قطاع الطاقة في سوريا يُظهر معاناة 14 عامًا من الحرب.. ماذا بعد؟
وحدة أبحاث الطاقة - أحمد عمار
- تراجع حاد في إنتاج سوريا من النفط منذ بداية الصراع
- حقول النفط السورية تقع تحت سيطرة الفصائل المعارضة
- سوريا تستورد غالبية احتياجاتها من النفط بعدما كانت مصدرًا
- 6.5 غيغاواط من قدرات توليد الكهرباء خارج الخدمة
لم يسلم قطاع الطاقة في سوريا من الاضطرابات والانقسامات التي عاشتها البلاد منذ عام 2011، ليكون من بين أكبر المتضررين، وسط تدهور حاد أثقل من الأزمة الاقتصادية.
وبعد نحو 14 عامًا من الحرب الدائرة نجحت المعارضة السورية في إسقاط نظام بشار الأسد، فهل قطاع الطاقة أمام مزيد من التدهور والصراع حول حقول النفط والغاز أم سيفتح الباب للإصلاحات وعودة الاستثمارات؟
وفي يوم الأحد 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، طالبت وزارة النفط السورية العاملين بالذهاب إلى مواقع العمل لتشغيل المنشآت النفطية وتلبية احتياجات المواطنين من الغاز والوقود، كما جاء النداء نفسه من وزارة الكهرباء.
ويعاني قطاع الطاقة في سوريا من تدهور البنية التحتية؛ نتيجة الصراع الدائر منذ عام 2011، وتعرّض حقول النفط والغاز ومحطات الكهرباء في كثير من الأحيان إلى القصف والانفجارات، وعدم سيطرة الحكومة على معظم المكامن النفطية، بالإضافة إلى صعوبة جذب الاستثمارات لتطوير القطاع.
وواجهت البلاد طوال تلك المدة توقف البحث والاستكشاف بصورة كاملة، مع امتناع المؤسسات الدولية عن تقديم أي تمويل لها، وهو ما أضعف الحكومة في سد احتياجات المجتمع والقطاعات الاقتصادية.
وتستعرض وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن)، أبرز مؤشرات قطاع الطاقة في سوريا التي تُظهر معظمها التراجع اللافت في أداء جميع مكوناته.
إنتاج النفط في سوريا
عند تتبع أرقام قطاع الطاقة منذ اندلاع الصراع، نجد تدهورًا كبيرًا بإنتاج النفط في سوريا، ليعود إلى مستويات أواخر ستينيات القرن الماضي رغم الاحتياطيات التي تمتلكها البلاد.
وانخفض إنتاج النفط الخام والمكثفات والسوائل الغازية في سوريا من 353 ألف برميل يوميًا خلال عام 2011 إلى 40 ألفًا العام الماضي (2023)، أي أنه سجل تراجعًا حادًا بمقدار يتجاوز 300 ألف برميل يوميًا خلال 12 عامًا.
يُشار إلى أن إنتاج النفط في سوريا هبط إلى أقل من مستويات الأرقام الـ3 منذ عام 2013، وبلغ 59 ألف برميل يوميًا، ومن ثم سجل ثاني أقل مستوى في تاريخه عام 2018 عند 24 ألف برميل يوميًا، قبل أن يعاود الارتفاع نسبيًا في السنوات الأخيرة مع استعادة الحكومة السيطرة على بعض الحقول.
وكان أعلى مستوى في إنتاج النفط السوري خلال عام 2002 عندما بلغ 677 ألف برميل يوميًا، وبعد ذلك ظل يحوم ما بين مستويات 400 ألف و300 ألف برميل يوميًا خلال المدة منذ 2004 حتى 2011، وفق تقديرات معهد النفط البريطاني.
وبحسب تصريحات رسمية صادرة في ديسمبر/كانون الأول 2023، انخفض إنتاج النفط في سوريا إلى 15 ألف برميل يوميًا.
