سياسات الطاقة في بريطانيا والغرب.. كيف تتأثر بتوجهات ومواقف المسؤولين الروس؟ (تقرير)
نوار صبح
تتأثر سياسات الطاقة في بريطانيا ودول الغرب بتوجيهات ومواقف المسؤولين الروس الذين يسعون إلى الحفاظ على تدفّق إمدادات الطاقة الروسية إلى أسواق تلك الدول وجني الأرباح التي تدعم موازنة روسيا الاتحادية.
في هذا الإطار، طُلِب من الموظف الحكومي البريطاني السابق، فيليب رايكروفت، التحقيق في التدخل الأجنبي في سياسات الطاقة البريطانية، وكان الدافع المباشر هو إدانة عضو سابق في البرلمان الأوروبي بتهمة قبول رشاوى "للترويج لروايات موالية لروسيا".. هذه مسألة خطيرة، والحكومة محقّة في التعمق فيها.
يأتي تقرير رايكروفت في الوقت الذي حذّر فيه رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني "إم آي 6" (MI6) من الدعاية الروسية وعمليات التأثير التي "تستغل الانقسامات داخل المجتمعات"، بحسب مقال طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
وإذا اقتصر التقرير على الانتخابات وتمويل الأحزاب والفساد الصريح، فسيُغفل أحد أخطر أشكال النفوذ الأجنبي في العقود الأخيرة: المحاولات الروسية المستمرة لتشكيل مسارات سوق بريطانيا وصنع سياسات الطاقة.
أسعار الغاز وسياسات الطاقة في بريطانيا
يرى مدير الحملة لدى مجموعة "نت زيرو ووتش" (Net Zero Watch)، موريس كوزينز، أن القرارات التي اتخذها الوزراء في منتصف العقد الأول من الألفية الثانية والعقد الثاني منه قد عرّضت بريطانيا لمخاطر جسيمة عندما ارتفعت أسعار الغاز بشكل حادّ في المدة 2021-2022.
وقال موريس كوزينز: "خلال هذه المدة، دارت نقاشات حادّة حول قضايا جوهرية تتعلق بأمن الطاقة".
وشملت النقاشات مستقبل تخزين الغاز الإستراتيجي في منشأة راف (التي أُغلِقت عام 2017)، والسياسة النووية، وتعظيم الاستخراج في بحر الشمال في أعقاب "مراجعة وود" (2013)، وقرار عام 2015 بإنهاء توليد الكهرباء بالفحم، والفشل في تطوير الغاز الصخري في بريطانيا.
وأضاف: "بسبب التردد وخيارات السياسة الضارّة، ازدادت هروب بريطانيا من أسواق الغاز الدولية بشكل حادّ".
وكانت النتيجة أزمة الطاقة في بريطانيا، ومنذ عام 2021، تُقدّر تكاليفها الاقتصادية المباشرة بنحو 183 مليار جنيه إسترليني (245.94 مليار دولار)، وهو مبلغ يفوق بكثير موازنات الدفاع وهيئة الخدمات الصحية الوطنية السنوية، ويسهم في انتشار ديون الأسر وتراجع الصناعة.
وبحسب ما لاحظ خبراء استطلاعات الرأي في مؤسسة "مور إن كومون"، فقد أدى ذلك إلى اضطراب الحياة السياسية وتأجيج مشاعر العداء للنظام.
وأكد موريس كوزينز أنه "لا يمكن عزو كل هذا إلى واردات الغاز وحدها، حسبما يدّعي دعاة حماية المناخ".
وأضاف: "أدى الاعتماد المتزايد على مصادر الطاقة المتجددة باهظة الثمن دورًا، بحسب ما أوضح زميلي أندرو مونتفورد، لكن النتيجة النهائية كانت واضحة: هشاشة هيكلية عميقة".

عمليات التأثير الأجنبي
قال مدير الحملة لدى مجموعة "نت زيرو ووتش"، موريس كوزينز: "إذا كان تقرير رايكروفت تحقيقًا جادًا في عمليات التأثير الأجنبي، فلا بد له من التساؤل عمّا إذا كانت جهات أجنبية قد سعت للتأثير في قرارات بريطانيا".
وأضاف: "يسري ذلك على طريقة تأثير هذه الجهود في النتائج عمليًا، من خلال تغيير الحوافز السياسية والرأي العام وتقييد خيارات الوزراء".
وأوضح أن "هذا ليس مجرد تكهنات، فهناك الآن سجلّ عام حافل يُظهر أن روسيا تعاملت مع سياسات الطاقة الغربية بصفتها هدفًا إستراتيجيًا للتخريب".
وأوضح أن هدف الكرملين كان طوال هذه المدة هو تطبيع الاعتماد على الغاز الروسي (مباشرةً وغير مباشرة) وتهميش مصادر الإمداد المنافسة من داخل حلف الناتو.
في شهادتها أمام لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأميركي عام 2019، صرّحت المستشارة السابقة للرئيس ترمب المستشارة الدفاعية الحالية للحكومة البريطانية، الدكتورة فيونا هيل، بوضوح، أن روسيا كانت تُدير حملات دعائية لتقويض سياسات الطاقة، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وأشارت إلى أنه في مؤتمر فالداي عام 2011، أخبرها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مباشرة، أن تطوير الغاز الصخري الأميركي يُشكّل "تهديدًا إستراتيجيًا" للمصالح الروسية.
وأكد موريس كوزينز أن هذا لم يكن رأيًا هامشيًا، فقد خلص تقييم مجتمع الاستخبارات الأميركي لعام 2017، بثقة عالية، إلى أن عمليات التأثير الروسي كانت موجهة من الدولة، وصادرة بأوامر من مسؤولين روس رفيعي المستوى، واتّبعت نهجًا متعدد الأوجه.
تجدر الإشارة إلى أن التقييم لاحظ أن وسائل الإعلام الحكومية الروسية خصصت تغطية واسعة للآثار البيئية للتكسير المائي الهيدروليكي، وهو ما عَدَّه التقييم انعكاسًا محتملًا لقلق الحكومة الروسية بشأن تأثير التكسير المائي الهيدروليكي في أسواق الطاقة العالمية وربحية شركة غازبروم الروسية (Gazprom).
بعد عام، وثّق تقريرٌ صادرٌ عن لجنة العلوم والفضاء والتكنولوجيا في مجلس النواب الأميركي آلاف المنشورات في وسائل التواصل الاجتماعي المرتبطة بروسيا، التي ركّزت على "خطوط الأنابيب، والتكسير المائي الهيدروليكي، والوقود الأحفوري، وتغيّر المناخ".
وخلص التقرير إلى أن هذه الحملات لم تكن تهدف فقط إلى الإقناع، بل إلى "استغلال القضايا الخلافية لبثّ الفرقة وتقويض ثقة الجمهور" في سياسات الطاقة الأميركية.
وكان مسؤولو حلف الناتو يحذّرون من النمط نفسه آنذاك.
في عام 2014، صرّح الأمين العام لحلف الناتو آنذاك، أندرس فوغ راسموسن، بأن روسيا منخرطة في حملات إعلامية وتضليلية تهدف إلى التأثير في النقاشات الأوروبية بشأن الطاقة، بما في ذلك العمل على تضخيم المعارضة المحلية للغاز الصخري للحفاظ على الاعتماد على الإمدادات الروسية.
وأكد موريس كوزينز أنه خلال هذه المدة، كانت سياسات الطاقة الغربية محور الاهتمام.
وأضاف: "لسوء الحظ، فضّل الكثيرون في المؤسسة البريطانية غضّ الطرف، وظلّوا غير مبالين بشكلٍ ملحوظ".
وقال: "من السذاجة افتراض أن بريطانيا كانت تعمل بفراغٍ معلوماتي في ذلك الوقت، فبريطانيا سوق أوروبية رئيسة للطاقة، وعضو أساس في حلف الناتو".
بدورهم، حذّر حلف شمال الأطلسي والبحرية الملكية لاحقًا من أن روسيا "تقوم بنشاط برسم خرائط" للبنية التحتية للطاقة تحت سطح البحر، بما في ذلك خطوط الأنابيب والكابلات. ومن غير المنطقي أن تُقرّ الحكومة البريطانية بوجود نوايا عدائية في المجال المادي للطاقة بينما تفترض غيابها في المجالين المعلوماتي والسياسي.
قضية التكسير المائي الهيدروليكي
قال مدير الحملة لدى مجموعة "نت زيرو ووتش"، موريس كوزينز: "خلال العقد الثاني من الألفية، أسهمت سلسلة من حملات المعارضة المحلية في جعل التكسير المائي الهيدروليكي قضية سياسية حسّاسة".

وأوضح أن "هذا زاد الضغط على الوزراء للنأي بأنفسهم عن الغاز الصخري، بغضّ النظر عن الجوانب التقنية أو الاقتصادية أو الأمنية الكامنة وراءه".
ولهذا السبب، صرّح السير إد ديفي، الذي شغل منصب وزير الطاقة في حكومة الائتلاف بين عامي 2012 و2015، في عام 2022، بأنه "فخور جدًا" بكونه الشخص الذي "أوقف فعليًا صناعة التكسير المائي الهيدروليكي في هذا البلد" خلال مدة ولايته.
وأكد موريس كوزينز أن "سياسات الطاقة، في نهاية المطاف، تتأثر بالرأي العام، وقد أصبح انتقاد شركات التكسير المائي الهيدروليكي هواية رائجة في أروقة الحكومة البريطانية ووسائل الإعلام".
وأردف: "خلال تلك المدة، أدرتُ فريق عمل الطاقة في شمال غرب إنجلترا، وهي حملة صغيرة تدعم تطوير الغاز الصخري في لانكشاير، بدعم من شركة كوادرلا ريسورسز الرائدة في هذا المجال".
وأضاف: "شهدتُ بنفسي كيف استغلّت قناة "روسيا اليوم" "آر تي" (RT) تأثير الشبكات العالمية لوسائل التواصل الاجتماعي لتضخيم الخطابات المناهضة للغاز الصخري على منصات فيسبوك ويوتيوب وتويتر".
وأوضح أنه سرعان ما انتشرت في الفضاء الإعلامي البريطاني قصصٌ مثيرة للذعر لا أساس لها من الصحة، مصدرها الولايات المتحدة، ومُصممة عمدًا لتقويض مصداقية الغاز.
وقال: "كان يُدعى ناشطون ذوو صلات سابقة بحركة "أكيوباي" و"حزب الخضر" اعتياديًا إلى قناة "روسيا اليوم" لعرض آرائهم".
موضوعات متعلقة..
- الإنفاق على الطاقة في بريطانيا قد يتراجع إلى النصف بحلول 2050 (تحليل)
- ضريبة أرباح الطاقة في بريطانيا تعرقل المشروعات وتطرد الشركات (تقرير)
- تحول الطاقة في بريطانيا قد يحرم الأسر والشركات من خفض فواتير الكهرباء (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- تفكيك اتفاقية خطوط غاز الشرق.. بين فجوة الإمداد وإعادة رسم السياسة (مقال)
- 5 مشروعات أنابيب غاز قد لا ترى النور.. الجزائر والمغرب في المقدمة
- تراجع مشروعات الهيدروجين الأخضر عالميًا يصيب 3 دول عربية في 2025
المصدر:





