "في حال الفوز بهذه الحرب، سيكون الانتصار (للكرملين) وليس للناس العاديين". وتأسف الصحيفة لواقعٍ فيه "سيتوجّب على السكّان الاعتياد على الأقلّ على سعر صرف الروبل الجديد".
وبالإضافة إلى تضخّم محلّي محتمل، والتضحيات التي ستترتّب على ذلك، سيتوجب على الروس أيضاً التعامل مع قدرة شرائية أضعف في الخارج، فيما ستصير منتجات مستوردة بعيدة عن متناول كُثر.