ويرصد الرسم البياني التالي -الذي أعدته وحدة أبحاث الطاقة- إنتاج النفط الخام والمكثفات والسوائل الغازية في سوريا منذ عام 1968 حتى 2023:
وتسبّب التراجع الحاد للإنتاج في اعتماد البلاد على الاستيراد بنسبة تصل إلى 95% من احتياجاتها النفطية، فبحسب تقديرات رسمية تستورد دمشق نحو 5 ملايين برميل شهريًا، أو ما يزيد على 160 ألف برميل يوميًا، بعدما كانت تصدّر 150 ألفًا من الخام قبل عام 2011.
ويمتلك قطاع الطاقة في سوريا احتياطيات من النفط تبلغ 2.5 مليار برميل، وهي المستويات نفسها المسجلة منذ عام 2007.
ورغم ذلك، علّقت الشركات العالمية العاملة في مجال التنقيب والاستكشاف العمل في سوريا منذ اندلاع الحرب.
ويرصد الرسم البياني التالي -الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة- احتياطيات النفط في سوريا منذ عام 1980 حتى 2023:
إنتاج الغاز في سوريا
لم يختلف الوضع كثيرًا بإنتاج الغاز في سوريا، ليسجل هو الآخر تدهورًا كبيرًا بمعدلاته، فبعد أن سجّل أعلى أرقامه تاريخيًا في عامي 2010 و2011 انخفض إلى مستويات تسعينيات القرن الماضي.
وبلغ إنتاج سوريا من الغاز في عامي 2010 و2011 نحو 8.4 مليارًا و7.4 مليار متر مكعب على الترتيب، ومن ثم تراجع ليصل إلى 2.9 مليار متر كعب عام 2022، وهي مستويات إنتاج قريبة من تسعينيات القرن الماضي.
ورغم ارتفاع إنتاج الغاز العام الماضي بصورة طفيفة إلى 3 مليارات متر مكعب، فإنه ما يزال في المستويات نفسها المسجلة خلال التسعينيات.
ويوضح الرسم البياني التالي إنتاج قطاع الطاقة في سوريا من الغاز الطبيعي منذ عام 1983 حتى 2023:
وفي سبتمبر/أيلول 2023، وضعت سوريا بئر المهر 5 في حقل المهر على خريطة الإنتاج، والتابع لشركة حيان للنفط في ريف حمص، بطاقة 150 ألف متر مكعب من الغاز يوميًا.
وكان قد سبقها بدء البلاد الإنتاج من بئر التياس 3 الغازي، بطاقة 300 ألف متر مكعب يوميًا، والواقع شمال شرق منطقة القريتين بحدود 60 كيلومترًا.
وفي السياق ذاته، تراجعت احتياطيات سوريا من الغاز الطبيعي خلال آخر 3 سنوات إلى 0.2 تريليون متر مكعب، مقابل 0.3 تريليون متر مكعب مسجلة من عام 2003.
ويستعرض الرسم البياني التالي، أعدته وحدة أبحاث الطاقة، احتياطيات سوريا من الغاز الطبيعي منذ عام 1980 حتى 2023:
حقول النفط والغاز في سوريا
شهد قطاع الطاقة تعرّض حقول النفط والغاز في سوريا للعديد من الانفجارات مع استمرار الصراع منذ 2011، مع وجود أغلبها تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية.
وبحسب بيانات حقول النفط في سوريا لدى منصة الطاقة المتخصصة، توجد الحقول بمحافظتي دير الزور والحسكة، ومنطقة تدمر التابعة لمحافظة حمص، بالإضافة إلى المكامن الصغيرة في محافظة الرقة.
ومن بين تلك المكامن النفطية، حقل العمر الواقع في دير الزور، الذي كان ينتج 80 ألف برميل يوميًا قبل عام 2011، وأصبح هدفًا لكل الجماعات المتصارعة في سوريا، ليتسبب ذلك في تعرضه بين الحين والآخر إلى قصف صاروخي.
