أنسيات الطاقةالتقاريرتقارير الغازرئيسيةغاز

كيف تحول الغاز المسال الأميركي إلى سلاح بيد ترمب؟ (تقرير)

أحمد بدر

يبرز الغاز المسال الأميركي بوصفه أحد أهم العناصر في إستراتيجية ترمب للأمن القومي، التي تستهدف تحقيق النفوذ الدولي، خلال وقت تشهد السياسة الأميركية تحولًا جذريًا في استعمال الطاقة؛ إذ لم تعد الموارد مجرد أدوات اقتصادية، بل أصبحت أسلحة إستراتيجية تُوظف للهيمنة على الأسواق العالمية.

وفي هذا الإطار، يكشف مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، عن أن الانتقال من فكرة استقلال الطاقة إلى الهيمنة أصبح محور اهتمام إدارة ترمب؛ إذ تُدمج الوفرة الإنتاجية مع أدوات الضغط السياسي مثل العقوبات الاقتصادية والرسوم الجمركية لتحقيق نفوذ مؤثر في الأسواق العالمية.

وأشار إلى أن التحولات تشمل جميع جوانب السياسة الخارجية، فحتى موضوع الغاز المسال الأميركي أصبح أداة رئيسة في التأثير بحلفاء الولايات المتحدة وضغط المنافسين؛ ما يجعل الطاقة جزءًا لا يتجزأ من الإستراتيجية الأميركية ويبرز أهمية القطاع في رسم ملامح النفوذ الدولي.

وأكد أن هذه السياسات تعكس فهمًا متطورًا لأهمية الطاقة ضمن منظومة الأمن القومي؛ فالتوسع في الصادرات واستعمال الغاز المسال الأميركي لا يقتصر على الجانب التجاري فقط، بل يتيح لأميركا تحديد مسارات الإمدادات والتأثير في أسواق أوروبا وآسيا بشكل غير مسبوق.

جاءت تلك التصريحات في حلقة من برنامج "أنسيات الطاقة"، قدمها أنس الحجي عبر مساحات منصة التواصل الاجتماعي "إكس" (تويتر سابقًا)، بعنوان: "الطاقة والذكاء الاصطناعي.. رؤية ترمب للهيمنة الأميركية على العالم".

سياسة الهيمنة عبر الطاقة

يشرح أنس الحجي أن التحول من استقلال الطاقة إلى الهيمنة قائم على إدراك أن الولايات المتحدة لا يمكنها الاكتفاء الذاتي الكامل بسبب نوعية النفط المستورد، في حين أصبح الغاز المسال الأميركي أداة محورية تُستَعمل لتوسيع النفوذ في الأسواق الأوروبية والآسيوية.

وأشار إلى أن الإدارة الأميركية الجديدة تراهن على الغاز المسال بوصفه أداة ضغط على الدول المتأثرة بعقوبات روسيا وفنزويلا وإيران؛ ما يعزز قدرة ترمب على فرض سياسات اقتصادية مباشرة وإعادة توجيه تحالفات الطاقة وفق مصالح واشنطن الإستراتيجية.

وأكد أن هذه السياسة تعتمد على دمج أدوات متعددة، مثل العقوبات الاقتصادية والضرائب الجمركية، مع إنتاج وفير من الغاز المسال الأميركي، ما يتيح للإدارة الأميركية تحريك الأسواق والاستفادة من التقلبات الدولية لتحقيق أهداف هيمنة أكثر اتساعًا واستدامة.

الغاز المسال الأميركي

وأضاف أنس الحجي أن استعمال الغاز المسال بهذا الشكل يمثل تغييرًا إستراتيجيًا في مفهوم القوة الأميركية، إذ لم يعد مجرد سلعة تجارية، بل أصبح وسيلة لفرض نفوذ على الحلفاء والمنافسين، مع التحكم في أسعار السوق والقدرة على التأثير في التوزيع الجغرافي للطاقة.

ولفت إلى أن نجاح ترمب في تعزيز صادرات الغاز المسال الأميركي يعكس استمرارية السياسات التي بدأت في عهد أوباما، وأن الإدارة الأميركية ترى في هذا القطاع أداة لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية متزامنة، بما يجعل الهيمنة الأميركية على الطاقة إستراتيجية مستمرة.

ولفت الحجي إلى أن هذه السياسات تشكل نموذجًا جديدًا للهيمنة؛ إذ يتيح الغاز المسال الأميركي لأميركا النفوذ في أسواق بعيدة عن مناطق الإنتاج التقليدية، ويعزز قدرتها على مواجهة أي تهديدات محتملة للسيطرة على الإمدادات الحيوية.

