خريطة توقعات سوق الغاز الأوروبية في عام 2026

تُظهِر سوق الغاز الأوروبية بوادر انفراجة مع التحول الإيجابي الذي من المرجّح أن تشهده في العام الجديد، بعد انحسار الأزمة الناجمة عن قطع إمدادات الطاقة الروسية على خلفية الحرب الأوكرانية.

وتأتي انفراجة سوق الغاز في أوروبا في أعقاب الاضطرابات التي واجهتها منذ بداية العام الحالي، مع تواصل السحب من المخزونات وارتفاع الأسعار إلى ذروة عامين، مهددةً بجرّ القارة إلى دوامة جديدة من الضغوط الاقتصادية والمعيشية.

لكن المشهد تبدَّل في ضوء توقعات بأن تشهد سوق الغاز الأوروبية تحسنًا في الإمدادات مع زيادة قدرة تصدير الغاز الطبيعي المسال؛ ما يعني انخفاض الأسعار على المدى المتوسط إلى الطويل.

وواصلت العقود الآجلة للغاز الطبيعي الأوروبية انخفاضها مؤخرًا، لتصل إلى أقل من 28 يورو (23 دولارًا)/ميغاواط/ساعة في بداية ديسمبر/كانون الأول الحالي، مسجلةً أدنى مستوياتها منذ أبريل/نيسان (2024)، وفق تقديرات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.

*(اليورو = 1.17 دولارًا أميركيًا).

كما خفض الطلب المعتدل على التدفئة بالغاز في أوروبا معدل الاستهلاك في المنشآت؛ ما سمح بالإبقاء على مرافق التخزين مكتملة بنحو 75% بدءًا من نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

شتاء مريح

بينما يدفع الاتحاد الأوروبي بقوة باتجاه تعزيز استقلاله عن الغاز الروسي، يهيّئ التوسع في إنتاج الغاز الطبيعي المسال القارة العجوز لما يمكن أن يُطلَق عليه "أكثر فصل شتاء راحة من حيث أسعار الغاز في سنوات"، وفق ما قاله مراقبون.

وعلى الرغم من بقاء المخاطر، لا سيما من الزيادات في الطلب المرتبطة بالطقس، يتّفق المحللون على أن أوروبا تدخل العام الجديد وهي مدعومة بعوامل رئيسة تجعل 2026 نقطة تحول بين مدة الأزمة التي أعقبت الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022 وبين الزيادة في إمدادات الغاز المسال التي من المقرر أن تشهدها سوق الغاز الأوروبية حتى نهاية العقد الحالي.

ولعل أحد المؤشرات التي تنبّئ بهذا التحول هو انخفاض مخزونات الغاز في أوروبا التي لامست نسبتها 68.2% بدءًا من 17 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وفق أحدث البيانات المنشورة بوساطة شركة "غاز إنفراستراكشر يوروب"؛ ما يقلّ 8.9 نقطة مئوية عن نظيرتها في العام الماضي، وأقل ّكذلك بواقع 20.4 نقطة مئوية في عام 2023.

إلى جانب ذلك، تحوم أسعار الغاز عند أدنى مستوياتها؛ إذ قدرت وحدة "بلاتس" التابعة لمنصة "إس أند بي غلوبال كوموديتي إنسايتس" سعر الغاز القياسي على مؤشر "تي تي إف" الهولندي -وهو مقياس أسعار الغاز في أوروبا- للشهر المقبل عند 27.61 يورو (32.52 دولارًا)/ميغاواط/ ساعة في 18 ديسمبر/كانون الأول الحالي، تراجعًا بنحو 12.5% عن الشهر السابق.

تزايد العرض وتراجع الطلب

سجلت قدرة تصدير الغاز الطبيعي المسال العالمية، بقيادة الولايات المتحدة، زيادة خلال العام الحالي؛ ما منح سوق الغاز الأوروبية أريحية من الضغوط التي عانتها في السابق جراء قطع الإمدادات الروسية.

فقد بلغت صادرات الغاز المسال الأميركية أحجامًا قياسية؛ إذ تجاوزت شحنات الوقود منخفض الانبعاثات المحمّلة على السفن حاليًا في حوض الأطلسي 12 مليون طن متري، وذلك للمرة الأولى على الإطلاق، في أواخر شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

ووصف كبير الباحثين في معهد أوكسفورد لدراسات الطاقة جاك شاربليس نمو صادرات الغاز المسال الأميركية بأنها جزء من "الموجة الأولى من إمدادات الغاز الطبيعي المسال الجديدة المقبلة".