وكان حقل العمر يقع تحت سيطرة الجيش الحر في 2013، وفي العام التالي سيطر عليه تنظيم داعش، ومن ثم أصبحت قوات سوريا الديمقراطية "قسد" هي المتحكمة فيه منذ 2017، بدعم التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، تعرّض عمال حقل التيم النفطي في سوريا، لهجوم إرهابي بعبوات ناسفة، تسبّب في سقوط 10 قتلى و4 جرحى.
يُشار إلى أن حقل التيم شهد تنفيذ عملية إعادة تأهيل في السنوات الأخيرة، بعد تدميره منذ اندلاع الصراع، ليصل إنتاجه إلى 2500 برميل يوميًا عام 2019.
الوقود الأحفوري يضغط على الكهرباء
مع اعتماد قطاع الطاقة في سوريا على الوقود الأحفوري لتوليد الكهرباء، فقد واجه أزمة كبيرة مع التدهور الكبير في إنتاج النفط والغاز، ليتسبب ذلك في انخفاض توليد الكهرباء بالبلاد.
وتوضح تصريحات رسمية تناولت أزمة قطاع الطاقة في سوريا، أن توليد الكهرباء في البلاد انخفض إلى 19.2 مليار كيلوواط/ساعة عام 2022.
وهناك نحو 6.5 غيغاواط من قدرات توليد الكهرباء في سوريا خارج الخدمة، بسبب الحرب والانقسامات التي تشهدها البلاد منذ سنوات، وفق أحدث البيانات المتاحة لدى وحدة أبحاث الطاقة.
وتتشكل غالبية مزيج توليد الكهرباء في سوريا من الوقود الأحفوري، إذ وصلت نسبته خلال عام 2022 إلى 95.37%، ليكون المزيج كما يلي:
- الغاز الطبيعي: 53.91%.
- أنواع الوقود الأحفوري الأخرى: 41.46%.
- الطاقة الكهرومائية: 4.45%.
- الوقود الحيوي: 0.18%.
الطاقة المتجددة في سوريا
مع الأزمة الكبيرة التي ضربت قطاع الطاقة في سوريا منذ اندلاع الصراع، حاولت البلاد التوجه إلى المصادر المتجددة لتعويض نقص الغاز والنفط وتقليل فاتورة الاستيراد.
ومع ذلك، ما يزال الإنتاج الحالي هزيلًا مقارنة بخطط البلاد التي تستهدف إضافة 2000 ميغاواط من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، أطلق قطاع الطاقة في سوريا قانونًا يستحدث صندوقًا لدعم استعمال الطاقات المتجددة ورفع كفاءة الطاقة، للتوسع في مشروعات الطاقة المتجددة.
وشهدت مدينة حمص فبراير/شباط (2023) إنتاج أول ميغاواط من الطاقة المتجددة في سوريا وضخّها في شبكة الكهرباء الوطنية للبلاد، ضمن مشروع يستهدف إنتاج 10 ميغاواط.
موضوعات متعلقة..
- إنتاج النفط في سوريا يتراجع إلى 15 ألف برميل يوميًا
- حقول النفط في سوريا.. احتياطيات واعدة وإنتاج هزيل
- إيران تتخلى عن سوريا وترفع سعر صادرات النفط إليها للضعف
اقرأ أيضًا..
- حقل العمر النفطي في سوريا.. قصة 760 مليون برميل تتحدى الحروب
- بالأرقام.. تكلفة إنتاج الهيدروجين.. وخبير: 3 دول عربية تنافس
- هل يحقق إنتاج النفط الليبي مستهدفات 2027؟ مدير "أبحاث الطاقة" يجيب
- أكبر مستوردي النفط الإماراتي في 2024.. 3 دول تستحوذ على 60%
المصادر:
- أرقام إنتاج واحتياطيات النفط والغاز من وحدة أبحاث الطاقة.
- مزيج توليد الكهرباء من مركز أبحاث الطاقة النظيفة (إمبر).
- بيانات حقول النفط من منصة الطاقة المتخصصة.