صراع إستراتيجي داخلي حول الغاز

أوضح أنس الحجي أن جذور إستراتيجية الغاز المسال الأميركي تعود إلى عام 2014 في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، إذ استُعمل الإنتاج الأميركي لتقليل اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، مع دعم الشركات الوطنية لتوسيع الصادرات وتطوير البنية التحتية للتصدير بسرعة.

وأضاف أن الفارق بين ترمب والدولة العميقة يكمن في استمرارية السياسات؛ فالأخيرة تضع أطرًا طويلة الأمد يمكن أن تستمر حتى مع تغيّر الرؤساء، في حين ترتبط قرارات ترمب بزمن ولايته، لكنها تحظى بالقدرة نفسها على التأثير في أسواق الغاز المسال الأميركي مؤقتًا.

دونالد ترمب
دونالد ترمب - الصورة من pbs

وأشار أنس الحجي إلى أن استمرار الضغط على أوروبا لشراء الغاز المسال لم يتوقف عند إدارة ترمب، بل استمر مع بايدن، ما يدل على أن هذه السياسة أصبحت جزءًا من النهج المؤسسي الأميركي لتعزيز النفوذ في أسواق الطاقة العالمية.

وأكد أن الغاز المسال الأميركي ليس مجرد منتج تجاري، بل أصبح أداة جيوسياسية متكاملة؛ إذ يمكن من خلالها توجيه السياسات الاقتصادية والضغط على الدول في توقيتات دقيقة، مع مراقبة دقيقة لسلوك المنافسين وتحركات أساطيل الشحن العالمية.

وتابع: "ترمب روّج للغاز المسال الذي تنتجه بلاده بقوة خلال ولايته الأولى، واستمر الضغط في الولاية التالية؛ ما يعكس مدى أهمية هذا الغاز المسال ضمن الإستراتيجية الأميركية الشاملة لتحقيق الهيمنة والتأثير في مسارات السوق العالمية".

وشدد على أن استمرار تطوير البنية التحتية وزيادة طاقات التصدير يجعل الغاز المسال الأميركي أداة إستراتيجية قابلة للتوسع مستقبليًا، بما يضمن استمرار تأثير الولايات المتحدة في سوق الطاقة العالمية بغض النظر عن تغير الإدارات.

حروب يومية في أسواق الغاز

أشار أنس الحجي إلى أن الأسواق العالمية تشهد حروبًا يومية بسبب استعمال الغاز المسال الأميركي بوصفه أداة ضغط، مثل مرور ناقلة روسية محظورة تحمل شحنات من مشروع "أركتيك 2" عبر البحر الأحمر؛ ما يعكس تعقيد المشهد الجيوسياسي واللوجستي في أسواق الغاز العالمية.

وطرح تساؤلًا حول ما إذا كان مرور هذه الناقلة اختبارًا لقدرة ترمب على التعامل مع السفن المحظورة، أو محاولة موسكو لقياس رد فعل البحرية الأميركية، مع العلم أن الظروف الموسمية تؤدي دورًا مهمًا في تحديد مسارات الشحن في فصل الشتاء.

وأضاف أن الطريق الشمالي المتجمد يجبر روسيا على استعمال مسارات بديلة لنقل الغاز، في حين تُعد الناقلتان غير مجهزتين لكسح الجليد، لذلك يصبح عبورهما للبحر الأحمر إجراءً منطقيًا، لكنه يعطي واشنطن فرصة لمواصلة تعزيز نفوذها عبر الغاز المسال الأميركي.

ناقلة كاسحة للجليد تمرّ في طريق البحر الشمالي
ناقلة كاسحة للجليد تمرّ في طريق البحر الشمالي - الصورة من The Barents Observer

ولفت خبير اقتصادات الطاقة إلى أن الصين استقبلت 14 ناقلة محظورة خلال الصيف؛ ما يوضّح تعقيد الممرات البحرية؛ لذا فإن هذا التحول الأميركي يمنح قدرة أكبر على ضبط أسواق الطاقة العالمية واستغلال أي تعطل في الإمدادات الروسية.

وأكد أن هذه التحركات تمنح الولايات المتحدة نفوذًا متزايدًا في الأسواق العالمية؛ إذ يسمح الغاز المسال الأميركي بتحقيق أهداف إستراتيجية من خلال التأثير في الأسعار وتحديد وجهات الشحن، وهو ما يجعل الطاقة أداة حرب ناعمة تتجاوز التجارة التقليدية.

واختتم الحجي بالقول إن "حروب الغاز المسال اليومية" أصبحت جزءًا من الواقع العالمي، وأن استعمال الغاز المسال الأميركي بوصفه أداة سياسية واقتصادية يعكس قدرة واشنطن على الحفاظ على هيمنتها في أسواق الطاقة، ويضمن استمرار النفوذ الأميركي مستقبلًا.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصدر..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق