طاقة الرياح البحرية في أميركا.. أسباب أمنية تهدد المشروعات بالتجميد (مقال)
أومود شوكري* - ترجمة: نوار صبح

- ترمب وصف طاقة الرياح مرارًا بأنها غير موثوقة ومكلفة وتعتمد على الإعانات
- ضعف قطاع طاقة الرياح البحرية يُعدّ ذا أهمية بالغة في شمال شرق الولايات المتحدة
- طاقة الرياح البحرية توفّر عوامل قدرة عالية نسبيًا للطاقة المتجددة (نحو 40-50%)
- مشروعات طاقة الرياح البحرية تُهدد بتعزيز الاعتماد على الوقود الأحفوري وتُعقّد أهداف إزالة الكربون
تواجه طاقة الرياح البحرية في أميركا عقبات تنظيمية لأسباب أمنية تتعلق باستعمال الطائرات المسيرة وتشويش التوربينات على أنظمة الرادار العسكرية في المنطقة، ما يهدد الأمن القومي للبلاد.
في 22 ديسمبر/كانون الأول 2025، أعلنت إدارة ترمب، من خلال وزارة الداخلية الأميركية، وقفًا فوريًا لعقود تأجير 5 مشروعات رئيسة لطاقة الرياح البحرية قيد الإنشاء على امتداد الساحل الشرقي للولايات المتحدة.
وتشمل المشروعات فينارد ويند 1 (ماساتشوستس)، وريڤولوشن ويند (بولاية رود آيلاند/كونيتيكت)، وكوستال فيرجينيا أوفشور ويند (بولاية فيرجينيا)، وصن رايز ويند (بولاية نيويورك)، وإمباير ويند 1 (بولاية نيويورك).
وتمثّل مشروعات طاقة الرياح البحرية في أميركا التي اتُّخِذ ضدّها القرار -مجتمعةً- استثمارات بمليارات الدولارات، وكان من المتوقع أن تُزوّد ما يقرب من 2.7 مليون منزل بالكهرباء.
تداخل توربينات الرياح مع أنظمة الرادار العسكرية
برّر وزير الداخلية الأميركية دوغ بورغوم القرار بالإشارة إلى مخاطر الأمن القومي التي حُدِّدَت في تقييمات سرية لوزارة الدفاع، ولا سيما المخاوف من أن تتداخل توربينات الرياح مع أنظمة الرادار العسكرية من خلال ما يُسمى بتأثيرات "التشويش" الناتجة عن الشفرات الدوارة والهياكل العاكسة.
ووفقًا للإدارة، فإن هذا التداخل قد يحجب الأهداف الجوية الحقيقية، أو يُولّد إشارات خاطئة في المجال الجوي المزدحم بالقرب من المراكز السكنية الرئيسة على امتداد الساحل الشرقي.
وقد قُدِّمَ قرار الوقف إجراءً احترازيًا، لإتاحة الوقت لإجراء مزيد من تقييم المخاطر ومناقشات التخفيف التي تشمل المطورين وحكومات الولايات ووزارة الدفاع.
وأكد وزير الداخلية دوغ ومسؤولون آخرون أن القرار يستند إلى التحديات الأمنية الناشئة، بما في ذلك الاستعمال المتزايد للطائرات المسيرة وتقنيات المراقبة المتقدمة في الصراعات المعاصرة.

شكوك ترمب تجاه طاقة الرياح
تتماشى هذه الخطوة مع شكوك الرئيس ترمب الراسخة تجاه طاقة الرياح، التي وصفَها مرارًا بأنها غير موثوقة ومكلفة وتعتمد على الإعانات.
وقد عزّز وزير الداخلية الأميركية دوغ بورغوم هذا الموقف بالقول علنًا، إن خط أنابيب واحدًا للغاز الطبيعي يمكنه توفير طاقة تعادل الكهرباء المولدة من جميع مشروعات طاقة الرياح البحرية الـ5 المتوقفة مجتمعة، ما يؤكد تفضيل الإدارة مصادر الطاقة القابلة للتحكم والقائمة على الوقود الأحفوري.
وردّ المطورون وشركات المرافق ومجموعات البيئة بأن هذا التوقّف يهدد آلاف الوظائف، ويقوّض موثوقية الشبكة، ويعطّل التخطيط طويل الأجل في وقت تتزايد فيه متطلبات الكهرباء.
وعلى الرغم من أن تشويش الرادار الناتج عن توربينات الرياح يمثّل مشكلة حقيقية وموثقة جيدًا، فإنه ليس جديدًا.
وقد درست الدراسات الحكومية والعسكرية غير السرّية هذه التحديات لسنوات، وطُبِّقَت تدابير التخفيف، مثل ترقيات برامج الرادار، وأجهزة الاستشعار الإضافية، والتعديلات التشغيلية، بالتعاون بين وزارة الدفاع وقطاع طاقة الرياح.
الجدير بالذكر أن العديد من المشروعات المتوقفة، بما في ذلك مشروع ريفولوشن ويند، كانت قد حصلت سابقًا على موافقة في عهد إدارة بايدن بعد أن تبيَّن أنها لا تشكّل أيّ تأثير سلبي في المهام الدفاعية.
ولذلك، شكّك مسؤولون عسكريون سابقون ومحللون في مجال الأمن القومي بحداثة ادّعاءات الإدارة، مشيرين إلى أن الاعتماد المفاجئ على التقييمات السرّية قد يكون مبررًا مناسبًا بدلًا من كونه اكتشافًا أمنيًا جديدًا جوهريًا.
أولويات أوسع في سياسة الطاقة
إلى جانب المبررات الأمنية المعلنة، يعكس هذا التوقف أولويات أوسع في سياسة الطاقة التي حدّدت نهج إدارة ترمب في عام 2025.
فقد سعت الإجراءات التنفيذية إلى تسريع إنتاج النفط والغاز والفحم محليًا، وتقليص دعم الطاقة المتجددة من خلال تشريعات مثل مشروع قانون السياسة الداخلية الشامل "مشروع القانون الكبير والجميل"، ووقف تأجير مواقع جديدة لطاقة الرياح على المستوى الفيدرالي، وتسريع إصدار تراخيص البنية التحتية للوقود الأحفوري.
وعلى الرغم من هذه الجهود، استمرت قوى السوق في تفضيل الطاقة النظيفة: فبحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2025، جاء ما يقرب من 92% من إضافات قدرة توليد الكهرباء الجديدة في الولايات المتحدة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وتخزين الكهرباء بالبطاريات.
رغم ذلك، ما تزال طاقة الرياح البحرية قطاعًا هشًا تحديدًا في تحول الطاقة بالولايات المتحدة، نظرًا لتكاليفها الأولية المرتفعة، وسلاسل التوريد المحلية غير الناضجة، واعتمادها على الاستقرار التنظيمي.

قطاع طاقة الرياح البحرية في أميركا
يُعدّ ضعف قطاع طاقة الرياح البحرية في أميركا ذا أهمية بالغة، خصوصًا في شمال شرق الولايات المتحدة ومنطقة وسط المحيط الأطلسي، وهما منطقتان تواجهان قيودًا طويلة الأمد على إمدادات الغاز الطبيعي.
وقد حظرت ولايات مثل نيويورك التكسير المائي الهيدروليكي، وعرقلت مرارًا وتكرارًا خطوط أنابيب الغاز الطبيعي العابرة للولايات من حوض مارسيليوس الصخري، وأبرزها خط أنابيب كونستيتيوشن.
ورُفضت تراخيص المياه للمشروع بموجب المادة 401 من قانون المياه النظيفة، وتمّ تأييد هذا القرار لاحقًا من قبل المحاكم الفيدرالية.
