التقاريرتقارير الهيدروجينرئيسيةهيدروجين

هل تعرقل تكاليف الهيدروجين الأخضر المرتفعة الأهداف البيئية للاتحاد الأوروبي؟ (تقرير)

نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • الهيدروجين الأخضر يمثّل ركيزة تحوّل أوروبا بعيدًا عن الوقود الأحفوري
  • خطة "ريباور إي يو" وعدت بخفض واردات الوقود الأحفوري وتعزيز استقلال الطاقة
  • إنتاج الهيدروجين الأخضر عبر التحليل الكهربائي يكلّف نحو 4 أضعاف تكلفة إنتاج الهيدروجين التقليدي
  • التأخر في استعمال الهيدروجين الأخضر يعوق الجهود المبذولة للحد من واردات الوقود الأحفوري

من المتوقع أن تؤدي تكاليف الهيدروجين الأخضر المرتفعة إلى عرقلة الأهداف البيئية للاتحاد الأوروبي الرامية إلى التخلّص التدريجي من أنواع الوقود الأحفوري وخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

ومنذ إطلاق الصفقة الخضراء الأوروبية عام 2019، عُدّ الهيدروجين الأخضر ركيزة في تحوّل أوروبا بعيدًا عن الوقود الأحفوري، وعندما واجهت الإمدادات بعض الصعوبات عام 2022، انطلقت مبادرة "ريباور إي يو" (REPowerEU)، التي وعدت بخفض واردات الوقود الأحفوري وتعزيز استقلال الطاقة.

ويتمثّل الهدف الأسمى للمبادرة في الوصول إلى 40 غيغاواط من قدرة التحليل الكهربائي بحلول عام 2030، وهو ما يكفي لإنتاج ما يصل إلى 10 ملايين طن من الهيدروجين المتجدد سنويًا، وفق تفاصيل اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.

ويرى محللون أن أوروبا قد قطعت نصف الطريق تقريبًا نحو هذا الموعد النهائي، ويبدو التقدم بطيئًا للغاية، وسط مخاوف من أن تفقد أوروبا زخمها في تحقيق طموحاتها في مجال الهيدروجين الأخضر.

أسواق الهيدروجين الأوروبية

يشير "تقرير مراقبة أسواق الهيدروجين الأوروبية"، الصادر عن وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون بين منظمي الطاقة "إيه سي إي آر" (ACER) لعام 2025، إلى أن القارة بعيدة كل البعد عن تحقيق هدفها لعام 2030 فيما يتعلق بمحطات التحليل الكهربائي.

ويعود ذلك إلى ارتفاع التكاليف، والبيروقراطية، والتوزيع غير المتجانس لهذه المحطات.

وفي عام 2024، أضافت أوروبا 308 ميغاواط فقط من سعة محطات التحليل الكهربائي، بزيادة قدرها 51% عن العام السابق، ولكنها لا تمثّل سوى 7.7% من سعة الـ6 غيغاواط المطلوبة في ذلك العام.

وللبقاء على المسار الصحيح لتحقيق هدف 40 غيغاواط بحلول عام 2030، سيتعيّن تركيب أكثر من 4 غيغاواط سنويًا، وليس 0.5 غيغاواط فقط، بحسب تقرير طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

وعلى الرغم من الدعم السياسي من مبادرة "ريباور إي يو"، لم تتجاوز 6 محطات فقط 10 ميغاواط بنهاية العام، بإجمالي 90 ميغاواط تقريبًا.

ومع بقاء معظم المشروعات دون 6 ميغاواط، يبقى التوسع تحديًا كبيرًا.

محطة الهيدروجين الأخضر في بلدة سان روكي جنوب إسبانيا
محطة الهيدروجين الأخضر في بلدة سان روكي جنوب إسبانيا – الصورة من رويترز

وعلى مستوى الدول، تصدّرت ألمانيا القائمة بـ46 ميغاواط من القدرة الإنتاجية الجديدة (15% من نمو الاتحاد الأوروبي)، تلتها الدنمارك بـ18 ميغاواط، ثم المجر بـ11 ميغاواط، لتغطي مجتمعةً نحو 72% من الزيادة.

