5 مشروعات أنابيب غاز قد لا ترى النور.. الجزائر والمغرب في المقدمة
سامر أبووردة

تطرح عدة مشروعات أنابيب غاز مؤجّلة سؤالًا ملحًّا على طاولة أمن الطاقة العالمي، في ظل تسابق الدول المنتِجة والمستهلكة لإعادة رسم خريطة الإمدادات، مقابل تعثّر قرارات الاستثمار النهائي في عدد من أضخم الخطوط العابرة للحدود.
ورغم الزخم السياسي والإعلامي الذي رافق الإعلان عن هذه المشروعات؛ فإن معظمها لا يزال عالقًا بين الحسابات الجيوسياسية، واعتبارات التمويل، والتحولات السريعة في أسواق الطاقة؛ ما حوّلها إلى نماذج حيّة على فجوةٍ متسعة بين الطموح والتنفيذ.
وتكشف قراءة متأنية لواقع مشروعات أنابيب غاز مؤجلة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عن أن التأخير لم يعد استثناءً، بل بات السمة الغالبة إذ تتقاطع رهانات الدول المنتِجة على تنويع منافذ التصدير، مع سعي أوروبا إلى بدائل مستقرة للغاز الروسي، دون حسم نهائي لمسارات الاستثمار.
ووفقًا لبيانات مشروعات خطوط أنابيب الغاز لدى منصة الطاقة المتخصصة، ومسح خاص، فإن 5 خطوط أنابيب غاز كبرى، تمتد من غرب أفريقيا إلى شمالها، ومن شرق المتوسط إلى قلب أوروبا، تواجه المصير نفسه: دراسات منجزة، وتصريحات متفائلة، لكن دون قرار استثماري نهائي يضعها على سكة التنفيذ الفعلي.
في هذا التقرير، ترصد منصة الطاقة (الصادرة من واشنطن) مصير أبرز 5 مشروعات أنابيب غاز قد لا ترى النور، من أنبوب الغاز المغربي النيجيري، مرورًا بالمسارين الجزائري والليبي، وصولًا إلى إيست ميد وغالسي، في محاولة للإجابة عن السؤال الأكثر إلحاحًا: هل هي مشروعات قيد الانتظار أم عناوين مرشّحة للتآكل مع الوقت.
أنبوب الغاز الأطلسي الأفريقي
يُعَد أنبوب الغاز الأطلسي الأفريقي أحد أكثر مشروعات الغاز المؤجلة طموحًا في القارة السمراء؛ إذ يستهدف نقل نحو 30 مليار متر مكعب سنويًا من الغاز الطبيعي من نيجيريا إلى المغرب، تمهيدًا لتصديره إلى أوروبا عبر الربط بالبنية التحتية الإسبانية.
ويعود إطلاق المشروع إلى ديسمبر/كانون الأول 2016، خلال زيارة الملك محمد السادس إلى نيجيريا، بوصفه مبادرة إستراتيجية لتعزيز التكامل الطاقي والتنمية الاقتصادية، ليس فقط بين البلدين، بل على امتداد غرب أفريقيا وشمالها.
ويمتد الأنبوب لمسافة تقارب 6 آلاف و800 كيلومتر، عابرًا 11 دولة ساحلية، إلى جانب دول غير ساحلية، ليستفيد منه نحو 400 مليون نسمة، ما يجعله من أطول خطوط الغاز في العالم.
وتُقدَّر التكلفة الإجمالية بنحو 25 مليار دولار، وهو رقم يضعه في مصاف أضخم مشروعات البنية التحتية للطاقة عالميًا.

وخلال اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين في ربيع 2025، كشف وزير المالية النيجيري عن اهتمام أميركي متزايد بالاستثمار في المشروع، وهو ما أكدته واشنطن لاحقًا خلال منتدى الطاقة الأميركي-الأفريقي في هيوستن في أغسطس/آب 2025، إذ عدّت الأنبوب ركيزة في إستراتيجيتها الاقتصادية الجديدة بأفريقيا.
من جهتها، أعلنت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة المغربية ليلى بنعلي، في مايو/أيار 2025، الانتهاء من دراسات الجدوى والدراسات الهندسية الأولية، وتحديد المسار الأمثل للأنبوب، مع التوجّه لإنشاء شركة ذات غرض خاص بين الرباط وأبوجا، تمهيدًا لاتخاذ القرار الاستثماري النهائي.
ورغم انطلاق المرحلة الأولى داخل المغرب، وربط ميناء الناظور بمدينة الداخلة بتكلفة تصل إلى 6 مليارات دولار، إضافة إلى منصة غاز في الناظور بقيمة 700 مليون دولار؛ فإن المشروع لا يزال ضمن دائرة مشروعات الغاز المؤجلة، بانتظار حسم التمويل والشركاء النهائيين، مع توقع بدء التنفيذ في 2027 واستغراقه 4 سنوات.
أنبوب الغاز العابر للصحراء
لا يقلّ مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء أهمية أو تعقيدًا، وهو أحد أقدم مشروعات الغاز المؤجلة في أفريقيا، إذ يعود إلى اتفاقيات أولية وُقّعت عام 2009 بين نيجيريا والنيجر والجزائر.
ويهدف الأنبوب إلى نقل نحو 30 مليار متر مكعب سنويًا من الغاز النيجيري إلى أوروبا، عبر مسار بطول 4 آلاف و128 كيلومترًا، وصولًا إلى مركز حاسي الرمل الجزائري، ومنه إلى الأسواق الأوروبية عبر خطي ميدغاز وترانسميد.
ورغم إحياء المشروع في يوليو/تموز 2022، على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية وسعي أوروبا لتنويع مصادرها بعيدًا عن موسكو، فإن العقبات سرعان ما عادت إلى الواجهة، وفي مقدمتها ارتفاع التكلفة التي تتجاوز 13 مليار دولار، والتحديات الأمنية، وغياب عقود شراء طويلة الأجل.

واستضافت الجزائر في فبراير/شباط 2025 اجتماعًا وزاريًا لتحديث دراسة الجدوى، لكن أنباء انسحاب النيجر من المشروع شكّلت ضربة قاسية، خاصة أن نحو 1800 كيلومتر من الأنبوب تمر عبر أراضيها.
وبينما تراهن الجزائر على تعزيز دورها بصفتها مركزَ عبور للغاز الأفريقي، مستندة إلى بنيتها التحتية القائمة، فإن المشروع يبقى مهددًا بمزيد من التأجيل أو حتى الانهيار، في حال تعذّر إيجاد مسار بديل؛ ما يكرّس موقعه ضمن مشروعات الغاز المؤجلة.
خط أنابيب شرق المتوسط (إيست ميد)
يُعدّ خط أنابيب شرق المتوسط من أكثر مشروعات الغاز المؤجلة إثارة للجدل سياسيًا وفنيًا، إذ يستهدف نقل غاز إسرائيل وقبرص إلى أوروبا عبر اليونان، بطول يقارب 1900 كيلومتر.
وُقّعت الاتفاقية النهائية للمشروع في يناير/كانون الثاني 2020، مع خطط لنقل 10 مليارات متر مكعب سنويًا في مرحلته الأولى، قابلة للزيادة إلى 20 مليارًا.
غير أن سحب الدعم الأميركي بوساطة الرئيس السابق جو بايدن، مطلع 2022، بدعوى اعتبارات بيئية واقتصادية وتوجه بوقف تطوير مشروعات الوقود الأحفوري، أدخل المشروع في حالة جمود.
لكن في نوفمبر/تشرين الثاني 2025، عاد إيست ميد إلى دائرة الضوء، بعد تصريحات إسرائيلية عن "تقدم كبير" في المباحثات، واستعداد واشنطن لأداء دور محوري، في ظل إدارة الرئيس دونالد ترمب، التي ترى أمن الطاقة جزءًا من الأمن القومي.
ورغم إدراج المشروع ضمن مشروعات المصلحة المشتركة الأوروبية؛ فإن معارضة تركيا، وتعقيدات ترسيم الحدود البحرية، وارتفاع التكلفة، لا تزال عوائق رئيسة أمام اتخاذ قرار الاستثمار النهائي، ليظل إيست ميد عنوانًا بارزًا في قائمة مشروعات الغاز المؤجّلة.
خط أنابيب غالسي
أعادت الحرب في أوكرانيا إحياء مشروع غالسي، الذي يربط الجزائر بإيطاليا عبر جزيرة سردينيا، بعد أكثر من عقد على تجميده.
وفي 23 يناير/كانون الثاني 2023، وقّعت شركة سوناطراك الجزائرية وإيني الإيطالية اتفاقية تعاون لإعادة إطلاق المشروع، لكن برؤية موسعة لا تقتصر على الغاز الطبيعي، بل تشمل نقل الهيدروجين والأمونيا الزرقاء والخضراء، في انسجام مع التحول الطاقوي الأوروبي.
ويُنظر إليه اليوم بوصفه نموذجًا مختلفًا ضمن مشروعات الغاز المؤجلة، نظرًا إلى إعادة تصميمه ليشمل نقل الهيدروجين والأمونيا إلى جانب الغاز.

ويمتد الأنبوب بطول 1505 كيلومترات من حاسي الرمل إلى توسكانا، لكن عراقيل سياسية؛ أبرزها رفض تراخيص العبور في إيطاليا سابقًا، وسحب التمويل الأوروبي، عطّلت تنفيذه.
ومع عودة الجزائر شريكًا محوريًا لإيطاليا بعد 2022، بدا المشروع كأنه يستعيد زخمه، غير أن غياب أي تطورات معلنة، منذ اتفاق الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، مع رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، يناير/كانون الثاني 2023، على الشروع في الدراسات التقنية تمهيدًا للإنجاز، يعيد طرح علامات الاستفهام حول توقيته وجدواه، رغم ما يوفره من فرص لتحويل الجزائر إلى مركز إقليمي للطاقة.
خط الغاز النيجيري-الليبي
دخل مشروع خط الغاز النيجيري-الليبي السباق بوصفه أحد أقصر المسارات نحو أوروبا؛ ما يمنحه ميزة تنافسية مقارنة بالمسارين الجزائري والمغربي.
ويبلغ طوله المتوقع نحو 3 آلاف كيلومتر، مع إمكان ربطه بخط "غرين ستريم" الليبي نحو إيطاليا.
وظهر المشروع في 2022، مع دراسات أولية رجّحت عبوره عبر النيجر، لكن التحديات الأمنية والاقتصادية في ليبيا، وعدم استقرار القرار السياسي، أبقته ضمن مشروعات الغاز المؤجلة، رغم تجديد طرابلس الدعوة إلى الشراكة الأفريقية في ديسمبر/كانون الأول 2025.
وترى ليبيا أن بنيتها التحتية، بطاقة غرين ستريم البالغة 11 مليار متر مكعب سنويًا، تؤهلها لتجميع الغاز الأفريقي ومعالجته قبل تصديره، غير أن ذلك يظل رهن الاستقرار والتمويل.
الخلاصة..
تكشف أزمة 5 مشروعات أنابيب غاز عن أنها لا تتعلق بندرة الموارد أو غياب الطلب، بل بتشابك السياسة بالاقتصاد والأمن، وتردد المستثمرين في ضخ مليارات الدولارات دون ضمانات طويلة الأجل.
وبينما تحتاج أوروبا إلى الغاز، وتملك أفريقيا احتياطيات ضخمة؛ فإن قرار الاستثمار النهائي يبقى هو الحلقة المفقودة، التي ستحدد ما إذا كانت هذه الخطوط ستتحول إلى شرايين طاقة عابرة للقارات، أم ستظل حبيسة الأدراج والاجتماعات والتصريحات.
موضوعات متعلقة..
- مشروع أنبوب الغاز الأطلسي.. المغرب يبحث عن تمويل أميركي
- 7 معلومات عن أنبوب الغاز العابر للصحراء بعد انسحاب النيجر
- ليبيا تريد اقتناص الغاز الأفريقي في منافسة المغرب والجزائر
نرشّح لكم..
- تقارير وملفات خاصة من وحدة أبحاث الطاقة
- الطاقة الشمسية في الدول العربية
- تقرير مستجدات أسواق الغاز المسال العربية والعالمية
المصادر:
- تطورات مشروع أنبوب الغاز الأطلسي الأفريقي، من وزارة الشباب والثقافة والتواصل المغربية.
- تطورات خط أنابيب شرق المتوسط