وعلّق محللون في بنك "إتش إس بي سي" على الموضوع نفسه، بقولهم: "نتوقع أن يتحسّن وضع الإمدادات بصورة أكبر بدءًا من عام 2026، فصاعدًا، مع دخول زيادة إضافية في سعة تسييل الغاز المسال حيز التشغيل"، وفق تصريحاتهم في تقرير بحثي منشور في 11 ديسمبر/كانون الأول الحالي.

ويتوقع المحللون في مؤسسة "إس أند بي غلوبال إنرجي سيرا" نموًا في إمدادات الغاز المسال العالمية بنحو 10% خلال العام المقبل، من قرابة 446 مليون طن متري في عام 2025، ليصل إلى نحو 490 مليون طن متري في عام 2026.

ومن المقرر ان يبدأ مشروعان كبيران، في أميركا الشمالية والشرق الأوسط عملياتهما في العام المقبل، وفق تفاصيل اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.

ففي بداية العام المقبل يُتوقع أن يبدأ مشروع غولدن باس (Golden Pass) المملوك لشركتي قطر للطاقة (70%) وإكسون موبيل (30%) الأميركية، الإنتاج في الولايات المتحدة.

وفي ديسمبر/كانون الأول الحالي قال الرئيس التنفيذي لشركة قطر للطاقة سعد الكعبي، إنه من المخطط أن تدخل وحدة الإنتاج الأولى من المشروع البالغة سعته 18.1 مليون طن متري سنويًا، حيز التشغيل بحلول نهاية الربع الأول من العام المقبل.

وأضاف أن قطر تأمل في بدء تشغيل وحدة الإنتاج الأولى في مشروع توسعة حقل الشمال القطري -وهو أكبر مشروع لتسييل الغاز الطبيعي في العالم- بحلول الربع الثالث من عام 2026.

ويوضح الرسم البياني التالي -من إعداد وحدة أبحاث الطاقة- أكبر الدول المصدرة للغاز المسال إلى الاتحاد الأوروبي في الربع الثالث 2025:

تراجع الاحتياجات

قال الباحث المشارك في مركز سياسات الطاقة العالمي بجامعة كولومبيا إيرا جوزيف، إن الطلب على الغاز في أوروبا انخفض بواقع طن في السنوات الـ3 الماضية.

وتابع: "ولذلك فإنك تخزّن كمية أقل بالنسبة لسوق صغيرة".

ومن المتوقع أن تلامس احتياجات أوروبا من الغاز أقل من 449 مليار متر مكعب في عام 2025، وفق بيانات "سيرا".

ويقلّ هذا بنحو 11% عن احتياجات القارة من الغاز في عام 2022، التي بلغت آنذاك 506 مليار متر مكعب.

كما توقعت وكالة الطاقة الدولية مؤخرًا هبوطًا آخر بنسبة 2% في الطلب على الغاز في أوروبا خلال العام المقبل، في وقت أسهم فيه تواصل نمو مصادر الطاقة المتجددة بتقليل احتياجات الغاز لتوليد الكهرباء.

مخاطر قائمة

على الرغم من التوقعات الإيجابية تبقى ثمة بعض المخاطر التي تواجه سوق الغاز الأوروبية.

ويبرز الطقس العامل الرئيس الذي يمثّل عدم يقين في سوق الغاز الأوروبية؛ فبينما يمكن أن تلبي واردات الغاز المسال الطلب الرئيس في أوروبا، يبقى التخزين عاملًا حاسمًا للزيادات في المدى القصير خلال موجات البرد.

وفي هذا السياق قال الباحث المشارك في مركز سياسات الطاقة العالمي بجامعة كولومبيا إيرا جوزيف: "حتى على الرغم من تراجع الطلب على الغاز في أوروبا عمومًا، ما تزال ذروة الطلب تمثّل خطورة".

وواصل: "إذا اشتدت برودة الجو لمدة طويلة، يمكن أن يمثّل هذا خطورة بالنسبة للسوق".

موضوعات متعلقة..

• أسعار الغاز في أوروبا تنخفض 6%.. ما السبب؟
• استهلاك الغاز في أوروبا ينخفض إلى أدنى مستوياته منذ 11 عامًا
• صادرات روسيا من الغاز الطبيعي إلى أوروبا تهبط 46%.. وزيادة الضخ عبر تركيا

اقرأ أيضًا..

• مشروع نيوم للهيدروجين الأخضر في السعودية يقترب من الإنجاز
• أكبر محطة طاقة شمسية عائمة بجنوب شرق آسيا تطورها الإمارات
• السيارات الكهربائية ترفع مبيعات هيونداي وكيا في أوروبا

المصادر:
1.توقعات سوق الغاز الأوروبية، من "إس أند بي غلوبال كوموديتي إنسايتس"
2. العقود الآجلة للغاز الطبيعي الأوروبية، من "تريدينغ إيكونوميكس"