حتى مع وجود 1.8 غيغاواط قيد الإنشاء بدءًا من أكتوبر/تشرين الأول 2025، تواجه دول الاتحاد الأوروبي عجزًا كبيرًا في القدرة الإنتاجية سنويًا.

تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر

لا يزال إنتاج الهيدروجين الأخضر عبر أجهزة التحليل الكهربائي يكلّف نحو 4 أضعاف تكلفة إنتاج الهيدروجين التقليدي من إعادة تشكيل الميثان بالبخار.

ويعود ذلك إلى ارتفاع النفقات الرأسمالية على أجهزة التحليل الكهربائي، وعقود الكهرباء المتجددة باهظة الثمن، وتكاليف المعدات الإضافية المرتفعة.

وقد أدى الانخفاض الأخير في أسعار الغاز الطبيعي إلى جعل الهيدروجين الأخضر أقل جاذبية، ما أثار مخاوف المستثمرين.

إزاء ذلك، يتطلّع بعض المطورين إلى إنتاج هيدروجين منخفض الكربون بتقنية احتجاز الكربون وتخزينه، بتكلفة نحو 3 يوروات/كيلوغرام، وفقًا لوكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون بين منظمي الطاقة، لكن تكاليف نقل ثاني أكسيد الكربون وتخزينه لا تزال غير مؤكدة.

وإلى أن يقترب سعر الهيدروجين الأخضر من سعر نظيره التقليدي، ستبقى الصناعات الثقيلة مثل الصلب والتكرير والكيماويات ملتزمة بما هو مألوف لديها.

إنشاء سوق الهيدروجين الأخضر

خصّصت المفوضية الأوروبية 20 مليار يورو (23.51 مليار دولار) من خلال مبادرات مثل آلية إنشاء سوق للهيدروجين الأخضر، وهي أحد أكبر الاستثمارات الحكومية في الهيدروجين الأخضر على مستوى العالم.

بدورها، أضافت الدول الأعضاء منحًا وإعفاءات ضريبية وضمانات حكومية، إلا أن الإقبال كان ضعيفًا.

أما بنك الهيدروجين الأوروبي، الذي بدأ العمل به في منتصف عام 2024، فقد أجرى مزادَيْن، وهو الآن في مزاده الثالث، مستهدفًا مشروعات بقدرة 1 غيغاواط.

وفي ظل غياب قوانين أكثر وضوحًا وتسريع إجراءات الترخيص، لم يوقع العديد من الفائزين بالمزاد العقود. من جهتهم، يشكو أصحاب المصلحة من أن تباين الجداول الزمنية بين منح التمويل والموافقات يترك الفائزين في وضع غير مستقر، كما أن متطلبات التمويل المشترك الوطنية المبهمة تزيد من الارتباك.

التركيز الجغرافي لمشروعات الهيدروجين

يُلاحظ تفاوتٌ كبير في توزيع مشروعات الهيدروجين، فالسويد، بفضل إرثها في مجال الطاقة الكهرومائية والكتلة الحيوية، تمتلك 742 ميغاواط قيد الإنشاء، مدعومة بإستراتيجية وطنية متينة للهيدروجين ومزادات مبكرة بالقرب من المراكز الصناعية.

أما ألمانيا فلا تتخلّف عنها كثيرًا، إذ لديها 1.04 غيغاواط قيد الإنشاء، وترتكز على مدينة إمدن، حيث بدأت شركة "إي دبيلو إي" (EWE) العمل على إنشاء محلل كهربائي بقدرة 320 ميغاواط لتزويد مصافي النفط والصناعات الثقيلة.

وخارج هذه المناطق الحيوية، يكاد ينعدم هذا التفاوت، ما يُبرز اختلالات إقليمية صارخة في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي.

العقبات التنظيمية

تُشكل القوانين المجزأة عقبة أخرى، وعلى الرغم من أن توجيه الطاقة المتجددة الثالث "آر إي دي 3" (RED III) حدّد حصصًا ملزمة للهيدروجين المتجدد في الصناعة، لم تُدمج سوى قلة من الدول الأعضاء هذه الأهداف في قوانينها الوطنية، ما ترك التزامات الشراء في حالة من الضبابية.

وقد انقضى الموعد النهائي للتوجيه في منتصف عام 2025، لكن تطبيقه يتباين بصورة كبيرة، فبعض الحكومات لا تزال في طور المشاورات، في حين انشغلت حكومات أخرى بأولويات تشريعية متنافسة.

بالإضافة إلى ذلك، قد يستغرق الحصول على ترخيص لجهاز التحليل الكهربائي من سنتَيْن إلى 3 سنوات، وذلك بسبب التقييمات المطولة للأثر البيئي وموافقات ربط الشبكة.

وفي غياب لوائح موحدة، يواجه المطورون جداول زمنية غير متوقعة وتكاليف مفاجئة.

مشروع بحري تجريبي لإنتاج الهيدروجين الأخضر في فرنسا
مشروع بحري تجريبي لإنتاج الهيدروجين الأخضر في فرنسا – الصورة من شركة لايف

الآثار الجانبية

  • أولًا، مخاطر الاستثمار: يؤدي إلغاء المشروعات البارزة وتقليص التزامات خفض الانبعاثات الكربونية إلى تآكل ثقة المستثمرين.
  • ثانيًا، القدرة التنافسية الصناعية: يواجه المصنّعون في الاتحاد الأوروبي عيبًا في التكلفة مقارنةً بنظرائهم من خارج الاتحاد الأوروبي الذين يستعملون الهيدروجين أو الوقود الأحفوري الأرخص.
  • ثالثًا، مصداقية الأنظمة: يؤدي التفاوت في تطبيق توجيهات الاتحاد الأوروبي إلى تقويض الثقة وتثبيط رؤوس الأموال طويلة الأجل.
  • رابعًا، الأصول العالقة: قد يؤدي عدم التوافق بين الإنتاج ونشر الشبكة إلى عدم استغلال خطوط الأنابيب والمصانع بالشكل الأمثل.
  • خامسًا، أمن الطاقة: يعوق التأخر في استعمال الهيدروجين الأخضر الجهود المبذولة للحد من واردات الوقود الأحفوري وتنويع مصادر الطاقة.
  • سادسًا، الاختلالات الإقليمية: يُهدّد التركيز الكبير في السويد وألمانيا بترك المراكز الصناعية الأخرى دون دعم حاسم لخفض الانبعاثات الكربونية.

المسار المستقبلي

تُسلّط وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون بين منظمي الطاقة الضوء على عدة آليات لإعادة الأمور إلى نصابها:

  • أولًا، تبسيط إجراءات الترخيص وربط الشبكات لتقليص مدة الموافقة من سنوات إلى أشهر.
  • ثانيًا، تطبيق أهداف استهلاك الطاقة وفقًا لتوجيه الطاقة المتجددة الثالث مع فرض عقوبات واضحة وربط التمويل بالامتثال.
  • ثالثًا، تحسين الدعم القائم على المزادات عبر بنك الهيدروجين الأوروبي لمكافأة التخفيضات الحقيقية في التكاليف.
  • رابعًا، مواءمة تطوير البنية التحتية للهيدروجين -خطوط الأنابيب، والتخزين، والتزود بالوقود- مع توقعات واقعية لإنتاج الهيدروجين والطلب عليه.

وفي الوقت نفسه، تدعو وكالة الاتحاد الأوروبي إلى التعاون بين منظمي الطاقة إلى تصميم متماسك لسوق الهيدروجين على مستوى الاتحاد الأوروبي؛ بما في ذلك وضع قوانين للتداول والموازنة والنقل، على غرار إطار عمل سوق الكهرباء.

وسيكون التعاون الوثيق بين مشغلي أنظمة النقل والمنتجين أساسيًا لدمج مرونة المحللات الكهربائية في شبكة الكهرباء.

ولقد بدأت رحلة أوروبا نحو الهيدروجين الأخضر، لكن الطريق إلى عام 2030 يتطلّب تحركًا عاجلًا ومنسقًا، وسيكون سد فجوة التكلفة وحل التشتت التنظيمي أمرَيْن بالغَي الأهمية إذا أراد الاتحاد الأوروبي تحقيق أهدافه المتعلقة بالمناخ وأمن الطاقة وإزالة الكربون من الصناعة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصدر..

  1. تكاليف الهيدروجين الأخضر وفجوة القدرة الإنتاجية، من منصة هيدروجين فيول نيوز
إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق