محطات تغير المناخ في 2025.. تحولات تاريخية والجفاف يضرب دولًا عربية
وحدة أبحاث الطاقة - مي مجدي

واجه مسار تغير المناخ في 2025 تعقيدات متزايدة، ليس بسبب الظروف المناخية الحادة فحسب، بل -أيضًا- نتيجة تداخل الأزمات السياسية والاقتصادية التي عاقت اتخاذ خطوات حاسمة.
وتشير البيانات إلى أن 2025 قد يصبح ثاني أو ثالث أكثر الأعوام حرارة في التاريخ، حيث ما زالت الالتزامات الدولية غير كافية لاحتواء الاحتباس الحراري عند 1.5 درجة مئوية.
وتكشف أحداث تغير المناخ في 2025 أن العالم بات متأرجحًا بين الواقع والوعود، إذ يواجه أسوأ أزمة مياه منذ عقود، وخلافات سياسية تُضعف قوة الاتفاقيات، فضلًا عن تحولات فكرية وأيدلوجية من قادة مؤثّرين.
وفي ضوء ذلك، يسلّط ملف الحصاد السنوي لعام 2025 الصادر عن وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن) الضوء على أبرز محطات تغير المناخ خلال عام 2025.
مرور عقد على اتفاقية باريس
من أبرز محطات تغير المناخ في 2025 أن العام الجاري يصادف الذكرى السنوية العاشرة لاتفاقية باريس، حيث وقّعت 195 دولة خلال اجتماع في ضواحي مدينة لو بورجيه الفرنسية ما أصبح يُعرَف بـ"اتفاقية باريس"، أول التزام عالمي حقيقي لكبح ارتفاع حرارة الأرض.
فالاتفاقية، التي تمثّل ثمرة سنوات من المفاوضات تحت إطار الأمم المتحدة لتغير المناخ منذ قمة ريو أو قمة الأرض عام 1992، وضعت خريطة طريق عالمية للحدّ من الانبعاثات وتعزيز قدرة المجتمعات على مواجهة تفاقم التأثيرات المناخية.
وتُظهر البيانات أن مسار ارتفاع درجات الحرارة تغيَّر بفضل اتفاقية باريس، حيث يُتوقع أن يتراوح الاحترار العالمي بحلول 2100 بين 2.3-2.8 درجة مئوية مقارنة بما كان متوقعًا قبل الاتفاق عند 4 درجات مئوية.
ومع ذلك، يتمثل الهدف الأسمى للاتفاق في الحفاظ على درجات الحرارة دون 1.5 درجة مئوية، أي الحدّ من ارتفاع المتوسط العالمي فوق مستويات ما قبل الصناعة.
2025 ثاني -أو ثالث- أكثر الأعوام حرارة
بنهاية عام 2025، تتجه التوقعات ليصبح العام الثاني أو الثالث الأكثر حرارة في التاريخ، وقد يتساوى مع 2023 ثاني أكثر الأعوام دفئًا، إلى جانب استمرار 2024 كونه الأكثر حرارة على الإطلاق، كما يوضح الرسم التالي:

ورغم أن درجات الحرارة في 2025 قد لا تتجاوز حاجز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، فإن المتوسط للمدة بين 2023-2025 قد يتخطى هذا الحدّ للمرة الأولى.
وكان أكتوبر/تشرين الأول 2025 ثالث أحرّ أكتوبر عالميًا على الإطلاق، بمتوسط درجة حرارة الهواء السطحي 15.14 درجة مئوية، أي أعلى بـ0.70 درجة من متوسط الشهر نفسه للمدة 1991-2020، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
مؤتمر كوب 30
حملت قمة كوب 30 -التي عُقِدت في البرازيل من 10 إلى 21 نوفمبر/تشرين الثاني (2025)- في طيّاتها مزيجًا مربكًا من النجاحات والإخفاقات، لتأتي ضمن قائمة أبرز محطات تغير المناخ في 2025.
فمن جهة، تمكنت من التركيز على التمويل والتكيف والحماية البيئية، في حين أخفقت بمواجهة أزمة الاعتماد على الوقود الأحفوري.
ورغم أن 199 دولة، تُمثّل 74% من الانبعاثات العالمية، قدّمت التزامات وطنية جديدة في إسهاماتها المحددة وطنيًا، فإنها لن تحقق سوى 15% من الخفض اللازم بحلول 2035 للحفاظ على هدف 1.5 درجة مئوية.
وبهذا، يبقى العالم متجهًا نحو ارتفاع بين 2.3 و2.8 درجة مئوية، وفق تقديرات الأمم المتحدة.
ورغم الآمال التي كانت معلّقة بإطلاق خريطة طريق عالمية لإنهاء الوقود الأحفوري، فإن معارضة الدول النفطية بددت ذلك، لتكتفي القمة بمبادرات طوعية لخفض الانبعاثات والانتقال العادل للطاقة، دون الإشارة إلى الوقود الأحفوري.
في الوقت نفسه، لم يحظَ صندوق الخسائر والأضرار بالاهتمام ذاته في مفاوضات كوب 30، مقارنة بالقمم السابقة.
وكانت التوقعات معلّقة على كوب 30 لتحديد الخطوات المقبلة بشأن تمويل التكيف المناخي، حيث شهدت المفاوضات انقسامات حادة حول حجم التمويل والإطار الزمني لتحقيقه.
وفي النهاية، أعلنت القمة هدفًا لمضاعفة التمويل 3 مرات بحلول 2035، ويعني ذلك أن من أصل أكثر من 300 مليار دولار متوقعة لتدفُّق التمويل المناخي إلى الدول النامية بحلول 2035، ينبغي تخصيص نحو 120 مليار دولار للتكيف وبناء القدرة على الصمود أمام التداعيات المناخية.
انبعاثات الكربون في 2025 عند أعلى مستوياتها
يُتوقع أن تبقى انبعاثات الكربون العالمية في 2025 -بما في ذلك الانبعاثات الناتجة عن الوقود الأحفوري وتغير استعمال الأراضي- ثابتة عند 42.2 مليار طن، بانخفاض طفيف قدره 0.04% مقارنة بعام 2024.
ويعني ذلك أن عامي 2025 و2024 باتا تقريبًا أعلى عامين في الانبعاثات الكربونية العالمية، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
ويرجع هذا الثبات إلى استمرار ارتفاع انبعاثات الوقود الأحفوري والصناعة إلى أعلى مستوياتها، بنسبة 1.1% لتصل إلى 38.1 مليار طن، بينما تتراجع انبعاثات استعمال الأراضي بنسبة 9.8% إلى 4.1 مليار طن، نتيجة الحدّ من إزالة الغابات.
وتختلف هذه التقديرات عن بيانات معهد الطاقة البريطاني لعام 2024، التي تشير إلى أن الانبعاثات بلغت نحو 40.8 مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، كما يوضح الرسم التالي:

ووفق أحدث التقديرات، فإن موازنة الكربون المتبقية -مفهوم في سياسات تغير المناخ لتحديد الحدّ الأقصى من الانبعاثات المسموح بها عالميًا- للحدّ من ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى 1.5 درجة مئوية قريبة من النفاد، ما يعادل 4 سنوات من الانبعاثات الحالية إذا استمر معدّلها كما هو.
في الوقت نفسه، من المتوقع أن تصل تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى 425.7 جزءًا في المليون خلال عام 2025، بزيادة قدرها 2.3 جزءًا في المليون مقارنة بعام 2023، أي إنها أعلى بنسبة 52% عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
ندرة المياه وتداعيات الجفاف في 2025
بالإضافة إلى ذلك، جاءت ندرة المياه في مقدمة محطات تغير المناخ في 2025، حيث عصفت بالدول أزمة غير مسبوقة.
فنحو 2.1 مليار شخص يفتقرون إلى مياه صالحة للشرب، وفق تقرير منظمة الصحة العالمية واليونيسف بمناسبة الأسبوع العالمي للمياه 2025.
وفي المنطقة العربية، يفتقر نحو 50 مليون شخص إلى المياه الصالحة للشرب، ويعيش 390 مليون شخص في دول تعاني ندرة المياه، أي نحو 90% من السكان، بحسب لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا.
ومن أكثر الدول تضررًا من الجفاف في 2025:
- إيران: تواجه واحدة من أشد موجات الجفاف منذ بدء تسجيل البيانات قبل 6 عقود، حيث أوقفت السلطات إنتاج الكهرباء من سد الكرخة بعد انخفاض في منسوب المياه بالخزان، وتفكر في نقل العاصمة جنوبًا بسبب الجفاف المستمر.
- الصومال: أعلنت البلاد حالة طوارئ بسبب جفاف تاريخي يضرب الشمال إلى الجنوب، وناشدت المجتمع الدولي لتقديم مساعدات عاجلة لإنقاذ ملايين السكان من المجاعة والعطش.
- العراق: تشهد بلاد الرافدين جفافًا حادًا وانخفاضًا مقلقًا في منسوب نهري دجلة والفرات، اللذين يعتمد عليهما أكثر من 90% من السكان، حيث باتت أهوار العراق مهددة بالزوال.
- سوريا: يواجه شرق المتوسط أسوأ موجة جفاف منذ عقود، وسوريا هي أكثر البلاد المتضررة، فقد جفَّ نهر العاصي بالكامل لأول مرة في تاريخه، ما أدى إلى تفاقم خسائر المزارعين، والتداعيات البيئية التي طالت الغطاء النباتي والكائنات المائية.
تحول مفاجئ في موقف بيل غيتس
من أهم محطات تغير المناخ في 2025 كان التحول المفاجئ في رؤية مؤسس مايكروسوفت، الملياردير المعروف، بيل غيتس، حين أعلن أنّ تغير المناخ لن يؤدي إلى نهاية البشرية، ويتعين التركيز على معالجة الفقر والأمراض والمجاعة.
وجاء ذلك بعدما أمضى صاحب شركة مايكروسوفت أكثر من عقد يحذِّر فيه من "كارثة مناخية وشيكة".
فقد دعا غيتس إلى إعادة توجيه الاستثمارات بعيدًا عن مشروعات خفض الانبعاثات المكلفة والمثيرة للجدل، نحو جهود عاجلة لإنقاذ حياة الملايين في الدول الفقيرة وتحسين التكيف مع تغير المناخ.
وشدد على أنّ تغير المناخ سيترك تأثيرًا كبيرًا في أفقر الدول، لكنه يرى أن النجاح الحقيقي يجب قياسه بتحسين حياة البشر من درجات الحرارة العالمية.
وأشار إلى أن محاولات وقف تمويل الوقود الأحفوري في الدول الفقيرة الغنية بالموارد لم تؤثّر في الانبعاثات العالمية، بل جعلت من الصعب على هذه الدول الحصول على قروض منخفضة الفائدة لتوفير كهرباء موثوقة وتطوير البنية التحتية.
مواقف ترمب من تغير المناخ في 2025
يُعرَف الرئيس الأميركي دونالد ترمب بموقفه السياسي المتشدد من تغير المناخ، ومنذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني (2025)، استهدف البحث العلمي وجهود مكافحة المناخ.
وفور تولّيه منصبه، وقّع أمرًا تنفيذيًا بانسحاب بلاده من اتفاقية باريس، وهو أحدث أبرز محطات تغير المناخ في 2025، مؤكدًا دعم إدارته للوقود الأحفوري.
وفي خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال شهر سبتمبر/أيلول (2025)، وصف ترمب تغير المناخ بأنه "أكبر خدعة في العالم"، متهمًا العلماء والمؤسسات الدولية بـ"إهدار الثروات الوطنية" دون أيّ نتائج ملموسة.
كما هاجم ترمب الطاقة المتجددة، مثل الرياح والطاقة الشمسية، واصفًا إياها بـ"المزحة"، مدّعيًا أنها غير فاعلة ومكلفة.
وذهب ترمب إلى أبعد من ذلك، منتقدًا فكرة البصمة الكربونية، موضحًا أنها "خدعة ابتكرها أشخاص ذوو نوايا شريرة".
بالإضافة إلى ذلك، انطلقت قمة المناخية كوب 30 في البرازيل بغياب الولايات المتحدة، حيث امتنعت إدارة ترمب عن المشاركة.
يمكنكم متابعة المزيد من حصاد وحدة أبحاث الطاقة لعام 2025 عبر الضغط (هنا)، كما يمكن الاطّلاع على حصاد عام 2024 (هنا).
المصادر:
- درجات الحرارة في 2025، من خدمة كوبرنيكوس
- نتائج كوب 30، من معهد الموارد العالمية
- الانبعاثات الكربونية في 2025، من كاربون بريف
- ندرة المياه، من الأمم المتحدة
- موقف بيل غيتس، من نيويورك بوست