وتمّ إلغاء -أو التخلّي عن- مشروعات أخرى، بما في ذلك نورث إيست إنرجي دايركت، وبين إيست، ونورثرن أكسس، ونورث إيست سبلاي إنهانسمنت، وسط معارضة تنظيمية وسياسية مماثلة.
نتيجة لذلك، تستورد نيويورك ونيو إنغلاند معظم احتياجاتهما من الغاز الطبيعي، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، ونقص الإمدادات في فصل الشتاء، والاعتماد على الغاز الطبيعي المسال المستورد أو توليد الكهرباء باستعمال النفط خلال أوقات ذروة الطلب.
وروّجت هذه الولايات لطاقة الرياح البحرية بديلًا مقبولًا سياسيًا وبيئيًا: فهي مصدر محلي ومتجدد، وقادرة على تلبية احتياجات مراكز الأحمال الساحلية الكثيفة دون الحاجة إلى خطوط أنابيب جديدة عابرة للولايات.
تتركز المشروعات المتوقفة تحديدًا في هذه الأسواق المحدودة، وهي نيويورك ونيو إنغلاند وفيرجينيا، حيث يرتفع الطلب على الكهرباء بسبب التوسع في استعمال الكهرباء والنشاط الصناعي، والأهم من ذلك، التوسع السريع لمراكز البيانات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي.
مراكز الذكاء الاصطناعي
تتطلب أحمال عمل مراكز الذكاء الاصطناعي كهرباء أساسية مستمرة وموثوقة للغاية.
وتشير توقعات الصناعة الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية ومختبر لورانس بيركلي الوطني وشركة "غريد ستراتيجيز" إلى أن الطلب على الكهرباء في مراكز البيانات الأميركية قد يتضاعف مرتين أو 3 مرات بحلول عام 2030، ما يضيف حملًا يعادل استهلاك عدّة ولايات أميركية.
وتتميز مراكز البيانات الضخمة، المتركزة في "ممر مراكز البيانات" في شمال ولاية فيرجينيا، بحساسية شديدة لانقطاع التيار الكهربائي، الذي قد يكلّف المشغّلين أكثر من 100 ألف دولار لكل حادثة.
وعلى الرغم من أن طاقة الرياح البحرية في أميركا توفّر عوامل قدرة عالية نسبيًا للطاقة المتجددة (نحو 40-50%)، فإن تقطُّعها ما يزال يتطلب قدرة احتياطية ثابتة.
وتُسَدّ هذه الحاجة في أغلب الأحيان بالغاز الطبيعي، الذي يوفر قابلية عالية للتوزيع والتوسع، وعوامل قدرة تقترب من 90%.
في ظل هذه الظروف، أثار توقُّف مشروعات طاقة الرياح البحرية تكهنات حول ما إذا كان ذلك يمثّل ضغطًا غير مباشر على ولايات الشمال الشرقي التي قاومت تاريخيًا تطوير خطوط أنابيب الغاز الطبيعي.
ولا يوجد دليل علني صريح يربط توقُّف مشروعات الرياح مباشرةً بالضغط لإجبار الولايات على الموافقة على خطوط الأنابيب.
من ناحية ثانية، فإن بعض المؤشرات الظرفية جديرة بالملاحظة.
في أوائل عام 2025، استُؤنف العمل في مشروع "إمباير ويند" التابع لشركة إكوينور (Equinor) بعد ما وصفه المسؤولون بأنه "حل وسط" مع ولاية نيويورك، الذي تضمَّن دعمًا للبنية التحتية للغاز الطبيعي ذات الصلة.
ويعزز تشبيه وزير الداخلية الأميركية، دوغ بورغوم، المتكرر لإنتاج طاقة الرياح البحرية بإنتاج خط أنابيب غاز واحد وجهة نظر الإدارة بأن الغاز المنقول عبر خطوط الأنابيب يوفر موثوقية فائقة بتكلفة نظام أقل.
وإذا كانت هذه الإستراتيجية مقصودة، فإنها ستتماشى مع نهج ترمب القائم على الصفقات في السياسة: خلق نقاط ضغط -من خلال تأخير مشروعات الطاقة النظيفة وزيادة مخاطر موثوقية إمدادات الطاقة- لانْتزاع تنازلات بشأن الموافقات على البنية التحتية للوقود الأحفوري.
إزاء ذلك، حذّرت شركات تشغيل الشبكات الكهربائية -على سبيل المثال "آي إس أوه نيو إنغلاند" ISO New England و"إن واي آي إس أوه" (NYISO) و"بي جيه إم" (PJM)- من تراجع هوامش الاحتياطي في المنطقة.
ونتيجة لتوقُّف مشروعات طاقة الرياح البحرية وارتفاع الطلب، فإن الموافقة على خطوط أنابيب غاز مارسيليوس الصخري يمكن أن تخفف من قيود الإمداد، وتقلِّل من تقلبات الأسعار، وتجعل سياسة الولاية متوافقة مع توجهات الإدارة الأوسع نطاقًا "للسيادة في مجال الطاقة".

تداعيات تجميد مشروعات طاقة الرياح البحرية في أميركا
تُعدّ تداعيات تجميد مشروعات طاقة الرياح البحرية في أميركا متعددة الأوجه.
فعلى الصعيد الاقتصادي، يُهدد تجميد مشروعات طاقة الرياح البحرية في أميركا بارتفاع أسعار الكهرباء، وخسارة ما بين 10 و20 مليار دولار من الاستثمارات، بالإضافة إلى فقدان آلاف الوظائف.
وعلى الصعيد السياسي، فإنه يُعمّق الاستقطاب بين السلطات الفيدرالية وسلطات الولايات، ومن المرجّح أن يُثير تحديات قانونية بموجب قانون الإجراءات الإدارية، على الرغم من أن التذرُّع بالأمن القومي قد يُعقّد المراجعة القضائية.
ومن الناحية الإستراتيجية، يُسلّط هذا التوقف الضوء على توتُّر محوري في سياسة الطاقة الأميركية: المفاضلة بين الموثوقية والاستدامة في لحظة تُعيد فيها متطلبات الطاقة المدفوعة بالذكاء الاصطناعي تشكيل أنظمة الكهرباء.
وعلى الرغم من أن الغاز الطبيعي يُعدّ مناسبًا لتلبية احتياجات الحمل الأساس على المدى القريب، فإن التأخيرات المطولة في مشروعات طاقة الرياح البحرية تُهدد بتعزيز الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتُعقّد أهداف إزالة الكربون على المدى الطويل.
وتواجه البدائل، مثل توسيع شبكات النقل، والتخزين على نطاق واسع، أو الطاقة النووية، بما في ذلك المفاعلات المعيارية الصغيرة التي تُروّج لها الإدارة، أوقاتًا أطول للتنفيذ.
وبهذا المعنى، يُجسّد توقُّف مشروعات طاقة الرياح البحرية معضلة الطاقة الأميركية الثلاثية المتمثلة في القدرة على تحمُّل التكاليف والموثوقية والاستدامة، مع نتائج ستُشكّل القدرة التنافسية ومسارات الانبعاثات وأمن الطاقة لعقود مقبلة.
الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- طاقة الرياح البحرية في أميركا تواجه "مقصلة" ترمب.. التراخيص مقابل "البيئة" (مقال)
- طاقة الرياح البحرية في أميركا.. 3 مشروعات نسفها ترمب منذ عودته للبيت الأبيض
- طاقة الرياح البحرية في أميركا بين ضربات "ترمب" ورهان محفوف بالمخاطر (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- أكثر 10 دول عربية امتلاكًا لاحتياطيات النفط في 2025 (إنفوغرافيك)
- قطاع الطاقة في الجزائر 2025.. صفقات كبرى لتعزيز احتياطيات النفط والغاز
- أكبر الصفقات النفطية في 2025.. منافسة بين العراق والجزائر والسعودية (مسح)





